الثلاثاء ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

حالة ملل

كنت أشعر بالضياع والكآبة، لم أعد أحتمل رتابة عملي ونمطيته. كان إحساسي بالضيق والقرف يجعلني أتنفس ألما لم أعهده وضجرا لم أشهد مثله منذ عهد بعيد. كانت الساحة تعج بالتلاميذ وكانووا يمشوون في تثاقل وتبرم وكأنهم ذاهبون إلى منصة إعدام. لم يكن الأساتذة أفضل شأنا فكل واحد يرغي ويزبذ، يشتكي ويتأفف كأنه مقبل على حرب ضروس. أنا الأخرى لم أعد أعرف إن كانت خطواتي الجادة ودروسي الطويلة وشروحاتي التي لا تنتهي لها أهمية وسط هذا اليم المتضارب، أم أنها مجرد سفينة غارقة وسط عالم غارق٠

مللت هذه الصفوف الطويلة وهذا الزحام. سئمت استهتار هذه الأجيال وسرعة نفاذ صبرهم. أصبح الأستاذ مجرد أضحوكة منسية نتمسح بها لنلقي عليه عالما من اللوم والفشل والضياع. تجاهلنا دوره الهزيل وسط كونية الفيس بوك ومجانية المواقع وقوى التعلم عن بعد ما لزم وما لم يلزم. أصبحنا كالذي يحرس قطيعا مدة من الزمن، يتناوب عليه تباعا حتى يعود إلى سيده كل يوم خاوي الوفاض إلا من نواقص الأمور وأتفهها. لقد تمدن الطالب اليوم وتطور بشكل رهيب، حيث برع في فن الإتصال والتواصل وعجز عن كتابة جملة مفيدة أو توضيح فكرة يتيمة٠

كانت أفاكري متضاربة وحسرتي على نفسي وعلى طلابي كبيرة. استحوذت علي الهواجس السوداء، فكرهت الساعة التي درست فيها الأدب. كان الفصل غاصا بالتلاميذ، ثمانية وأربعون رأسا كل واحدة تحمل هما ووجودا ووجها وفكرا مختلفا، وكل هؤلاء يلزمهم شخص وحيد، تافه، عليه أن يفقه فهمهم وألمهم وقولهم وعوالمهم المختلفة. في الوقت الذي يشعر فيه مثلهم بالألم والملل والضياع٠

كنت في حالة من الذهول والغضب ولكن ما إن دخلت الفصل واستقر التلاميذ حتى رسمت بسمة جامدة على شفتي وباشرت الدرس وكأنني لا أشكو هما وكأنني قادرة، جبارة، تستطيع تغيير انتباه هؤلاء المراهقين العابثين ومساعدتهم. تبتسم إحدى طالباتي، تفتح كراستها في اهتمام فتنسيني معاناتي وتشجعني على العمل٠


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى