الثلاثاء ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠١١
أي وحدة عربية

في ظل التشتت القبلي والمذهبي؟

اعداد: روعة قاسم

طرحت الثورات التي عمت هذه الأيام ارجاء الوطن العربي من المحيط الى الخليج السؤال حول امكانية اعادة مشروع الوحدة العربية القومية التي حولتها الانظمة الحاكمة المستبدة الى مجرد هياكل جامدة جعلت الشعوب العربية تنفر من مشاريع الوحدة وتعتبرها اداة لتسلط نظام حكم على آخر. لكن وحدة التعاطف التي انجبتها ثورة تونس وانتقلت عدواها الى باقي الدول العربية برهنت على ان هناك وحدة في المعاناة من الانظمة المستبدة تمثل قاسما مشتركا بين جميع العرب الى جانب الخلفية الثقافية والتاريخية وماضي النضال المشترك الذي يجمع العرب ما يطرح تساؤلا عن امكانية نفض الرماد عن حلم الوحدة العربية وتحقيقها واقعيا.

وللبحث اكثر في طيات معنى الوحدة ومشروعيتها وامكانية قيامها اتجهت « الأسبوعي» الى عدد من المفكرين والباحثين التونسيين والعرب على غرار المحامي والمناضل السوري حبيب عيسى والمفكر المصري محمد سيف الدولة والإعلامي والباحث التونسي الناصر الخشيني والذين يعدون من اشد المؤمنين بمشروع الوحدة. كما اتصلنا بالباحث الاجتماعي المنصف وناس الذي قدم لنا قراءة سوسيولوجية اكاديمية لدور المعطى القبلي والمذهبي والاثني في امكانية توحيد الشعوب العربية، اضافة الى الاستاذ محمد الكيلاني امين عام الحزب الاشتراكي اليساري. وفيما يلي نص الحوارات:

المنصف وناس: إخفاق المشروع الوحدوي أدى إلى ظهور النزعات القبلية

يعتبرالباحث الاجتماعي والأستاذ بجامعة تونس المنصف وناس ان تراجع المشاريع الوحدوية هو الذي أدى الى بروز المعطى الطائفي والقبلي والاثني على السطح في اقطار عديدة. وان الانظمة الحاكمة استغلت هذه الانقسامات للتمسك بالبنيات الاجتماعية التقليدية للحفاظ على سلطاتها. وان النموذج المثالي للوحدة يراه قائما على أساس عقلاني وموضوعي. ويؤكد في حديثه لـ « الأسبوعي» بان الثورات العربية الحاصلة تشجع على مشروع الوحدة وتوفر ظروفا افضل لإقامة تكامل اقتصادي يوحد الأسواق والإمكانيات ويخلق خيالا تكامليا افضل من ذي قبل.

نعرات محلية

يؤكد الأستاذ وناس بـ»ان المشاريع الوحدوية العربية تراجعت تراجعا كبيرا لان الدول العربية التي كانت ترفع شعارالوحدة فشلت في أغلبها ولم تعد نفسها ترفع مشاريع الوحدة العربية ولم تعد معنية بالأمر. بل ثمة من اختار حتى الوحدة الافريقية. وأدى هذا الإخفاق الى ظهور نعرات محلية على غرار الطائفية والقبلية والعروشية والأثنية في أقطارعديدة مثل العراق وليبيا ولبنان والجزائر والمغرب واليمن. وهذا أمر طبيعي لأن الأفراد يبحثون عن دعم وحماية وهياكل قديمة وتقليدية تمنحهم الثقة بالنفس والشعور بالطمأنينة وبالاستقرار وتزودهم بالدعم المادي ايضا مثل القبيلة اوالطائفة التي باتت تلعب دورالحامي في ظل تراجع دور الدولة القومية وقدرة المشروع القومي على التعبئة والتأطير. حينها تظهرالهياكل المحلية الوسيطة بين الأفراد والدولة وتتدعم قوتها وتتأكد أهميتها وهذا طبيعي».

أشكال جديدة

وحول الشكل الأمثل الذي يتصوره للوحدة العربية أجاب الأستاذ وناس بالقول:» ربما أكثر متانة وانضباطا وواقعية. ولا يجب ان نتشاءم اوان نتفاءل نهائيا وانما هي حالة وسطى. فربما اثبتت العقود القادمة اشكالا جديدة من الوحدة تتميز بالعقلانية والرصانة والموضوعية والقدرة على التنفيذ الفعلي لهذا المشروع الوحدوي. اذ ممكن جدا ان يتم ابتداع اشكال جديدة مبنية على التكامل الاقتصادي من خلال العمل على اندماج الاقتصاديات القومية. وبرأيي فإن هذا اكثر نجاعة واكثر إفادة للإنسان العربي من تجارب وحدوية اندماجية لا يكتب لها النجاح. ولا يجب ان ننسى اليوم ان العولمة اثبتت واقعية كبيرة لدى الشعوب تفسرها الحاجة والتأكيد على الجدوى الاقتصادية التكاملية وعلى النفع الاستثماري والنفعوي الذي يحظى بأهمية لدى الأفراد».

ويلفت الباحث الاجتماعي الى ان الثورات العربية الحاصلة تشجع على مشروع الوحدة وتوفر ظروفا أفضل لإقامة تكامل اقتصادي يوحد الأسواق والامكانيات ويخلق خيالا تكامليا أفضل من ذي قبل.

مشروع وطني

وحول سؤالنا عن كيفية تجاوزالمعطى القبلي والمذهبي خاصة انه أدى الى حروب اهلية أليمة في بعض الدول مثل لبنان والعراق فيؤكد بان «الأصل في الأموران تندمج القبيلة والعشيرة والطائفة في النسيج الاجتماعي الثقافي الوطني وان تذوب تدريجيا من خلال مشروع وطني يساعد على تحلل البنيات التقليدية القديمة وذوبانها في مشاريع وطنية شاملة في نسيج اجتماعي. ولكن ما حصل خلال الأعوام الماضية ان الأنظمة الحاكمة عملت على الإبقاء المتعمد على هذه البنيات التقليدية والقديمة لغاية تسخيرها لخدمة مصالحها وتوظيفها في الالتفاف على المطلب الديموقراطي والتحديثي المجتمعي والحفاظ على هياكل تقليدية لا تستعدي التحديث وهي حالة متعمدة وليست عفوية. ويمكن تجاوزالنعرات المحلية من خلال العمل على انجازمشروع تحديثي سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي والعمل على الانخراط الواعي في الحياة السياسية.

قطيعة

اما عن دورالأنظمة التي من الممكن ان تتمخض عنها الثورات في بعض الدول العربية فيرى الأستاذ وناس :» ان من الأولويات بعد هذه الثورات العظيمة انجازمشروع تحديثي وديموقراطي يقطع نهائيا مع تراث الاستبداد والفساد ويساعد على الاندماج في بنية ديموقراطية تحديثية جديدة تتجاوز كل التراث السلبي الذي عانينا منه على امتداد عقود من الزمن وختم الأستاذ وناس بالقول:» ربما مشاريع الوحدة تبدأ اقتصادية ثم سياسية وثقافية فتعليمية.واتمنى ان تكون هذه الثورات شاملة وتقطع مع تراث الاستبداد وان تكون منطلقا لمرحلة عربية أفضل أكثراحترما للديموقراطية وكرامة الانسان وحقوقه. وتقطع مع كل التراكمات السابقة التي اتسمت بالاستبداد وبالديكتاتورية».

محمد الكيلاني: التيارات العروبية متهمة بإقصاء الأقليات القومية والدينية

يرى الأستاذ محمد الكيلاني أمين عام الحزب الاشتراكي اليساري التونسي ان العائق الأساسي أمام الوحدة العربية هوالعولمة التي قسمت العالم الى تكتلات اقتصادية كبرى. ويعتبر في حديث لـ « الأسبوعي» بان النموذج الأمثل للوحدة العربية هو المبني على أساس التكامل الاقتصادي الذي قد يتطورلاحقا الى وحدة ثقافية وسياسية.

خطرالعولمة

وحول التحديات التي تعيق اقامة مشروع الوحدة القومية العربية أفادنا الأستاذ الكيلاني :» ان الفروقات القبلية اوالأثنية اوالمذهبية لا تمثل عائقا امام الوحدة، وانما الخطر يتمثل في العولمة التي تحولت بموجبها القوى الاستعمارية الأساسية القديمة والقوى العظمى الحالية اي الولايات المتحدة الأمريكية الى امبراطورية عالمية، بحيث اصبح العالم مقسما الى تكتلات عظمى حسب الأسواق العالمية. فالتجمعات الآن لم تعد تبنى على أساس قومي وانما على أساس المصلحة الاقتصادية التي يمثلها الرأسمال المعولم. لذلك فالعائق الأساس هوالرأسمال المعولم وليس في التمايزالقبلي اوالمذهبي الموجود في المنطقة العربية».

اما عن النزعات الانفصالية التي ظهرت في بعض الدول العربية على أساس اثني مثلما حصل في السودان فيجيب الكيلاني بالقول:» ظاهريا يبدوان هذه الانقسامات حصلت بسبب المعطى الاثني والمذهبي لكن في حقيقة الأمران العامل الأساسي الدافع للانقسام هوالنفط والطاقة الذين تبحث عنهما كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لذلك تم تقسيم السودان بما يتلاءم مع المصالح الغربية في افريقيا وليس بسبب الاختلاف الاثني اوالديني. وكذلك الشأن في الحروب والنزاعات القائمة حول منطقة البحيرات الكبرى في الوسط الإفريقي، فهي حروب قامت أصلا بدافع اعادة اقتسام المصالح الاقتصادية داخل الغرب الامبريالي، لذلك فان ما نراه من حروب تحت ستارالنزاعات القبلية هي في حقيقة الأمر مجرد مبررلا أكثرولا أقل لإخفاء المصالح والأغراض الحقيقية».

اما عن تصوره للنموذج المثالي للوحدة القومية العربية فيردف قائلا:» بات من المؤكد بالنسبة للعصرالراهن ان تقوم الوحدة على مراحل : فأولا هناك التقارب الثقافي والاثني الذي يمكن ان يربط منطقة المغرب العربي ويخلق تقاربا بين شعوبها ذات الأصول البربرية القديمة التي تعاقبت عليها الحضارات العربية. وهذا العامل يخلق نوعا من الفضاء الاقتصادي. فتبنى الوحدة اولا على النمط الأوروبي ثم تتطورلاحقا حينما تتدعم المصالح وتؤثث لوحدة سياسية وثقافية. فمثلا لوتحققت حالة من التكامل الاقتصادي في المغرب العربي فان ما يقارب من مائتي الف موطن عمل يمكن ان يتحقق بين دول المنطقة لأن نسبة النمو سترتفع تلقائيا بسبب الاندماج الاقتصادي وربما تحقق أرقاما شبيهة بما يحققه النمو في الصين مثلا».

فشل

وحول أسباب فشل مشاريع الوحدة العربية في التاريخ المعاصر يقول:
«ان الوحدة العربية التي عرفناها سابقا أتت من فوق دون ان تأخذ بعين الاعتبار عملية التطور الطبيعي وطاقة التكامل بين الشعوب. لذلك فان مصيرها كان الفشل لأنها وحدة مبنية على أساس المصالح السياسية والاقتصادية المتغيرة للأنظمة الحاكمة. ومع كل تغيرتحدث انقسامات وانقلاب على الخطوة السياسية التي قاموا بها وهذا يرهق الشعوب ويجعلها تنفر وتتشاءم من هذه المشاريع. تماما مثلما حصل بين لبنان وسوريا فالنظام السوري وضع يده على لبنان لفترة طويلة باسم الجامعة العربية والحفاظ على السلام، وهذا ما خلق حالة من النفور لدى فئة من اللبنانيين وبخاصة من الطائفة المسيحية ما جعلها تشعربكونها تحت سلطة قوة خارجية تتدخل بشؤونها. وكذلك الأمر بالنسبة للشعب الكردي فهو مقسم على دول متعددة في المنطقة وعانى من النظام البعثي العراقي القديم الذي لم يترك له المجال للدفاع عن مصالحه. ما خلق لديه توجسا من النزعات الشوفينية للتيارات القومية باعتبارها لا تعيرأهمية لحق الأقليات القومية والدينية في الحفاظ على ذاتيتها وثقافتها الخاصة. وبات الاتهام موجها للقومية العربية بأنها تسعى الى اقصاء القوميات الأخرى التي تعيش في المنطقة».

الناصر الخشيني: التجزئة غير مشروعة تاريخيا وجماهيريا ولا يكون الرد عليها بالوحدة فورا دور الدول الاقليمية لا يقل خطورة عن الدور الذي تقوم به الصهيونية في تقسيم الدول العربية

لا يرى الكاتب والإعلامي الناصر الخشيني اي عائق أمام قيام مشروع الوحدة العربية القومية بل هو يعتبر في حديث لـ « الأسبوعي « ان التجزئة غير شرعية في الوطن العربي وان الوحدة تكتسي مشروعيتها من الجماهيرالعريضة. وتأخذ ابعادها من الوجود التاريخي للأمة ككل عبرتاريخ يمتد الى عدة قرون من الوجود القومي المكتمل منذ مجيء الاسلام. ويؤكد عضو حركة الشعب الوحدوية التقدمية بان الانفصال فرض على أمتنا قسرا ودون ارادتها حسب الأهواء الاستعمارية.

 اولا؛ هل لا زال مشروع الوحدة العربية قائما بالنظر الى المعطى القبلي والمذهبي الذي بدأ يخرج الى العلن في بعض الأقطار؟
 اعتقد ان الأمة العربية هي أمة مكتملة التكوين منذ مجيء الإسلام الى الشعوب والقبائل التي كانت موجودة في المنطقة،وذلك بقطع النظرعن احتلال أجزاء من هذا الوطن في سبتة ومليلة أوالأوغادين أوفلسطين أوالأحوازالعربية ومناطق أخرى لا بد أن تتحرر.وكذلك هناك حدود مصطنعة بفعل التآمرالاستعماري منذ مؤتمر خبراء الاستعمار بلندن سنة 1907 واتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور واقامة مشروع استعماري للصهاينة في فلسطين. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بحيث ان الدول الاقليمية كل منها تحتل جزءا من الوطن العربي وتعزل جزءا من الشعب العربي وراء الحدود والجوازات والقوانين الإقليمية، بحيث تحرم بقية الشعب العربي من ممارسة سيادته على كل الأرض العربية. وهو نفس الدور الذي تقوم به الصهيونية المعتدية على الأمة والتي تحتل فلسطين بالكامل. وبالتالي تحول دون أن تبسط امتنا كامل سيادتها على كل وطنها .

وبذلك فان دورالدول الاقليمية لا يقل خطورة عن الدورالذي تقوم به الصهيونية. لذا ارتعدت فرائص الصهاينة خوفا من الثورات العربية التي أطاحت لحد الآن بنظامين من أشرس الأنظمة العربية وأكثرها فسادا وأشدها تعاونا مع الكيان الصهيوني.أما القبلية فانها طور متخلف عن الطور القومي يلحقه تاريخيا ولا يلغيه لأنه أقل تطورا في اطار التطورالاجتماعي للمجتمعات البشرية من الأسرة الى العشيرة الى القبيلة فالأمة.بحيث يكون كل طور جزءا من الطورالمتأخرعنه. وبالتالي فان القومية لا تلغي الأطوارالسابقة عليها بل تهذبها وترقيها بجملة قيمها ومثلها العليا من دين وقيم أخلاقية مشتركة. وأما ما يحصل الآن في الوطن العربي من محاولة لإحياء النعرات الطائفية والمذهبية، فهي مجرد محاولات استعمارية للنفخ في هذه الكنتونات لإحيائها لصالح المشاريع الاستعمارية والصهيونية والإقليمية الرجعية التي تعمل على توطيد كراسي حكمها وتحكمها بالمنطقة لا غير.

ويمكن أن نشيرالى السؤال بطريقة مقلوبة وهو مدى شرعية التجزئة في الوطن العربي حيث ان كل الساحات العربية في كل تحركاتها لهذه السنة قد نادت بالوحدة . فالوحدة اذن تكتسي مشروعيتها من الجماهيرالعريضة؛ اضافة الى مشروعية الوجود التاريخي للأمة ككل عبر تاريخ يمتد الى عدة قرون من الوجود القومي المكتمل منذ مجيء الإسلام. وبالتالي فان التجزئة غير مشروعة تاريخيا وجماهيريا وبكل بساطة يكون الرد عليها بإقامة الوحدة فورا ودون تردد. فالتجزئة عدوان سافر على تاريخ الأمة وعلى ارادة جماهيرها فلابد من مقاومته بالوحدة المشروعة انسجاما مع وحدة الوجود القومي للأمة.

 هل يمكن للعامل المذهبي او الطائفي ان يمنع من اقامة الوحدة؟
 بالنسبة للمذاهب والأديان والطوائف فإنها مرتبطة أساسا بالدين.فالأمة العربية أمة متدينة بالأديان السماوية، وكل دين فيه مذاهب واجتهادات بشرية في نطاق الدين الواحد.وهي لا تشكل عائقا أمام وحدة المصيرالقومي خاصة أن هذه الأمة وحتى وان وجدت فيها قلة غير مسلمة فإن ذلك لا يؤثرعلى انتمائها للحضارة الإسلامية.فالمسيحيون الموجودون في الشرق الأوسط معظمهم يتبع الكنيسة الأورثودكسية المشرقية وليس الكاثوليكية الغربية. وبالتالي فانهم اقرب الى الحضارة الاسلامية منهم الى الحضارة الغربية، بدليل اشتراكهم في معارك الدفاع عن أمتهم العربية في مواجهة موجات الغزوالصليبي في العصورالوسطى والاستعماري في العصور الحديثة.

 ما هو شكل الوحدة الذي تتصوره ؟ وهل هو اقتصادي على النمط الأوروبي مثلا؟
 برأيي إن الوحدة الأوروبية مبنية على أسس المصالح الاقتصادية. وفي نطاق دفاعها عن نفسها أمام تغول العولمة وظهور كيانات اقتصادية مؤثرة في العالم كالصين والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وغيرها من القوى، فإنها لاتزال تعاني من الصراعات القومية فيما بينها بدليل عدم ادراجها لغة واحدة تجمعها ومحافظة كل أمة على كيانها الثقافي القومي دون التنازل عنه . وأما بالنسبة للأمة العربية فان الوحدة بينها ليست لاعتبارات اقتصادية وان كان العامل الاقتصادي ضروريا في هذا العصر ولكنه ليس الحاسم. بالنسبة الينا ؛ السؤال الذي يطرح هو كيف تتوحد الأمم الأوروبية المتعددة وتبقى الأمة العربية محتفظة بالتجزئة. بل ونلاحظ محاولات سيئة النية والمقاصد لمزيد من التفتيت كما حصل بالسودان أو محاولات تقسيم العراق أو ليبيا وغيرها من الأقطار العربية .

كما أنه لا يمكن اشتراط أي شكل محدد من أشكال الوحدة فيدرالية أو كونفدرالية أو غيرها، فهذه أمور فنية تناقش في ظل الوحدة التي لا بد أن تقوم ردا على عدوان الانفصال الذي فرض على أمتنا قسرا ودون ارادتها حسب الأهواء الاستعمارية. اذا استعمرت الهند ووحدت واستعمرت العديد من البلدان ووحدت ما عدا الأمة العربية فانها قسمت الى اثنين وعشرين دويلة، وهي الأمة الوحيدة المقسمة الى هذا الحد فهلا ألغينا هذه الجريمة البشعة في ظل الثورات القائمة في الوطن العربي؟

خيرالدين الصوابني: روابط الأمة هي عوامل إثراء وتنوع لا عوامل تفكك وتمزيق

يعتبر حزب الطليعة العربي الديموقراطي في تونس من التيارات القومية العروبية التي تنادي بالوحدة ولم يتسرب اليها اليأس من امكانية نجاح هذا المشروع الوحدوي بالرغم من النكسات العديدة التي أصابت هذا الحلم.ويؤكد خير الدين الصوابني الناطق الرسمي باسم الحزب بان الوحدة العربية الديمقراطية والإنسانية والاشتراكية التي ينادي بها حزبه وحدة إرادية ينادي بها الشعب لأنها تشكل أولا حقه في توحيد ذاته المفككة وطريقه إلى الازدهاروالنهضة ومسايرة الأمم المتقدمة. ويوضح في حديثه لـ « الاسبوعي» بان استعادة الدولة لدورها المنشود وهورعاية المجتمع بكليته ضمن نظام العدالة والتنمية الشاملة. والديمقراطية القائمة على حق المواطنة هي التي تجعل المواطن يبحث عن الحماية لدى الدولة لا لدى العشيرة أو الطائفة أو الجهة.

 برأيكم. بعد موجة الثورات التي عرفتها المنطقة هل يمكن إعادة إحياء مشروع الوحدة القومية في ظل الروابط القبلية والأثنية والمذهبية المسيطرة؟
 إن المتمعن في أسباب ظاهرة الارتداد إلى الروابط القبلية والأثنية والمذهبية وحتى الجهوية في أرجاء من الوطن العربي يمكنه أن يدرك أنها وليدة فشل مشروع الدولة الوطنية القطرية وما ارتبط بها من فشل مشاريع تنمية إن لم يكن غيابها، فضلا عن تجييش الدولة وتوظيفها عبر القمع والقهروالفساد والاستغلال والإقصاء والتهميش لخدمة الأقلية الحاكمة قبل أن تتحول إلى خدمة زمرة من الأفراد أوالأسر.وهوما جعل الدولة تبدو في نظر جل مكونات المجتمع جهاز تفريق لا جهاز جمع، جهاز إقصاء لا جهازا حاضنا؛ وجهاز تهميش لا جهاز نهوض.هذا الإحساس بالتهميش والإقصاء غذى نزاعات انفصالية وانطوائية وانكفائية للإحتماء من ظلم الدولة وقهرها من ناحية وللبحث عن الحق في وجود كريم وفي الثروة والعدالة من ناحية أخرى، ولأن الممسكين بدفة الدولة مضوا في تغذية النعرات الطائفية والقبلية والجهوية والإثنية اعتقادا منهم أن تمزيق النسيج الاجتماعي الجماعي وتفكيك المجتمع ييسرلهم التحكم. فقد زاد ذلك في تعميق الهوة بين مكونات المجتمع من ناحية اذ يصطدم هذا الجزء بذلك، ومن ناحية ثانية بين المكون الطائفي والأثني والقبلي والجهوي وبين الدولة باعتبارها دولة الآخرلا دولته، وانضم إلى ذلك التآمرالخارجي الباحث عن مصالحه ليشق طريقه بين المتصارعين .

 اذن برأيكم ما هي الحلول الممكنة لإعادة إحياء الوحدة؟
 إذا سلمنا بهذه الحقائق فإننا سندرك أن التمزق ليس قدرا لا مفر منه بل هو حصيلة فشل وتآمر ينتفي إذا ما تمت الإجابة الصحيحة عنه باستعادة الدولة لدورها المنشود. وهورعاية المجتمع بكليته ضمن نظام العدالة والتنمية الشاملة والديمقراطية القائمة على حق المواطنة وهي التي تجعل المواطن يبحث عن الحماية لدى الدولة لا لدى العشيرة آوالطائفة آوالجهة ... وبالتالي تتلاشى الروابط او تذوب في رابطة الشعب وهو ما يحيلنا إلى روابط الأمة التي تنصهر فيها كل الروابط وتصبح عوامل إثراء وتنوع لا عوامل تفكك وتمزيق، فالوحدة العربية الديمقراطية والإنسانية والاشتراكية التي ينادي حزب الطليعة العربي الديمقراطي هي وحدة إرادية ينادي بها الشعب لأنها تشكل أولا حقه في توحيد ذاته المفككة وطريقه إلى الازدهار والنهضة ومسايرة الأمم المتقدمة ولأنها ثانيا تشكل الإجابة الحقيقية عن فشل الدولة الإقليمية وعجزها الذي تحدثنا عنه والذي كان سببا في كل المآسي بدءا من ضياع فلسطين مرورا بالدكتاتورية والفساد والفقر وانتهاء بتفكيك بعض البلدان العربية وتمزيقها .

المحامي والمناضل السوري حبيب عيسى: المواطن العربي بدأ يكتشف وحدة المشكلات القومية ووحدة الطغاة

يعتبر الحقوقي والمفكر حبيب عيسى من رواد الفكر القومي العربي وهو من المعجبين بجمال عبد الناصر، ويعتبر واحدا من تلامذة عصمت سيف الدولة المخلصين لنهجه. انتسب إلى الاتحاد الاشتراكي العربي سوريا في عقد الستينات من القرن الماضي، لكنه أعلن انسحابه منه بعد دخول ذلك الحزب في جبهة مع النظام الحاكم في سوريا ليتابع الدعوة لبناء التنظيم القومي عبر ما عرف في ذلك الوقت بـ»بيان طارق» وحركة أنصا الطليعة العربية. وفي عام 2000 لعب دورا بارزا فيما عرف في ذلك الوقت بـ « ربيع دمشق « وساهم بتأسيس» منتدى جمال الأتاسي للحوار الديموقراطي» إلى أن تم اعتقاله ضمن الحملة لإجهاض «ربيع دمشق» في سبتمبر 2001 حتى تم الإفراج عنه في سنة 2006 بسبب تدخل من اتحاد المحامين العرب، فعاد إلى ممارسة مهنة المحاماة حتى صدر قرارعن نقابة المحامين السورية بمنعه من ممارسة المهنة حتى اليوم. ويعد حبيب عيسى من رواد المنهج الإنساني الجدلي واعتماده كمنهج لبناء التنظيم القومي لبناء دولة الوحدة العربية. وقد خص «الأسبوعي» بهذا الحوار الشامل عن الوحدة العربية مباشرة من دمشق عبر الهاتف رغم صعوبة الاتصالات والمضايقات التي يتعرض لها. *لقد اشعلت الثورات العربية وحدة في التعاطف بين شعوب المنطقة فهل يمكن ان تنفض الرماد مجددا عن مشروع الوحدة القومية العربية؟

 في أوروبا يتم التوحيد بين أمم ودول قومية متباينة بينما يتم منع الأمة العربية الواحدة من التوحد؟
 برأيي؛ إن مشروع الوحدة العربية ليس مشروعاً سياسياً آنياً حتى يقوم، أو ينتهي. إنه مشروع وجود وهوية، مشروع تاريخ وحاضر ومستقبل سيبقى قائماً، الحامل له يتجدد دورياً من جيل عربي إلى جيل عربي آخر، حتى يتمكن جيل عربي ما، من إنجازه...إن مشروع الوحدة يرتبط تلازماً مع وجود الأمة العربية، فإذا كانت الأمة العربية موجودة، فإن مشروع الوحدة ملازم لهذا الوجود، وهي عندنا موجودة، وبالتالي فإن مشروع الوحدة العربية موجود، ومن حق الشعب العربي على تنوع أروماته الإثنية، وعقائده الدينية والطائفية والمذهبية، أن تتنوع أهدافه السياسية : بين اليمين واليسار، بين المذاهب الاشتراكية ومذاهب الأسواق المفتوحة، بين الأحزاب التقدمية والأحزاب المحافظة، بين وبين.....، لكن، وكما في كل أمم الأرض، أن يكون ذلك التنوع في إطار الوجود التاريخي للأمة، لا انتقاصاً من ذلك الوجود، ولاعدواناً على أية أمة أخرى... يترتب عن ذلك أن مشروع الوحدة العربية ليس مشروعاً سياسياً يقتصرعلى فصيل سياسي عربي دون غيره، وإنما هو مشروع جميع أبناء الأمة العربية بجميع توجهاتهم السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حتى لوكان البعض منهم لا يدرك ذلك. فوحدة الوجود القومي للأمة العربية تحـتم وحدة المشكلات فيها، وبالتالي وحدة الحلول، وبما أن غائية المشاريع السياسية تتمثل في حل المشكلات الاجتماعية، فإن المشاريع السياسية التي لا تعالج تلك المشكلات بشموليتها تسقط في امتحان حل المشكلات جزئياً.

وتجربة فشل النظام الإقليمي في الوطن العربي على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية ماثلة في الأذهان، حيث الوطن العربي الآن على صعيد الأجزاء، وعلى صعيد الكل مرتهن للطغاة وللغزاة وللعصابات الناهبة المفسدة تتساوى في ذلك جمهوريات الصمت والإفقار مع ممالك النهب والثراء، مما جعل الأفق العربي مسدوداً، ولا حل إلا بالثورة العربية المباركة التي انطلقت من تونس، ولن تكتمل إلا برفع راياتها بين المحيط والخليج. هذه هي المعادلة الحقيقية، وماعدا ذلك مجرد زيف، مجرد زبد سيذهب جفاء عن هذه الأرض العربية الطهور، سيرحل مع رحيل الطغاة، فالشعب العربي أراد، والشعب العربي يريد، ولا راد لإرادته...

  ان الاخفاقات التي تعرض لها مشروع الوحدة جعل البعض يتشاءم من امكانية تحقيقه ومن جدوى قيامه فما رايكم؟
 إنني أستنكرمن حيث المبدأ، أن يكون مشروع الوحدة العربية، مجالاً للسؤال، لكنني أقدرعمق المحنة التي تمر بها الأمة، ومدى الطغيان الذي مارسه، ويمارسه طغاة تثبت الأحداث الراهنة أنهم من أسفل فصائل الوحوش، أنت تعرفين أنني أنتمي إلى جيل ولد في النصف الأول من القرن الماضي، لم أتذكر أنه في لحظة واحدة من طفولتي، أو شبابي، أن أحداً كان يتجرأ على طرح السؤال عن وجود الأمة العربية من عدمه ؟ أوعن حقنا في إقامة دولة تتطابق حدودها مع حدود الأمة، وطناً، وشعباً؟ كان السؤال في ذلك الوقت، وحتى الاختلاف كان ينحصرفي : ما هوالسبيل إلى دولة الوحدة؟ وفي طبيعة نظامها السياسي والاقتصادي؟ لم يكن أحد في هذا الوطن العربي يتجرأ على التساؤل عن حقنا في تحرير فلسطين والاسكندرونة والأحواز وجزرالخليج وسبته ومليلة، وسائرالأرض العربية؟ وإنما كان السؤال: كيف نحررها؟ إلى أن استقرالطغاة على عروشهم منذ عقود، وانحسرمشروع النهوض والتحرير والتوحيد والتنوير القومي العربي التقدمي، وحلت محله مشاريع الأقلمة والمذهبية والطوائف والخلط بين الانتماء الديني والانتماء الوطني، مما سهل الصفقات والتسويات مع الصهاينة، وغيرالصهاينة، وباتت التبعية للقوى الإقليمية والدولية وتنفيذ مخططاتها، وجهة نظر،عندها وجدنا أنفسنا أمام نظريات تتحدث علناً عن أنه لا وجود أصلاً للأمة العربية، وأنها كانت في طورالتكوين، لكنها لم تتكون، ولا وجود للوطن العربي، وإنما نحن أمام ممالك وجمهوريات وجماهيريات شرق أوسطية وشمال إفريقية وقبائل وأقليات وطوائف ومذاهب وإثنيات شرق أوسطية، وأنه لا وجود لا للأمة العربية، ولا للوطن العربي، وبالتالي، فليبحث كل كائن في هذه الأرض الممتدة بين المحيط والخليج عن جحر طائفي، أو مذهبي، أو إثني أو ديني يحتمي به، وليترك الشعب العربي للطغاة تسيير مصالح الخارج، وإدارة السلطات والتسلط، وتنظيم عمليات النهب والفساد والإفساد والقمع... لقد كان ليلاً عربياً طويلاً، لكننا، كنا ندرك أنها محنة وستمضي، وهاهي الثورة العربية في طابعها الجديد تعيد الأمور إلى نصابها، صحيح أننا مازلنا في البدايات، ومازالت الثورة تتعثر في بعض المواقع، لكن المواطن العربي بدأ يخرج من القمقم، ويكتشف وحدة المشكلات القومية، ووحدة الطغاة والغزاة، وفي الوقت ذاته وحدة الثوار، ووحدة الحلول...

أردت من ذلك أن أقول بكل ثقة : أن مشروع الوحدة العربية، هو مشروع مستقبل هذه الأمة العربية، وعنوان وجودها...

 هل يمكن لهذا المعطى المذهبي والقبلي الذي برزإلى السطح في بعض الأقطار ان يعرقل قيام الوحدة العربية رغم ان الثورات العربية انجبت نوعا من وحدة التعاطف بين الشعوب العربية. فماذا تقولون؟
 أولاً. أرجو أن تسمحي لي أن اختلف معك في مصطلح «الثورات العربية»، فنحن الآن أمام ثورة عربية انطلقت من تونس وتمتد لتشمل الوطن العربي، وهي إما أن تنجح بين المحيط والخليج، وإما أن تفشل بين المحيط والخليج، وثانياً. أن أختلف في مصطلح «الشعوب العربية»، فالشعب العربي بين المحيط والخليج شعب واحد، وثالثاً : أن أختلف في أن»المعطى المذهبي والأثني والقبلي» قد برز إلى السطح، كما أنني ألحظ تناقضاً بيناً بين الشق الثاني، والشق الثالث من السؤال : إذ كيف يمكن التوفيق بين : أن المعطى المذهبي والأثني والقبلي قد برز إلى السطح، وبين أن الثورات... قد أنجبت نوعاً من وحدة التعاطف بين الشعوب العربية ؟، وللبيان في الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية ولحل هذا التناقض، لا بد من توضيح النقاط التالية :

فالمعطى المذهبي والأثني والقبلي لم يبرزالآن، وإنما هو من إنتاج نظم الطغيان والاستبداد والفساد، وذلك المعطى هومشروع تلك النظم المتهالكة الذي اعتمدته كنقيض للمشروع القومي العربي التقدمي التوحيدي التنويري، وبالتالي فإن الثورة العربية الراهنة هي التي ستعيد ذلك المعطى إلى وضعه الطبيعي في إطار الأمة العربية الواحدة حيث الانتماءات المذهبية والأثنية والقبلية تنتظم في إطار المواطنة والمساواة. ولعل هذا ما يزيل التناقض الذي تحدثنا عنه، ويفسرأن الثورة العربية الراهنة قد أنجبت وحدة التعاطف بين أبناء الشعب العربي، وأسقطت المعطى التقسيمي والفتنوي بين المذاهب والإثنيات والقبليات، والتفصيل في ذلك لا يمكن إيجازه في هذه العجالة. فقط أشير إلى أنني عالجت هذا الموضوع بالتفصيل في كتابي «الدولة القومية، شرعية الأساس، مشروعية التأسيس»، ويمكن الرجوع إليه.

 ما هو تصوركم لمشروع الوحدة ؟ وهل يمكن ان يكون مشابها للنموذج الاوروبي ؟
 إن مشروع الوحدة العربية كما أراه هو مشروع سياسي، اجتماعي، اقتصادي، ثقافي، حضاري. دولة واحدة تتطابق حدودها مع حدود الوطن العربي أرضاً، ومع حدود الأمة العربية شعباً. دولة ديمقراطية تحقق العدالة والمساواة بين مواطنيها على مختلف انتماءاتهم الدينية والأثنية والمذهبية والطائفية والقبلية والمناطقية، تفرض سيادتها على كامل الأرض العربية. دولة مستقلة تديرها سلطة منتخبة من الشعب العربي تستثمرالثروات العربية لتحقيق التنمية والتقدم وعدالة التوزيع، بحيث يعيش الشعب العربي بما يملك لا يعتدي، ويصون البلاد من كل عدوان.

وهنا لا وجه للشبه مع النموذج الأوروبي، ذلك أن قارة أوروبا شهدت صراعات عديدة حتى انتقلت من الدوقيات والإقطاعيات إلى الدول القومية، ثم هاهي تنتقل من الدول القومية إلى الدولة القارية التي بدأت بالوحدة الاقتصادية وهاهي تتجه إلى الوحدة السياسية. أما في الوطن العربي، وبسبب عوامل عديدة داخلية وخارجية تم إعاقة قيام الدولة القومية العربية الواحدة. في أوروبا يتم التوحيد بين أمم ودول قومية بينها من الصراعات التاريخية والدماء ما لا يمكن حصره، بينما يتم منع الأمة العربية الواحدة من التوحد، إما بالغزوالخارجي أو بالفتن الداخلية، لكن الثوارالعرب الجدد من الشباب العربي قرروا أن يقلعوا شوكهم بأيديهم، وهم يدركون مدى المخاطر. لكن وبعد التجارب المريرة أدركوا أن الطريق إلى الحرية والتقدم والعدالة والكرامة يمرعبر الوحدة، أما كيف سيحققون ذلك وما هي أدواتهم ووسائلهم وأسلحتهم فهذا شأنهم، وهم على قدر المسؤولية.وقد أثبتت الفصول الأولى من الثورة العربية الراهنة، حتى الآن، أن الشباب العربي الثائرلا يتقيدون بنصوص جامدة ولا يقلدون وإنما يبدعون أساليبهم وأدواتهم وأنهم يحثون الخطى على الطريق إلى دولة الوحدة العربية، وهم يدقون أبوابها هذه الأيام.

المفكر المصري محمد سيف الدولة: الوحدة تحققت فعلا بين شبابنا على امتداد الأشهر الماضية على صفحات الفيسبوك

حينما نذكر التيارات العروبية التي تنادي بالوحدة لا بد من استحضار منظر الثورة العربية عصمت سيف الدولة الذي أنشأ تنظيما قوميا في مصر هدفه قلب أنظمة الحكم في العالم العربي، وهو ما سمي بعد ذلك بتنظيم «عصمت سيف الدولة» ابان حكم انور السادات فأدى به ذلك الى زنازين الاعتقال اكثر من مرة وهو الذي سعى نحو إيجاد الأساس الفكري النظري للقومية والاشتراكية العربية.

وكان لذلك اهميته بالنسبة للفكر القومي في فترة المد الأيديولوجي الشيوعي. «الأسبوعي» ارتأت في ملفها عن الوحدة العربية واعادة احياء هذا المشروع القومي ان تتوجه بالسؤال الى الاستاذ والمفكر العروبي محمد سيف الدولة ابن المناضل المصري عصمت سيف الدولة الذي فتح لنا أسوار قلبه وفكره وانطلق بنا في رحلة بحث عن معنى حلم الوحدة الضائع بين دهاليز الأنظمة العربية المستبدة واخفاقاتها.

تجربة الدول العربية المستقلة عن بعضها البعض أثبتت فشلها وأملنا الوحيد هو في بناء دولة موحدة

  في ظل الثورات العربية القائمة هل يمكن لحلم الوحدة ان يلتقط انفاسه مجددا ويحيا من جديد؟
 بداية يسعدني التواصل مع أهالينا وإخواننا الكرام في تونس العربية مفجرة الشرارة الأولى للثورات العربية، عبر جريدتكم «الأسبوعي» واود ان أؤكد على أن الأمة العربية حقيقة موضوعية وأن وحدة الشعب العربي حقيقة موضوعية وأن مصر وتونس جزءان من امة واحدة، تاريخهما متماثل منذ آلاف السنين. فلقد مركل منهما بمرحلة الحضارات القديمة قبل الميلاد مثل الفرعونية والبونيقية. ثم عاشا معا عصر الاحتلال الاوروبي الأول: اليوناني لمصر والروماني لتونس ثم مرحلة الاحتلال البيزنطي التي تراوحت بين ثمان الى عشرة قرون متصلة. وتم تحريرهما مع باقي أقطار المنطقة بالفتح العربي الاسلامي، في مدة لا تتعدى نصف قرن 640الى 670 ميلادية، لينصهرا بعد ذلك مع غيرهم من الاقطار في نسيج الأمة العربية الإسلامية الوليدة.

ورغم انهما عاشا تحت حكم أحزاب مختلفة سياسية: أموية ـ عباسية ـ أيوبية ـ مملوكية ـ عثمانية أوأغلبية ـ فاطمية ـ زيرية ـ حفصية..الخ. الى أن دخلا معا تحت الحكم العثماني، ولينتهي بهما الحال تحت الاستعمار الاوروبي الحديث منذ نهايات القرن التاسع عشر، ثم ينالا استقلالهما في ذات العقد السادس من القرن العشرين. ثم تغدر بهما معا أنظمة مستبدة وتابعة مع فروق التوقيت. ثم تتفجر ثورتيهما معا بسبق ومبادرة من اهل تونس الأبطال. فعندما بادرت تونس بتفجير ثورتها الأخيرة، كانت مصرهي أول الأقطارتأثرا بهذه الثورة فلحقتها خلال شهر واحد.

ومن الجدير بالذكر هنا أنه قبل ثورة تونس بأسابيع قليلة قامت القوى الوطنية المصرية بالدعوة الى وقفة غضب ضد تزوير الانتخابات البرلمانية المصرية، فلم يستجب لهذه الوقفة سوى بضعة مئات، ولكن بعد ثورة تونس، استجاب عشرات الآلاف الى دعوة مماثلة فكانت ثورة 25 يناير. وكان المتغير الوحيد هو ثورة تونس، وتوالت بعدها الثورات العربية ضد الخوف والرؤساء والنظم وأجهزة أمنها
لنجد أنفسنا مرة أخرى أمام حقيقة بسيطة واضحة هي اننا جميعا أمة واحدة، بلد واحد، ديارواحدة، ظروف واحدة، استجابات واحدة، حتى التيارات السياسية والفكرية لدينا واحدة.

 ماذا يترتب على هذه الحقيقة ؟
 يترتب عليها حتما: ضرورة امتلاك اداة واحدة لتجسيد سيادة الشعب العربي الواحد على كامل أرضه.
فهي الطريقة الوحيدة الممكنة والثابتة تاريخيا لاكتساب المقدرة على التحرر والتطور، الطريقة الوحيدة الممكنة للتحرر من التبعية وتحقيق الاستقلال والحفاظ عليه، وكذلك اشباع احتياجات الشعوب وتحقيق نهضتها. ولا يجب أن ننسى أبدا أن تجربة الحياة كبلاد وشعوب مستقلة، أثبتت فشلها منذ زمن بعيد، منذ قبل الميلاد، وانتهت بتحولنا جميعا الى عبيد لدى الخواجات على البر الثاني لمدة قاربت الألف عام.

فالتقسيم والتجزئة والقطرية والإقليمية والتمصير والتونسة...الخ، كل تلك الظواهر التي عشناها قسرا وشرعناها قهرا منذ الحرب العالمية الاولى حين اقتسمونا كغنائم حرب..، هي كلها حلول رجعية ثبت فشلها منذ 2000 عام.

والعودة إليها مستحيلة وأملنا الوحيد هو في بناء دولة العرب الموحدة.

 برايكم لماذا اخفقت كل تجارب الوحدة التي شهدها التاريخ العربي المعاصر؟
 أود أن أذكر القارئ الكريم بقصتنا منذ الحرب العالمية الثانية وكيف أنه كان لدينا جميعا كمواطنين وكنخب عربية، أحلاما كبرى تتمثل في التحرر والاستقلال وبناء الوحدة وتحرير فلسطين والتحول الى دولة كبرى تنافس باقي الكبار وتقف لهم ندا ورأسا برأس. كانت تلك هي أحلامنا الكبرى، وفي مقابلها تنازلنا مؤقتا عن مطالبنا المعيشية والسياسية والديمقراطية وقلنا لحكامنا: «اذهبوا حرروا فلسطين وانتصروا على الأمريكان، ووحدونا، ونحن معكم».

فلما توالت الضربات علينا الواحدة تلو الأخرى وتحولت اسرائيل الى قطر شقيق، ولما عدنا جميعا الى حظائر التبعية ورأينا العراق يحتل أمام أعيننا على طريقة القرن التاسع عشر، ووجدنا أنظمتنا وحكامنا يتواطؤون علينا ويستبدون بنا

ويزجوا بنا جميعا في سجن كبير.

أقول لما حدث كل ذلك، تضاءلت أحلامنا الكبرى، وأصبح لدينا حلم واحد صغير هو الذي ثرنا جميعا من أجله في ثوراتنا الأخيرة.

اعداد: روعة قاسم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى