الاثنين ١٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم جوني منصور

إذا الشعب يومًا أراد الحياة

بيت الشعر هذا الذي يتغنى به كل عربي حر وكريم، أطلقه شاعر تونس أبو القاسم الشّابي معبرًا به عن طموح وأماني العرب في التحرر من الاستعمار الذي كان رابضًا فوق صدورهم لزمن طويل. وها هم أبناء الشّابي، أبناء تونس يطلقون صرخة مدوية في سماء وطنهم رافضين الذل والإهانة، مطالبين بحقهم في الحياة الكريمة التي انتزعها نظام زين العابدين بن علي منذ اعتلاءه سدة الحكم في العام 1987.

كان وصول بن علي مؤشرًا لا بأس فيه للسير بتونس نحو مستقبل أفضل، ولكن سرعان ما تبين أنه رافض للتيارات العروبية والإسلامية والليبرالية في تونس. وأكثر من ذلك فإنه حول أجهزة الشرطة والأمن إلى أجهزة خاضعة له ومنفذة لتعليماته وأوامره في ملاحقة دعاة الحرية والمناضلين من أجل الديمقراطية التي اختفت تقريبًا من المشهد التونسي على مدى أكثر من عقدين من الزمن، منذ تولي زين العابدين الحكم.
واختلطت الأوراق السياسية بالشأن الاقتصادي. فالاقتصاد التونسي فقد من مكوناته لصالح عائلات فاسدة ساهمت في بسط يدها مع الرئيس على مقدرات وثروات البلاد. وارتفعت الأسعار استجابة لمطالب أصحاب الشركات والعائلات الفاسدة لجني المزيد من الأرباح والمكاسب، وليرزح بالتالي الشعب التونسي تحت عبء الغلاء الفاحش والمُوجع. وسرعان ما انهارت الطبقة الوسطى الهشّة في أساسها وأصبحت في عداد الطبقة الفقيرة والمسحوقة. أمّا الطبقات المسحوقة والتي تشكل غالبية المجتمع التونسي فتعرضت إلى ضربات اقتصادية مؤلمة للغاية، ومن أبرزها انتشار البطالة وانتشار الغلاء، وتراجع المشاريع التطويرية خاصة في المناطق النائية. وهكذا تكرّست الطبقية المفضوحة، ترافقها سلطة فاسدة ماليًا وإداريًا وسياسيًا، يقف على رأسها زين العابدين.

وبات الشرخ عميقًا بين السلطة وبين الشعب التونسي. ولم يبق أي شيء يخسره الشعب بعد أن فقدت شرائح كثيرة منه لأماكن عملها، ولم يعد بقدرتها تسيير دفة حياتها. وما أغلى الحياة في مثل هذه الحالات. ولكن حياة محمد البوعزيزي كانت أغلى بكثير على الشعب التونسي الأبي. بوعزيزي شاب جامعي متعلم، عاطل عن العمل، ولكنه رفض أن يمد يده مستجديًا. أراد أن يقتات خبز يومه بعرق جبينه، فأخذ يبيع حاجات على عربة متنقلة إلى أن ضبطته البلدية، فلمّا توجه إلى مسؤول فيها لإعادة عربته صفعه على وجهه. كانت هذه الصفعة كافية لتدفع بوعزيزي إلى إحراق نفسه احتجاجًا على البطالة والفقر المدقع ودفاعًا عن كرامته الإنسانية.

وتناقلت وسائل الإعلام التونسية والعالمية مشهد احتراق بوعزيزي ، ولم يسكت الشعب التونسي لأن صوت أبو القاسم الشّابي يتردد صداه في كل ناحية من تونس: إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر

وتحرك التونسيون مطالبين بالتغيير والإصلاح، ولكن الرئيس المتغطرس بحب المال والسلطة رفض الاستجابة لكل مطالبهم، وحاول المناورة، إلا أن الشعب التونسي أصرّ على تصعيد مطالبه بشعار "خبز وماء وزين لا". هذا الشعار سيُسجله التاريخ إلى الأبد.

ولم تفده محاولات التهدئة والوعود الرنانة واقترب الحصار إلى قصره وكانت النتيجة انتصار بوعزيزي الذي يمثل كل الشعب التونسي.

وإذا كان هذا اليوم الذي سيسجله التاريخ العربي بكل فخر واعتزاز يومًا خاصًا في خلع رئيس موبوء، فإن راعية هذا الرئيس وحاميته على مدى سنوات حكمه ـ الولايات المتحدة الامريكية ـ صرّحت بأن ما حصل شأن تونسي وله علاقة بحريته وأنها مستعدة لكل تعاون. لم تبادر هذه الدولة الديمقراطية طيلة الأسابيع الماضية إلى دعم المطالب الإنسانية والحقّة للشعب التونسي. ولما سقط رأس الرئيس خافت على مصالحها وليس على الشعب التونسي. والشعب التونسي والعربي عامة ليس بحاجة إلى من يحافظ عليه.

وانطلقت حناجر وأقلام مؤيدة للحدث ومباركة للشعب التونسي، وهذا شأننا أيضًا، ولكن تعالت أصوات مؤبنة الأنظمة العربية الأخرى. رويدًا يا أخوة، لماذا هذا الهيجان السريع. المسألة تحتاج إلى حراك شعبي وتعبئة قومية من الدرجة الأولى لضمان وقوع ثورات شعبية تؤدي إلى انجاز مركزي في التغيير كما هو حاصل في تونس.

هذه هي تونس الخضراء التي أعادت ثورتها الشعبية الخُضرَةَ إلى الأرض التونسية والأرض العربية. وبالتالي عمّقت مفاهيم عزّة النفس وكرامة الإنسان والتمسك بالحقوق الوطنية ومحاربة ومكافحة الفساد والفاسدين وتأسيس أنظمة ديمقراطية حرة وذات سيادة حقيقية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى