الثلاثاء ٨ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم جوني منصور

حيفا الجديدة تحتفي بعيدها الـ 250

كان لقاء أبناء حيفا يوم الثلاثاء 1 شباط 2011 في مسرح الميدان متميزًا بكونه جمع الماضي بالحاضر ووضع رؤية للنظر إلى مستقبل المدينة حيفا وأهاليها الباقين فيها منذ النكبة في عام 1948. محور اللقاء أو الأمسية إن صحّ التعبير هو إطلاق احتفالية 250 عامًا لحيفا الجديدة التي أقامها الشيخ ظاهر العمر الزيداني في 1761.

وبالرغم مما كان يجري في ميدان التحرير بالقاهرة من احتجاجات الشباب طالبين بإسقاط النظام ونشر الحرية والتحرر فإن مسرح الميدان في حيفا قد عجّ بالطامعين والطامحين في التعرف على حيفا التاريخ والواقع.

غصّ المسرح بالحضور الذين فاق عددهم قدرة المسرح الاستيعابية، ومنهم من تقرفص واتخذ زوايا المسرح ومدرجه للجلوس بهدف التأكيد على الانتماء لهذه المدينة والارتباط بها، والرغبة الجامحة في معرفة التفاصيل التي جعلت حيفا عروس فلسطين والكرمل، وما آلت إليه عبر الزمن.

وكانت أكثر من عشر جمعيات أهلية من حيفا وأربع غيرها قطرية فاعلة على الساحة المحلية الحيفاوية والفلسطينية في الداخل قد شرعت منذ شهر تشرين أول من العام المنصرم في وضع مشروع الاحتفالية للعام 2011. وبعد انجاز كافة تفاصيل المشروع جاء موعد حيفا وأهاليها في هذه الأمسية.

كانت افتتاحية المشروع بمحاضرة حول دور الشيخ ظاهر العمر الزيداني في تأسيس المدينة وتحويلها رويدا رويدا إلى إحدى أهم مدن فلسطين، بما تميزت به من موقع جغرافي استراتيجي هام على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وبما كسبته من دور مع مرور الزمن خاصة في القرن التاسع عشر حينما لمع نجم حيفا في سماء فلسطين وأصبحت متقدمة على شقيقتها عكا الواقعة على بعد عشرين كيلومترًا إلى الشمال منها.
وقدم المحاضرة الدكتور محمود يزبك المتخصص بتاريخ فلسطين في الفترة العثمانية الذي أشار بتفصيل إلى العوامل التي دفعت الشيخ ظاهر إلى نقل موقع حيفا من منطقة تل السمك(إلى الجنوب الغربي لموقعها الحالي) إلى موقع آخر على بعد ثلاثة كيلومترات شرقًا وحوطها بسور وفقًا للأنظمة التي كانت مرعيّة في ذلك الوقت وما كانت تفرضه السلطات العثمانية على مدن امبراطوريتها.

كانت عملية نقل موقع المدينة وتأسيس حيفا الجديدة موفقة بالنسبة للشيخ ظاهر ولأهالي حيفا، حيث توفرت لهم فرصة لاستيعاب المزيد من أعداد السكان خاصة من الوافدين إلى حيفا للعمل في مرافقها التي بدأت تتكون وتزداد كالميناء التجاري الذي قام بدور مهم جدًّا في تصدير منتجات الجليل وعلى وجه الخصوص القطن. فزراعة القطن في مختلف مناطق الجليل نشطت التجارة بين الشيخ ظاهر وبين الدول الاوروبية وخاصة فرنسا وبريطانيا. ووضع الشيخ ظاهر يده على هذا الفرع الزراعي وجعله محورًا لاقتصاد المنطقة. وكان المردود المالي كبيرًا بالنسبة لخزينته.

ومقابل مدخولاته زوّد جيشه بالسلاح والعتاد وأخذ ينافس الدولة، أي أنه نافس سلطانه واستطاع أن يثبت نفسه ويبني شبكة علاقات مع سيده السلطان مؤسّسة على دفع المستحقات من الضرائب. ولكن تبدلت الأحوال بين الطرفين حينما بنى الشيخ ظاهر علاقات سياسية وعسكرية مع قوى خارجية، فما كان من السلطان إلا أن حرّض منافسيه وعلى رأسهم احمد باشا الجزار لتصفية الشيخ ظاهر وإعادة منطقة الجليل إلى سلطته. وفي حقيقة الأمر أن حيفا استفادت من هذه التغيرات إذ أن عكا بعد فترة الجزار شهدت تراجعًا تدريجيًا في مكانتها وفي الوقت ذاته استطاعت الدول الاوروبية ان تنقل مراكز قنصلياتها إلى حيفا. وهكذا بدأت حيفا تشق طريقها نحو الازدهار والرقي.

وبعد هذه المحاضرة جرى حوار بين ثلاثة من المختصين بالشأن الفلسطيني كل من زاويته، فالأديب الأستاذ حنا أبو حنا تطرّق في مداخلته إلى الدور الثقافي الذي لعبته حيفا خلال فترة الانتداب البريطاني ونمو الحركة الثقافية والتعليمية في المدينة واستقطاب عشرات الأدباء من داخل فلسطين ومن خارجها، وخاصة من سوريا ولبنان ومصر.

وقرأ قصائد لشعراء حيفاويين أمثال حسن البحيري وأبو سلمى ووديع البستاني. ثم تلاه الدكتور المؤرخ جوني منصور الذي شدد على دور المدينة الاقتصادي والسياسي خلال فترة الانتداب البريطاني وما ساهمت به المدينة بموقعها ومكانتها وأهاليها في وضع حجر الاساس للحركة الوطنية الفلسطينية، والتي منها أي من حيفا انطلقت الثورة الفلسطينية في أعقاب استشهاد المجاهد عز الدين القسام. وأضاف الدكتور منصور أن حيفا حملت وجهين الأول عربي مشرقي بما هو قائم في مكوناتها الحضارية والفكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ووجه غربي اوروبي بما حملته من مؤثرات غربية كالعادات الحياتية التي زحفت إلى حياة المجتمع العربي الفلسطيني في حيفا، وتقبلها وتعامل معها.

ثم تحدثت الدكتورة منار حسن عن دور حيفا في توفير فضاءات من حياة الترفيه والتسلية لمجتمع متعدد الوجوه والثقافات بفعل بُنية المدينة التي تكونت من العرب واليهود والانجليز والجاليات الاجنبية. وفي ختام الأمسية استعرضت المحامية جمانة همام اغبارية فقرات من البرامج المزمع تنظيمها بمبادرات من لجمعيات منفردة ومجتمعة على مدار العام.

وقدم الدكتور جوني منصور عرضا مصورًا لمئات من الصور التاريخية الخاصة بحيفا على شاشة المسرح أعادت الذكرى بمكانة ودور هذه المدينة في حياة وواقع أهاليها الباقين فيها والذين رحلوا عنها بالقوة والعنف الذي استعملته العصابات العسكرية اليهودية في العام 1948.

وجدير ذكره أن الاعلامية نضال رافع قد تولت عرافة وإدارة الأمسية مستعرضة أهمية هذه الاحتفالية في تدعيم الذاكرة الجمعية وتأكيد التاريخ العربي الفلسطيني للمدينة مقابل نهج تهويد المكان وأسرلة تاريخه وطمس معالمه العربية البارزة من خلال تشويه جغرافية المكان كي لا تبقى له صلة بالماضي ويتحول إلى غريب عن أصحابه الأصليين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى