الاثنين ٢٨ آذار (مارس) ٢٠١١
الناقد الفلسطيني الدكتور محمد عصفور يسلط الأضواء على
بقلم أوس داوود يعقوب

تجربة جبرا إبراهيم جبرا الشعرية

يعد المبدع الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا (1920م – 1994م) علامة مضيئة وفارقة في الإبداع الروائي والثقافي الفلسطيني والثقافة العربية المعاصرة، لاشتغاله في ميادين أكاديمية متعددة الصنائع، فإلى جانب انه كان روائياً وشاعراً، كان مترجماً وناقداً أدبياً وفناناً تشكيلياً. وله نحو ستين كتاباً بين مؤلف ومترجم، في النقد الأدبي، والرواية، والقصة القصيرة، والشعر، والسيرة، والفن التشكيلي.

ومنذ مطلع الثمانينات شكل نتاجه الأدبي في الرواية والقصة والنقد محور اهتمام البحاثة والنقاد الفلسطينيين والعرب، غير أن أحداً من هؤلاء لم يسلط الأضواء على تجربته الشعرية، حتى تاريخ صدور دراسة أعدها الناقد الفلسطيني الدكتور محمد عصفور بعنوان: (نرجس والمرايا.. دراسة لكتابات جبرا إبراهيم جبرا الإبداعية)، صدرت مؤخراً في كتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر "بيروت"، ويقع الكتاب في (294 صفحة من القطع الكبير)، وهو موزع على 19 فصلاً في ثلاثة أقسام.

يعد كتاب الدكتور عصفور أول من تناول تجربة جبرا الشعرية، حيث صدرت حول تجربته الروائية عدة دراسات منها: ("ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية، جبرا وغسان وحبيبي، فاروق وادي، المؤسسة العربية، بيروت، 1981م". و"الأقنعة والمرايا دراسة فن جبرا إبراهيم جبرا الروائي، د.إبراهيم السعافين، دار الشروق، 1996م" و"الفن الروائي عند جبرا إبراهيم جبرا، د. علي عودة، المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي، سلسلة ثقافة وإبداع، 2005م، و "مرايا جبرا إبراهيم جبرا والفنّ الروائيّ"،سمير فوزي حاج، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت، 2005م.)

كما صدرت دراستان حول تجربة جبرا القصصية، هما: ("جبرا إبراهيم جبرا، دراسة في فنه القصصي، علي الفزاع، دار المهد، عمان، 1985م"، و "دراسة نصية لعوالم جبرا إبراهيم جبرا القصصية، سليمان حسين، أطروحة ماجستير، كلية الآداب، جامعة دمشق، 1993م").

كما صدرت للدكتور إبراهيم خليل، دراسة حول (جبرا إبراهيم جبرا، الأديب الناقد، المؤسسة العربية، بيروت، 2001م").

يقول الدكتور عصفور عن كتابه إنه سعى إلى أن ينصف جبرا إبراهيم جبرا الشاعر، دون إغفال جبرا الروائي. مضيفاً أنه وإن اشتهر جبرا الأديب الفلسطيني الراحل في العالم العربي " بوصفه واحداً من ألمع روائيينا، فانه لم ينل حقه في مجال الشعر".

وقد عزا الدكتور محمد عصفور ذلك إلى احتمال أن تكون "قصيدة النثر" التي اعتبر جبرا أحد المبكرين في كتابتها في مسيرتها التاريخية قد أثرت في هذا الأمر. وقال معللاً عدم شهرة جبرا كشاعر بقدر كاف أن ذلك نتج "ربما لأن قصيدة النثر لم تنل من قبول الجماهير ما ناله الشعر الموزون".

ويضيف الدكتور عصفور : " إن الشاعر في جبرا ينقذ الروائي في هذه الروايات المتأخرة. فلغته الشعرية المشحونة تأسرنا ببلاغتها وجمال صياغتها وصورها بحيث تنسينا الظروف التي قادت إلى وضع الشخصيات في مواقف تمكنها من الإسهاب في الحديث عن نفسها، أو التحاور حول موضوع يهم طبقة المثقفين في العادة ".

تناول الكتاب في قسمه الأول، في فصوله الثمانية روايات جبرا، وجاءت عناوين القسم الأول على الشكل التالي : (عرق. صيغة مبكرة من الروايات، والبنية الأسطورية في رواية صراخ في ليل طويل، وصيادون في شارع ضيق، والكينونة الكبيرة في البحث عن وليد مسعود، وعالم بلا خرائط، والمعاني المفتوحة في رواية الغرف الأخرى، وسراب عفان، والبرجوازية المتمردة."

أما القسم الثاني فتألف من ثلاثة فصول هي : "جبرا شاعراً، جبرا إبراهيم جبرا وقصيدة النثر، شعر جبرا السياسي". وتشكل القسم الثالث من "ببليوجرافيا".

وقد تحدث عصفور في المقدمة عن صداقته مع جبرا فقال "لجبرا إبراهيم جبرا مكانة خاصة في نفسي. فقد كان لي أستاذاً ملهماً وصديقاً وفياً. علمني الشعر الانكليزي في كلية الآداب في جامعة بغداد في سنتي الأخيرة فيها وشجعني على كتابة الشعر العربي وعلى الترجمة. وسرعان ما نمت بيننا بعد التخرج صداقة رائعة تبادلنا فيها عندما فرقنا الدهر بعضاً من أجمل الرسائل".

عندما ينقذ الشاعر الروائي

يقول الدكتور عصفور عن الخلاصات التي توصل إليها في بحثه : " إن كان لي أن ألخص النتيجة التي توصلت إليها بعد طول النظر في كتابات جبرا الإبداعية، فهي أن جبرا شاعراً أهم منه روائياً، وإن شعره لم ينل ما يستحقه من العناية والاهتمام بالمقارنة مع ما حظيت به رواياته ".

و أضاف د. عصفور يقول "وأود هنا أن أتعرض إلى مسألة تبرز كثيراً في كتابات جبرا وتقف أحياناً عقبة أمام التقييم الموضوعي لما أنجزه من أعمال ولاسيما الروايات وهي مسألة التداخل بين شخصية البطل وشخصية المؤلف.. فقد لاحظ كثيرون ممن كتبوا عن هذه الروايات هذا التداخل منذ أن نشرت رواية "صيادون في شارع ضيق" بصيغتها الانكليزية أولاً عام (1960م) ثم في ترجمتها العربية بعد ذلك عام (1974م). ولم يكن هو نفسه حريصاً على نفي هذا التداخل أو التشابه وإن كان بوسعه دائما أن يقول : " نعم هناك قدر من التشابه بين أبطال رواياتي وبيني ..." .

ورأى د. عصفور أن جبرا " قد ضحى بالمصداقية الفنية لأبطال رواياته المتأخرة وأن هذه الروايات أخذت تعاني من التهويل اللفظي الذي لا يخدم بناء الشخصيات بناء مقنعاً ".

متابعاً : " كذلك لاحظت أن الشاعر في جبرا ينقذ الروائي في هذه الروايات المتأخرة. فالحبكة الروائية ليست أفضل ما عنده... فلغته الشعرية المشحونة تأسرنا ببلاغتها وجمال صياغتها وصورها بحيث تنسينا الظروف التي قادت إلى وضع الشخصيات في مواقف تمكنها من الإسهاب في الحديث عن نفسها أو التحاور حول موضوع يهم طبقة المثقفين في العادة ".

جبرا .. موسوعة نادرة في رجل واحد

إثر نكبة 1948م وتهجير الفلسطينيين قسراً عن وطنهم، انتخب جبرا بغداد مقاماً له، وعين أستاذاً للأدب الإنجليزي في كلية الآداب جامعة بغداد واستمر في عمله عدة سنوات، ثم سافر إلى الولايات المتحدة والتحق بجامعة هارفارد في زمالة دراسية للنقد الأدبي.

وفي سنة 1954م عاد إلى بغداد وعمل في شركة "نفط العراق" بمنصب إداري بالإضافة لاحتفاظه بعمله كمحاضر بجامعة بغداد حتى 1964م.

تفرغ بعد ذلك للكتابة والإبداع في حقول القصة، والرواية، والشعر، والنقد، والترجمة، والفن التشكيلي. مشاركاً في حركة التجديد في الفكر والإبداع العربي المعاصر.

فكان أن صدر له في مجال الشعر: (تموز في المدينة، 1959م )، و (المدار المغلق- شعر، 1964م)، و (لوعة الشمس - شعر، 1978م)، و (سبع قصائد، 1990م). وقد صدرت أعماله الشعرية الكاملة عن دار الريس ـ بيروت، 1990م.

ومن أعماله الروائية: (صراخ في ليل طويل، 1955م) ، و (السفينة، 1970م) ، و (البحث عن وليد مسعود، 1978م)، و (عالم بلا خرائط 1982م – كتبها بالاشتراك مع الروائي العربي الراحل عبد الرحمن منيف)، و (الغرف الأخرى، 1986م)، و (يوميات سراب عفان، 1991م). وكان قد ألف بعض كتبه باللغة الإنكليزية منها في عام 1960م رواية "Hunters in a narrow street" التي نشرت في السبعينات تحت عنوان (صيادون في شارع ضيق)، وقد قام بنقلها إلى العربية الدكتور محمد عصفور.

كذلك كان جبرا قاصاً، فقد أصدر عام 1956م، مجموعة قصصية عنوانها (عرق وقصص أخرى)، ونشرت أيضاً تحت عنوان (المغنون في الظلال).ط2 مطابع ألف باء، دمشق 1974م.

وله في السيرة ("البئر الأولى"، دار الريس – لندن- 1989م) و ("شارع الأميرات"، المؤسسة العربية، بيروت، 1999م).

ومن كتبه النقدية نذكر: ( "الحرية والطوفان، 1960م" و"الرحلة الثامنة، 1967م" و"النار والجوهر، 1975م" و"ينابيع الرؤيا، 1979م" و"معايشة النمرة وأوراق أخرى، 1992م" و"أقنعة الحقيقة وأقنعة الخيال، 1992م" و"الاكتشاف والدهشة، 1993م" ).

كما أنه عني بالترجمة فنقل عدداً كبيراً من المؤلفات الأدبية الإنكليزية إلى العربية كمسرحيات شكسبير، ومنها ("هاملت"، و"مكبث"، و"عطيل"، و"الملك لير"، و"كريولانس"، و"العاصفة").

وقد نقلت الكثير من أعمال جبرا إلى الإنجليزية، والفرنسية، والأسبانية، والإيطالية، والسلوفاكية، والصربية، وغيرها.

نبذة عن الدكتور محمد عصفور:

ولد د. محمد عصفور عام 1940م في عين غزال/ حيفا. انتقل بعد نكبة فلسطين 1948م إلى بغداد حيث درس وتخرج من قسم اللغة الإنجليزية في جامعة بغداد 1964م، ثم حصل على الماجستير ثم الدكتوراه من جامعة "إنديانا" بالولايات المتحدة الأميركية عام 1973م، عمل في التدريس الجامعي في الأردن والإمارات العربية المتحدة. له مؤلفات عدة نذكر منها : (صورة للإسلام والمسلمين في الأدب الإنجليزي من جونسون إلى بايرون، صدر "باللغة الإنجليزية" انديانا: جامعة انديانا، 1969م)، و(دموع الكبرياء (شعر) عمان: مطابع دار الشعب، 1980م.)، و(البدائية، "ترجمة"، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1983م)، و(مفاهيم نقدية، "ترجمة"، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1987م).


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى