الثلاثاء ٢٢ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم زينب خليل عودة

قمة المأساة

رحلت أمهات فلسطينيات وهن يحلمن برؤية أبنائهم الأسرى القابعين في سجون الاحتلال الاسرائيلى

قال عبد الناصر عوني فروانة أسير سابق، وباحث مختص في شؤون الأسرى مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الفلسطينية "إن المئات من الأسرى الأبناء كبروا وهَرِموا وهم قابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي قد فقدوا أمهاتهم اللواتي رحلن بصمت دون وداع يليق بصبرهن وعطاءهن ومكانتهن، وحرموا وللأبد من الاحتفاء بهن والقيام بالواجب تجاههن فى عيد الام الموافق فى 21 آذار وأشار إلى أن آلاف آخرين حرموا من رؤية أمهاتهم، ومُنعوا قسراً من تقديم الهدايا الرمزية لأمهاتهم اللواتي لا زلن على قيد الحياة، (لا) بل ومنعوا من تقديم التهاني والكلمات السعيدة عبر الرسائل والهواتف.

وتابع "أمهات أسرى رحلن دون أن يلقي أبنائهن ولو نظرة الوداع عليهن، وتركن أبنائهن في السجون، خطفهن الموت دون أن يقولن لنا ولهم وداعاً، رحلن عن الحياة بصمت لظروف طبيعية أو جراء القصف الإسرائيلي أو بسبب مرض مزمن وخطير ألم بهن بسبب ممارسات الاحتلال بحقهن وبحق أبنائهن الأسرى وبسبب منعهن من زيارة أبنائهن الأسرى لفترات طويلة.

ويضيف فروانة في مقالته الصادرة اليوم: سنوات وعقود طويلة مضت على اعتقال "الأسرى القدامى"، فكَبر الأبناء الأسرى وهرم البعض منه، ورحلت أمهات عشرات الأسرى القدامى المنتظرات لعودتهم التي لم تتحقق بعد،.. فأي عيد هذا بالنسبة للأسرى الذي يزيد من ألمهم ألماً، ومن حزنهم حزناً، فيضطرون رغماً عنهم استحضار مشاهد طويلة وذكريات جميلة عاشوها مع أمهاتهم، وكلمات سمعوها من أفواههم في طفولتهم وشبابهم.

وهم ليسوا وحدهم الذين يستحضرون أمهاتهم الماجدات، بل ونحن معهم نستحضرهن ونستذكر كلماتهن وصرخاتهن ونعيد للذاكرة مشاهد رؤيتهن أمام بوابات السجون وعلى شبك الزيارات وفي الإعتصامات أمام مقار الصليب الأحمر، وفي المسيرات والفعاليات وهن يحملن صور أبنائهن ويطالبن بحرية أبنائهن الأسرى.

نستحضر مجموعة من أمهات " الأسرى القدامى " اللواتي رحلن دون ان يتحقق حلمهن باحتضان أبنائهن، نستحضر والدة عميد الأسرى نائل البرغوثي من رام الله والمعتقل منذ 33 عاماً، ووالدة الأسير فخري البرغوثي ثاني أقدم أسير، ووالدة الأسير أكرم منصور من قلقيلية ثالث أقدم أسير، ووالدة عميد أسرى القدس الأسير فؤاد الرازم التي تمكنت من زيارته بسجن "أهلي كيدار" للمرة الأخيرة قبل رحيلها عبر سيارة اسعاف حيث كانت ترقد على سرير الموت في غرف العناية المركزة، وكذلك والدة الأسير رزق صلاح من بيت لحم والتي زارت ابنها هي الأخرى في سجن بئر السبع عبر سيارة اسعاف.

نستحضر والدة الأسير سعيد بدارنة من الخليل، ووالدة الأسير صالح دار موسى من رام الله، ووالدة الأسير أحمد كميل من جنين، ووالدة الأسير المقدسي الكفيف علاء البازيان، ووالدة الأسيرين موسى وعايد دوين من بلدة دورا في الخليل.

نستحضر والدة الأسير مؤيد عبد الصمد من طولكرم والمعتقل منذ العام 1987، التي توفيت في يوم الأسير الفلسطيني 17 ابريل عام 2006.

نستحضر من قطاع غزة والدة الأسير غازي النمس، ووالدة الأسير أيمن الفار، ووالدة الأسير محمد حرز، ووالدة الأسير أشرف البلعلوجي، ووالدة الأسير اسماعيل بخيت، ووالدة الأسير عبد الهادي غنيم، ووالدة الأسير فريد القيسي، ووالدة الأسير محمد الفار، ووالدة الأسير محمد السكران ووالدة الأسير روحي مشتهى.

والقائمة هنا تطول وتطول، وبالتأكيد فان الذاكرة لم تسعفنا في استحضار الكل، لكننا نسجل جُل احترامنا وتقديرنا ووفائنا لهن جميعاً ونسأل الله عز وجل أن يسكنهن فسيح جناته وأن يلهم أبنائهن الأسرى وأحبتهن الصبر والسلوان.

"الموت" لم يقتصر على أمهات الأسرى القدامى..

و" الموت " لم يقتصر على أمهات " الأسرى القدامى " وهو مصطلح يُطلق على الأسرى المعتقلين منذ ما قبل العام 1993، بل طال وخطف أمهات وأشقاء وشقيقات وأحبة مئات الأسرى الآخرين، وفي هذا الصدد لا يمكن الحديث عن أمهات أسرى رحلن، دون استحضار " خنساء فلسطين " الحاجة " ربحية القني " أم مازن، من قرية كفر قليل جنوب نابلس، التي تمنت أن ترى أبناءها الخمسة المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي وقد جمع الله شملهم في سجن واحد لتتمكن من زيارتهم معاً، لكن الموت خطفها عام 2009 قبل أن تتحقق أمنيتها.

" أم مازن " الأم التي عاشت لأجل فلسطين وأرضعت أبنائها حليب الثورة وغرست فيهم حب الوطن، فاعتقل الأبناء وتشتتوا ما بين السجون ورحلت الأم قبل أن تكتحل عيناها برؤية أي منهم.

فيما تُعتبر الحاجة المسنة "مريم أبوعطوان" من بلدة دورا غرب الخليل هي آخر من رحلن من أمهات الأسرى، حيث خطفها الموت مساء يوم الخميس الماضي إثر اصابتها بنزيف حاد في الشريان التاجي أثناء ذهابها إلى سجن "ريمون" لزيارة إبنها الأسير منيف أبو عطوان المحكوم بالسجن المؤبد خمس مرات بالإضافة إلى 20 عاماً.

الأسرى يبدعون... في إحياء الذكريات

وبالرغم من غيابهم القسري في سجون الاحتلال، إلا أنهم يبدعون في إحياء الذكريات وابتكار وسائل جديدة لتكريم أمهاتهم من خلال رسم صور ولوحات معبرة وصنع مجسمات صغيرة، أو مدحهن ورثائهن بمجموعة كلمات أو بضعة أبيات من الشعر والقصائد النثرية.

ولعل الأسير " فؤاد الرازم " المعتقل منذ يناير 1981 ويحمل لقب عميد الأسرى المقدسيين، قد اختصر في رسالة له شعور أبناء الأسرى الذين لم يتمكنوا من توديع أمهاتهم ورسم القبلات الأخيرة على جبينهم بسبب السجن وقهر السجان، فيقول: (رحلت أمي من البيت فلمن أعود..؟! من سيعانق الصدر الذي بالشوق أعياه؟! يد من سألثم كل صباح.. ؟! وبحنان من سأرتوي..؟)

وهناك مشاهد مؤلمة وقصص كثيرة لأمهات أسرى لا يزلن على قيد الحياة، وقد حرموا من رؤية أبنائهن الأسرى منذ سنوات طويلة، وممنوعين من زيارتهم تحت حجج أمنية، فـ (لا) زيارات و (لا) تواصل و(لا) لقاءات حتى في لحظات الاحتضار والموت والوداع الأخير.. كل شيء ممنوع... أبناء يتألمون في غياهب السجون، وأمهات يخشون شبح الموت والرحيل قبل أن يعانقوا أبنائهن.. ويرددن دعائهن المشهور " اللهم امنحنا طول العمر لنرى أبناءنا أحراراً وان نضمهم قبل الرحيل ".

نسأل الله أن يمد بأعمارهن وأن يتحقق حلمهن باحتضان أبنائهم ولو لمرة واحدة قبل الرحيل الأبدي وقبل أن يختطفهن القدر والموت المحتم... مع خالص تهانينا لأمهات الأسرى اللواتي لا يزلن على قيد الحياة وكل عام وهن جميعاً بألف خير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى