الأربعاء ٣٠ آذار (مارس) ٢٠١١

سيادة الاحواز عـبر التاريخ

يرجع وجود العرب في منطقة حوض كارون (الأحواز) الى زمن تاريخي سحيق يرتبط بتكون الأحواز نفسه. وهم يكوّنون الى يومنا هذا الأغلبية الساحقة المطلقة فيه. والحقيقة الراسخة هي ان عـربستان (الأحـواز) وطن عربي، وان عروبتها لم تكن وليدة ظرف تاريخي طارىء، وانما هي أمر ثابت في اعـماق التاريخ يعود في أصوله الى جذور ماض عريق في عروبته والى طبيعة تكون الأحواز منذ أول نشأته .

والتاريخ القديم يؤكد أن عرب الأحواز ظلوا أسياد ساحل الخليج العربي، وأن الفرس وملوكهم لم يتمكنوا أبدا من التقدم نحو البحر، وأنهم ((تحملوا صابرين على مضض بقاء هذا الساحل ملكا للعرب))،راجع جاكلين بيرين: اكتشاف جزيرة العرب صفحة رقم 166، ولعل خير تعليل يوضح عجز الفرس عن ركوب البحر هو ما جاء به سير بيرسي سايكس أحد المهتمين بدراسة تاريخ فارس،حيث قال:((ليس هناك شيء يوضح تأثير العوامل الطبيعية في ميول الناس وسلوكهم أكثر من النفور والكره اللذين يظهرهما الفرس دائما نحو البحر الذى تفصلهم عنه حواجز جبلية شاهقة)) [1]

ويجمع الباحثون في كتابات الرحالة الجغرافيين الذين جابوا المنطقة وكتبوا عنها على أنه ليس بين هؤلاء الرحالة من ذكر او أشار الى تبعية عربستان (الأحواز) للحكم الفارسي، بل انها كانت عندهم عربية الطبيعة تماما، وانها تعتبر مع القسم الأسفل من بلاد مابين النهرين وحدة جغرافية طبيعية وحضارية شاركت في الماضي في ازدهار الحضارة السومرية والأكدية ثم برزت بعدها سماتها العربية، وترسخ سلطان حكمها العربي حتى جاء النفوذ العربي الاسلامي وامتد عـبر بلاد فارس وتجاوزها . راجع جان جاك بيريبي : الخليج العربي صفحة 98 .

واذا اردنا ان نعرج قليلا على تاريخ الاحواز ما قبل الميلاد نجد ان :

عندما بدأت المياه تنحسر عن الأحواز في الألف الثالث قبل الميلاد. بدأ في استيطانها شعب سامي خضع في بادىء امره لسلطان المملكة الاكدية في العراق. لكن هذا الخضوع لم يتصف بالدوام والاستقرار بسبب ثورات العيلاميين الذين سيطروا على عربستان وغاراتهم المتقطعة على بعض المدن الاكدية. حتى استطاع العيلاميون اكتساح المملكة الاكدية واحتلال عاصمتها أور، وانشأوا المملكة العيلامية التي بسطت سلطانها على الاقوام السامية التي تستوطن عربستان.

وجاء دور البابليين الذين اخضعوا المملكة العيلامية الى سلطانهم فى عهد حمورابي سنة 2094 قبل الميلاد ثم ظهرت الدولة الاشورية التي احتلت عاصمة عربستان تستر سنة 646 قبل الميلاد لكن حكم الاشوريين لعربستان لم يستمر طويلا فقد استطاع الكلدانيون والميديون القضاء على الاشوريين، وخضعت الأحواز للكلدانيين .

وحينما ظهرت المملكة الاخمينية وغزت الأحواز سنة 539 قبل الميلاد لم يغيروا من نظام الحكم في هذا القطر العربي لاستمرار الساميين في التمتع باستقلالهم الذاتي وقوانينهم البابلية. ولم يحاول الاخمينيون فرض ديانتهم الزرادشتية على الأحواز وانما تركوا لسكانه حرية الخضوع لقوانينهم الخاصة .

وخضع الأحواز بعد ذلك لحكم الاسرة السلوقية والبارثية من بعدها.ولما ظهرت الاسرة الساسانية بسطت سيطرتها على عربستان سنة 241 ميلادية. لكنها لم تستطع اخضاع الأحواز اخضاعا تاما بسبب الثورات المستمرة فيه الامر الذي كان يفرض عليها توجيه حملات عسكرية لمواجهة هذه الثورات حتى اقتنعت المملكة الساسانية بصعوبة حكم العرب فسمحت لهم بانشاء امارات تتمتع باستقلال ذاتي.ويذكر شفيق ارشيدات ان عربستان طيلة عهد الساسانيين وحتى أوائل القرن الرابع الميلادي أرض عربية خالصة تربطها بفارس روابط دفاع عسكري وتعاون تجاري .

وكان شعب عربستان في هذه الفترة شعب عربي تحكمه اعرافه وتقاليده العربية وتربطه بالامبراطورية الفارسية سلطة اسمية وولاء رمزي .

كانت كل بلادنا، في هذه الفترة (135 قبل الميلاد - 637 ميلادية) خاضعة لحكم الاغراب البيزنطيين ولم تقم، خلال طول هذه الفترة، دولة مركزية واحدة قوية تمثل سيادتها، وتستعيد حرية اجزائها، فالفرس في الشرق، كل الشرق، بما في ذلك مابين النهرين، الذي سماه الفرس ((ايراه)) فعربناه الى عراق، والروم في الغرب كل الغرب، من شمال غرب انطاكية حتى غزة، على مساحة واسعة تشمل القدس والشام والمناطق الوسطى، جميعا، وكان علينا ان ننتظر الاسلام، وحركة الفتح العربي الاسلامي، ومعركتي القادسية والمدائن، حتى يبدأ تحرير الهلال الخصيب (المشرق العربي) من الاستعمارين الفارسي والبيزنطي، فتحررتا العراق والأحـواز من براثن الاستعمار الفارسي ولحقت الهزيمة النكراء بالجيش الفارسي الساساني سنة 636 ميلادية بقيادة القائد العربي الاسلامي سعد بن ابي وقاص في معركة القادسية الكبرى واستكمل تحرير الأحواز سنة 637 ميلادية، والحقت بولاية البصرة حتى العام 132 هجري، ثم صارت ولاية مستقلة في العهد العباسي (132 هـ - 256 هـ)، وصارت احد المراكز المهمة في تجارة الدولة العباسية المركزية حين اولى العباسيون الأحواز وجنوب العراق اهتماما خاصا .

الدولة العباسية تضعف، وتتهاوى وتقع تحت نفوذ الفرس والترك، وكانت المنطقة، شأن كل مناطق البلاد الاخرى، تتأرجح بين التبعية للدولة المركزية العباسية المتهاوية او تستقل عنها بامارة خاصة، حتى سقوط الخلافة العباسية على ايدي المغول في العام 316 هـ / 1258م .

دولة المشعشعين العربية

ولما ضعف المغول، تحررت الأحواز واستقلت على يد محمد بن فلاح، وهو من ارومة عربية تعود الى الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي تمكن بمساعدة بعض القبائل العربية من تأسيس امارة عربية في الأحواز وكانت عاصمتها مدينة الحويزة سميت بامارة المشعشعين العربية، التي ما لبثت ان اتسعت حتى شملت مناطق واسعة من ارض العراق، حتى بغداد .

وكانت النقود تضرب باسم المشعشعين في مدينة ((تستر)) و (( دسبول - قنطرة القلعة)) وهما مدينتان احوازيتان عام 914 هـ / 1516م. استكملت دولة المشعشعين سيادتها على عربستان كلها وعلى المناطق المجاورة لها، في الوقت الذي لم يكن فيه للفرس اي وجود سياسي، وبقيت فارس طيلة العصور الوسطى مجرد تعبير جغرافي. ولكن في عام 1501م أنشأ اسماعيل الصفوي الدولة الصفوية، وذلك أيام حكم المشعشعين في عربستان، فبدأت عندئذ مرحلة متميزة من مراحل تاريخ المنطقة، اذ ظهر الصفويون كقوة جديدة مقابل قوة العثمانيين، وبدأ بينهما صراع حاد أصبحت فيه عربستان احدى ساحاته . فقد تعرضت عربستان لهجوم فارسي صفوي وتم احتلال مدينتي دزفول وتستر الشماليتين لفترة وجيزة، وعندئذ ظهر مبارك بن عبد المطلب بن بدران الأمير المشعشعي الذي حكم من عام 1588م الى عام 1616م ويعتبر حكمه عصرا ذهبيا لامارته حيث استطاع فرض سيطرته على أنحاء عربستان كلها، وطرد الفرس الغزاة واسترد مدنه الشمالية منهم .

ويذكر الرحالة البرتغالي بيد رو تاسكيرا الذي زار المنطقة عام 1604م أن جميع الاقليم الواقع الى شرق شط العرب كان يؤلف امارة عربية يحكمها مبارك بن عبد المطلب الذي كان مستقلا عن الفرس وعن الاتراك، وان هذا الامير قد دخل في تحالف عسكري مع الدولة البرتغالية التي كانت قد وسعت نفوذها يومئذ في الخليج العربي). [2]

أما الرحالة الايطالي بترو ديلا فالي الذي زار حوض نهر كارون الى مصبه في شط العرب، فقد ذكر ان الشيخ منصور بن عبد المطلب الذي حكم من عام 1634م الى عام 1643م كان يسيطر على شط العرب الى درجة انه لم يسمح لاية سفينة بأن تمر الا بعد ان تدفع ضريبة لوكيله، وأنه كان على اتصال دائم مع حاكم البصرة، كما أنه كان يقاوم بقوة محاولات شاه عباس الاول التدخل في شؤون امارته الداخلية .

كما لاحظنا ان هذه الامارة الأحوازية كانت تتوسط سلطتين كبيرتين تتنازعان السيطرة على الأحـواز هما الفرس، بقيادة الاسرة الصفوية، والعثمانيون، وكان عليها ان تحمي نفسها باستمرار من هاتين الدولتين الطامعتان بالأحـواز، في حروب كثيرة كانت تخرج امارة المشعشعين منها منتصرة .

كان المشعشعون من الشيعة، كما شاهدنا، وكانوا اكثر من هذا، هاشميين، يعود نسبهم الى الامام علي عليه السلام، وكذلك كانت تدعي الاسرة الصفوية التي اسسها الشاه اسماعيل بن صيرر انها ذات نسب هاشمي متصل بالامام علي (ع) نفسه ولكن هذه القرابة المذهبية والعائلية لم تكن حائلا دون تكرار هجمات الصفويين على الاحواز لاحتلالها،بل كانت هذه القرابة تستخدم لغرض الاحتلال،كما كان العثمانيون،من الجانب الاخر، يستخد مون التمايز المذهبي (بوصفهم من السنة ) لتبرير هجماتهم على الامارة الشرقية، واكمال اطباقهم على البلاد العربية .

حكمت امارة المشعشعين الأحواز زهاء خمسمائة عام. واستطاعت دولة المشعشعين الأحوازية ابعاد الأحواز عن النفوذ العثماني والفارسي. وهناك ادلة كثيرة على ذلك فحينما حاول الصفويون احتلال بغداد طلبوا المعونة العسكرية من الدولة المشعشعية على اساس ان الدولة العثمانية عدوتها المذهبية. لكن الامير المشعشعي منصور أجاب الشاه الصفوي ((اذا كان الشاه ملكا على فارس فأنا أيضا ملكا في عربستان ولاقيمة للشاه عندي)). وبعد هزيمة الصفويين وقعت معاهدة 1639م بينهم وبين العثمانيين. واعترفت هاتان الدولتان في هذه المعاهدة باستقلال الدولة المشعشعية فى الأحواز .

وقد خاضت الدولة المشعشعية عدة معارك ضد الفرس كان الانتصار حليفهم فيها. كما انها ضمت البصرة والقرنة اليها فترة من الزمن. وبصورة عامة فانها استطاعت ان تحافظ على استقلال الأحـواز بعيدا عن الفرس والعثمانيين. وقد انتهى حكم الدولة المشعشعية سنة 1724م .

وبعد المشعشعين، توالت على الأحـواز (عربستان)، التي استطاعت اكثر من اية منطقة اخرى ان تصمد للسيطرتين التركية والفارسية، إمارات عدة، وهي :

ـ امارة كعب آل بوناصر (1690م) .

ـ وامارة كعب آل بوكاسب (1832م).

ـ وامارة القواسم.

ـ وامارة المنصور.

ـ وامارة آل علي.

ـ وامارة المرازيق.

ـ وامارة بنو حماد.

ـ وامارة العبادلة

...وهي كلها،كما ترى امارات عربية،امنت استمرار السيادة القومية لقطر الأحـواز (عـربستان)، خلال قرون وعصور ... رغم الاطماع الفارسية الدائمة، والصراع الفارسي العثماني، والتكالب البرتغالي البريطاني على خيرات الأحواز والشرق، وقرصناتهم ودسائسهم السياسية ومكائدهم العسكرية ... حتى سقوط الدولة العثمانية، والاحتلال البريطاني الفرنسي، ومعاهدة سايكس بيكو، وتقسيم المشرق العربي الى دول، واقتطاع اجزاء منه مثل الأحـواز ومنحها للفرس، وفلسطين ومنحها لليهود، وسلخ انطاكية والاسكندرون من سوريا ومنحها للأتراك ... اذ كان الغربيون بحاجة الى الاتراك والفرس واليهود في تمزيق الجسم العربي من خلال هذه المثلث الاستيطاني الجاثم على صدر الامة العربية .

إمارة البوناصر العـربية الـكـعـبية

كانت رئاسة القبائل العربية الكعبية المعروفة في جنوب الأحـواز الى عائلة البوناصر وقد اتخذوا مدينة القبان مقرا ومركزا لامارتهم وكان أعظم رجل منهم تولى الامارة هو الشيخ سلمان بن سلطان الكعبي. وفي عام 1160هـ /1747 م نقل الشيخ سلمان مركز أمارته من مدينة القبان الى مدينة الفلاحية في منطقة الدورق واتخذها مقرا لامارته، أسس امارة البوناصر الشيخ ناصر بن محمد الكعبي وهو أول رئيس معروف لبني كعب في امارة البوناصر حيث سميت هذه الامارة (باسمه امارة البو ناصر) .

حكم امارة البوناصر من ابيهم كل من الاخوة علي ومحمد وعبدالله ورحمة وسرحان اولاد ناصر مؤسس الامارة وكان ذلك من عام 1690م ـ 1722م .

ومن بعدهم تولى الامارة الشيخ فرج الله بن عبدالله الكعبي عام 1722م وحصلت في ايامه حروب دامية بينه وبين القاجاريين (ملوك فارس) وقد حاصرهم محمد حسين خان بجيش قوامه ثلاثون الفا من العجم والاكراد واستطاع رجال كعب ان يفكوا الحصار وفي النهاية انتصر كعب وخسر القاجار .
ويعتبر سلمان بن سلطان بن ناصر من اقوى الامراء العرب الذين حكموا هذه الامارة حيث رأت الامارة في عهده الاصلاح والتقدم والعمران .

فخفر الانهر وشق الترع واقام السدود ونظم الزراعة. كما انشأ الشيخ سلمان الكعبي اسطولا بحريا جاب مياه شط العرب والخليج العربي حيث ارهب اساطيل الانكليز والفرس والعثمانيين .

وفي عام 1747م تمكن الشيخ سلمان من نقل امارته من القبان الى الفلاحية في الدورق بعد قتال عنيف بينه وبين الغزاة الفرس .

كما ان الشيخ سلمان ارهب باشا بغداد في وقته كما اشتبك أسطوله مع الاسطول البريطاني التابع لشركة الهند الشرقية فدحرها واستولى على سفينتين منها - سالي واليخت - وسحبهما الى القبان .

لقد قضى الشيخ سلمان اكثر سنوات حكمه في تركيز دعائم امارته وحماية استقلالها اضافة الى المنجزات العمرانية والاقتصادية التي نفذها في امارته .

وفي عام 1767م توفي الشيخ سلمان، وبعد وفاته تولى الامارة من بعده اولاده واحفاده وكان اخر من تولى هذه الامارة هو الشيخ عبدالله بن عيسى بن غيث بعد وفاة أخيه رحمه بن عيسى بن غيث والذي سار على نهج اخيه في منازعاته مع الشيخ جعفر واستمر الوضع على هذه الحالة حتى عهد الشيخ خزعل اخر واقوى أمراء البوكاسب الذي نازعه على الشيخة الشيخ عبد الحسن بن عبود بن محمد امير الفلاحية الملقب بشيخ المشايخ ولم ينجح حتى توفي .

امارة البوكاسب العـربية الـكـعـبية

بعد ان انتقل البوناصر من مدينة القبان الى الفلاحية في الدورق تخلفت ثلاث اسر كعبية هما النصار، الدريس، البوكاسب. وبقوا قاطنين على ضفاف نهر كارون في جزءه الجنوبي وشط العرب فانقسمت بني كعب الى قسمين قسم منهم في الفلاحية والاخر في جزيرة عبادان ومدينة المحمرة .

ومن نتائج هذا الانقسام تلاشت قوة كعب التي لعبت دورا ايجابيا في حكم امارة الاحواز وفي منطقة الخليج العربي، لكن حل محلها فخذ اخر منها هو قبيلة البوكاسب والتي أسست أمارة المحمرة العربية وكان قيامها هناك ضرورة اقتضتها السيطرة على مدخل نهر كارون الشريان الرئيسي لحياة الامارة الاقتصادية. الذي بدأ الغرب حينئذ يوجه أنظاره اليه لاستغلاله والنفاذ منه الى مشارف الاحواز وماجاورها طمعا في خيراتها وثرواتها الطبيعية .

فكان مرداو عميدا للأسرة الكاسبية التي سكنت ضفاف كارون في مدينة المحمرة والحاج يوسف هو الابن الاكبر لمرداو والذي خلف اياه في رئاسة القبيلة وعلى يده تم عمران مدينة المحمرة عام 1812م والتي شيدت على انقاض المدينة التاريخية ((بيان)) القديمة وقد كان السبب في ازدهار المحمرة ظهور أهميتها الدولية، مما جعل بريطانيا متمثلة بشركة الهند الشرقية تفكر باءد خالها ضمن مناطق نفوذها، كما ثار حول تبعيتها نزاع عثماني فارسي طويل .

يمثل الحاج جابر بن مرداو الذي تولى الرئاسة بعد اخيه يوسف عهدا جديدا في تاريخ الأحواز فهو يعد المؤسس الحقيقي الاول لامارة المحمرة وواضع الحجر الاساسي لكيانها السياسي .

من ابرز ما حدث في المحمرة ايام الحاج جابر بن مرداو هو تعرض المحمرة للهجوم العثماني بقيادة علي رضا عام 1837م الا انه كان هجوما خاطفا لم يغير شيئا من الكيان السياسي للامارة فتألق فيه نجم الحاج جابر بعد ان خرج العثمانيون منها .

فالحاج جابر وابناءه من بعده الشيخ مزعل والشيخ خزعل لم يخضعوا لا للسيادة الفارسية ولا للسيادة العثمانية كما لم يعترفوا بمعاهدة ارضروم الثانية عام1847م، كانت هذه المعاهدة الاستعمارية التوسعية هدفها وضع حد للنزاع الفارسي العثماني وتقسيم الحصص بينهما في الأحواز والعراق، وبذلت عدة محاولات لتسوية هذا النزاع،وكان آخرها عقد مؤتمر في أرضروم بين الدولتين العثمانية والفارسية بتوسط كل من بريطانيا وروسيا القيصرية، وقد تمخض هذا المؤتمر الاستعماري الظالم عن عقد معاهدة مجحفة لا تمثل ارادة شعب الأحواز وتطلعاته نحو الحرية والاستقلال وحقه في تقرير مصيره، بل هي معاهدة بين دول لا تمثل انتمائها التاريخي والاجتماعي والقومي السياسي لتلك الارض العربية، بل هم دول استعمار وغزو واحتلال وظلم وطغيان، فكل ما يصدر عنها باطل وغير شرعي وغير قانوني، لان صادر من لا يملك الحق الشرعي في الأحواز، لانهم غرباء عن تلك الارض العربية ولا يمتون بصلة لها ولشعبها ولا لتاريخها في الماضي والحاضر والمستقبل، انهم دول استعمار وغزو واحتلال، سميت تلك المعاهدة بمعاهدة ارضروم الثانية والتي عقدت في عام 1847م وفضلا عن ذلك فان للمراكب الفارسية حق. وتنص المادة الثانية من المعاهدة الاستعمارية على ان تعترف الحكومة العثمانية بصورة رسمية بسيادة الحكومة الفارسية على مدينة المحمرة ومينائها وجزيرة خضر. بملء الحرية وذلك من مصب شط العرب في البحر الى نقطة اتصال حدود الفريقين)) . . عبادان) والمرسي والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية (أي الضفة اليسرى) من شط العرب التي تحت تصرف عشائر معترف بأنها تابعة لفارس الملاحة في شط العرأما باقي مواد المعاهدة فانها تبحث بوجه عام في قبائل الحدود وشؤون الزوار وأمور الملاحة والتجارة وقد تم التصديق على المعاهدة الظالمة بعد اتصالات سياسية دامت سنين عديدة .[ هذه الفقرة باللون الاحمر يجب اعادة تصحيحها ففيها وردت الجملة معكوسة وفيها اخطاء ... وعليه وجب التنويه] .

ان ما يعنينا من هذه المعاهدة النصوص الخاصة بالأحـواز (عربستان)، ولو تأملنا فيها لبرزت لنا أكثر من ملاحظة عليها :

1ـ قررت المعاهدة مصير شعب ضد ارادته وبدون أن يعطي فرصة للاسهام في تقرير هذا المصير، اذ تفاوضت أطراف غير معنية على منطقة لم تخضع لأي منها في أي وقت مضى، فقد كانت مستقلة تماما عن الحكومة الفارسية باعترافها الرسمي هي نفسها، كما عجز العثمانيون عن تثبيت نفوذهم فيها، ولكن كلا منهما منحت ما لا تملك للأخرى، وبالرغم من ذلك فان الوثائق اللاحقة لهذه المعاهدة تثبت كلها أن عربستان لم تخضع حتى بعد المعاهدة للدولة الفارسية، وأن هذه اكتفت ان عربستان خضعت للدولة الفارسية بولاء رمزي فقط .

2ـ تضم المعاهدة بين أحكامها ونصوصها شروطا غامضة، مما تسبب في استمرار النزاع على عربستان،فقد قسمتها المعاهدة الى منطقتي نفوذ جعلت للدولة الفارسية المنطقة التي (تحت تصرف عشائر معترف بأنها تابعة لفارس) أما ما عداها فتكون تبعيتها للدولة العثمانية. فالتقسيم اذن كان على اساس عشائري قبلي، وكان من الصعب تطبيقه، الأمر الذي دفع الدولة العثمانية بعدئذ الى الاحتجاج عليه بمذكرتها الايضاحية للسفيرين البريطاني والروسي التي طلبت فيها تفسيرا عن كيفية اجراء هذا التقسيم .

3ـ اعتبرت المعاهدة مناطق بني كعب من المناطق المعترف بتبعيتها لفارس، وهذا ادعاء باطل، لأن قبيلة بني كعب لم تتنازل عن سيادة أراضيها لفارس، ولغيرها، في اي يوم من الأيام، كما أنها لا تمت لها بأي صلة قومية او بشرية او ثقافية. ويبدو أن الدولة العثمانية عقدت المعاهدة دون أن يكون لديها اقتناع كاف للتنازل الذي التزمت به بموجبها، وان هذا التنازل كان نتيجة ضغط خارجي من روسيا القيصرية وبريطانيا، أو منهما معا من أجل تحقيق مصالحهما في المنطقة .

4ـ اقتصر تنازل الدولة العثمانية في المعاهدة على مدينة المحمرة ومرساها وجزيرة خضر (عبادان)، ولم يمتد هذا التنازل الى الأجزاء الأخرى من عربستان (الأحـواز). وبالرغم من هذا التنازل فان عربستان ظلت من حيث الواقع مستقلة عن حكومة طهران التوسعية الاستعمارية، ولم يعترف شعب الأحـواز(عربستان) العربي بالمعاهدة وانما اعترضوا بشدة عليها وعلى بنودها على جميع المستويات والاصعدة وبمختلف الوسائل الحضارية والجهادية النضالية وقاوموا تلك الاتفاقية غير الشرعية التقسيمية التوسعية الاستعمارية .

5ـ أخذت فارس نفسها تطعن بالمعاهدة بعد توقيعها وادعت بعدم شرعيتها بحجة أنها كانت مفروضة عليها بالقوة والضغط من قبل روسيا وبريطانيا وأنها قبلتها مكرهة وأن المندوب الفارسي تجاوز صلاحياته عند توقيعها، وأخيرا ان البرلمان الفارسي لم يصدقها .

6ـ كانت المعاهدة من الضعف بحيث جعلت العثمانيين أنفسهم يتعرضون لها بالنقد والرد. فقد وضع درويش باشا عضو لجنة الحدود تقريرا في عام 1852م أورد فيه خلاصة السندات المتعلقة بالمحمرة وما يجاورها، وحذر من بقائها وعبادان تحت السيطرة الفارسية، وجاء ببعض البنود التي تؤكد على أن بساتين النخيل والمقاطعات الزراعية في عربستان كانت تديرها السلطات العثمانية، وأثبتت استقلال الحويزة ونفي خضوعها للسيطرة الفارسية .

وقد لجأ الفرس الى أساليب وطرق غير مباشرة عندما فشلوا في السيطرة على الأحواز (عربستان) على ارض الواقع..حيث أصدر ناصر الدين شاه القاجاري مرسوما شاهنشاهيا يعترف بالاستقلال الذاتي للأحواز (عربستان) ذلك كان في عام 1857م، وبأمارة الحاج جابر عليها ..وقد دامت امارة الحاج جابر على الأحواز اكثر من نصف قرن قضاها في تدعيم استقلاله وبناء كيان امارته السياسي والمحافظة. توفي الحاج جابر عام 1881م بعد ان تجاوز التسعين من عمره فانتقلت الامارة الى ابنه الشيخ مزعل .

لقد تولى أمارة المحمرة الشيخ مزعل بعد وفاة ابيه الحاج جابر بن مرداو وقد نازعه عليها شقيقه الشيخ محمد بن الحاج جابر الا ان الشعب رجحه على اخيه الاكبر والذي سكن البصرة الى ان وافاه أجله هناك .

وكانت علاقة الشيخ مزعل الخارجية مع المنتفك من آل السعدون في العراق متينة جدا حيث التجأوا اليه عندما طاردتهم السلطات العثمانية وبقوا في رعايته في الأحواز مدة تزيد على السنتين..كما ان علاقته بشيوخ الكويت كانت جيدة استمرارا للعلاقة الطيبة بينهم وبين أبيه وكثيرا ما ترددوا اليه في مقره في المحمرة.

واخيرا تمكنت بريطانيا من فتح نهر كارون للملاحة التجارية الدولية بعد ان تمكنت من اقناع الشيخ مزعل بان هذا المشروع سوف يطور المنطقة اقتصاديا وهكذا مخرت بواخر (لنتشي) صاحبة الملاحة في الرافدين - في كارون وبذلك دخلت الأحواز عهدا جديدا في تاريخ العلاقات الدولية تحت اشراف بريطاني مباشر وفي عام 1890م تأسست قنصلية بريطانية لهذا الغرض .

دامت امارة الشيخ مزعل ستة عشر عاما نافسه في اواخرها أخوه الاصغر الشيخ خزعل وقد تمكن بعض الحاشية من أغتياله في عام 1897م عندما كان ينزل الى قصره في الفيلية من قارب صغير يسمى (بلم - كلمة احوازية وعراقية ايضا تعني قارب صغير) بجانب القصر كما قتل معه سبعة عشر رجلا اخر من حاشيته .

تولى رئاسة امارة المحمرة بعد مصرع الشيخ مزعل أخوه الشيخ خزعل (1897م - 1925م)، ويعد الشيخ خزعل من الشخصيات العربية البارزة في تاريخ العرب الحديث، وقد لعب دورا رئيسيا في أحداث منطقة حوض الخليج العربي والأحـواز (عربستان) في الربع الاول من القرن العشرين وقد ساهم مساهمة فعالة في أحداثه واحتل مكانة مرموقة بين امراء الجزيرة العربية وهو لا يقل مكانة عن شخصية الشيخ سلمان بن سلطان الكعبي (1737م - 1767م) الشخصية البارزة التي حكمت امارة الأحواز ابان القرن الثامن عشر .

* الشيخ خزعـل الكعبي أمير امارة الأحواز (امارة عربستان)
مع المعتمد البريطاني في الخليج العربي

وتأتي أهمية الشيخ خزعل من ان امارته شهدت في ايامه أحداثا غاية في الاهمية فقد شهدت :

1ـ تفجر النفط في الأحـواز عام 1908م مما ادى ذلك الى التكالب الفارسي والبريطاني والغربي على مد يد السيطرة عليها واستغلالها وتوسيع النفوذ الاستعماري فيها .

2ـ تبلور المصالح الاجنبية في منطقة الخليج العربي .

3ـ نشوب الحرب العالمية الاولى عام 1914م فكان موقع أمارته الاستراتيجي خطيرا ابانها .

4ـ كما شهدت انهيار الحكم القاجاري في فارس (ايران) وقيام الحكم البهلوي مكانة ذلك الحكم الذي غزا عربستان واحتلها في عام 1925 .

وعندما قررت بريطانيا غزو العراق أبان الحرب العالمية الاولى رأت ان تشمل الى جانبها شيوخ الامارات المحلية القائمة على ضفاف الخليج العربي لتؤمن مواصلاتها عبر الخليج الى الهند فاوعدتهم بتعهدات للمحافظة على اماراتهم واوضاعهم الراهنة وضمان حريتهم واعلانهم شيوخا مستقلين تحت الحماية البريطانية، فرضى أمراء العرب بهذه التعهدات السياسية البريطانية، وحصلت صداقة بين بريطانيا وبين البارزين من الامراء كالشيخ خزعل أمير المحمرة وشيخ الكويت .

ولما اندلعت الحرب العالمية الاولى واصبحت الدولة العثمانية في الجانب المضاد لبريطانيا صدرت الاوامر بأرسال قوات بريطانية الى عبادان وقد اعطيت في حينها مبررات لتلك الحملة منها صيانة النفط في الأحواز من اجل الاستهلاك البريطاني..وقد اشترك الشيخ خزعل مع البريطانيين في الحرب لطرد الاتراك من البصرة وبذلك توفير الامان لامارة الأحواز والتحقت السفن البريطانية الموجودة في نهر كارون بالحملة البريطانية وتم الاتصال بالمحمرة وقد كان الشيخ خزعل في جميع مراحل الاحتلال عونا للأنكليز في حربهم في المنطقة .

كان الشيخ خزعل من جملة المرشحين للملوكية على عرش العراق ولكن رأى الشيخ خزعل ان الدبلوماسية الانكليزية غير متحمسة لترشيحه عندما طلب منه المستر بيل سكرتير الشؤون الشرقية في دار الاعتماد البريطانية في بغداد بالكف عن الخوض في مثل هذا الامر ليفسح المجال أمام الامير فيصل للفوز بالعرش، ومن جهة ثانية لا تريد بريطانيا فوز الشيخ خزعل لان هذا معناه قيام وحدة طبيعية بين الأحـواز والعراق حيث قد يترتب على بريطانيا مشاكل سياسية معقدة، وقد تنازل الشيخ خزعل عن ترشيحه لعرش العراق للأمير فيصل .

وليس بخاف على احد ان شخصية الشيخ خزعل التي انضوت تحت سلطتها قوة العرب في المنطقة تلك القوة التي تمثل تيار القومية العربية التي تعاديها الرجعية الفارسية منذ ازدهار الدولة العربية في الاسلام، لاسيما وان الشيخ خزعل قد بدأ شأنه في الصعود بعد ترشيحه لعرش العراق ودخوله في معاهدات مع بريطانيا واصبحت له مكانه مرموقة في العلاقات الدولية في المنطقة ومقابل هذا أخذ رضا خان يفكر ويخطط كيف يمكنه القضاء على الشيخ خزعل وجاء هذا في مذكرات رضا شاه نفسه عندما يقول ((من الضروري القضاء على أمير عربستان الذي استمر اعوام طويلة يعيش أميرا مستقلا داخل حدود أمارته ويسانده الاجانب مساندة تامة في اعماله وليس لحكومة طهران اي سلطة عليه)) .


[1راجع Sykes, Sir Percy : A History of Persia, Vol, II, pp, 366 .

[2راجع The Travels of Pedro Teikeira, with his <> and Extracts from his << Kings of Persia>>, Hakluyt Society , 1902


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى