السبت ٥ آذار (مارس) ٢٠١١

ما الحرية؟

رجاء البقالي

يبدو أننا بحاجة إلى مساءلة مفهوم الحرية مساءلة نقدية وحرة: إن الحرية لا تطلب ولا تعطى. إنها فكر و وجدا ن. أماحين تطلب خارج الذات فإنها تكون قيدا.

إن أساس كل الحريات، التي يطالب بها، بما فيها السياسية، يكمن في الحرية الفكرية الأخلاقية، التي يتحرر بها الإنسان من قيود حب التملك، من الأنانية وحب الذات حتى الهوس وجنون العظمة.

المرأة تعتبر الحرية حقا سلب منها، ما تفتأ تطالب به الرجل، ولكن الرجل يلتمس الحرية أيضا من الرجل. كلنا أخطأنا الطريق، فأسمى معاني الحرية ينبع من الذات، كما أن أبشع صور العبودية يتقوقع داخل الذات أيضا. فما الحاجة إلى الحرية في غياب الإرادة؟ لم نطالب غيرنا بفك قيود حديدية ولا نبدأ بتحرير ذواتنا من ذواتنا؟ كيف يهب الحرية من هو أسير نزعات دون حيوانية ؟

حان الوقت لتعلم الدرس من مدرسة التاريخ الرائعة: مفارقات يعاد إنتاجها، تفرض علينا التوقف ونحن نسائل مفهوم الحرية. أحد زعماء التحرير كما يصف نفسه كشف عن جنون عظمة فاق كل التصورات حين حاول في يأس وانكسارالجبناء تبرير الإستعباد بالتحرير.زعماء حرروا ليستعبدوا. تبادل مواقع الإذلال و الإستغلال، بين مستعمر أتى من الخارج، متفوق عسكريا، سياسيا، اقتصاديا و بالطبع تقنيا، و مستعمر من نفس رحم العروبة و الانتماء إلى الارض.

فما الحرية؟

الحرية بداخلنا منكمشة في إحدى زوايا الذات كما الجنين، تنتظر لحظة المخاض .هي الفكر في طور الكمون .هي الحس الأخلاقي القابعفي قبضة الأنانية . هي الفطرة . إرادة الحياة التي يصارع من أجلها الأحرار ذواتهم.

الحرية حالة وجد و إشراق تتحسس الطريق إلى النور. هي الجراة في قول لا لحب تملك لا حدود له، لشهوات انحرفت عن الفطرة و غرقت في وحل الشذوذ والاغتصاب و العدوان.

الحرية معرفة الذات، مساءلتها باسم كل الديانات و فلسفات الأخلاق. الحرية دليل إنسانية الإنسان، اما العيش تحت وطاة الضرورة الحيوية و من أجلها فهو يسحب لقب الإنسانية من الإنسان و يحرمه حتى من استعارة لقب الحيوانية لباسا، لأن الحيوان فطرة تتكفل الطبيعة بحمايتها، نقية، متناغمة مع قوانين الكون الربانية . حدود مرسومة بعناية، أما الإنسان فهوالاستتناء المبهر، فيه انطوى الكون كله: عقل وغريزة، فطرة و اكتساب، نمطية و ابد اع.
الانسان ضرورة و حرية، و الغريب أننا نسينا أننا الكل وأننا الاستتناء في هذا الكون المحكم بعناية الله . خرقنا القاعدة اللتي رسمتها الأخلاق في الديانات و الفلسفات، متوهمين أنها قيود، و الحقيقة أنها مفاتيح للحرية القابعة في ذواتنا من أهواء الغريزة و انجرافاتها المدمرة من أنانية و حب تملك لا يتوقفان .

الحرية إدن، معرفة الذات، حدس لتناقضاتها، و كشف لامكانات تناغمها اللا نهائية .ألسنا الاستثناء الذي صنعه العقل المفكر؟

لنعرف ذواتنا من أجل أن نكون أحرارا، ولا نلهث وراء حرية يتصدق بها علينا، فمهما منحنا حريات من غيرنا سنبقى عبيدا ما لم نحرر ذواتنا من ذواتنا.

رجاء البقالي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى