الأربعاء ٢٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم جريس فضل دبيات

ابن زريق

(بعد ان خرج ابن زُريق من بغداد إلى الأندلس وجدوا زوجته ميتة وتحت رأسها هذه القصيدة)

يشكو الى الله مُضنى القلب مُوجَعُهُ
سلبتَ منه الهَنا من ذا سيُرجِعُهُ؟
تركته غارقًا في العرس، زينتُه
ثوب الزفاف وفي الحِنّاء اصبعه
كالظبي يرقص زهوًا مُقمِرًا ثمِلاً
بحرُ التهاني وليل الأُنس مرتَعُه
على يديْك رأى دنياه آمنة
وانت تُوكله للدهر يُوقِعه
يا سائلي أن اصون العِرض غَيبتَه
كشفت عرضي،فقل لي كيف امنعه؟
لو سرتَ في الجيش قلتُ:الفتحُ غايته
وحسبُه انّه لله مرجعه
او كنت للعلم تسعى قلت:حجّته
ان الرسول دعا للعلم يرفعه
او كنت تبغي صلاحًا في الورى وهدًى
لقلت:امرٌ كتاب الله يَشرَعه
لكنْ الى السُؤْل ترميني بقافيةٍ
يهون عيش الفتى إن هان مطمعه
أَولى بشعرك مَن أًولاك مُهجتَه
واشرف الرزق ما بالجهد تجمعه
 
يا حاديَ العيسِ خفّف وقع غربته
يومي دعاء وليلي الشوكُ مضجعه
رفيق دربي الذي تصفو مودّته
أُبقيه في القلب مهما شطّ موقعه
ضاقت به الأرض،انّي لست اعذله،
وهاجس البين يُضنيني ويُوجِعه
لو كان باب النوى رزقًا لأوسَعه
لكنّ للرزق ربًّا وهو يُوسِعه
ما عاد في كتب الأمثال من مثل
إلا ذكرت له ما ليس يُقنعه
يريد مني سكوتًا وهو يعرفني
أنّي اودّع عمري لا اودّعه
وان موتي على زنديْه أكرم لي
من كلّ مال الى زنديّ يدفعه
وان كِسرة خبز في معيّته
الذّ من خبز عيسى اذ يوزّعه
يريد مني سكوتًا والمدى ظُلَم
والموت اقرب ما يُخشى تَوَقّعه
يا حادي العيس ردّ الركب علّ يدًا
تردّ للعمر نُسغاً جفّ منبعه
 
يا ناقلا عن ربوع الكرخ خطوته
وأطيب الرزق في عينيْه أسرعه
كالنمل يحمله طيش الجناح الى
ذًُرى الأماني بعيدًا ثمّ يصرعه
في الكرخ صوتك يلقى ردّ سامعه
وفي دروب النوى لا أُذْنَ تسمعه
والأهل كالملح لا تُغنيك عن يدهم
يدُ الوُلاة بما للشعر تصنعه
وصاحب الجاه يَجزي من يُمالقه
وليس يجزي الذي بالحقّ يصدَعه
يا خائب الرأي ما في الأرض ناحية
أعزّ من وطن غالٍ تُضيّعه
إن تغنَ نفس الفتى فالبطن يُصلحه
بعض الفتات وبعض القوت يُشبعه
هنا الفُراتان، فيضُ الخِصب بينهما
يكفيك إن رُحت باسم الله تزرعه
وهذه الأرض كنز انت مالكُه
فكيف تهجره عمدًا وتخلَعه؟
يا شاريَ الوعد اخشى ان يكون غدًا
خُسرًا على غربة كالسمّ تجرعه
 
يا عالِمَ الغيب لا أشكو الى أحد
أضعتُ أمري فمن إلاك يُجمِعه؟
قد كان قلبي دليلي يومَ أسأله
فصار همس سؤالي اليومَ يُجزعه
اليك أشكو فقد أمسيت عاجزةً
أنوء بالحمل، لكنْ لست أرفعه
يا عالم الغيب أضناني الحنين الى
وجه ابن عمّي فقل لي أين موضعه
قل لي وهل يا ترى أحظى برؤيته
يعود لي سالمًا والسّعدُ يتبعه؟
أخشى على العين تَعمَى قبل فرحتها
وبعض لُطفك يُبقيها ويُطلعه
أصون عهدي له حتى يُشيّعني
الى ترابي وأدعو لا أشيّعه
يا عالم الغيب ضاق الصدر واحترقت
بما أُعاني من الويلات أضلعه
ورقّ لي الصبر فيما عشت واجدةً
كأن دمعي الذي أخفيه أدمعه
ما كلّف الله نفسًا فوق طاقتها
ولا لوى وجهه عمّن يُشفّعه

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى