الأربعاء ٣٠ آذار (مارس) ٢٠١١
نزيه حسون يحاكي الحياة بمضمون عاطفي في

عشق على سفر

بقلم: وليد ياسين

قبل أيام من الموعد الذي كان مقررا لافتتاح معرض الكتاب الدولي في القاهرة، والذي تم تأجيله لتزامنه مع اندلاع الثورة المصرية التي أطاحت بنظام حسني مبارك، اتصل بي الشاعر الشفاعمري نزيه حسون، طالبا مساعدتي في تصحيح مسألة فنية صغيرة في غلاف ديوانه الجديد الذي كان يسارع الى طباعته كي يتسنى توقيعه في معرض القاهرة. وقد شدني منذ شاهدت الغلاف، وبعض مقاطع القصيدة التي تحمل اسمه، ذلك الاسم الذي اختاره لمجموعته الجديدة «عشق على سفر». وتساءلت في قرارة نفسي، هل يقصد من هذه التسمية ان العشق على موعد مع السفر خارج قلبه، أم انه العشق المسافر الى جوارحه، منذ خرج الشاعر من دوامة القصيدة الثورية، ليجاري الحاضر ويحاكي مشاعر روحه وجسده كانسان يحب ويعشق مثل غيره من البشر.

لقد انطلق صوت الشاعر نزيه حسون ثوريا مدويا في السبعينيات من القرن الماضي، في فترة شهد فيها المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل مفصلا تاريخيا في معركة البقاء والتصدي والصمود لسياسات نهب الأرض والاقتلاع، وكان ديوانه الأول «ميلاد في رحم المأساة» الصادر عام 1980، متأثرا إلى حد كبير بتلك الأحداث التي مرت بالشعب الفلسطيني، منذ النكبة عام 1948، وحتى هبة يوم الأرض الخالد عام 1976، ثم اشتد عزمه الثوري في المجموعة التالية، "ابحث عن جسد يلد النصر" الصادر عام 1983، لينقطع نشر إنتاجه الأدبي، رغم عدم توقفه عن الكتابة، حتى منتصف العقد المنصرم من القرن الحالي، حيث أصدر في العام 2006 ديوانه الثالث «سيمفونية الحزن المسافر»، والذي يمكن القول انه كان الديوان الأول الذي يشير إلى التحول الكبير في شعر نزيه حسون، من حيث أسلوبه الشاعري الرقيق الذي لا ينفك منذ ذلك الوقت عن تناول مشاعره الإنسانية وعشقه الأبدي. ولا بد من التنويه انه كان قد أصدر بين "ابحث عن جسد يلد النصر"، و"سيمفونية الحزن المسافر"، مؤلفا له أهميته في مكتبتنا، هو كتاب "أروع ما قيل في توفيق زياد"، الصادر عام 1997، الذي جاء اثر رحيل شاعرنا الكبير في العام 1994.

في ديوانه الجديد "عشق على سفر" يواصل الشاعر نزيه حسون إطلالته الإنسانية الغائرة في بواطن العشق، التي سبق وجسدها في "مزامير من سورة العشق" (2007)، و"تأخذ القصيدة ملامحك" (2008) و"أبحث عن وطني في وطني" (2010). انه الشاعر الذي يحاكي الحياة بمضمون عاطفي، غزلي، وان كانت رياح النزعة الوطنية لا تفارقه في بعض قصائده كما في كل دواوينه السابق ذكرها. فهو، وان كان الحب يملأ جوارحه ويوجه الحداثة في شعره، لا يتحرر، ولا يمكنه ان يتحرر من إنسانيته وارتباطه بقضايا شعبه، بل وبقضايا أمته العربية كلها.

والعشق عند نزيه حسون في "عشق على سفر" لا يعرف اليأس، بل يحمل صورا من التحدي الجارف للزمان والمكان، يبدأه في إهداء ديوانه "إلى العشق الذي سافر.. عله يعود"، ثم يستكمله في القصيدة التي تحمل اسم ديوانه. فالشاعر الذي ودع حبيبة يرفض عشقه التسليم بهذا الوداع:

لو كنت أعرف/ أن يوم لقائنا / سيكون يوم وداعنا/ ما كنت في ذاك المساء/ طرحت يا قمري السلام.
ثم يواصل حنينه إليها في القصيدة ذاتها، وبعد أن يرسم بكلمات شاعرية رقيقة، صورا من ذلك الحب الذي جرفهما في ليلة الوداع، يعود إلى جلد الذات لتقبله بذلك الوداع، صارخا:

لو كنت أعرف في الصباح/ تسافري/ لجعلت ليل لقائنا/ مثل الدهور بلا ختام/ ولكنت ألغيت الدقائق عنوة/ ولكنت ألغيت/ الحقائق والنظام، ولكنت أوقفت الزمان بقبضتي/ وجعلت سهرتنا الوحيدة/ عمرها مليون عام.
ثم يتلوع على فراق المعشوقة وهو الذي يشعر ان فراقها سيحطم قلبه المرتبط بقلبها إلى حد الخوف من الموت إن توقف نبضها:

وأخاف نبضك إن توقف فجأة/ فعلي يا قلبي/ وإياك السلام.

لا نعرف إن كانت هذه القصيدة تتوج مرحلة عشق في سيرة الشاعر، لكنها تتحدث من تلقاء ذاتها وتصل حد الاعتراف بهذا العشق الجارح.

ليس المجال واسعا لقراءة مستفيضة في ديوان الشاعر نزيه حسون، فهذه سنتركها للنقاد الذين يمتهنون النقد الأدبي، الذي لا ندعيه في مقالتنا هذه، بل أردنا من خلال هذه العجالة إلقاء بعض الأضواء والإطلالة مع شاعرنا على اسم ديوانه ومحاولة رسم خارطة توضيحية لمضمونه. ففي غالبية القصائد، وعددها 15 قصيدة، التي يضمها هذا الديوان، تجد صور العاشق تتجسد في سحر الكلمات الغارقة بجمالية الحب عند نزيه حسون.

ومعشوقات نزيه حسون في هذا الديوان كثر، عشتروت ويارا ومعشوقات بلا أسماء.. لكن معشوقاته لسن من النساء فحسب، فهو عاشق لمصر التي قال فيها: "ناجيت روحك بكرة وأصيلا"، وهو عاشق للقدس التي يناجيها بقوله: "يا قدس أودعت الفؤاد قصيدتي/ فدعي فؤادك للقصيد يزغرد". وفي هذه القصيدة، المعلقة، يمضي في أعماق التاريخ، يعانق المساجد والكنائس، ويحاكي التاريخ وسيرة الأنبياء الذين مروا على ثراها، مرورا بوقوعها في براثن الغزاة والمحتلين، والاستشهاد دفاعا عن ثراها، وصولا الى إيمانه السياسي بعودتها إلى أهلها، شعبه الفلسطيني، الذي يتعمد بدمائه وصموده، هاتفا: "قدس العروبة للعروبة معبد"، في اشارة الى عروبتها الأبدية.

وحين يعشق نزيه حسون تلك الفتاة التي يصل عمرها الى نصف عمره، فانه يجد في اسمها، اسم يافا، تلك المدينة التي لم يتوقف الفلسطيني عن مبادلتها العشق رغم الاحتلال ومحاولات إسرائيل تذويبها في سرداب تل أبيب الكبرى.. يافا التي يعشقها شاعرنا ككل فلسطيني، بتاريخها وعبق برتقالها يجد في وجه معشوقته الصغيرة:

عمرها عشرون عاما/ واسمها اسم مكان في بلادي/ وأنا أعشق يافا/ منذ كان البرتقال.
هذا الربط بين يافا والبرتقال، هو العشق الذي يجتاح جوانح كل فلسطيني، وحين يحاكي الشاعر حبيبته يافا، فانه ككل فلسطيني لا ينسى التاريخ العريق ليافا التي أصبحت تشكل إلهاما وتوقيتا وعشقا لا ينضب.

باختصار، نحن في ديوان "عشق على سفر" امام مرحلة جديدة في مسيرة الشاعر نزيه حسون، مرحلة نمو العشق والاعتراف بمكانة المرأة وتأثيرها في مسارات حياته..

في قراءته لديوان «ابحث عن وطني في وطني» كتب الناقد د. منير توما ان نزيه حسون يرى حبيبته امرأة استثنائية، تستحق حبا استثنائيا، وان روحه موزعة بين سحر الجمال ونشوة الذوبان والغرق في بحر العشق. وهذا يمكن قوله عن نزيه حسون في ديوانه الجديد، أيضا، بل يتعمق ذلك حين يقول الشاعر ذاته، في لقاء مع رانية مرجية، إن "المرأة وتحديدًا العشيقة هي معين لا ينضب من الإلهام والإيحاء للشاعر، والشاعر الذي لم يعش حالة ِعشق ولم يبحر في كون وجمال وأسرار المرأةِ في رأيي يفقد الكثير من مقومات الإبداع".

وللختام، نقول إن المرأة في هذا الديوان، تركت بصماتها واضحة على إبداع الشاعر نزيه حسون. مبارك للشاعر إصداره الجديد والى مزيد من الإبداع الأدبي.

بقلم: وليد ياسين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى