الأربعاء ٢٣ آذار (مارس) ٢٠١١
ثمن الحرية غال..
بقلم زكية علال

والديمقراطية ليست غدا

بقدر ما أنا فخورة بهذه الثورات الشعبية في الوطن العربي، والتي قادتها الشعوب وانجرت وراءها الأحزاب على غير العادة، فما هو مألوف أن الأحزاب هي التي تقود وراءها الناس لتحقيق مطالب قد لا تعبر بالضرورة عن كل طموحاتهم، وقد تحيد هذه الأحزاب عن مبادئها ومطالبها تحت التهديد أو الإغراء.. وعلى قدر ما أعتز بما حققته هذه الثورات من مكتسبات عجزت الأحزاب – رغم نضالها الطويل – على تحقيقها.. رغم هذا الفخر وهذا الاعتزاز إلا أني أشعر بحزن كبير يسيطر على كامل مشاعري.. فمن خلال تجربتي داخل وطن خاض ثورات عديدة في تاريخه، وسبق الشعوب العربية إلى الشارع.. أعرف مثل هذه الثورات.. فرغم ما تحققه من مكتسبات ، إلا أنها تجعل البلد مفتوحا على كل تدخل من هنا وهناك، وقد تمتد كثير من الأيادي لتحرك الأحداث في صالح أطراف لا علاقة لها بمطالب الشعب ولا بأهداف الثورة..

 أعرف أن مثل هذه الثورات تخلق فوضى في علاقة الناس ببعضهم البعض، وفي علاقتهم بمختلف الإدارات والمصالح، وفوضى في علاقة هذه الإدارات بالمواطن.. فوضى قد تعطل الإنتاج وسير المؤسسات لسنوات، لأن تحقيق مطالب الشعب لن يكون بالأمر الهين الذي يتم تحقيقه بسهولة وبسرعة..

 إن ثورة الشعب تبدو للوهلة الأولى أنها حققت أهدافها بسرعة، خاصة أمام انسحاب الحاكم، وإقالة الحكومة، وتجديد الهرم الحكومي، لكن الهدف الأساسي والجوهري لن يتحقق إلا بعد سنوات وعقود، لأن الحاكم عمّر طويلا، وصنع لنفسه حصونا وأعمدة، وضرب بجذور فساده في أعماق الأرض، ومن الصعب اقتلاع هذا الفساد وهدم الحصون بين ليلة وضحاها، وقد تسقط على رؤوس الكثير من الأبرياء..

 فعندما ثار الشارع الجزائري في أكتوبر 1988 انفتح البلد على كل احتمالات النهوض والسقوط، ودخل في حالة من الفوضى السياسة التي جعلت الأحزاب تتشكل وتتكاثر بشكل ملفت للانتباه.. لا زلت أذكر أن عددها فاق ستين حزبا، إلى درجة أن الرجل مع عائلته يسعى لتكوين حزب يدافع عن مبادئه ورؤاه، ويغني ليلاه بحنجرته التي يرى أنها ذهبية، وان صوته أكثر تعبيرا من أصوات الآخرين.. ولازلت أذكر – أيضا - أننا عشنا لأكثر من عقد من الزمن حالة مربكة فقدنا فيها التوازن والأمن، وأصبح الناس ينامون بعيون مفتوحة ويسافرون بقلوب خائفة من أي حاجز أمني مزيف يجعلهم يعودون إلى أهلهم جثثا منزوعة الرأس أو الأطراف.. وقد يعود خبر مقتلهم دون جثة يوارونها التراب ويقفون عند قبرها يوما .. حالة من الانفلات الأمني ذهب ضحيتها مفكرون ومثقفون وصحفيون وشباب كانوا يتطلعون لحياة أفضل...

لكن ما يؤلمني أكثر أنّ الغرب تجاوز هذه المرحلة منذ عقود طويلة وأرسى قواعد الديمقراطية وأسس لمبدأ التبادل على السلطة، ليتفرغ بعد ذلك للعمل والبحث العلمي، ونحن لا زلنا نحن نحارب حكامنا وملوكنا وأمراءنا، وندفع دماءنا ثمنا لحماقة حاكم رأى في رعيته نعاجا تُساق كما يشاء، ولا تفكر.. ولا ترفع رأسها إلا لترى قائدها وتقتفي أثره المبارك !!

ثمن الرأي والحرية غال جدا.. والديمقراطية ليست غدا.........


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى