الاثنين ٢٨ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم أنوار الأنوار

من عوالم داليا رافيكوفيتش

ولدت الأديبة والشاعرة داليا رافيكوفيتش عام 1936، في رمات جان. وقبل أن تُتمّ السادسة من عمرها فقدت والدها فانعكس هذا الأمر في كثير من كتاباتها.تابعت دراستها في جامعة القدس وعملت كمعلمة عدة سنوات. نشرت كتاباتها وأشعارها منذ الخمسينيات فتميّزت بالحلم والرومنسية.. لكنها منذ العام 1982 (الحرب على لبنان) نحت منحى سياسيا بارزا في إبداعاتها، التي اصطبغت بصبغة سياسية وإنسانية قوية تماهت مع وجع الشعب الفلسطيني واللبناني، ومع آلامهم الإنسانية. فعُرفت كمناصرة مميزة وبارزة للقضية الفلسطينية ومناهضة للاحتلال وداعية إلى السلام. وقد تعرّضت لهجمة شرسة بعد أن نشرت مونولوجا بلسان شاب فلسطيني في طريقه لعملية انتحارية (تماهيا مع معاناة الشعب الفلسطيني)، فاتّهمت من قِبل الكثيرين (حتى من اليساريين )، بتشجيعها للعمليات التفجيرية.

عُرفت عنها حساسيتها المفرطة، وميولها لحالات الكآبة، وقيل إنها حاولت الانتحار أكثر من مرة، مما اعتُبر دليلا على انتحارها يوم وُجدت في شقتها وقد فارقت الحياة بتاريخ 21-08-2005. رغم أن الكثيرين من أصدقائها رفضوا التسليم بأن موتها كان انتحارا. بعد وفاتها كُتب الكثير عن أدبها في الصحافة الإسرائيلية دون التعمّق في دورها النضالي لدعم السلام.

كتبت داليا رافيكوفيتش القصة القصيرة، والشعر، وقصص الأطفال، كما ترجمت كتبا أخرى إلى العبرية.

فيما يلي بعض من أشعارها.

الرضيع لا يُقتل مرتين
إلى البِرك المراقة.. في صبرا وشاتيلا
حيث نقلتم كمياتٍ من البشر
-كانت تستحقّ الاحترام-
من العالم الحي.. إلى العالم الحق..

******

ليلةً إثر ليلة:

بدايةً.. رصاصاتهم أطلقوا
ثم الضحايا علّقوا
وأخيرا...
ذبحوا بالسكاكين.
نساءٌ مذهولات.. ظهرن مستنجدات
من فوق التلال المعفّرة
"إنهم يذبحوننا هناك..
في شاتيلا !

*****

طرف هلالٍ صغيرٍ تعلّق في فضاء المخيمات
وجنودنا بالنيران.. أضاءوا تلك السماوات...
"إلى مخيم مارش!! عودوا ".. أمر الجندي
النساءَ المستصرخات..من صبرا وشاتيلا
فلديه أوامر لا بد أن يؤديها..
والأطفال.... قد ألقوا هناك
...إلى برك القاذورات
فاغرة أفواههم... ساكنين..
لن يمسهم أحد بسوء
فالرضيع.. لا يُقتل مرتين!
وطرف الهلال اتّسع وامتلأ
غدا بدرا ذهبيا واكتمل
 
*******
أما جنودنا الأعزاء.
فلم تكن لأنفسهم غايةٌ ترام
سوى رغبةٍ جبارة
أن يعودوا إلى البيت بسلام
حكاية العربيّ الذي مات احتراقا
حين التقطت النار جسده.. لم يأتِ ذلك بالتدريج
لم تسبقه نوبةٌ حرارية..
ولا موجةُ دخانٍ خانق
ولا غرفةٌ كجاورةٌ يلوذ بها
أمسكته النار فورا !
ليس لهذا مثيل
قشّرَت ثيابه
تشبّثَت بلحمه..
أعصابُ الجلد أصيبت أولا
والشَّعر غدا طعاماً للنيران
"ربّي.. إني أحترق!!".. قد صرخ!!!
هذا كل ما أمكنه أن يفعل دفاعا عن ذاته.
قد اشتعل اللحمُ مع كُتل السقيفة
تلك التي شكّلت بداية الحريق
لم يعد يملك وعيا..
والنارُ التي اقتاتت على اللحم
أخرسَت إحساسَه بالمستقبل
وبذكريات عائلته.
قد فقدَ ارتباطه بطفولته
فصرخ دون حدودٍ من عقل
وفقدَ ارتباطه بكل عائلته
فلم يطلب انتقاما، ولا خلاصا، ليرى الفجر القادم
لم يطلب سوى التوقف عن الاشتعال
لكن جسده كان قوتاً للحريق..
وبدا مقيَّدا ومكبَّلا.
لكنه لم يفكر حتى في هذا !
عنوةً.. ازداد جسده اشتعالا..
جسده المصنوع من لحم وشحوم وعروق..
اشتعل واشتعل زمنا طويلا
فخرجت من حلقه أصواتٌ لا إنسانية
لأن مهامَّ إنسانيةً كثيرةً قد تعطلت لديه
نزعوا الآلام التي تسوقها الأعصاب
بضرباتِ كهربائيةٍ لمركز الألم في الدماغ…
لكن هذا لم يدم أكثر من يومٍ واحد
كم هو رائعٌ أنّ روحه فارقته في ذاك اليوم
فقد آن له أن يستريح.
1936-2005

الثوب

تعرفين، قالت، حاكوا لك ثوباً من نار
تذكرين كيف احترقت زوجة ياسون بثيابها؟
إنها ميديا، قالت، كل شيء فعلَت لها ميديا
ينبغي لكِ أن تكوني حذرةً، قالت
حاكوا لكِ ثوباً يُنذر كما الرماد،
يشتعل كما الجمر.
سترتدينه؟، قالت، سترتدينه.
هذه ليست ريحاً تصفر.. هذا ليس سمّاً يرشح
حتى أنتِ لستِ أميرة، ماذا ستفعلين لميديا؟
ينبغي عليكِ ان تميّزي بين الأصوات، قالت
إنها ليست الريح تصفر.
هل تذكرين، قلتُ لها، يوم كنتُ في السادسة؟؟
غسلوا رأسي بالشامبو وخرجت هكذا إلى الشارع
رائحة الغسل تبعتني كما غيمة
بعدها مرضتُ من الريح ومن المطر
لم أكن قد خبرت بعدُ قراءةَ التراجيدا اليونانية
إلا أن رائحة العطر انتشرت ومرضتُ كثيرا
الآن أفهم أنه عطرٌ غير طبيعي
ماذا عنكِ، قالت، حاكوا لك ثوباً يشتعل
حاكوا لي ثوباً يشتعل، قلتُ، أعرف
فلمَ إذن تقفين، قالت، عليكِ أن تحذري
ألا تدركين ما يعنيه ثوبٌ مشتعل؟
أعرف، قلتُ، لكن ليس الحذر.
رائحة ذاك العطر تربك وعيي
قلت لها: لا أحد ملزم ٌ أن يوافقني
إنني لا أثق بالتراجيديا اليونانية
لكن الثوب، قالت، الثوب يشتعل ناراً
ماذا تقولين، صرختُ، ماذا تقولين؟
ليس ثمة ثوبٌ عليّ أبدا.. هذه أنا التي أشتعل.

** ميديا: إشارة إلى الاسطورة اليونانية، وانتقام ميديا لغيرتها من هجر ياسون لها وزواجه من أخرى فخاطت للعروس فستاناً ما أن لبسته حتى تحوّل ناراً أحرقتها

المونولوج الذي أثار ضجيجاً في أوساط الإسرائيليين ضد تماهي داليا مع الفلسطينيين وهو تقمّص لحوار داخلي لشاب فلسطيني في طريقه لتفجير حافلة إسرائيلية:

تخبرني الساعة بأن لديّ أقلّ من أربعٍ وعشرين ساعة
لكن هذا لاشيء
أعرف أني سأنام نوماً هادئاً
وإن لم أستطع أن أغفو فلن أغفو
صباحاً سأخرج من بيتي باحثاً عن محطة مريحة
لا يهّمني إن كانت في الشمس او في الظل
ستأتي الحافلات تباعاً، و نفسي أصلاً قاتمةٌ
مالي وما للشمس والظل
كان عليّ أن أبتسم لو فكرتُ كم أبدو كشابّ يهوديّ أنهى خدمته العسكرية
لكن لن تعلو ملامحي أيةُ ابتسامة
صباحاً ربّما أحضّر لنفسي قهوة
فيما الصلاة ستلهمني حياةً أكثر من أيّ طعام.. حياةً لائقةً أعني
لا أفكر حتى في جنة عدن..
حيث يهبط الله من علياء عرشه، ليداعب رأس الشهيد الجديد القادم..
إن كان ثمة ما يترقرق في عروقي
ويعدّل بدقّةٍ نبضات قلبي.. إنما هو يقيني
أنني غداً..وقبل العاشرة صباحاً..
سأمحو الإذلال.. فلا يعود أبداً.
الحزام بحقيبة ظهري غالٍ عليّ كما القرآن المقدس.
إني أقترب من الكينونة.

*** ملاحظة: هذا المونولوج لم أعثر عليه في أيّ من كتب داليا ولا حتى مجموعتها الكاملة، لكن وجدت عدة نسخ في مجلات كانت هذه أكمل الصيغ التي عثرت عليها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى