الثلاثاء ٢٩ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

الثقة

المشترك الثقافي واللغوي والتاريخي والدّيني لا ينقصنا؛ ولا الأحزاب والدساتير وجمعيات المجتمع المدني والنقابات؛ ولا – كذلك – الرغبة في التغيير في اتجاه واقع سياسي واقتصادي واجتماعي أفضل...

إنّ ما ينقصُنا فعلا هو العامل الذي يتسببُ في تشرذم المجتمع العربي، وظهور الصراعات بين مختلف أطرافه ومكوِّناته، وهو بالأساس (انعدامُ الثقة).

وعندما أتحدّث عن (مبدأ الثقة) فإنّني لا أقصدُ (الثقة في القوانين، أو الحكّام، أو القادة، أو الأرباب...) وإنما أقصد (الثقة في النفس أوّلا وأخيرا).

أن يثق الفردُ مِنّا في نفسه، ليس معناه أن يكون متأكّداً من أنَّ جميع اختياراته صائبة، وموجبة للتدخل القوي من أجل فرضها على الآخرين، وكنز الأموال للظروف الطارئة، وتحصين العائلة أو القبيلة من (داء العوز والحاجة)...

(الثقة في النفس) تعني عندي أن يؤمن الفرد بقدرة الوطن على توفير حاجاته وحمايته من المخاطر، وضمان عيش ومعاش كريمين له.

في المغرب (مثلا) انتشر (وباء العزوف عن السياسة) بسبب تفشّي (داء انعدام الثقة) الذي تسبّبتْ فيه (الحكومة الاشتراكية) عندما عوّل عليها الشعب لكي تنقذه من جحيم (الاستغلال والاحتقار وإسكات الأصوات، والاختيارات الليبرالية المتوحِّشة، والقمع...) فإذا بنفس (الحكومة الاشتراكية) تتخلّى عن (بياناتها وأطروحاتها الإيديولوجية، ووعودها بتحسين ظروف العباد والبلاد...) وتفعل عكس ما (ناضلت) من أجله.

فكيف للمواطن المتوسِّط أن يفهم لماذا انقلبَ العديد من الزعماء (الاشتراكيين) على نفسه وعلى مصلحة الشعب والوطن، ومارس الرشوة والعنف، للظفر بالمقاعد البرلمانية ولركوب بعض الوزارات (؟)

وليست (الحكومة الرأسمالية) أقلّ تشجيعاً لضرب (مبدأ الثقة) لدى المواطنين من شقيقتها (الاشتراكية).

بسبب مثل هذه (الثقة المفقودة)، خرج شبابُ العرب إلى الشوارع، وضحّواْ بأرواحهم لأجل (التغيير)... وأنا أتساءل الآن:(فيم يثق الشباب العربي الثائر؟) و(هل بعد الثقة، سننجو من خطر موت الثقة؟) إذا ما حكمنا شيوخٌ وشبابٌ بطريقة (الوعود) أوّلا، ثم بطريقة (القمع) لاحقاً.
لا شيء مؤكّد عندي لأنّني من (جيل فاقدي الثقة في جميع القيادات العربية)... فكلُّ شيءٍ ممكنٌ حدوثُه في السنوات القادمة: سيُستبدلُ حاكم بحاكم، ودستور بدستور، وقوانين بقوانين، وأوجه كريهة بأوجه، ولجنات بلجنات، ورجال حليقين بآخرين؛ أو العكس، ونساء متبرِّجات بأخريات متحجِّبات، وأحزاب بأخرى، ونقابات بأخرى... ولكنّني (فاقدُ ثقة)... فمن المحتمل جدّاً ألاَّ تكون التغييرات سوى شكلا من (استبدال الألم بالألم) و(تنصيب باغية جديد بدلا من طاغية قديم) و(انتخاب انتهازي جديد عِوض إرهابي قديم) و(استبدال الهُتاف لحياة دكتاتور صغير ضدَّ دكتاتور كبير)...

يجبُ على (مناضلي ثورات الغضب العربي) أن يعواْ هذه المخاوف المعقولة، وأن لا ينجذبواْ إلى (شيطان السلطان) وأن يرفضوا أيّ (استفتاء) ما لم يكن (استفتاءً حول دساتير ضامنة – بالفعل - لحقوق مختلف فئات المجتمع... ولماذا لا يفكّر الشباب العربي في دستور ديباجتُه القوية؛ (تعزيز مبدأ الثقة) و(تقوية مبدأ النزاهة الانتخابية)؟ فلا تغيير في نظري من دون (الثقة).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى