الأربعاء ٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم إدريس مقبول

في مواجهة التفاهة الثقافية

ماذا في وسع الإنسان أو في مُكنته أن يفعل حين تتناهبه المشكلات التي تتهدد وجوده وتنهش مستقبله، إنها ليست مشكلة واحدة يمكن أن يواجهها برصد موقعها وقوتها ومسقطها من كيانه، ولكن مشكلات الوجود التي نعنيها –ونحن نتحدث عن التفاهة الثقافية-هي من الصنف الذي ينزل بكلكله حتى يأتي على بناء الإنسان وعلى قيامه وقيوميته، أي على وجوده ورسالته ووظائفه، والمصيبة حينئذ تعظم وتعظم حتى تكون كما قال الشاعر العربي قديما:

فما كان قيس هُلْكُه هلك واحد
ولكنه بُنْيَان قوم تَهَدَّمَا

إن الأمر لا يتعلق بهلاك جزئي أو فردي أو قطاعي، إنما هو هلاك يحل بالبنيان كله حين تهوي به ريح التفاهة في مكان سحيق.

هلاك في القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وانطماس لروح المروءة والشرف والإنسانية. هلاك وبوار كلي تجليه الأوضح فقاعات الشعر التي باتت ميتة على ألسنة لاغية وأنفس لاهية، أنفس كما يقول عنها الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي لم تعد قادرة على الاستغناء عن السكر الدائم في فاخر الحانات، وهي في حاجة دائمة للتطفل المستمر على موائد الأحزاب والمافيات الإعلامية،كل ذلك وغيره مما هو دليل قاطع على فقدانهم للقريحة واقتصار إبداعهم على مضغ أغراض سبقوا إليها، فكرروها في عربية عرجاء..على صورة هاذية لا يستحسنها إلا الجاهلون بالعلم والفلسفة والدين والفن.

السقوط والتهدم هما حالتا ما بعد التفاهة، وبمعنى رديف ما بعد الحداثة التي يتغلب فيها التفكك والضياع واللاتواصل.

نحتاج أن نحس إحساس الشاعر وهو يمضغ معنى الحسرة ويديه تنفضان ما بقي من غبار الوجود، وقلبه يعتصر ألما من هول ما ذهب من آثار الإنسان وصار عنده الشهود الحاضن في حكم المفقود.

الإحساس الشعري المهزوم هذا شبيه بحالة الغرق حيث لا مجال للتعلق بأي قشة ولا بأي ظل حتى، حالة يهيمن فيها مزيج من الخوف وقدر كبير من اليأس الإنساني الذي يصارع بقايا إيمان متعال بأن الدنيا مسرح الدنايا أوهي بركة تغرق فيها أحلام الرجال.

الشعر في أصله انهزام بطعم الانتصار، انتصار ومقاومة للطفو على السطح وإصرار على الغرق بعيدا، إنه غرق في اللغة، فلا يكون الشاعر شاعرا حتى يغرق في القعر، ويغرق إلى قعر اللغة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى