الأحد ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

«النبات» .. ثاني البيوت!!

(وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ9 وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ10 رِزْقاً لِّلْعِبَادِ.. ) "ق" ..

شيءٌ واحد اشترك فيه النبات دلّ على اتفاق فعله في أنه يتغذى وينمو ويتحرك عكس الجماد، فإنه لا يتحرك إلا بقوة خارجية..

المــاء والتراب

ما زالت الشمس ترسل أشعتها القاسية (كالسياط الملتهبة) على ظهر هذه الأرض، لترتفع الحرارة إلى أقصى درجاتها، مما أدى مع مرور الوقت وتفاعل العناصر مع بعضها البعض- تنفيذاً للأمر - وما تولد من جراء هذا التفاعل، إلى ظهور كتل السحب الضخمة، ثم إلى هطول الأمطار الغزيرة المستمرة والتي غطت الأرض من كل اتجاه، فأخذت الأرض تبرد تدريجياً، وتتبخر المياه، حتى أخذ اليبس المقدر والمحاط بالمياه في الظهور، فأصبحت الأرض بالتالي هشة، سهلة، بخلاف ما لو كانت بجملتها حجراً صلداً، لأن "النبات" – كحقبة قادمة – لا يستقيم إلا مع رخو الأرض.. فكان هذا المطر المتواصل هو الإيذان ببداية هذه الحقبة الثانية، فكانت الصيرورة بالماء إلى هذا "البيت" النباتي، وإلى ما يليه..

والله يقول:- (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ "الثَّمَرَاتِ" .. ) "الأعراف/57" ..
وهو القائل:- (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَ "جَنَّاتٌ" مِّنْ أَعْنابٍ وَ"زَرْعٌ" و "َنَخِيل"ٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ4 ) "الرعد/4" ..

ويقول– سبحانه وتعالى -: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ24 أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً25 ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّاً26 فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً27 وَعِنَباً وَقَضْباً28 وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً29 وَحَدَائِقَ غُلْباً30 وَفَاكِهَةً وَأَبّاً31 مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ32 ) "عبس" ..

جاء في الموسوعة العالمية الشاملة عن الأرض والكون (.. بأن مساحة هذه الأرض التي نعيش على سطحها– أي مساحة اليابسة – تبلغ 000/900/148 كلم2، وبالرغم من أنها تظهر لسكانها على شكل كرة ضخمة فهي في الواقع مجرد كوكب صغير في النظام الشمسي، ولو قطعنا يومياً 20 كلم مشياً على الأقدام بقصد الدوران حولها فإن مسيرتنا تستغرق أربع سنوات دون توقف!! وقد مرت هذه الأرض عبر تاريخها الطويل الممتد على مدى خمس مليارات من السنين– كما قالوا – بعهود عديدة، وبأكثر من دور كان آخرها ظهور "الإنسان" ، والذي ينقسم بدوره إلى فترتين أساسيتين هما: البليستوسين و الهوليسين، وقد بدأ قبل نحو مليوني سنة، ففي هذه الفترة البليستوسينية يقال أن "الحرارة" انخفضت بشكل مذهل فنتج من ذلك فترات جليدية، أعقبتها فترات حرارة مرتفعة، فتكونت القنن الثلجية الضخمة في أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا، وانتقلت ببطء إلى الجنوب، واكتست المناطق الشمالية تدريجياً بطبقات جليدية تصل سماكتها إلى أكثر من 1200م أحياناً، وهبطت المجلدات في أوروبا إلى 50 درجة متوازية.

وذكروا بأنه وقبل 000/10 سنة انتهت آخر مرحلة جليدية، وبدأ العهد وهو ما زال مستمراً حتى اليوم، إذ حمل بصمات الإنسان الأول وآثاره على البيئة المحيطة به..

هذا وقد توصل الجغرافيون إلى تحديد نسبة المياه واليابسة على سطح الأرض، فإذا بالمياه تشغل 70،80% من مساحة الكرة الأرضية، فيما لا تتجاوز مساحة اليابسة 90،20% - أي مساحة المياه تتجاوز مساحة اليابسة بثلاثة أضعاف – على أن حجم الغلاف المائي لا يتجاوز 1،5000 من مجموع حجم الكرة الأرضية!! ..

فاليابس – كما ذكروا – هو الغالب في تكوين الأرض، ولكن جزءاً يسيراً منه يطفو على سطحها، وأن هذا التوزيع غير متعادل، ففي النصف الشمالي من الكرة الأرضية تغطي المساحات المائية 60،7% من مساحتها ، وتتسع كثيراً عند خطوط العرض القطبية وتضيق بين خطيْ 565 و570حيث تصل إلى 28،7% وفي النصف الجنوبي للأرض تغطي المسطحات المائية 80،9 منها، وباستثناء خطوط العرض القطبية نجد أنها تفوق اليابسة في جميع خطوط العرض الأخرى.

ولهذا الاتساع الضخم في المسطحات المائية – كما ذكروا- أثره البالغ في تسهيل مواصلات الإنسان وفي المناخ وتأثيره في الإنتاج الغذائي وهذا ما جعل البشر يضاعفون من اهتمامهم بهذه المسطحات.. ويتوزع الغلاف المائي– كما هو معلوم – على محيطات خمسة كبيرة وعدد من البحار الفرعية المتصلة ببعضها لتؤلف حزاماً يلف القارات ويحولها إلى جزر تحيط بها المياه من كل جانب، فالحياة لم تبدأ على سطح هذا الكوكب إلا من وجود الماء..

إذن علينا أن نتأمل ملياً في هذا الكوكب الذي نحيا على ظهره، وأن ندرك بأنه يلف بنا حول هذه الشمس في الثانية الواحدة ما يعادل 18 ميلاً، في حين أن وضعه على مداره مائل بزاوية قدرها 23 درجة وأن متوسط قطرها يعادل 12756 كيلومتراً ؟! وأن ندرك– أيضاً - بأن لهذه الأرض ثلاث حركات: الأولى حول نفسها وهي التي تنتج لنا الليل والنهار، والثانية حول الشمس وهي التي تنتج لنا الشتاء والصيف، والثالثة هي جريانها مع الشمس وانقيادها لها في الفضاء وملازمتها لها إلى حيث لا ندري!! ..

هذا وقد تمكن الإنسان من تقسيم غطاء هذه الأرض النباتي إلى عدة أقسام هي التي تعرف اليوم باسم الأقاليم النباتية، وأن لكل إقليم منها خصائصه ومميزاته الطبيعية، كما أن نموه وتنوعه على سطح الأرض يتأثر بعدة عوامل طبيعية أهمها المناخ بعناصره المختلفة من ماء وحرارة وضوء، ثم التضاريس والتربة، وهي الأقسام المعروفة، وأنه لولا هذا الغطاء النباتي لهذه الأرض لنفد الأكسجين من الجو، ولولا وجود هذا الأكسجين لهلك البشر وسائر الحيوانات، لأنه هو الذي يخرجه لنا في الهواء الذي نتنفسه.. ) .

غـاية النبات

وعن هذا النبات يقول ابن الطفيل في حكايته "حي بن يقظان" وهو يحكي عن بطل روايته حي أنه كان–: (.. يرجع إلى أنواع النبات على اختلافها، فيرى كل نوع منها تشبه أشخاصه بعضها بعضاً في الأغصان، والورق، والزهر، والثمر، والأفعال، فكان يقيسها بالحيوان، ويعلم أن لها شيئاً واحداً اشتركت فيه، هو لها بمنزلة الروح للحيوان، وأنها بذلك الشيء واحد، وكذلك كان ينظر إلى جنس النبات كله، فيحكم باتحاده بحسب ما يراه من اتفاق فعله في أنه يتغذى وينمو.

ثم كان يجمع في نفسه جنس الحيوان وجنس النبات، فيراهما جميعاً متفقين في الاغتذاء والنمو، إلا أن الحيوان يزيد على النبات، بفضل الحس والادراك والتحرك، وربما ظهر في النبات شيء شبيه به، مثل تحول وجوه الزهر إلى جهة الشمس، وتحرك عروقه إلى جهة الغذاء، وأشباه ذلك، فظهر له بهذا التأمل أن النبات والحيوان شيء واحد، بسبب شيء واحد مشترك بينهما، هو في أحدهما أتم وأكمل، "أي أن الحيوان أشد استكمالاً لوظائفه من النبات") ..

ويقول حجة الإسلام الإمام الغزالي عن هذا النبات: (.. هذا وقد ظهر بالتالي التفاوت بين النبات، بأصنافه وأشكاله، وأسمائه وصفاته، ومنافعه وألوانه، إضافة إلى ما زوِّد به جميعه من فعل "ذاتي" واحد يجعل أصوله مركوزة في هذه الأرض الرخوة، حتى يتمكن من جذب الماء منها ليتغذى بها، فصارت له كـ "الأم" المربية والأصول والعروق كالأفواه الراضعة من ثديها، ومنه الطويل والقصير، والجليل والحقير، والأحمر والأبيض، والأصفر والأخضر، وكل لون فيها يتصف بالشدة والصفاء والتوسط، والله يقول:- (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ..) فأخرج– سبحانه وتعالى – فيما بين الحجر والماء زيتاً صافياً، لذيذاً نافعاً، مثلما أخرج اللبن من بين الفراث والدم، ومثلما أخرج من النحل شراباً عسلاً مختلفاً ألوانه فيه شفاء للناس..) ..

هذا وقد جاء في مجلة "حياة النباتات" تأليف: جون سيمونز، ترجمة د. أحمد خليل بأنه: (.. يوجد على ظهر هذه البسيطة أكثر من ٦٠٠٠٠٠ نوع من النباتات منتشرة في أرجاء هذا العالم، وضعت لتصنيفها المجاميع، وأقدمها تلك النباتات ذات الخلية الواحدة التي ظهرت على وجه البسيطة منذ أكثر من 2000 مليون عام، بل ذكروا بأن هنالك من النباتات من يعمر مدة أطول كثيراً من الإنسان أو الحيوان، ومن أطول هذه الأشجار عمراً ذلك الصنوبر المخروط الشعيري الذي يعيش في الجبال البيضاء بكاليفورنيا، ويقدر عمر أقدم هذه الأشجار بحوالي 4،900 سنة، كما يوجد أيضاً بهذه الولاية الأمريكية أكبر الأشجار حجماً وارتفاعاً، إذ يبلغ ارتفاع شجرة "الجنرال شيرمان" (وهي أسماء مشاهير العظماء التي تطلق على أضخم الأشجار) 83 متراً (272 قدم) ومحيطها 30 متراً (101 قدم)عند قاعدة الجذع ..

هذا وقد صنّف هؤلاء العلماء نباتات الأرض لدراستها علمياً إلى سبعة أقسام رئيسية هي:-

1- البكتيريا 2- الطحالب الزرق/ خضراء 3- الطحالب الأخرى بحرية / بنية 4- الفطريات 5- الحزازيات 6- السراخس 7- النباتات البذرية ..

وأن هذه الأقسام لا تختلف إلا اختلافاً بسيطاً في الحجم أو الشكل، تماماً مثلي ومثلك، كما أنها منتشرة في العالم بأسره من خط الاستواء حتى القطبين، بمثل انتشارنا، وتعيش في أماكن متعددة مختلفة، وقد يكون مسكنها رطباً أو جافاً، حاراً أو بارداً، كما أنها تتأثر بتغير الفصول، كذلك قد تتباين أنواع التربة التي تعيش فيها، فقد تكون التربة مثلاً رملية أو جيرية، صخرية أو طينية..

الجنس والتكــاثر

كما أن النباتات تتكاثر جنسياً، وهذا يعني اتحاد جزء "مذكر" من الزهرة مع جزء "مؤنث" منها، وبعض النباتات تحمـل الأجزاء المذكرة والمؤنثة معاً في كل زهرة، وحتى الأعضاء التناسلية في أيٍ منهما أشبه ما تكون بتلك التي لدى الحيوان والإنسان، (فالخيط والمتك يشبهان القضيب والخصية)، (والقلم والجسم الكروي اللزج الذي يعرف بالميسم يشبهان البويضة وقناة فالوب) ، والجنين هو جزء البذرة الذي ينمو ليكوِّن النبات الجديد الذي يحتاج بدوره إلى فترة "كمون" حتى تتوافر الظروف الملائمة للإنبات، وهذا الجنين مزود بـ "مخزن" للغذاء داخل البذرة ويحميه غلاف البذرة الخارجي، وقبل أن ينبت الجنين يجب أن يتوافر قدر مناسب من الحرارة والرطوبة، ويختلف هذا القدر باختلاف النبات، وتوجد داخل كل بذرة منظمات تمنع الإنبات حتى تتوافر الظروف الملائمة، فمثلاً لا تنبت بذور المناطق الباردة إلا عندما يحل دفء الربيع، أما الصحارى فلا تنبت البذور إلا إذا أغرقتها مياه الأمطار..

وراثة الصفات

كما أن النباتات ترث "الصفات" من الأبوين، يوجد في هذا المثال نباتان من نباتات تسمى "حنك السبع" أحدهما أحمر والآخر أبيض، أنتجا عند تهجينهما نباتاً وردي اللون، وهو لون ينتج عند امتزاج اللونين الأحمر والأبيض، وهما لونا الأبوين، وإذا لقح النبات الوردي بنبات آخر وردي اللون مثله تنعزل الصفتان الأحمر والأبيض مرة أخرى وتنتج نباتات حمراء وبيضاء..

وهكذا نعلم بأن لهذا النبات "حجر أساس" يقود إلى دراسة علم الوراثة الذي هو عبارة عن الطريقة التي تنتقل بها الصفات من جيل إلى جيل..

ونحن نرى أن جذور النبات عادة تنمو إلى أسفل، أي نحو "الظلام" بحثاً عن الماء، بينما تنمو السيقان صاعدةً إلى أعلى بحثاً عن "النور" ، ويفعل النبات ذلك كي يصل إلى الماء والغذاء الموجودين في أسفل التربة، والحصول على ضوء الشمس يمنحه الطاقة، وإذا وضعت بذرة في أنبوبة ذات جو رطب بحيث يسقط الضوء عليها فإنك تشاهد جذورها متجهة إلى أسفل والساق إلى أعلى..

النخـــيل

والملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا هي أننا نجد أن سيقان أشجار "النخيل" لا يحدث فيها تغلظ ثانوي، وهي رغم أنها تزداد في الارتفاع وتنتج أوراقاً جديدة كل سنة فإن أوراقها القديمة إما أنها تذوي، أو تسقط كلية، حتى إن عدد الأوراق يبقى ثابتاً تقريباً، الأمر الذي يجنب الساق خطر الانضغاط، والضغط الذي يحدثه الساق أو الجذر أثناء نموه ضغط هائل، فورقة شجرة الموز قادرة على اختراق سقف بيت زجاجي، كما يمكن لجذور شجرة صنوبر أن تشق قطعة من الصلب سمكها 1 سم!! ..

وتنمو الأوراق والبراعم والأزهار في نبات لطراز خاص، فتنمو الأوراق بحيث تحصل كل ورقة على بعض الضوء، وإذا جُرِح نبات فإن جروحه تلتئم، والنباتات بصفة عامة تختلف عن الحيوانات في أنها قادرة على تعويض الأجزاء التي تفقد منها!! ..

التكافــل

وقد يعتمد نباتان مختلفان على بعضهما دون الإضرار بأيٍ منهما، وتُعرف مثل هذه العلاقة التي يفيد منها النباتان بـ "التكافل" ، فـ "الأشنة" في الحقيقة عبارة عن نباتين أحدهما فطر ولآخر طحلب، فالفطر يجهز نوعاً واحداً من الغذاء ويجهز الطحلب نوعاً آخر مما يمكنهما من النجاح في الحياة معاً، وتعرف هذه الظاهرة بالتكافل، ويكون اتحادهما ببعضهما قوياً بحيث يبدوان كما لو كانـا نباتاً واحداً يمكنه أن يعيش حتى على الصخر العاري..

وهنالك قسم من النباتات التي تتغذى بطريقة شاذة جداً هي النباتات المعروفة باسم النباتات آكلة اللحوم، فهذه النباتات لا تتوافر لها كل المواد الخام التي تحتاج إليها في صنع الغذاء، فهي تقتنص الحشرات وتعتصر من أجسادها المواد الخام التي تحتاجها، وهي المواد النتروجينية!! ..

أما عن "البرسيم" فانه يساعد في الاحتفاظ بخصوبة الأرض، إذ توجد على جذوره عقد صغيرة تحتوي على بكتيريا تأخذ النتروجين من الجو، ويمتص البرسيم النتروجين من هذه العقد، وعندما يحرث مع الأرض ثانية فإنه يعيد إليها النتروجين لتستفيد به النباتات الأخرى!! ..

اللبـن

بل هنالك بعض النباتات التي تنتج "الحليب" ، وأن من أحسن هذه الأنواع التي تنتج حليباً يحتوي على المطاط هي شجرة "مطاط بارا " ، ولاستخراج الحليب من الشجرة يُقطع جزء رقيق من القلف في منطقة الجذع، ويجمع الحليب الذي يسيل من القطع، فالأحذية المطاطية واللادن مصنوعة من الحليب النباتي، كما توجد بعض المواد المفيدة في هذا القلف كسموم أو كعقاقير، فالكينين الذي يستخدم في علاج الملاريا يأتي من قلف شجرة "السنكونا" كما أن نخيل "كارنوبا" الذي ينمو في شمال شرق البرازيل أوراقه مغطاة بطبقة شمعية، ينزع هذا الشمع من الأوراق المسنّة بالدق ويستخدم في صنع الورنيشات والأقلام وورق الكربون..

كما توجد أشجار نخيل جوز الهند في المناطق الاستوائية، ويوجد بداخل كل ثمرة سائل حليبي يمكن شربه، كذلك يمكن أكل لحم الثمرة أو عصره لاستخراج الزيت الذي يستخدم في صنع كثير من الأشياء كالصابون والمسلي النباتي، ويعرف الجزء الشعري من الثمرة بالليف الذي يمكن نسجه في هيئة حصير خشن..

كما ذكروا بأنه توجد في غرب إفريقيا شجرة صغيرة تدعى سنسيبالم ذات ثمار عجيبة، فعندما يأكلها الإنسان يصبح طعم كل شيء بعد ذلك حلواً، والسبب في ذلك هو وجود مادة في الثمرة تؤثر في الحلمات الذوقية باللسان، وحتى الليمونة يصبح طعمها حلواً، غير أن تأثير هذه الثمار يزول بعد فترة..

وقيل– أيضاً – بأن الأعشاب البحرية البدائية نشأت في العصر الديفوني (منذ 350 – 400 مليون سنة) وفي هذه الأثناء كانت النباتات الأرضية الأولى ذات السيقان قد بدأت هي الأخرى في الظهور، ولم تكن قد تكونت لهذه النباتات أية أوراق أو جذور حقيقية، وقد بدأت أولى الحيوانات البرمائية في الظهور أثناء العصر الديفوني..

كما قيل بأن العصر الكربوني قد استمر وشغل الحقبة منذ 310 إلى 340، وفي أثناء هذه الحقبة كانت توجد نباتات شبه سرخسية ذات أوراق حقيقية، وفي نهاية هذه الحقبة أنتجت بعض هذه النباتات السراخس البذرية، أولى البذور، والبقايا الحفرية لنباتات العصر الكربوني هي التي كونت الفحم الذي نستخرجه من باطن الأرض إلى يومنا هذا..

هذا ويقدر عمر الأرض بحوالي 4500 مليون سنة، وقد أثبت علماء النباتات أن الطحالب والبكتريا قد وجدت منذ 200 مليون سنة على الأقل، وكانت هذه النباتات هي التي ساعدت في إيجاد الأوكسجين في الجو فمهدت الجو لظهور النباتات الأرضية والحيوانات التي تتنفس الهواء..

ومن هذه النباتات الأولى انقضت– كما ذكروا – حوالي 1600 مليون سنة قبل ظهور أولى النباتات الأرضية ذات السيقان، ومنذ ذلك التاريخ نشأت ومازالت تنشأ طرز نباتية متعددة مختلفة، وما زلنا في حاجة إلى معرفة الكثير عن النشأة المعقدة للنباتات عبر ملايين السنين التي وجدت فيها ..

كما أضافوا بأنه وفي نهاية العصر الجليدي بدأت النباتات التي نجحت في البقاء في المناطق الدافئة في الانتشار في الأماكن العارية التي انحسر عنها الجليد، وفي أميركا الشمالية تحركت النباتات شمالاً بحذاء الحزام الجبلي الذي يتجه من الشمال إلى الجنوب، أما في أوربا فالجبال تمتد من الشرق إلى الغرب وتكوِّن حاجزاً لم تتمكن كثيرة من اجتيازه، لهذا السبب لم تتمكن نباتات كثيرة من العودة تاركة شمال أوربا وبه عدد يقل عما هو موجود في آسيا وأميركا..

الفلاحــة

ولعل هنالك سؤالاً ربما يتبادر إلى الذهن ألا وهو : كيف بدأت الفلاحة ؟!

تقول المجلة المذكورة (.. يقال إن قبائل العصر الحجري الحديث هم أول من زرع الأرض من البشر، ومن المعلوم أن الناس لم تزرع الأرض في كل وقت، إذ أنهم كانوا في البداية يصطادون الحيوانات البرية ويجمعون النباتات البرية لغذائهم وكانوا مضطرين إلى التنقل كثيراً مما لم يتح لهم الفرصة لتكوين المهارات المختلفة..

وقد ظهر الفلاحون الأوائل في الشرق الأوسط في أيام العصر الحجري الحديث، وبدأوا يرعون الحيوانات ويزرعون المحاصيل، ولقد ساعدهم ذلك على الاستقرار في مكان واحد وأتاح لهم الفرصة لظهور مختلف المهارات، وقد أدى الاستقرار في الحياة والانتظام في الغذاء إلى زيادة في عدد السكان ، حتى انتهى الأمر بالبعض إلى الهجرة إلى أراضي جديدة آخذين مهاراتهم معهم، واقتطعت الأشجار من مساحات كبيرة من أراضي الغابات، وزرعت المحاصيل، كما تعلم المزارعون ري الأراضي بحفر الآبار وشق الترع، وعندما كانت المحاصيل تفيض عن حاجتهم كانوا يبادلون بها أشياء لأخرى، ومن هنا نشأت التجارة وتطورت..

هذا ويبدو فعلاً أن نباتات الدنيا وحيواناتها تعيش معاً في توازنٍ دقيق معقد!!.. ) .. انتهى.
بدايـات الاتصال الجنسي

والآن،

وبعد هذه المقتطفات والملاحظات عن عالم حياة النباتات نجد أن من تأمل هذا العالم النباتي يستنير فكره بالمزيد من أنوار الإيمان، بل تستثار الدهشة فيه ويستيقظ الاهتمام، وينقاد إلى التأمل في تلك الكيفية التي بدأ بها أول اتصال جنسي ما بين الذكر وأنثاه وتولدت نتيجة لذلك أول ثمرة تعني ببقاء الكائن وحفظ نوعه!!

أول من قال بالنشوء

ويجدر بنا هنا أن نشير ونؤكد بأن العرب هم في الحقيقة أول من قال بـ "النشوء" ، فعالم الحيوان والنبات والجماد- كما جاء في مقدمة كتاب "أصل الأنواع لدارون" ترجمة أحمد مظهر – يقولون بأنه:- (.. عالم واحد يفصل بين بعضها وبعض حدود انقلابية دقيقة، وقد مثلوا لذلك، فهم إذن– بالتالي – أول من أرسى مبادئ هذا المذهب، التي تعتبر اليوم من دعاماته الأولية وإن اختلفت الاصطلاحات..

فقد ذكر "أخوان الصفـاء" في إحدى رسائلهم عن هذا "النخل" قولهم: " .. وأما النخل فهو آخر مرتبة النبات مما يلي الحيوانية، وذلك بأن النخل نبات حيواني، لأن بعض أحواله وأفعاله مباين لأحوال النبات، وإن كان جسمه نبات" ..

وقد كان هذا– كما ذكر الشرّاح -: "استدلالاً منهم على أن القوة الفاعلة فيه منفصلة عن القوة المنفعلة، فأشخاص الذكورة فيه مباينة لأشخاص الأنوثة، وأن هنالك اشتراكاً بين الحيوانات والنباتات في بعض الصفات العامة.. "

كما أننا نجد أن العلاّمة "أبو علي أحمد بن محمد بن مسكويه الخازن" المتوفى عام 421هـ قد ذكر آراءً وشروحاً بيِّنـة جلية تنم عن تبحر في هذا المذهب، فقد قال في كتابـه "الفوز الأصغر" :- ".. إن أول أثر ظهر في عالمنا هذا من نحو المركز، بعد اجتماع العناصر الأولى، أثر حركة النفس في النبات، وذلك أنه تميز عن الجماد بالحركة والاغتذاء، وللنبات في قبول الأثر مراتب مختلفة لا تحصى، إلا أنّا نقسمه إلى ثلاث مراتب: الأولى، والوسطى، والأخيرة ليكون الكلام عليه أظهر، وأن لكل مرتبة من هذه المراتب غرضاً كبيراً، وبين المرتبة الأولى والوسطى مراتب كثيرة، وبهذا الترتيب يمكننا أن نشرح ما قصدنا إليه من إظهار هذا المعنى اللطيف"..

وعن هذه المرتبة الأولى ذكر ذلك النوع من النبات الذي لا يحتاج إلى بذور، ولم يحفظ نوعه ببذر كأنواع الحشائش، وذلك لأنه في أفق الجماد، والفرق بينهما هو هذا القدر اليسير من الحركة الضعيفة في قبول أثر النفس، كما أنها إشارة إلى تلك الفطريات، أي النباتات التي تتكاثر بوساطة الخلايا الجرثومية التي يقول فيها علماء النباتات في هذا الزمان أنها قسم عظيم من أقسام العالم النباتي التي تتركب من خلية واحدة، أو جرم من الخلايا المتصلة ولا يتميز فيها الجذر من الساق أو الورق..

وعن المرتبة الوسطى ذكر زيادة هذا المعنى وظهوره في الشجر الذي له ساق وورق وثمر يحفظ نوعه، وغراس يضعونها بها حسب حاجته إليها ، كالأعشاب..

وعن المرتبة الأخيرة ذكر تدرج هذا المعنى حتى انتهى إلى الشجر الكريم الذي يحتاج إلى عناية واستطابة التربة واستعذاب الماء والهواء لاعتدال مزاجها، وإلى صيانة ثمرتها التي تحفظ بها نوعها، كالزيتون والرمان والتفاح والتين.. الخ..

إلى أن قال: ".. وإذا انتهى إلى ذلك– أي النبات – صار في الأفق الأعلى من النبات، وصار بحيث إن زاد قبوله لهذا الأثر لم يبق له صورة النبات، وقبل حينئذ صورة الحيوان" .. و "إن هذه المرتبة الأخيرة من النبات إن كانت في شرفه فإنها أول أفق الحيوان، وهي أدون مرتبة فيه وأخسها، وأول ما يرقى النبات في منزلته الأخيرة ويتميز به عن مرتبته الأولى هو أن ينقلع من الأرض ولا يحتاج إلى إثبات عروقه فيها بما يحصل له من التصرف بالحركة الاختيارية، وهذه المرتبة الأولى من الحيوان ضعيفة لضعف أثر الحس فيها، وإنما يظهر فيها بجهة واحدة، أعني حساً واحداً هو الحس العام الذي يقال له حس اللمس، كما في الصدف وأنواع الحلزون الذي يوجد في شواطئ الأنهار وسواحل البحار" ..

"ثم يصير من هذه المرتبة إلى مرتبة الحيوان الذي يحاكي الإنسان من تلقاء نفسه ويشبهه من غير تعليم كالقرود وما أشبهها، وتبلغ من ذكائها أن تستكفي من التأديب بأن ترى الإنسان يعمل عملاً فتعمل مثله من غير أن تحوج الإنسان إلى تعب بها ورياضة لها، وهذه غاية أفق الحيوان التي إن تجاوزها وقبل زيادة يسيرة خرج بها من أفقه وصار في أفق الإنسان الذي يقبل العقل والتمييز والنطق والآلات التي يستعملها والصور التي تلائمها، فإذا بلغ هذه المرتبة تحرك إلى المعارف واشتاق إلى العلوم.. ، - (وربما كانت هذه هي الفترة التي أجال فيها الإنسان الأول نظره من فوق هذه الكرة الصغيرة متسائلاً: "ما هذا الكون الفسيح؟ !! " وليس من العصر اليوناني كما كنا نعتقد!!) – وحدثت قوى وملكات ومواهب من الله عزَّ وجلَّ يقتدر بها على الترقي والإمعان في هذه المرتبة، كما كان ذلك في المراتب الأخرى التي مرّ ذكرها، وأول هذه المراتب من الأفق الإنساني المتصل بآخر ذلك الأفق الحيواني مراتب الناس الذين يسكنون في أقاصي المعمورة من الأمم التي لا تميز عن القرود إلا بمرتبة يسيرة، ثم تتزايد فيهم قوة التمييز والفهم إلى أن يصيروا إلى أواسط الأقاليم، فيحدث فيهم الذكاء وسرعة الفهم والقبول للفضائل، وإلى هذا الموضع ينتهي فعل الطبيعة التي أوكلها الله عزَّ وجلَّ المحسوسات" ..

كذلك نجد أن "ابن خلدون" قد ذكر في مقدمته في "تفسير حقيقة النبوة" شرحاً تسلسلياً لبعض الأحياء من بعض بقوله:-

(.. ثم انظر علام التكوين كيف ابتدأ من المعادن، ثم النبات، ثم الحيوان، على هيئة بديعة من التدريج، آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات، مثل الحشائش وما لا بذر له، وآخر أفق النبات مثل "النخل" و "الكرم" متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون والصدف، ولم يوجد لهما إلا قوة "اللمس" فقط!! ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد الغريب لأن يصير أول أفق الذي بعده، واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه، وانتهى في التدريج إلى "الإنسان" صاحب الفكر والروِّية، ترتفع إليه من عالم القدرة الذي اجتمع فيه الحس والإدراك ولم ينته إلى الروِّية والفكر بالفعل، وكان ذلك أول أفق من الإنسان بعده، وهذا غاية مشهودنا) ..

وعلى ضوء كل هذا يجدر بنا أن نضيف أن الله - جلت قدرته – كما ذكر أهل الاختصاص- قد جعل في بذور النبات كما في بيوض الحيوانات، عناصر التخطيط النووي للخليّة، حسب نوع النبات، وبهذا التخطيط يتبع سيره في تكوين الثمرات على اختلاف ألوانها وثمراتها وطعومها وروائحها، بل له ما هو من قبيل الإحساس، وذلك هو امتثال الزهر لنور الشمس، لتأكيد حاجة النبات إليه، وإلى الحرارة..

العملية الكيميائية والتأثيرات

والنباتات- كما يقول المصدر السابق -: (.. هي المصدر الأساسي على وجه الأرض للطاقة، ذلك لأن النباتات هي الغذاء الرئيسي لجميع الحيوانات على وجه الأرض بطريق مباشر أو غير مباشر، كما له أيضاًً دور كبير في عالمنا هذا، هو دور الاستفادة من طاقة الشمس في عملية كيميائية يتم بها تحويل طاقة الشمس وغاز ثاني الكربون من الهواء والماء في الأرض إلى مواد غذائية في أجزاء النبات المختلفة، كالسكر مثلاً، وقد أظهرت عملية المتابعة لهذا التمثيل الضوئي بواسطة متابعة الكربون المشع في أجزاء النبات أن السكر لا يتكون مباشرة من المياه وثاني أوكسيد الكربون، بل تتكون أولاً مواد معقدة التركيب ثم تتحول هذه إلى جزيئات السكر، كما أُكتشف– أخيراً – بواسطة أجهزة دقيقة جداً- أن للنباتات المجروحة انتفاضات وارتعاشات، كما أنها تتأثر بالعقاقير بنفس الطريقة التي يتأثر بها الإنسان!!) ..

وكما يقول د. أحمد ذكي في كتابه: (مع الله في الأرض والسماء) :- (.. فإن أقدم شيء من الأشياء المتصفة بالحياة هو شجرة، هذه الشجرة عاشت خمسة آلاف سنة، وهذه المدة إنما هي لحظة من الأبد!!) ..

أقوال نبويــة

ويجدر بنا هنا حقيقة أن نتأمل قول رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم - وتشبيهه في حديثه النبوي القائل: (مَثَلُ المؤمن كمثل "الزرع" لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل الأرز لا تهتز حتى تستحصد ) والأرزة – كما ورد – شجر معروف يقال له الأرزن، يشبه شجر الصنوبر يكون بالشام وبلاد الأرمن، وقيل هو الصنوبر.

وكذلك قوله– صلى الله عليه وسلم – في الحديث النبوي الذي رواه ابن عمر– رضيّ الله عنهما – والذي قال فيه: (قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم – يوماً لأصحابه: أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن، فجعل القوم يذكرون شجراً من شجر البوادي، قال ابن عمر: وأُلقيَّ في نفسي أو روعي أنها "النخلة" فجعلت أريد أن أقولها فإذا أسنان القوم فأهاب أن أتكلم، فلما سكتوا، قال– صلى الله عليه وسلم - : هي النخلة) .. هذه التي تهتز أعاليها ولا يهتز جذعها، إلا للسيدة "مريم"!! ..

وفي الحديث النبوي الآخر عن أبي هريرة– رضيَّ الله عنه – أن رسول الله– صلى الله عليه وسلم – قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبيء اليهودي من وراء "الحجر" و "الشجر" فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبدالله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) ..

بدايات الصورة

وهكذا نستوعب رؤية أن تركيب البنية "العضوية" قد أخذ فعلاً يبدو بدوًا طبيعياً بيِّناً في هذه النباتات كمظهرٍ أول من مظاهر العضوية، وكأنّا بها تلك المضغة التي تتشكلت!!

أول البيوت

فهذه النباتات نرى أنها تتحرك إلى الغاية بقوة ذاتية ودافع داخلي، وهي القوة التلقائية التي تعمل على توجيه الكائن توجيها بسيطاً واحداً هو "حب البقاء" بعكس الجماد الذي لا يتحرك بدافع ذاتي، وفيه- أي النبات - تظهر الصورة كثيراً، كما أنها أجسام مقدر لها- أيضاً - طول وعرض وعمق!!

فكان هذا "البيت" النباتي، هو ثاني البيوت التي أعدت- كالتمهيد الأول – للاستقرار البيِّن، حيث الغذاء، والنمو، والحركة اللاإرادية، والتناسل!! ..

ومن هنا– وبه - بدأ التفاضل الحسي والتفاوت والتباين وبدت ملامح الموازنة في ما بين الأضداد، بأصنافها وألوانها، أسمائها وصفاتها، منافعها ومضارها، شفافيتها وكثافتها.. وكذلك- ومعه - أيضاً - بزغ فجر التفاضل المعنوي، ولاحت تباشير الفرقتين أكثر ملامحاً من الأول، لاحت تباشير قدوم الثنائية المتوازية (الذكورة والأنوثة) ، أي "الزوجية" أكثر وضوحاً وتباينا..

ولنا في: (يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي تعال فاقتله) ، ما يعد "النفع" الأكبر الذي يمكن أن يقدمه لنا هذا "الحجر" – نطقا كان أم إشارة أم تذكرة - في مستقبل النور الباسم باذن الله!!
كما بدأ أيضاً العلم ببوادر ما يعنيه معنى "الجن" المسلم وما يعنيه معنى "الجن" الكافر!! وهما الساكنان الخفيّان كموناً في هذا البيت الترابي الثاني!!

وعليه، فإننا نقول بأن من كان من عالم هذا النبات من هو من أولئك "الجن" المسلم، كانت شجرته ذات ثمر نافع مفيد، وهو بلا شك المفضّل المرغوب، ومن كان كافراً كانت شجرته ذات ثمر ضار مؤذي، قد يؤدي إلى الهلاك..

وهكذا يظهر ويبدو جلياً وبكل وضوح- من خلال كلمة "نفضِّل" المذكورة في ثنايا الآية الكريمة رقم (4) من سورة الرعد- مدى التفاوت في التفاضل بين الشجر!! ولماذا وعد الله– سبحانه وتعالى – بأن: (.. َالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ) "الأعراف/58" ..

ومضت الدهور..

فإلى ثالث الحقب حيث بدايات الحركة الإرادية ومسيرة البنية "العضوية" الأفقية بوقع "الخطى" على سطح الأرض بأقدامها الأربعة، الأمامية والخلفية!! أي (الحيوان)!! ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى