الخميس ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٥
بقلم إدريس ولد القابلة

ملف: المغرب و اليهود و الموساد ـ الحلقة الأولى من 3

المغرب و الموساد

كل التصريحات و كل ما نشر بخصوص العلاقات المغربية الاسرائيلية أجمعت على أنه منذ فجر الستينات القرن الماضي على الأقل تقوت الارتباط بين المغرب و الموساد. إلا أن هذه العلاقات تكرست مع التعاطي لإشكالية هجرة اليهود المغلربة إلى "أرض الميعاد". علما أن تدشين هذه العلاقات كانت عندما كان محمد اوفقير الرجل الثاني بالمملكة.

و يحتضن أرشيف الموساد الكثير من الوثائق و التقارير و الصور رصدت بدقة و بالتفاصيل المملة مسار هذه العلاقات على امتداد تاريخها بداية من فجر خمسينات القرن الماضي .

و قد جاء في مقال بعنوان "الحسن مكن الموساد من إنشاء مكتب بالمغرب" بقلم يوسي ميلمان مراسل جريدة "هاريتس" الاسرائيلية، أن الملك الحسن الثاني يعتبر ثاني رئيس عربي، بعد الملك حسين الأردني، الذي قبل بإحداث قنوات لحل مشكل هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل.
فبعد حادثة غرق الباخرة "ايكوز" التي ذهب ضحيتها 42 يهودي مهجر سري من ضمنهم 16 طفلا في سنة 1961 قبل مبدئيا الملك محمد الخامس فكرة تهجير اليهود المغاربة إلى فلسطين عبر فرنسا. و بعد وفاته وافق الملك الحسن الثاني على توسيع فحوى الاتفاق الاتفاق المبرم مع والده و عيّن وزيره في الداخلية آنذاك و رئيس المخابرات المغربية الجنرال محمد أوفقير كرجل اتصاله مع اسرائيل. و حسب مصادر أجنبية غير إسرائيلية ، لفإن أوفقير نفسه هو الذي اقترح على الملك الحسن الثاني و أقنعه أن يقبل بفتح مكتب للموساد بالمغرب و مقابل ذلك ستوفر المخابرات الاسرائيلية دعما تقنيا و لةجستيكيا و إشراف على تكوين و تدريب مختلف عناصر المخابرات المغربية و إعادة هيكلة مصالحها و مختلف مصالح الأمن الوطني المغربي. كما أن الموساد منحت آنذاك للمغرب معلومات هامة و مهمة عن المعارضين للنظام الملكي المغربي و مختلف الجهات العربية الراغبة في تغيير النظام القائم بالمغرب.

و مع حلول حرب 1973 و بعث التجريدة العسكرية المغربية للجولان تجمدت العلاقات بين المغرب و الموساد و لم تستع حرارتها إلا بعد الحرب، لاسيما في 1976 بعد قيام إسحاق رابين بزيارة سرية خاطفة إلى المغربلمقابلة الملك. و هي الزيارة التي شرفت على تهييئها الموساد التي نظمتها و دبرت كل أمورها. آنذاك زار إسحاق رابين متنكرا على متن الطائرة ملكية خاصة.
و في لقائه مع الملك الحسن الثاني بالقصر الملكي ركز إسحاق رابين على تطوير علاقات تبادل المعلومات و التعاون الأمني و المخابراتي و التمس من الملك القيام بدور فعال لإنجاح إقرار السلام مع الأردن و مصر.
و على بعد سنتين عن الزيارة السرية لرابين للمغرب فاز رئيس حزب الليكود "بيغن" بالانتخابات و خلف رابين في رئاسة الحكومة الاسرائيليى. و آنذاك وصلت العلاقات المغربية الاسرائيلية أوجها. حيث زار إسحاق حوفي ، رئيس الموساد، رفقة دافيد عمار المغرب و قابلا الملك الحسن الثاني بحضور مستشاريه لتنظيم لقاء مع الوزير المصري التهامي.
و بعد هذه الزيارة سافر وزير الخارجية الاسرائيلي آنذاك، موشي دايان، إلى المغرب لمقابلة الملك الحسن الثاني بمعية الوزير المصري التهامي. و خلال هذا اللقاء تم التمهيد و الإعداد لزيارة أنو السادات للقدس و ثم توقيغ اتفاقية كامب ديفيد.

و بعد سنوات استقبل الملك الحسن الثاني بقصره شيمون بيريز سنة 1986 ، و في شتنبر 1993 استقبل الملك إسحاق رابين بعد التوقيع غلى اتفاقية أوسلو.

و سيرورة تقدم مسلسل السلام أعاد الملك الحسن الثاني ربط الأواصر مع الجالية اليهودية المغربية المقيمة بإسرائيل، كما زار العديد من مكثليها المغرب. و سمح الملك لهم بالحصول على جوازات سفر مغربية و إعادة ربط غلاقاتهم بالجالية اليهودية المقيمة بالمغرب. و هذا ما ساهم في تسهيل عقد علاقات تجارية و اقتصادية و سياحية و في القطاع الفلاحي بين البلدين.

و توجت هذه المرحلة بفتح مكتب الاتصال الاسرائيلي بالمغرب و مكتب الاتصال المغربي بتل أبيب.

هجرة اليهود المغاربة إلى "أرض الميعاد"

إن الموجة الأولى لهجرة اليهود المغاربة غلى فلسطين المغتصبة كانت في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي، لاسيما بعد الأحداث التي عرفتها بعض المدن المغربية التي تحتضن الملاح و التي ذهب ضحيتها 40 يهوديا مغربيا.

أما الموجة الثانية للهجرة فكانت في نهاية خمسينات و بداية ستينات القرن الماضي.

و في واقع الأمر لم يتوجه كل اليهود الذين غادروا المغرب إلى فلسطين، و إنما العديد منهم شككوا في الحلم الصهيوني و فضلوا الاستقرار إما بفرنسا أو الولايات المتحدة أو كندا..

و إذا كان المغرب قد غض الطرف قبل الاستقلال عن هجرة اليهود إلى "أرض الميعاد" ، فإن الأمر قد تغير بعد الإعلان عن الاستقلال السياسيفمن 1956 إلى 1961 أضحت هجرة اليهود المغاربة بمثابة ورقة تجارية قابلة للتفاوض بصددها قصد تثمينها لاسيما و أن دهاقنة الصهيونية كانوا يعتمدون كثيرا على يهود منطقة المغرب العربي لتعمير فلسطين المغتصبة. و فعلا فقد ارتفعت قيمة تلك الورقة التجارية بفعل جملة من الأحداث التي طبعت تلك المرحلة، و من ضمنها زيارة ولي العهد آنذاك ( الملك الحسن الثاني) و الذي كان يقوم مقام الوزير الأول بفعل الأمر الواقع، إلى القاهرة و التقائه بالرئيس المصري جمال عبد الناصر. كما تزامنت هذه الزيارة مع توقيف الخدمة البريدية بين المغرب و إسرائيل الشيء الذي أقلق جدا الدولة العبرية. و بذلك أضحى بالنسبة لدهاقنة الصهيونية آنذاك من أولوية الأولويات التفكير في وسيلة سريعة لتهريب اليهود المغاربة إلى إسرائيل و لو بدون موافقة القصر الملكي. و كانت آخر محاولة قامت بها إسرائيل قبل اعتماد هذا الحل أنها كلفت الناشر الفرنسي "روني جوليار" بتنظيم لقاء يوم 2 دجنبر 1959 بين قنصل إسرائيل بباريس " مردخاي شنورسون" و سفير المغرب بباريس ، عبد اللطيف بنجلون. إلا أن هذا اللقاء لم يسفر على أي نتيجة. و هذا ما دفع الاسرائيليين في التفكير في سبل أخرى لتهريب اليهود المغاربة إلى إسرائيل سرا.

آنذاك، كما يقر بذلك أكثر من مصدر كانت المبادرة من ولي العهد (الملك الحسن الثاني) الذي إلتقى في سرية تامة مع مبعوث منظمة المؤتمر اليهودي العالمي "ألكساندر إيستيرمان". آنذاك إشكالية انعكاسات هجرة اليهود المغاربة دفعة واحدة ، و ما قد تحدثه من أضرار على الاقتصاد المحلي. بل و حتى إن لم يسمح بالهجرة إلا لبعضهم فإ ن الآخرين سيتبعونهم لا محالة وبذلك تكون الانعكاسات هي هي. و في نهاية المطاف حصل الاتفاق المبدئي على قبول هجرة اليهود المغاربة مقابل تعويض مالي للأضرار التي ستحدثها للإقتصاد ، و هذا ما كان.

إلا أن رأي الملك محمد الخامس كان مخالفا لهذا الرأي الشيء الذي فسره ولي العهد (الملك الحسن الثاني) حسب ما كتبه "إبستيرمان" في تقريره حول النازلة و الذي جاء فيه أن ولي العهد (الماك الحسن الثاني) قال له "...إنه [ إي الملك محمد الخامس] لا يقكر مثلكم و مثلي... إننا "غربيين" لكنه مغاير لنا، لا يفكر في الأمر من زاوية "كارتيزية" [ أي نسبة لديكارت ، عقلانية]" هذا ما دونه مبعوث المؤتمر اليهودي العالمي في تقريره بخصوص لقائه مع ولي العهد.

و في رأي الأغلبيى الساحقة للمحللين أن العلاقة بين المغرب و الموساد بدأت تتوطد مع قبول التعاطي بوضوح مع إشكالية هجرة اليهود المغاربة، أي منذ السنوات الأولى للاستقلال. و آنذاك كانت إسرائيل مجبرة على تكثيف هجرة يهود دول المغرب العربي في اتجاه إسرائيل بأي ثمن. كما كانت تسعى إلى ربط علاقات مع البلدان حديثة العهد بالاستقلال لاسيما غير المنحازة منها، و المغرب في نظر الصهاينة كان البلد الأمثل في هذا الصدد.

و تقول "أنييس بنسيمون" في كتابها " الحسن الثاني و اليهود" أن أهم محطة سجلت فيها الموساد تقوية علاقاتها بالمغرب كانت في فبراير 1960 عندما قدمت معلومات دقيقة بخصوص مؤامرة تحاك ضد ولي العهد. في حين يعتقد الباحث الاسرائيلي " إيجال بن نون" أن إنطلاقة العلاقة الفعلية بين الموساد و المغرب كانت سنة 1963.

نشأة العلاقة بين المغرب و الموساد حسب مصادر إسرائيلية

حسب المصادر الاسرائيلية كانت البداية بالاتصال بأحد أصدقاء الجنرال محمد أوفقير و هو إميل بنحمو الذي كلفته الموساد بتنظيم لقاء مع الجنرال. و كان أول لقاء في غضون شهر فبراير 1963 بمقر إقامة إميل بنحمو بالعاصمة الفرنسية باريس ، و جمع بين صاحب الدار و الجنرال محمد أوفقير و يعقوب كاروز؟. و من هنا كانت الانطلاقة و تكرست العلاقة دون انقطاع و استمرت حتى بعد تصفية أوفقير.

و قد ذكرت عدة جهات إسرائيليى أن رئيس الموساد آنذاك "ايسيل هاريل" دأب على زيارة المغرب بكثرة فيما بين 1958 و 1960 . و كانت زيارته الأولى خلال هذه الفترة في بداية شهر سبتمبر1958 حيث كان الغرض منها البحث على توفير ظروف تسمح بإبرام اتفاق بين إسرائيل و القصر الملكي بخصوص هجرة اليهود المغاربة. و بعد ذلك قام كل من الجنرال محمد أوفقير و أحمد الدليمي بزيارة أولى إلى تل أبيب كما أن سياسيين و ضباط ساميس إيرائيليين قدموا إلى المغرب في تلك الفترة بالذات.

و حسب المصادر الاسرائيلية، ما كان يهم المغاربة بالأساس آنذاك من علا قاتهم مع الموساد ، هي معلومات بخصوص دول و جهات عربية تكن العداء للملكية و تسعى لتنحيتها من المغرب بجميع الوسائل الممكنة. و قالت تلك المصادر أنها أفادت القصر الملكي بهذا الخصوص كثيرا.

كما أن ذات المصادر أشارت إلى دعم إسرائيل للقصر إبان حرب الرمال مع الجزائر و زودت الجيش المغربي بعدد من المصفحات. كما أن ضباط من "تساهال" و الموساد قاموا بالإشراف على تدريب الجيش المغربي و مصالح الكاب 1 و مصالح الأمن الوطني و دبوا إعادة هيكلتها.

و تقول المصادر الاسرائيلية، رغم بالرغم من أن المغرب أرسل تجريدة عسكرية إلى الجولان فإن الملك الحسن الثاني ظلب يقوم بدور الوسيط بين الدول العربية و الدولة العبرية.
كما أشارت تلك المصادر الاسرائيلية إلى الدعم التقني و اللوجيستيكي الذي قدمته إسرائيل للمغرب في استرتيجته المرتبطة بحرب الصحراء لاسيما فيما ارتبط بجدار الدفاع و قد استمدت دعمها للمغرب من خبرتها بخصوص خط برليف بسيناء.
هكذا ترى المصادر الإسرائيلية نشأة العلاقة بين المغرب و الموساد و تطورها.

ميكيافيلية علاقة الموساد بدول المغرب العربي نظرة بعين إسرائيلية

تعرض هذه الورقة لأهم مضامين كتاب "إسرائيل و بلاد المغرب: في التطبيع و ميكيافيلية الدولة الوطنية في المغرب العربي"
فبالرغم من استمرار الصراع العربي الاسرائيلي فإن طوله الكرونولوجي قد سمح ليس فقط بتجميع و تراكم كم أرشيفي هائل بل أيضا بمرور الزمن الكافي لرفع السرية عن عدد هام من الوثائق التي كشفت عن حقائق لم تكن معروفة من قبل . و باستثناء الأرشيف الحكومي العربي و الذي عموما لا يحوي على كل حال على تسجيل لكل الوقائع، و الذي لا يتضمن تراتيب واضحة تضبط المدة اللازمة لرفع السرية عن الوثائق الحساسة كما هو معمول به في الدول الغربية الديمقراطية، فإن باقي مراكز الأرشيف الدولية قد بدأت منذ حقبة ثمانينات و خاصة تسعينات القرن الماضي برفع الحجر عن مصادر هامة تساعد على الـتأريخ أو على أقل تقدير توفير حد أدنى من المعطيات التي لم يكن ممكنا في السابق الاطلاع عليها و هو ما يتعلق خاصة بالفترة الأكثر التصاقا بالراهن السياسي العربي أي مرحلة النصف قرن الماضي من حياة الدول القطرية العربية.

و إذا كان الموضوع لا يزال في حاجة الى تحيين ضروري على المستوى العربي عامة فإن منطقة المغرب العربي بفعل بعدها الظاهري عن المجال الجغرافي الأكثر سخونة للصراع العربي الاسرائيلي قد بقيت متوارية ضمن تلك الصورة، تقبع خلف "اللاعبين الاقليميين الرئيسيين" و هو ما يجعلها تحتاج بالتأكيد الى إهتمام أكبر. فهل كانت هذه المنطقة فعلا متوارية سياسيا و استراتيجيا بفعل تواريها الجغرافي أم أن دورها كان حاضرا بقوة رغم بعدها المكاني؟ هذا ما أراد الكتاب الجواب عليه اعتمادا على فحوى من الوثائق و المستندات التي كانت بالأمس القريب تعد من أسرار الدولة.

و بالرغم من كل ما يمكن أن يمثله إنتماء مؤلفه الإسرائيلي و رؤيته الصهيونية في الأساس من حدود بديهية ربما قد تقلل من الشروط الموضوعية للبحث الأكاديمي التاريخي، فإنه من زاوية ما يمكن أن يوفره من معطيات إخبارية يمكن أن تلقي ضوءا كاشفا على بعض الأحداث المعروفة أو ضوءا جديدا يكشف عن أحداث لم تكن معروفة تفاصيلها سابقا.

و في هذا الاطار يتوفر الكتاب على معطيات أكثر من كافية تساعد على التوصل الى ثلاث أفكار أساسية. أولا يدفع الى الكف عن النظر الى الأقطار المغاربية على أنها مستنكفة عن الخوض في موضوع الصراع العربي الاسرائيلي، مستغرقة في محيطها الاقليمي أو غير مبالية بما يحدث في بؤرة الصراع العربي الاسرائيلي . و ثانيا يحث على التوقف عن النظر الى الأنظمة الحاكمة من زوايا قيمية و إطلاقية من قبيل أنها إما "وطنية" ووفية" ( الجزائر ليبيا) و إما "عميلة" و "خائنة" (و هي التهم التي ما تُثار عادة في علاقة بالنظامين المغربي و التونسي). حيث تقدم الوثائق الأرشيفية الجديدة الخام (و هي وصفية في أغلبها و ليس تحليلية) صورة أكثر واقعية تقرب الهوة بين هذه الأنظمة و توضح طبيعتها الميكيافيلية و التي تشكل نقطتها المشتركة البديهية بدون استثناء. و ثالثا، و في المقابل، توضح الكثير من المعطيات أن عددا من الشعارات القومية و الوطنية كانت بالتأكيد و لا تزال صحيحة و لا تعبر عن أوهام أو تحليلات تآمرية، و خاصة تلك المتعلقة بتقييم السياسة الاسرائيلية التي تعتمد التطبيع لـ"تخريب"، كما جاء بشكل صريح في أحد الوثائق الاسرائيلية المعنونة بـ "جهود الوحدة العربية".

و قد تخصص مؤلف الكتاب و هو المؤرخ و أستاذ جامعي (المتحدر من عائلة يهودية مغربية) مايكل لاسكيار منذ بداية ثمانينات القرن الماضي في كتابة البحوث حول موضوع محدد: العلاقات بين "بلاد المغرب" (تونس و الجزائر و المغرب) و إسرائيل. و من الممكن إعتبار باكورة بحوثه كتابه الذي صدر في سنة 2004 عن دار النشر التابعة لجامعة ولاية فلوريدا و المعنون بـ "إسرائيل و بلاد المغرب: من إقامة الدولة الى أوسلو. و من المؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التعرض الى هذا الموضوع. فبخلاف التقارير الصحفية التي تظهر في بعض المنعطفات السياسية توجد بحوث ذات طابع أكاديمي مماثل لمقالات و لأبحاث لاسكيار و يتعلق الأمر على سبيل المثال بأعمال المؤرخ الاسرائيلي يعقوب أبادي الذي نشر في أواسط التسعينات مقالات مهمة عن علاقة الأقطار المغاربية بإسرائيل.

و لكن تتميز أعمال لاسكيار بتفردها من حيث الاعتماد على وثائق من الأرشيف السري الاسرائيلي تم رفع السرية عنها تدريجيا و ذلك منذ بداية التسعينات عندما بدأ في تأليف كتابه و الذي نشره في الواقع بشكل متقطع في مؤلفاته السابقة و في عدد من الدوريات الدولية و خاصة في الولايات المتحدة منذ سنة 2000 و من ضمنها نشرية ميدل ايست ريفيو اوف انترناشيونال أفيرز، الدورية الأمريكية المتخصصة في الشأن السياسي العربي الاسلامي و التي يشرف عليها اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة.

و بالاضافة الى وثائق سرية سابقا محفوظة في الولايات المتحدة و فرنسا تتمثل أهم مصادر لاسكيار في مجموعة من الوثائق السرية المحفوظة إما في مراكز الأرشيف الرسمية الاسرائيلية مثل أرشيف وزارة الخارجية أو في مراكز أرشيفية تابعة أساسا لمنظمات غير حكومية مثل "الارشيف المركزي الصهيوني" في القدس المحتلة و هي تتعلق أساسا بوثائق ترجع للفترة القائمة بين خمسينات و بداية سبعينات القرن الماضي و صادرة إما عن مؤسسات اسرائيلية رسمية مثل وزارة الخارجية الاسرائيلية او مؤسسات مرتبطة باسرائيل مثل "المؤتمر اليهودي العالمي". كما اعتمد الكاتب ضمن مصادره على تقارير لشخصيات رئيسية شاركت في أحداث تتعلق بالفترة الزمنية الخاصة بالوثائق سابقة الذكر، و يتعلق الأمر مثلا بتقارير كتبها ألكس ايسترمان مدير المكتب السياسي لـ "الموتمر اليهودي العالمي" المتركز في لندن عن حوارات و مقابلات أجراها مع مسؤولين مغاربة من بينهم الوزير الأول مبارك البكاي سنة 1956 في باريس و تونسيين ، الرئيس بورقيبة و وزير الخارجية بورقيبة الابن سنة 1966 في تونس.

و قد قسم المؤلف كتابه الى سبعة فصول يعالج فيها أربعة إشكاليات أساسية أشار اليها في المقدمة، و تتمثل في : أولا، مختلف الانعكاسات السياسية الناتجة عن وقائع أساسية مثل هجرة اليهود المغاربيين الى إسرائيل و الصراع العربي الاسرائيلي. ثانيا، الانخراط الاسرائيلي في الأوضاع الداخلية لبلاد المغرب. ثالثا، "الدور الريادي" الذي قام به قادة مغاربيون لإيجاد حل سلمي للصراع العربي الاسرائيلي. رابعا، أهمية دور الأقلية اليهودية المغاربية (و خاصة في المغرب الأقصى) في توفير قنوات اتصال سرية بين إسرائيل و أقطار المغرب.

...ففي سنة 1965 صرح وزير الخارجية الاسرائيلي ليفي أشكو، في خطاب بالكنيست ما يلي: "احفضوا نصيحتي: لا تعلقوا أهمية زائدة على ما يسمى بالقادة العرب المعتدلين". فآنذاك كانت الشكوك الاسرائيلية تجاه ما يُقدم الان على أنهم قادة "معتدلين" أو "متعاونين" مع اسرائيل قوية، و يشمل ذلك بالنسبة لبلاد المغرب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة و العاهل المغربي الحسن الثاني. و من أهم أسباب التشاؤم الاسرائيلي تجاه هؤلاء حرصهم الكبير على عدم التورط العلني في أي علاقة بإسرائيل بالرغم من استعدادهم لعقد لقاءات على أعلى مستوى بالمسؤولين الاسرائيليين. و هكذا، فأمام المطلب الاسرائيلي المستمر بالكشف عن هذه العلاقات الخلفية فإن تونس و المغرب حرصتا بشكل فائق و بإلحاح شديد على الطابع السري لأي علاقة بالدولة العبرية. لقد كان هناك توافق تونسي مغربي ، و في غلب الظن بشكل عفوي ، على هذه السياسة و التي ميزت التطورات اللاحقة و الراهنة حيث يحرص كل منهما على اتباع نفس التوجه و القاضي بالامتناع عن اتخاذ أية خطوات تبدو مخالفة للإجماع العربيالرسمي، و لا يتوقف ذلك على مرحلة المد القومي بل يتعداه للمرحلة الراهنة. و وبالضبط ،ضمن هذا الاطار وجب فهم تصريح أشكول أعلاه. فإذا كانت أهم الفوائد السياسية لتلك اللقاءات من وجهة النظر الاسرائيلية تكمن تحديدا في "كسر حصار" دول الطوق فان تلك الفائدة لم تتحقق عمليا لأنها ببساطة غير مرئية و ظل متستر عنها. حيث أن ما يكفل حقا كسر الطوق الأثر الإعلامي بالذات لمثل تلك اللقاءات و ليس حدوثها في السرية التامة فحسب.

و هكذا ، وحتى في مراحل التقارب و الحوار المباشر حرص المسؤولون المغاربة على إبقاء أي محادثات مع الاسرائيليين طي الكتمان. و علي سبيل المثال أكد الوزير الأول لمغربي البكاي في لقائه مع ايسترمان سنة 1956 ،و الذي خصص لترتيب لقاء بين الملك محمد الخامس و السفير الاسرائيلي في فرنسا، على السرية المطلقة لأية محادثات تجري بين الطرفين. و هو ما حدث كذلك في أول لقاء للحسن الثاني عندما كان وليا للعهد في سنة 1960 ، حيث التقى في الرباط بوفد إسرائيلي لمناقشة مسألة تهجير اليهود المغاربة الى إسرائيل. و قد افتتح اللقاء بتحذير شديد من أن أي تسريب لخبر اللقاء مما سيدفعه لاتخاذ قرار بالامتناع الكلي عن أي لقاء في المستقبل. كما اضطر ايسترمان للبقاء حبيس غرفته في أحد فنادق العاصمة التونسية في زيارة سنة 1966 دعاه إليها الرئيس بورقيبة حيث ماطله الرئيس قبل لقائه في سرية مطلقة حيث تم تكرار رغبة الرئيس التونسي في الحفاظ على المحادثات في إطار من السرية الكاملة و هو ما اضطر ايسترمان لتقديم ضمانات واضحة في هذا الشأن. و هكذا كان حال التقارب المخفي كذلك بين الطرفين منذ بدايته أي منذ بداية الخمسينات. و بشكل عام كان ذلك التقارب شديد الخفاء حتى يفعل أثره المتوخى من طرف إسرائيل.

و من جهة أخرى تخللت حالات التقارب تلك حالات من الصراع الصريح. و تجسد ذلك مثلا في الحالة المغربية في إطار تأثيرات النشاط الصهيوني في المغرب الأقصى من أجل تهجير اليهود المغاربة الى إسرائيل و هو ما ميز خاصة المرحلة الفاصلة بين سنتي 1956 و 1961. حيث عارض المخزن بما في ذلك الحكومة الجديدة بكل تنوعاتها السياسية بكل قوة سياسة التهجير الاسرائيلية و ذلك لعدة أسباب منها عدم الظهور بمظهر الخارج عن الاجماع العربي المعارض لهجرة اليهود العرب الى إسرائيل، و لكن أيضا و بالأساس، الحرص على الابقاء على رؤوس الأموال اليهودية ضمن الدورة الاقتصادية المغربية خاصة في تلك المرحلة المبكرة من الاستقلال. و فشلت في هذا الاطار المحادثات التي وقعت بين عبد الرحمان بوعبيد نائب الوزير الأول المغربي و ايسترمان في المغرب سنة 1959 عندما حاولت منظمة المؤتمر اليهودي العالمي أن تتحكم في عملية التهجير و الضغط على الحكومة المغربية لمنح جوازات سفر لليهود المغاربة للذهاب الى إسرائيل. و قد التقت مختلف الحساسيات السياسية ضمن حزب الاستقلال (المهدي بن بركة و علال الفاسي) و ذلك بدعم من مؤسسة المخزن في رفض التدخل الاسرائيلي السافر و اتخاذ إجراءات مشددة لمحاصرة محاولات الحركة الصهيونية للقيام بعمليات تهجير غير مشروعة. و هكذا كان الموقف شديد الغموض يتراوح بين الاستعداد للتحادث و اللقاء ،و بالتالي عدم استعداء الطرف الاسرائيلي بشكل مطلق، مقابل الامتناع عن قبول المطالب الاسرائيلية و ذلك استجابة للموقف العربي الرسمي المشترك و لكن أيضا لأسباب داخلية خاصة بمصالح الدولة القطرية أساسا.

و في المقابل كانت الثورة الجزائرية و دولة الاستقلال الناشئة عنها في حالة تعارض كبير مع إسرائيل خارجة في الأغلب عن الخيار الجزائري. حيث دخل الاسرائيليون في تحالف استراتيجي مع فرنسا (في إطار ظروف العدوان الثلاثي و انعكاساته) جعلهم ليس في موقع دعم سياسي فحسب للجهود الفرنسية لقمع الحرب الشعبية المتصاعدة بل أيضا في موقع التورط العسكري المباشر حيث تشير الوثائق الى اتفاق فرنسي اسرائيلي يتعهد بموجبه الاسرائيليون بالانخراط في الجهود الاستخبارية في أوروبا لاعتراض عمليات تهريب السلاح للثوار الجزائريين مقابل توزيد الفرنسيين للدولة العبرية بأحدث الدبابات و الطائرات الفرنسية. و تعمقت أسباب الصراع الجزائري الاسرائيلي عندما اكتشف الجزائريون أنه خلال الأشهر القليلة التي سبقت تسلمهم السلطة (أي قبيل يوليو 1962) قام الفرنسيون و بمشاركة إسرائيلية مباشرة بعملية تهجير واسعة ليهود مدينة غرداية و هو ما انضاف على الدلائل السابقة للتنسيق المباشر بين الفرنسيين و الاسرائيليين في سياسة التهجير هذه حيث سبق لجبهة التحرير أن اعتقلت و أعدمت مبعوثين اسرائيليين مشرفين على عمليات التهجير سنة 1958. و لكن حتى في الحالة الجزائرية لم يكن ، رغم هذا الصراع ، غياب أية قنوات اتصال بين الطرفين. فحتى خلال الثورة كان يوجد جناح مستعد للتوافق مع الاسرائيليين و هو ما عبر عنه قيادي جبهة التحرير فرحات عباس في خطابه في الأمم المتحدة سنة 1957 عندما رحب بهجرة اليهود الجزائريين الى إسرائيل. غير أن أحد أهم الشخصيات المثيرة للجدل في علاقته بقنوات مبكرة بين الاسرائيليين و قيادات جبهة التحرير كانت من خلال عبد الرزاق عبد القادر أحد حفداء الأمير عبد القادر و أحد ممثلي التيار اليساري في صفوف الجبهة، و الذي التحق بصفوف الجبهة سنة 1954 بعد ان تزوج اسرائيلية (من أصل بولوني، من اليسار الاسرائيلي ) و أقام معها في أحد المستوطنات الاسرائيلية. و قد شغل في فترة أولى منصب تمثيل الجبهة في ألمانيا الغربية و سويسرا و هي الفترة التي نشر فيها مؤلفا دعى فيه بوضوح لتركيز الجبهة على دعم العلاقة مع إسرائيل عوض التعويل على البعد العربي للثورة. و قد أرسى عبد القادر أولى الاتصالات المباشرة بين بعض قيادات الجبهة و المسؤولين الاسرائيليين و ذلك في ربيع سنة 1962. و لكن كان من الواضح أن هذا التيار كان ضعيفا حيث تعرض عبد القادر الى السجن سنة 1963 ثم النفي سنة 1964 . للإشارة فإن عبد القادر هذا توفي في التسعينات في إسرائيل بعد أن أصبحت له هوية و اسم إسرائيليين.
و كانت مرحلة التأسيس للدولة القطرية المدخل الرئيسي للطرف الاسرائيلي الى منطقة المغرب. حيث كان هناك استعداد متبادل للتوافق على دعم اسرائيلي لمطلب الاستقلال الوطني مقابل التعهد بالمساهمة في الدفع عربيا نحو الاعتراف باسرائيل و تسهيل الهجرة اليهودية. و قد برزت هذه الرؤية حتى ضمن صفوف الثورة الجزائرية بالرغم من كل أسباب الصراع. فقد لعبت لجنة من اليسار الاسرائيلي لدعم "جزائر حرة" دورا مهما في خلق قنوات مبكرة مع بعض الناشطين الجزائريين في أوروبا. و قد تدعمت هذه الاتصالات مع اليسار الاسرائيلي من خلال اللقاءات التي قامت بها الحكومة الجزائرية المؤقتة (ممثلة في أشخاص الوزراء بلقاسم كريم و محمد يزيد) و المتمركزة في تونس مع بعض وجوه هذا التيار و المتمحورة حول المطالب الجزائرية من إسرائيل للتخلي عن دعم الموقف الفرنسي. و تجلى الدخول الاسرائيلي الى الجزائر خلال دولة الاستقلال من خلال المعارضة في ظل دعم حكومتي بن بلا و بومدين للمقاومة الفلسطينية. حيث تكشف الوثائق في هذا الاطار تورط بلقاسم كريم ،عندما كان يقود تنظيما معارضا من المغرب في الستينات ، في علاقات مع الأجهزة الاستخبارية الاسرائيلية.

و من المرجح أن للرئيس الحبيب بورقيبة دورا هاما في هذه المبادرات حيث تذكر بالاتصالات التونسية الاسرائيلية الاولى في نيويورك بداية الخمسينات و ذلك في اتجاه كسب دعم اسرائيلي لمطلب الاستقلال .قد بدأت هذه الاتصالات تحديدا منذ 25 يونيو1952 من خلال لقاء أحد ممثلي الحزب الحر الدستوري الجديد الباهي الادغم في نيويورك بممثل اسرائيل في الامم المتحدة انذاك و التي قام خلالها المبعوث التونسي بـ"طلب الدعم الاسرائيلي" لمطلب الاستقلال التونسي، كما اكد الباهي الادغم في نفس اللقاء ان حزب الدستور لم يكن وراء الهجمات "المعادية لليهود" في تونس انذاك. و بشكل متزامن دعى بورقيبة في حوار مع صحيفة لوموند الفرنسية في صيف 1952 الى ضرورة قيام الاطراف العربية بتسوية سياسية مع اسرائيل. و اكد نفس الرؤية حين وجوده بالمنفي ضمن المجال الفرنسي سنة 1954 في لقاء مع ايسترمان. و من المثير ان الطرف الاسرائيلي –اكثر ربما من الطرف التونسي— كان مترددا في إعلان هذه العلاقات لتجنب إغضاب سلطات الاحتلال الفرنسي. و تأتي في هذا الاطار اللقاءات بين أحمد بن صالح زعيم المنظمة النقابية التونسية و أحد قادة حزب الدستور مع زعيم الهستدروت الاسرائيلي كوهين- في إطار اجتماعات المنظمة النقابية الدولية ، حيث طلب المسؤول التونسي دعم المنظمة النقابية الاسرائيلية المطلب التونسي بتنظيم مؤتمر المنظمة لسنة 1957 في تونس مقابل السماح بمشاركة وفد اسرائيلي في المؤتمر.

و المثير في الأمر أنه في الوقت الذي كان فيه بعض الوطنيين التونسيين مستعدين لتجاهل الظرف القومي المميز بالصراع مع إسرائيل أملا في دعم إسرائيلي للاستقلال الوطني كان الاسرائيليون يحظون بعلاقة مميزة مع الفرنسيين جعلتهم يتمتعون بتسهيلات كبيرة داخل تونس يصعب التفكير أنهم كانوا على استعداد للمساعدة على تعريضها لمخاطرة انتقال السلطة في تونس لتيار وطني يعبر عن السكان العرب للبلاد. و من أهم ما تكشفه الوثائق الاسرائيلية الشبكة الواسعة داخل تونس لفرع التهجير التابع للموساد الاسرائيلي و التي كانت تنشط (بعلم السلطات الاستعمارية الفرنسية) على شكل واسع خاصة في الفترة الممتدة بين 1949 و 1956. و قد قام فرع الموساد هذا بتنظيم عملية تهجير حوالي 6200 يهودي الى إسرائيل خلال تلك الفترة. و لكن إضافة الى ذلك تجاوزت مهمات الاستخبارات الاسرائيلية في تونس مسألة التهجير حيث بادرت الى تنظيم خلايا مسلحة للـ "الدفاع الذاتي" (تخوفا من "العنف المتأتي من تصاعد الحركة الوطنية") في الأحياء اليهودية خاصة في مدينة تونس و جزيرة جربة و لكن أيضا في بقية المدن التونسية مثل قابس و صفاقس و هذا ما حصل كذلك بالجزائر و بالمغرب. و تواصل وجود هذه الخلايا حتى بعد الاستقلال سنة 1956 و كانت تحت إشراف ضباط من الموساد تم إرسالهم خصيصا من إسرائيل. و بعد سنة 1955 توسعت هذه الشبكة لتشمل بقية أقطار المغرب و خاصة المغرب الأقصى و أصبح ضابط الموساد المشرف عليها يقود أنشطتها من باريس.

و قد شهدت العلاقات الإسرائيلية المغربية قبل الاستقلال وضعا مختلفا بعض الشيء عما حدث في الجانب التونسي. حيث لم يسع الوطنيون المغاربة الى إقامة أي شكل من الاتصالات قبل ضمان الاستقلال. في المقابل كان الاسرئيليون يتمتعون بتغطية فرنسية لعملية التهجير الواسعة ليهود المغرب و الذين كانوا أكثر عدد من يهود تونس. و حسب الوثائق الاسرائيلية فقد قام الموساد بتنظيم هجرة حوالي 90 ألف يهودي الى إسرائيل عبر فرنسا بين سنتي 1949 و 1956. و قد انعكست العلاقة القوية بين الاستعمار الفرنسي في المغرب و الاسرائيليين من خلال تصريحات ممثل اسرائيل في الولايات المتحدة و التي كانت تدعو لعدم تدخل الامم المتحدة في الشأن المغربي لأنه "شأن فرنسي داخلي" و ذلك في ظرفية حاولت فيها الحركة الوطنية المغربية اختراق المسرح الدولي للضغط على الفرنسيين.
و لكن بعد سنة 1956 سيصبح منطق العلاقة مع إسرائيل قائما على رؤية قيادات الاستقلال الجديدة في تونس و المغرب لأهمية الدور الاسرائيلي في خدمة بناء الدولة القطرية الناشئة بالخصوص مسألة البناء الاقتصادي من خلال البحث عن دعم المؤسسات المالية الدولية، و هو ما تزامن مع رؤية اختارت الابتعاد عن التجربةالاشتراكية التي عمت عددا من الأقطار العربية. و ببالنسبة لتونس يأتي في هذا الاطار لقاء مهم جدا بالنسبة لصياغة رؤية بورقيبة للسياسة الخارجية التي يجب ان تلعبها تونس في المستقبل و هي على ابواب إنهاء الاحتلال العسكري الفرنسي. ففي شهر فبراير 1956 و خلال المفاوضات الدائرة في فرنسا حول الاستقلال ، التقى بورقيبة بالسفير الاسرائيلي بباريس ياكوف تسور و بعد سماعه ملاحظات عديدة لبورقيبة تتلخص في "كرهه" لعبد الناصر و سياسته في المنطقة, نصح السفير الاسرائيلي بورقيبة النصيحة التالية: ان عليه "ضمان دعم اليهود الامريكيين للحصول على دعم اقتصادي امريكي.
و بالاضافة الى التعاون الاقتصادي المباشر بين الحكومتين و الذي انطلق بشكل فعلي مع لقاء السفير الاسرائيلي تسور في 3 اكتوبر 1956 مع وزير المالية التونسي، فإن اهم ثمار هذه العلاقة خاصة بالنسبة لتطوير العلاقات التونسية الامريكية كان مع حلول منتصف الستينات. ففي ماي 1965، أي بعد اقل من شهرين من خطاب اريحا الشهير و جولة بورقيبة المثيرة في المشرق العربي في مارس 1965، سافر بورقيبة الابن و الذي كان وزير الخارجية التونسي و حامل اسرار ابيه انذاك الى واشنطن في زيارة هدفها طلب الدعم المالي الامريكي. و استجابة لطلبه فقد طلبت وزارة الخارجية الامريكية من اسرائيل التوسط للجانب التونسي مع حكومتي فرنسا و المانيا الغربية للحصول على دعم مالي يقدر ب20 مليون دولار، كما طلب الامريكيون في نفس الاطار من اسرائيل شراء الخمور التونسية. و تلاحظ الوثائق الاسرائيلية في هذا الاطار ان موافقتها على الاستجابة للمطالب الامريكية كان في اطار املها ان تساهم الحكومة التونسية في تشجيع حكومات عربية "معتدلة" اخرى من اجل "إفشال أو تخريب الجهود المصرية و السورية للوحدة العربية". و خلال نفس الفترة أقام الطرفان خلية اتصال دائمة من خلال سفيريهما في باريس: السفير التونسي محمد المصمودي و السفير الاسرائيلي والتر ايتان و ذلك بحضور الموساد الاسرائيلي. كما التقى المصمودي مرة على الاقل بوزير الخارجية الاسرائيلي انذاك ابا ايبان و ذلك بمنزل البارون دي روتشيلد.

بالاضافة الى وجود قناة اتصال اخرى من خلال ايسترمان و الذي كانت له علاقة قديمة ببورقيبة. و من اهم النقاط التي يمكن التأكيد عليها في علاقة بالنقاشات التي تمت عبر قنوات الاتصال هذه ،الطلب التونسي من خلال محمد المصمودي في لقاء يوم 4 اكتوبر 1966 مع ايسترمان لدعم اليهود في الغرب لتونس ماليا و اقتصاديا عموما، و ذلك لتجنب علاقة مباشرة و مكشوفة بين الطرفين و هو الامر الممكن التحقيق جهارا في حالة الاعتماد على يهود يحملون جنسيات اخرى غير الجنسية الاسرائيلية.
و بالنسبة للحالة المغربية فقد اتخذت العلاقة بعدا أكبر بكثير بعد الاستقلال تجاوز التنسيق الدولي ليصبح فيه الدور الاسرائيلي في المعادلة السياسية الداخلية للمغرب أكبر من أي قطر مغربي اخر. و تجسد الدور الاسرائيلي في قضية اغتيال المهدي بن بركة ، و هذه العلاقة الخاصة جعلت من الاسرائيليين منخرطين مباشرة في مسألة الصراع على السلطة في المغرب من خلال محاولة دعم المعارضة المغربية في مرحلة أولى ثم العمل على التخلص منها في مرحلة لاحقة. و لعل من أهم المساهمات الوثائقية لكتاب لاسكيار هي ما كشف عنه في علاقة بهذا الموضوع و الذي تثبت بلا مجال فيه للشك الدور الكبير الذي لعبه الموساد الاسرائيلي ليس في اغتيال بن بركة فحسب بل أيضا في إقامة شبكة مشتركة مع الاجهزة الامنية المغربية لمراقبة أنشطة المعارضة المغربية على امتداد القارة الأوروبية. و تشير هذه الوثائق الى مرور علاقة الاسرائيليين ببن بركة منذ تمركزه في منفاه الباريسي بمرحلتين. المرحلة أولى اتسمت باستعداد للقاء و التحاور و هو ما تجسد في لقاء بن بركة بممثل سامي إسرائيلي و كان حسب الوثائق ضابطا كبير في الموساد) و ذلك في شهر مارس1960 حيث طالب الاسرائيليون على وجه الخصوص باستعادة الاتصالات البريدية بين إسرائيل و المغرب في ظل الحكومة التي كان يسطر عليها أنصار بن برك(حكومة عبد الله إبراهيم). كما كان اجتماع في شهر أبريلمن نفس السنة بإيسترمان و الذي ينقل في تقريره تصريح بن بركة حول استعداد الاتحاد الوطني تفكيك السلطة عبر الضغط السلمي و استعداده لإقامة علاقات سلمية مع الدولة العبرية. و تمضي الوثائق الاسرائيلية في الكشف عن علاقة تجاوزت مجرد اللقاء و التشاور حيث تذكر تقديم "المؤتمر اليهودي العالمي" في شهر يوليو 1960 لدعم مالي لبن بركة بقيمة ألف دولار. و قد قام الاسرائيليون في هذه المرحلة باللعب على حبلي المعارضة و السلطة حيث تشير الوثائق الى سماح وزير الخارجية الاسرائيلي لإيسترمان بالذهاب في غشت 1960 الى الرباط للقاء ولي العهد المغربي و رئيس الحكومة انذاك الحسن الثاني حيث قدم له نفس قائمة المطالب الاسرائيلية التي تم عرضها على بن بركة في اجتماع مارس. و يبدو أن هذه السياسة الاسرائيلية المزدوجة أثرت على أي امكانية لانحياز اسرائيلي واضح لأي من الطرفين و هو ما يبدو ما أدى الى قرار بن بركة التخلي عن هذه العلاقة خاصة في ظل الدعم المتزايد الذي بدأ يلمسه من قبل الحكومة الجزائرية. و في المقابل تطورت العلاقة بين المخزن المغربي و الاسرائيليين خلال الستينات خاصة من خلال رجال أعمال مؤثرين في الساحة الدولية بالاضافة الى الأثرياء من اليهود المغاربة و هو ما كان منسجما مع طموحات العاهل المغربي لإقامة علاقات قوية مع الأوساط المالية الدولية. و قد تطورت العلاقات الأمنية بشكل متسارع بعد قيام الموساد بإشعار المقربين من ولي العهد انذاك الحسن الثاني في ديسمبر من سنة 1959 بتحضير المعارضة المغربية لمؤامرة ضده.

و يبدو أن علاقة الموساد بالجنرال أوفقير قد توثقت منذ تلك اللحظة حيث تشير الوثائق الاسرائيلية الى مساعدته لشبكة الموساد في المغرب على استمرار عملية تهجير اليهود المغاربة. و لكن نقطة التحول الدرامية في هذا التحالف الأمني/المخابراتي غير المسبوق عربيا حدثت حسب الوثائق الاسرائيلية في أواسط سنة 1963 عندما قام الجنرال أوفقير بالاتفاق مع الموساد على الاشراف على تدريب و تمرين أعوان و ضباط مغاربة من قبل ضباط إسرائيليين. و في فترة قريبة من ذلك و لكن غير محددة حسب هذه الوثائق ذهب الملك الحسن الثاني الى حد القبول بوجود مكتب دائم للموساد على الأراضي المغربية و قد أشرف هذا المكتب على الحفاظ على علاقة مستمرة بين الاسرائيليين و المخزن و قام مثلا بترتيب زيارة اسحاق رابين للمغرب سنة 1976 . كما قام المكتب بتنسيق الدعم العسكري الذي قدمه الاسرائيليون للمغرب خلال المواجهات مع الجيش الجزائري سنة 1963. و عموما فإنه ضمن هذه المعادلة بالذات شاركت المخابرات الاسرائيلية في عملية إغتيال المهدي بن بركة و التي لم تكن إلا نقطة في بحر من التنسيق الوثيق بين الطرفين.

غير أنه مقابل كل ذلك لم يتوان العاهل المغربي أمام ارسال تجريدة عسكرية مغربية الى الجولان بسوريا للمشاركة في حرب أكتوبر و هو ما أدى الى أزمة حقيقية مع الاسرائيليين. كما أنه لم يخاطر بإبرام أي اتفاق للسلام بعيدا عن الاجماع العربي بعد كامب ديفيد و التي ساهم في التوصل اليها من خلال استضافته لأولى الاتصالات المصرية الاسرائيلية. و هكذا كانت حسابات الحسن الثاني متعلقة بشكل كبير باستراتيجية عامة خاصة بما يراه كـ"مصالح المغرب" بالضبط كما كان يرى الرئيس بورقيبة دواعي تحالفه و صراعه مع مختلف الأطراف الدولية بما في ذلك الاسرائيليين من خلال "المصالح التونسية"، و هي مصالح لا يتم تعريفها من خلال الانعزال المطلق عن "المصالح العربية المشتركة" و لكن لا يتم أيضا ربطها تماما ياستراتيجية عربية موحدة. و في نفس الوقت كانت الرؤية الإسرائيلية لا ترى مانعا في المساهمة في "حفظ الاستقرار" أو "المساعدة المالية" للأنظمة القطرية في المغرب العربي مادام أن ذلك يأتي في إطار مساهمة هذه الأنظمة للحد من استمرارية و تعميق أي توجه عربي مشترك لمواجهة الطرف الاسرائيلي. و قد أصبحت هذه العلاقة أكثر قوة مع سقوط جدار برلين و نهاية حرب الخليج الاولى حيث تم الانخراط الرسمي العربي الجماعي في تطبيع العلاقات خاصة و أن “دول الرفض” مغاربيا، أي الجزائر و ليبيا، قد تخلت عن خطوطها الحمراء وأضحت تتقدم باتجاه التأسيس لتطبيع العلاقة مع الاسرائيليين. غير أن هذه العلاقة بقيت أيضا ضمن حدود تجاذبات ما تبقى من الصراع العربي الاسرائيلي حيث لم يتوان التونسيون و المغاربة من سحب ممثليهم الديبلوماسيين من تل أبيب بعد اندلاع الانتفاضة الثانية بل و حتى السماح و المشاركة الرسمية في تظاهرات تندد بالمرحلة الراهنة من العدوان الاسرائيلي. و لا يتوان الاسرائيليون في ظل هذا الظرف من المقاطعة (الرسمية على الأقل) من التنديد بـ "الدكتاتوريات العربية" حيث يقومون من خلال تحليلهم الأحادي الطابع من اعتبار "المشكل الرئيسي" عربيا غياب الاصلاحات الديمقراطية.

غير أن التعريف الاسرائيلي لهذه الاصلاحات يتسم بطابع سياسي غير مجرد عن المصالح الاسرائيلية، فبالنسبة لشمال افريقيا يعتبر الاسرائيليون أن من أهم القضايا التي تحتاج الى "إصلاح عاجل" هي مسألة "اللاجئين اليهود" من شمال افريقيا تم "طردهم" أو "دفعهم" للهجرة من خلال العداء المستمر الموجه ضدهم خاصة بعد قيام الدول الوطنية. و من أهم المنظمات ذات الارتباط الاسرائيلي التي تروج بنشاط لهذه القصة منظمة "جيمينا" و هي منظمة "يهود الشرق الاوسط و شمال افريقيا") و التي تتكون بالاساس من يهود ذوي أصول شمال افريقية (خاصة تونس و الجزائر) مقيمين بدول غربية و لكن يحملون أيضا جوازات سفر إسرائيلية يطالبون بتعويضات و الاعتراف بهم من قبل الأقطار المغاربية كلاجئين تعرضوا للاضطهاد. و تستخدم الحكومة الاسرائيلية بنشاط هذه الحكاية خاصة أثناء المفاوضات حول وضع اللاجئين الفلسطينيين حيث يطالب الاسرائيليون بمبدأ "المعاملة بالمثل" و اعتبار "اللاجئين اليهود" بنفس وضعية اللاجئين الفلسطينيين (يستهدف ذلك طبعا دفع الحكومات العربية للضغط على الجانب الفلسطيني للتنازل عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين). و كما تُظهر الوثائق الاسرائيلية الواردة في كتاب لاسكيار فإن الهجرة اليهودية لإسرائيل كانت مرتبطة بالدرجة الأولى بمخطط إسرائيلي بإشراف مباشر من الموساد لم يكن متأثرا البتة بوقائع حقيقية للاضطهاد بل أن الحكومات الجديدة في بداية الأمر رفضت بشدة هذا المخطط و لم تعمل أي من الأطراف الوطنية على الدفع نحو تهجير الأقلية اليهودية. و المثير أن منظمة " جيمينا" كانت من المنظمات "الشمال افريقية" القليلة التي شاركت و عبرت عن "قضية الاصلاح في شمال افريقيا" (من خلال الدعوة لـ"إرجاع حقوق اللاجئين اليهود") في موتمر مثير للجدل "من أجل الاصلاح في الشرق الأوسط" الذي نظمه بعض المتنورين "الليبراليين" العرب من أنصار الحكومة الاسرائيلية و النيومحافظين في واشنطن في أكتوبر 2004.و هو المؤتمر الذي كان في الأساس واجهة للمجموعة التي تعمل في الأوساط اللبنانية الأمريكية المقربة من تيار "قرنة الشهوان" حيث لعب وليد فارس دورا رئيسيا في تنظيمه بالاضافة للحضور الكبير للمجموعة القبطية المتطرفة التي يقودها مايكل منير. كما شارك في النقاشات تحت يافطة منظمة حقوقية ديبلوماسي اسرائيلي معروف يعمل الآن في السفارة الاسرائيلية في واشنطن ضمن الجهاز الاعلامي. و إضافة للمنظمة اليهودية فإن بقية "ممثلي" شمال إفريقيا تراوحوا بين ممثلين مقيمين بالخارج عن منطقة القبايل الجزائرية و منظمة موريتانية تتخصص في مسألة "استعباد العرب للسود" . وعموما فإن "قضية الاصلاح و الديمقراطية" في الرؤية الاسرائيلية و كما عبر عنه هذا المؤتمر تتمثل بالأساس في مشكل واحد: "اضطهاد العرب المسلمين" لبقية الأقليات لا أكثر و لا أقل.
و في الواقع فإن البلاغة الاسرائيلية المتصاعدة حول قضية الاصلاح في الشرق الأوسط مرتبطة بقوة بظرفية سياسية معينة و هي بالأساس شعار، ذرائعي لا غير، على العكس من بعض أقطاب التيار النيومحافظ الأمريكي و الذين يعتقدون بجدية في "مثالية" أهدافهم. و علينا أن نشير هنا الى أن ناتان شارانسكي و الذي شارك حزبه في حكومة شارون قد ألف كتابه "الحجة من أجل الديمقراطية" (و الذي "قرأه" الرئيس بوش و يقع تقديمه على أنه "تحليل طليعي" في التدليل على الحاجة الملحة لدمقرطة المنطقة العربية، ألفه في ظروف إنحسار التطبيع الرسمي العربي، أي أنه كرد فعل على هذا الانحسار. طبعا مثل احتلال العراق و مخلفات 11 سبتمبر كانت مناسبة جديدة في ظل الخطط الجديدة للقادة الاسرائيليين (الذين تخلوا عن مقررات مدريد منذ أواسط التسعينات و قرروا التخفيض من سقف المطالب العربية الى “السلام مقابل السلام” عوض “الأرض مقابل السلام”) لفتح مرحلة أخرى من تطبيع العلاقات التي يمكن أن ترتقي مستقبلا الى علاقات ديبلوماسية كاملة، خاصة و أن وزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالوم، المتحدر من عائلة يهودية كانت تقطن مدينة قابس التونسية، يعتبر نفسه "مغاربي الهوى". المشكل الذ ي ينتظر الاسرائيليين الان هو أن تيارا مهما أمريكيا بدأ في التصديق الجدي في الأطروحة النيومحافظة (و التي لا يمثل كتاب شارانسكي بالمناسبة إلا قشرة قشرتها حول "الحاجة الدولية" لدمقرطة المنطقة، حيث أن إصلاحات ديمقراطية عربية حقيقية ستجلب الى السلطة (أو دوائر نفوذها على الأقل) بالتأكيد قوى وطنية متعطشة للتأثير السياسي تستمد قوتها الجماهيرية (جزئيا على الأقل) من برنامجها القائم على القطيعة مع الدولة العبرية، و هو ما سيجعل من التطبيع مسألة بعيدة المنال أو في أقل الأحوال على غير الدرجة التي يأمل في تحقيقها الاسرائيليون. و يأتي هذا المأزق الاسرائيلي في ظل خلل شامل يتعلق برؤيتهم الصلفة لعلاقتهم بالعرب حيث لم يعدوا مستعدين للقيام بأي مقايضات حتى مع "أصدقائهم المعتدلين". و هكذا فقد سمع في النهاية القادة الاسرائيليون نصيحة ليفي أشكول التي أطلقها قبل 40 سنة: "لا تعلقوا أهمية زائدة على ما يسمى بالقادة العرب المعتدلين".

هذه أهم المعلومات التي تضمنها الكتاب الذي اعتمد على وثائق صادرة من جهات كانت في قلب الحدث لكن بعين إسرائيلية و من موقع اعتبار مصالح الدولة العبرية.

نشأة اللوبي الاسرائيلي بالغرب

بدأ اللوبي الإسرائيلي في إرساء دعائمه ببلادنا مع بداية الترويج للكذبة الصهيونية الاستعمارية بفضل تهافت بعض المتشبثين بأهداب هذه الكذبة التي أضحت واقعا مفروضا بقوة السلاح و النار و على رأسهم آنذاك " أندري شوراقي" الكاتب العام للرابطة الإسرائيلية العالمية و هو الذي اهتم أكثر من غيره بدراسة أحوال اليهود بشمال إفريقيا إلى حد أنه أكبر المتخصصين في هذا المجال، كما ساهم بشكل كبير في تسميم عقول الشباب اليهود المغاربة آنذاك عبر الجريدة الصهيونية " نوار " و هكذا… كانت البداية لتكوين اللوبي من طرف الصهاينة و المتصهينين الجدد حديث الاستقطاب للمشروع الصهيوني. و يفيدنا التاريخ حول أولى هجمات هذا اللوبي بمناسبة صلاة " بيصاح" أي السنة القادمة في القدس ، إذ تم استغلالها للترويج للكذبة الصهيونية ببلادنا على يد أحد " رسل " الصهيونية و أبرز مؤطريها آنذاك بالمغرب " برو سيبير كوهن ". فمنذئد بدأت تقوية قاعدة اللوبي الإسرائيلي ببلادنا للحرص على تحقيق كلما من شأنه خدمة المشروع الصهيوني آنيا و مستقبلا. و لقد عمل اللوبي الصهيوني العالمي على خلق صلات بين المغرب و إسرائيل منذ خمسينات القرن الماضي، و يذهب بعض المحللين إلى الاعتقاد أن طرح قضية تمثيلية الشعب الفلسطيني من طرف منظمة "فتح" دون غيرها، كانت بفعل هذا اللوبي لأن إسرائيل كانت تريد التخلص من دور عاهل الأردن الملك حسين آنذاك في القضية الفلسطينية، لا سيما و أنه كان الوحيد الذي يستطيع إحراج الكيان الإسرائيلي قانونيا بالمطالبة بالعودة إلى خطوط ما قبل يونيو 1967 ارتكازا على مضمون قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في وقت لم تكن فيه منظمة التحرير الفلسطينية قد ظهرت بعد.

كما أن اللوبي الاسرائيلي بالمغرب قد لعب دورا كبيرا و حيويا في تمكين الموساد من التنصت على مجريات مؤتمرات القمة العربية المنعقدة في الستينات بالمغرب بما فيها الجلسات السرية.

فلقد جاء في كتاب:" المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل " أن الجينرال الدليمي حمل سنة 1976 أول رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين إلى الرئيس أنور السادات.كما جاء فيه أن اللوبي الإسرائيلي بالمغرب عمل جاهدا من أجل ترتيب أول اجتماع سري بين مبعوث الرئيس السادات حسن التهامي و مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن و الجنرال موشي ديان في شتنبر 1977 . و من القضايا التي ساهمت في كشف قوة اللوبي الإسرائيلي ببلادنا أساليب و آليات الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل . فمن المعروف أن بلادنا كانت الداعية و الراعية لأمل عقد مؤتمر اقتصادي بين العرب و إسرائيل سنة 1992 في الدار البيضاء . و كان هذا المؤتمر محاولة جريئة في تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية ،و قد اعتبرها البعض من بصمات فعل اللوبي الإسرائيلي بامتياز، و هذا ما كشفت عنه جملة من تصريحات بعض المؤولين الاسرائيلين.

كما أن تتبع جملة من المواتيق و الممارسات و المهام من شأنها توضيح وجود لوبي إسرائيلي ببلادنا.

فالكل يعلم حاليا أن سيرج بير ديكو، و هو الوزير السابق للسياحة تربطه علاقات وطيدة بحزب" ميفدال " الإسرائيلي و هو حزب يميني متطرف. و قد عمل سيرج هذا على إعداد العدة لتنظيم مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية بمراكش سابقا.

ومن الأحداث التي تسير في هذا المسار عقد لقاء سري سنة 1999 بفندق" الميراج " بطنجة جمع بين مسؤولين مغاربة و مسؤولين إسرائيلين، لم يعلم أحد ما دار فيه، و قد شارك في هذا الاجتماع "أندري أزولاي".
كما انه من بصمات اللوبي الإسرائيلي ببلادنا الحملة المسعورة التي استهدفت الفنان السنوسي و التي التزمت بنتائجها جملة من الجهات التي أقررت بتكريس الحصار الاعلامي على ذلك الفنان و راسها الوسائل الاعلامية المرئية التي امتثلت امتثالا كاتوليكا لمسعى اللوبي الاسرائيلي بالمغرب.

و لقد سبق للشهيد المهدي بن بركة أن أكد قوة الوجود و الحضور الاسرائيلي بالمغرب في الخطاب الذي ألقاه بالقاهرة سنة 1963.
و إذا أخدنا بعين الاعتبار تجدر المصالح الاقتصادية الاسرائيلية بالمنظومة الاقتصادية تتبين بجلاء قوة اللوبي الاسرائيلي بالمغرب، و قد سبق للبروفسور المهدي المنجرة أن صرح مرارا و جهرة أن اللوبي الاسرائيلي بالمغرب هو الذي يبلور القرارات الحاسمة و المهمة ببلادنا.
فبعد كل ما ذكر هل يمكن للمرء أن يشك في وجود لوبي إسرائيلي قوي ببلادنا؟؟

المغرب و الموساد

مشاركة منتدى

  • علاقة مشكل الصحراء الغربية و المشروع الأمريكي الصهيوني
    هذا هو الموضوع الذي يجب مناقشته لنكشف علاقة جنرالات الجزائر باللوبي الأمريكي الصهيوني بهدف تقسيم المغرب إلى دويلات بدءا بالصحراء ثم الأمازيغ بعد ذلك وهذا
    بشهادة قادة صهاينة لكن ما يجهله أو يتجاهله الجزائريون هو أن دوره في التقسيم يأتي مباشرة بعد تقسيم الصحراء من المغرب
    و بالنسبة لجزائر فأمر التقسيم نتيجة لمشكل القبائل و الطوارق وكذلك السخط الشعبي على الجنرالات المهيمنين على الجزائر
    سيكون أسهل لذا أطلب من الشعب الجزائري الشقيق أن يتفطن إلى الخلفيات الحقيقية لمشكل الصحراء المغربية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى