الثلاثاء ٢٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم غزالة الزهراء

ورفع الستار

سيدات متباينات في الأعمار يندلق من سماوات وجوههن رذاذ مكثف من الحيرة الشنعاء الناطقة، والتوهان المحدودب المريع.
في أدغال انتكاساتهن يفتشن عن أشلاء أنفسهن المبعثرة هنا وهناك جراء الزيف والنفاق واللاحب، شابات في عمر الزهور الطازجة تنضح ذواتهن برهافة الحس والجمال الممشوق يسعين جاهدات لتلوين رقعة حياتهن بأمل ناضج خصب، وبمواويل الموشحات المترنمة التي تتخمهن اغتباطا، واستئناسا، وتفاؤلا. كل واحدة منهن تدخر بحذر أشد في صندوق قلبها المغلق أسرارا متشابكة، معقدة كأنها الطلسم المحير.

القاعة الفسيحة الأرجاء تعج بهن عن آخرها، تتدفق جوانبها بالهمسات، والإشارات ، والكلام علنا، دورهن مازال قيد الانتظار، لم تحن لحظته الحاسمة بعد.
لالاﱞ عويشة تتحرك ببطء ملحوظ في غرفتها الضيقة، الباهتة جدرانها، وتستعد استعدادا كاملا لمقابلة زبوناتها اللائي تقاطرن عليها من كل حدب وصوب آملات بأن يعثرن بكل سهولة على دوائهن الناجع، وبأن يتخطين ضبابية صدماتهن التي آلمتهن ببشاعة مطلقة في صميمهن .

قالت إحداهن بعد تنهيدة عميقة تخالها الفحيح: زوجي عربيد متسلط، وحش كاسر لا تخالج ثنايا فؤاده ولو ذرة من الحنان، أو الشفقة، إنه عديم الأخلاق والإنسانية، يتمادى على مدار الأيام في توبيخي، وتجريح مشاعري، وطعن أنوثتي لأدنى سبب ودونما سبب.
نطقت المرأة الجالسة بجانبها: اردعيه بوصفات لالاﱞ عويشة التي تسفر دوما عن نتائج مبهرة لا يكاد يتخيلها عقل، ستلاحظين بعد فترة وجيزة تغيرا جذريا في معاملاته لك، سيصير طائعا،ذليلا من دون شك.
ـــ أتمنى ذلك.
أكدت لها قائلة: لالاﱞ عويشة إنسانة طيبة، وذات خبرة واسعة في هذا المجال، هي الملجأ والملاذ، لا تدعي أشباح اليأس الجارفة تتمكن من النيل منك، ستجدين بين يديها الزكيتين ما تطمحين إليه، وحينها تستردين شعورك الجميل بالحياة.
تكلمت أخرى وهي تتنفس الصعداء: نحن كلنا مغموسات في يم الهموم، لكن لا يجب أن ننهزم من أول جولة، لالاﱞ عويشة ستمد لنا يد العون لانتشالنا من بؤرة حيرتنا وعذابنا، ستكون نجاتنا الأكيدة على يديها المباركتين.
انفجرت أخرى من هناك كأنها القنبلة الناسفة: كفى هذرا أيتها النسوة، أنتن تلقين كامل اللوم على عاتق الرجل، ألم يكن ذلك الرجل صديقك الوفي، ورفيقك المخلص، وحبيبك المؤنس؟ أنسيتن ذلك؟ هو مثلكن تماما يحس ويتألم ويعاني، له قلب ومشاعر، بعض الأزواج ضاقوا ذرعا من العيش مع زوجاتهم لأنهن سليطات الألسن، بشعات الأخلاق، لا يحتملهن جن ولا إنس. ألم يوفر لك يوما بساطا مريحا من الطمأنينة، والود، والوفاء؟ ألم تشعري بهذا مطلقا ولو لحظة من حياتك معه؟ اعترفي على الأقل أمام الملأ بأنه ساندك في محنك ورزاياك؟ وكان أبا شفوقا لفلذات كبدك، اعترفي على الأقل بأنه سكب في أذنيك كلاما طيبا أبهج قلبك بين أضالعه، لم أنت تشحين بالاعتراف بصنيعه الجميل نحوك، و.......

قاطعتها المرأة الموجوعة التي كانت تتشكى من غطرسة زوجها: مادمت تقفين في صف الرجل، وتشدين على يده، وتؤيدينه فلم جئت إلى هذا المكان؟ ألست موجوعة مثلي تماما؟
أجابتها بتحد يلمع في عينيها كالسيف القاطع: جئت لغرض آخر، أما زوجي فهو نعم الزوج، يحترمني ويقدرني مثلما أحترمه وأقدره.

صراخ امرأة في الخارج يدوي كالعاصفة الهوجاء، الهلع حام فوق الرؤوس كالصقور الجائعة، تجمدت الكلمات على الشفاه، وزاغت النظرات خلف التساؤل المريب
اقتحمت المرأة غرفة عويشة صارخة: أيتها القاتلة سأزج بك في غياهب السجن، ماذا فعلت بزوجي؟
ـــ لم أقتل زوجك، لم أقتله.
ـــ قتلته بوصفاتك اللعينة التي منحتني إياها، أنت قاتلة، قاتلة.
تدافعت النسوة والشابات من الغرفة الملعونة هاربات مذعورات لا يلوين على شيء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى