الثلاثاء ٨ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم عدلة شداد خشيبون

السّرّ الدّفين

لا أدري كيف ولماذا تركت كلَّ أعمالها المنزليّة، وغادرت تسابق الريح، وكنت أراقبها حين قطعت الشّارع الرئيسيّ في زحمة غير إعتياديّة، وسابقت نظراتي خطواتها، حتى لمحتها تدخل سوق الخضار، أيستحق الخضار وسوقه كل هذه السّرعة أتخاف أن ينفذ في سرعة البرق، وأسعار الخضار ارتبطت اليوم بقيمة اليورو وتركت الدّولار، وبلهفة جمعت أنواع مختلفة ذات اللون الأخضر نقدت البقّال ثمن ما أخذت، وأسلمت سيقانها للريح عائدة.

ودخلت مطبخها وكان هناك شبّاك صغير تعمدت أن أراقبها من خلاله، وباشرت بتقطيع الخضار قطعاً صغيرة قدر المستطاع، وسمعتها تدندن «نعنع يا نعنع أخضر يا نعنع عروسة
حلوة يا ميما بتقطّف نعنع» شاركتها في سرّي دندنتها، حتّى ابتلعتها شهقاتها ولمحتُ إذ ذاك شلال ماء ينزل من مقلتيها. فحدثني شعوري أن أقتحم البيت إن صحّ التّعبير لأتبيّن خطبها، ولكنّي تريثت حتى رأيتها تمسح بخرقةٍ دموعها وتتابع دندنتها وسرعان ما رأيتها تسرع في تقطيع ما تبقى أمامها من الخضار ..

وما أن أنهت حتى رأيتها تُلقي بهم في سلة مهملات كانت بجانبها، استغربت أمرها وما كان منّي إلاّ أن أبحث عن مدخل الباب لأدخل إليها ولكن عبثًا حاولت لأنّها طرقت الباب بسرعة البرق وعادت إلى البقال تشتري الخضار من جديد.

وما أن عادتْ حتى كنتُ قد سبقتها لأختبئ ناحية الباب وكنت قريبة منها أراها ولا تراني وعادت تكرر نفس العملية بدندنتها وتقطيعها السّريع وهمّت برميهم بالقمامة مرّة أخرى حتى وجدتني أمنعها لأسألها أن تعدّ لي التّبولة لأن هذه مكوناتها، ورائحة البصل والنعنع والبقدونس تفوح في أرجاء البيت ، فاعترضت في البداية، ثم وافقت على مضض، وبدأتْ أصابعها الجميلة تغسل الخضار مرة أخرى... ولمحت في زاوية من زوايا البيت صورة طفل صغير، لم يترك الباري جمالاً إلاّ وحباه إياه، ورحت أتأمل الصّورة وإذ بها تحضنني لتجلسني نأكل معًا ألذّ صحن من التّبولة وعندما سألتها سر الخضار وتقطيعه ورميه لم تجب إنما دمعت وابتسمت ودمعت وشهقت لتبقي السّرّ دفينًا دفين...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى