الثلاثاء ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم أوس داوود يعقوب

في ذكرى رحيل كمال ناصر

لم يكن كمال ناصر أول من قدم الروح ودفع ضريبة الدم فداء وطنه فلسطين، غير أن تاريخ الصراع الفلسطيني العربي مع العدو الصهيوني يسجل، أن ناصر هو أول شاعر فلسطيني يغتاله الإرهابيون الصهاينة.

ويذكر رفاق الدرب أنه يوم رحيل الروائي الشهيد غسان كنفاني صيف عام 1972م قال كمال: «يا سلام هكذا يكون عرس الكاتب الشهيد ». وتساءل بغيرة الفارس النبيل، «هل ستتاح لي مثل هذه الجنازة يوماً »؟.

رحل كمال في العاشر من نيسان عام 1973م، وهو اليوم نفسه الذي صادف يوم مولده عام 1924م، في ذلك اليوم، أقدمت فرقة خاصة تابعة لجهاز الموساد الصهيوني، على اغتيال ناصر، واثنين من كبار القادة الفلسطينيين هما كمال عدوان ومحمد يوسف النجار (أبو يوسف)#.

وفعلاً كان لكمال ما تمنى، ونال الشهادة. وفي اليوم التالي كان له أيضاً ما كان يتمنى .. جنازة تغص بعشرات الآلاف من المشيعين، كالتي اشتهاها، مع إضافة تليق به، فقد تبين أنه أوصى عند استشهاد غسان كنفاني بأن يدفنوه إلى جانبه. وهكذا دفن كمال ناصر المسيحي البروتستانتي في مقبرة الشهداء الإسلامية.

ويُقال أن ناصر ساعة اغتياله في شقته، كان يُكمل نظم قصيدة كان سيلقيها باسم فلسطين في مهرجان تكريم الشاعر أمين نخله، الذي كان سيُقام نهار يوم الأحد في 15 نيسان 1973م، في « قصر الأونيسكو بيروت »#.

ولادة ثائر..

تشرب ناصر النضال منذ الطفولة وتهيأ للكفاح والتضحية وسمت به مبادئه سواء على مقاعد الدراسة عندما كان القدوة الوطنية لأصحابه يقودهم قي تظاهرات وطنية تضامنا مع الثورة الفلسطينية ضد حكم الاحتلال البريطاني والغزاة الجدد.

ولد كمال بطرس ناصر في مدنية غزة حيث كان يعمل والده، وهو ينتمي إلى إحدى أشهر أسر مدينة «بير زيت» في الضفة الغربية. أعاده والده بطرس ناصر منذ نعومة أظافره إلى بلدته، وفيها أنهى تعليمه الثانوي عام 1941م في كليتها المشهورة «جامعة بير زيت اليوم»، ومنها انتقل إلى الجامعة الأمريكية ببيروت ونال البكالوريوس في الآداب عام 1945م. إثر ذلك عاد إلى فلسطين، وعمل أستاذاً للأدب العربي في مدرسة «صهيون» بالقدس، وخلال عمله درس الحقوق في « معهد الحقوق الفلسطيني»، ثم عمل في «الكلية الأهلية» برام الله.

وحين ألمت نكبة فلسطين بشعبها وبالعرب عموماً عام1948م. كان لكمال ناصر من العمر أربعة وعشرون عاماً. وقد تفتحت موهبته الشعرية مبكرة ، ومما قاله بعد النكبة، شعراً:

إنها قصة شعب ضللوه
ورموه في متاهات السنين
فتحدى وصمد
وتعرى واتحد
ومضى يشعل ما بين الخيام
ثورة العودة في دنيا الظلام

بعد العام 1948م، أصدر كمال مع عدد من زملائه جريدة يومية باسم «البعث»، ثم أصًدر مجلة أسبوعية باسم «الجيل الجديد» عام 1949م، لكن السلطات الأردنية عطلتهما.
وانتسب عام 1952م لحزب البعث العربي. وسافر إلى الكويت فعمل هناك سكرتيراً للشيخ فهد السالم الصباح، ثم زار بغداد وبعد عام عاد إلى مدينة القدس. وتولى فيها رئاسة تحرير جريدة «فلسطين» اليومية.

وانتخب عام 1956م عضواً في مجلس النواب الأردني وكان معارضاً للحكومة. تعرض للاعتقال مراراً، واضطر للخروج من الأردن عام 1957م بعد اختفائه خمسة عشر شهراً. نزح إلى دمشق وعاش فيها حتى عام 1966م وهناك اعتقل وسجن عاماً بعد الحراك السياسي الذي وقع في 23/2/1966م، ثم هرب إلى بيروت لكن السلطات اللبنانية أبعدته إلى الأردن، حيث قدر له أن يشهد الهزيمة العربية في حرب الخامس من حزيران (يونيو) عام 1967م.

اعتقلته سلطات الاحتلال الصهيوني وحبسته في سجن رام الله، ثم أبعدته إلى الضفة الشرقية في 23/12/1967م.

وفي العام التالي انتظم ناصر في حركة الكفاح الوطني الفلسطيني، وأوفدته منظمة التحرير الفلسطينية للقاء بابا الفاتيكان لمحاولة إقناعه بحق الفلسطينيين في مدينة القدس. وقد أصبح عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في 1/2/1969م، ومسؤولاً عن دائرة الإعلام والتوجيه القومي للثورة الفلسطينية، ولعب دوراً هاماً في بناء مؤسسات الثورة الإعلامية والسياسية.

أضواء على تجربته الشعرية

من أبرز طوابع الشاعر كمال ناصر التزامه بالثورة التي جذبته إلى صفوفها منذ نعومة أظافره. وتعبيراً عن مخاوفه على فلسطين إزاء الوطن القومي الذي دعت (إسرائيل) ورعاتها، إلى قيامه في قلب وطننا العربي، اتخذ كمال الشعر والكلمة وسيلة للتعبير عن مشاعره، والإفصاح عما يعتلج في صدره من هلع على وطنه المنكوب.

يذكر يوسف أسعد داغر (1899م-1980م) أن أول قصيدة نشرها كمال ناصر كانت في جريدة «الأهرام» سنة 1937م بعنوان «فلسطين الأبية». فيكون قد نظم الشعر وله من العمر 12 سنة#. وهي قصيدة «في الثورة الفلسطينية الكبرى»، يقول فيها:

هذي فلسطينُ الأبيةُ في السلاسل والقيودْ
يقضي بها الخصمُ العنيدُ وليس تنفعها الجهودْ
قرّتْ بها عين الجبان وكلُّ نمّامٍ حسود
ما بين ظلم الإنكليز، وبين طغيان اليهودْ
يا مكودنالدُ ترى تناسيت المودّةَ والعهود
أيام كنت لنا الطيفَ وكنت ذا الخلَّ الودود
يا ليت شعري هل عفت تلك الوثائق والوعود
إن كان جُنَّ بها الزمانُ فسوف يعقِلُ من جديد
والدهر يجتاحُ الكرام كأنه الخصم العنيدْ
لابدّ للتاريخ يوماً أن يعود وأن يسود
يا دولة التيمس ابعدي عنّا أذى الشعب الطريدْ
ودعي العروبة تستردّ ذخائر المجد التليد
فيقالُ ساد الإنكليزُ بعدلهم لا بالوعيد

وقد «كان ناصر في قصائده الوطنية ثائراً داعياً للثورة والكفاح ضد الانتداب والصهيونية». و «بعد المأساة كانت قصائده حسرة ولوعة على ضياع فلسطين وكانت ثورة على العرب، ودعوة لاسترداد البلاد، وحضَّاً على الجهاد المسلح .. وشعره كان أكثره وطنياً صدر فيه عن إيمان بأمته وعروبته وبلاده، وكان فيه يجمع إلى صدق عاطفته فيض قريحته، وقوة أسلوبه ومتانة نسجه»

ويكتب الشاعر والناقد الدكتور راضي صدوق عن تجربة ناصر الشعرية، فيقول: «كتب ناصر القصيدة العامودية والشعر الحر، واستخدم الإطارين العامودي والحرّ، أحياناً في القصيدة الواحدة. وفي مرحلته الأخيرة ابتعد عن الصخب الموسيقى وعن اللهجة المباشرة إلى حد ما.
والعاطفة القومية عند كمال ليست مجرد وجدان عنصري أو نزعة عرقية، بل إيمان بحقيقة واقعية. وشعره قوي الكلمة والجرس، يشتعل بالثورة والتحدّي.

وشعره ترجمان صادق لفكره ومشاعره وحياته التي كرسها لقضية وطنه الفلسطيني وأمته العربية».

ويقول محمد حماده: «الشكل الشعري المجدّد في دواوينه: بواكير، خيمة في وجه الأعاصير، جراح تغني، لم يكن جديداً بمعنى الكلمة، بل كان اخضاعاً تعسّفياً للقالب القديم حتى يتحول إلى شيء يشبه الشعر الجديد. فقد احتفظ بنزعته الكلاسيكية الممتزجة بشيء من مثالية المدرسة الرومانطيقية».

ويحدثنا الشاعر الأستاذ أحمد دحبور عن خصوصيات هذه التجربة الشعرية، قائلاً: « لم يكن كمال ناصر شاعراً مقلاً كما يتبادر إلى الذهن. ولكنه لم يصدر إلا مجموعة شعرية واحدة في حياته، هي «جراح تغني» وقد أصدرتها دار الطليعة في بيروت عام 1960م، أما بقية نتاجه فكانت تنشر في الصحف والمجلات فضلاً عما كان يحتفظ به كمخطوطات. وبعد استشهاده أشرف المفكر والشاعر ناجي علوش ـ وتربطه صلة قربى وصداقة حميمة بالشاعر ـ على نشر أعمال كمال ناصر في مجلدين يضم أحدهما أشعاره ويضم الثاني مقالاته وأفكاره. كما صدرت له بعد ذلك مسرحية ذهنية بعنوان « الصح والخطأ ». والمدقق في المسار الشعري لكمال ناصر يستطيع أن يسجل ملاحظتين واضحتين: الأولى أنه من طليعة الجيل الثاني لرواد الشعر الحديث الذي يسمى أحياناً شعر التفعيلة. فقد ظهرت قصائد له على هذا النسق منذ أواسط الخمسينات. أما الملاحظة الثانية فهو أن مجمل شعره قد تحرك وفق ثلاثة مدارات _الكلاسيكية، والرومانتيكية، والرمزية_ وفي تطور طبيعي ».

ولعل أبرز صفات شعر ناصر أنه شعر نابع من معاناة الشاعر، وهو شعر صادق في تصوير عذابات الشاعر الذاتية كما على الصعيد الوطني القومي، يصور مأساة شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية.

ولكن الشاعر لا يجني من نضاله سوى الخيبة والخذلان عندما يُصطدم بالواقع المرير الذي تتخبط فيه القضية الفلسطينية وأمته العربية! هو شاعر الثورة والتمرد والتغيير فما العمل؟ هل يتخلى عن مبادئه أم يستسلم ويرمي سلاحه سلاح الشعر! بعد أن جعل أغلب شعره وقفاً على القضية الفلسطينية والمقاومة. هو الذي نذر حياته للقضية وتنّكر لعاطفة أمه التي حاولت ثنيه عن مراده وعن عزمه على المشاركة في معركة تحرير الوطن.

فيقول مخاطباً إياها

وعندما يتوجه الشاعر إلى أمه تسبقنا إليها شخصيته المناضلة المنذورة للصعاب وهو يشفق على حنان أمه من أن يعيقه عن اختياره:

ولدت أحمل جثماني على كتفي

ولدت واأسفي !

ولما كان لا يبالي بهذا المصير فإنه يشد من أزر أمه بل يستأذنها في أن ينسى وجهها حتى لا يضعف أمام الطغاة:

فوجهك هذا الحزين

سأنساه في فرحة المعركة.

والمدقق في المسار الشعري لكمال ناصر يستطيع أن يسجل مدارات تحولية نابعة من مدارات حياته. فالعاطفة عنده مستويات المرأة الحبيبة ، المرأة الأم، الغربة والأطفال، وهو الذي لم يتزوج ولكنه كثيراً ما كان يحن إلى الأطفال ويكتب لهم كما لو كانوا ينتظرونه في البيت:

حبيبي إذا ما أتاك الخبر
وكنت وحيداً
تداعب بين يديك وحيدي
وتهفو لموعدنا المنتظر
فلا تبكي .... إنني لن أعود
فقد هان عبر بلادي الوجود
ورن بأذني نداء الخطر

وقد « كان كمال - إلى جانب الشعر- يحب الموسيقى ويعزف على آلة البيانو، وكان يلحن بعض قصائده بنفسه ويغنيها لأصدقائه ».

بين شاعرة فلسطين الأولى و«المغرّد السجين»..

تقول الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان عن علاقتها بالشاعر الشهيد كمال ناصر: « في عام 1957م وخلال الفترة الدرامية من تاريخنا مع الأردن، أعني فترة الأحكام العرفية والبطش بالعقائديين، كانت جريدة "فلسطين" التي تصدر في القدس تطالع القراء بين أسبوع وآخر بقصيدة جديدة موقعة باسم "أبو فراس" وكان يلفت نظري حرارة تلك القصائد وصدقها وأصالتها. فأتساءل دائماً: من هو «أبو فراس» هذا؟

وحين سألت الصديق رجا العيسى، رئيس تحرير جريدة «فلسطين» عن الشاعر المجهول قال وهو يبتسم: من تظنينه يكون؟ قلت: في القصائد رائحة كمال... قال رجا: هس... لا يسمعك أحد.. إذن كمال مختبئ. ولم يفلت من الحصار كما كنت أظن. وغمرني تأثر عميق.

في الأسبوع التالي مضيت إلى الصديق رجا العيسى ومعي قصيدة جديدة مهداة إلى «المغرّد السجين». خلال أسبوع جاءتني من كمال قصيدة مقابلة. بعدها صرت ألتقي بكمال في مخبئه الأمين. وجدته يوماً يكابد الآلام من بعض أضراسه، وكانت المغامرة بالتسلل إلى طبيب أسنان مستحيلة لخطورتها. اقترحت يومئذٍ أن أمضي إلى القدس وأعود مع نسيبنا عبد الهادي ليقوم بالمعالجة. وتم ذلك فعلاً في اليوم التالي».

ووفاءً منا لروح شهيد الكلمة الفلسطينية المقاتلة الشاعر كمال ناصر، ولروح شاعرتنا الكبيرة التي وصفها شاعرنا الكبير الراحل محمود درويش بـ «أختنا الكبرى». وفاءً لروحهما نثبت هنا قصيدة طوقان إلى «المغرّد السجين»، ويليها القصيدة التي بعث ناصر إلى « أخت روحه » في حينه.
قصيدة فدوى طوقان:

إلى المغرد السجين

« هدية إلى الصديق الشاعر كمال ناصر في محنته »

شَدْوكَ يأتينا حبيبَ الصدى
محلّقاً رغم انغلاق الرحابْ
يا طائري السجين فاصدحْ لنا
من خلف جدران الدُجى والعذاب
غنِّ، فقضبان الحديد التي
تسدُّ في وجهك رحْبَ الفضاء
لن تحجب الغناءَ عن سمعِنا
يا طائري
غنِّ، فدربُ الرجاء
مازال يمتدّ مُشعَّ الضياء
رغم انطباق الليل من حولنا
أَرجعَني شدْوُك يا طائري
إلى زمانٍ قد طواه الزمان
إذْ أنت طُلْقُ الخطْو، طلْقُ الجناح
أيّامَ كانت ظُلّةُ الياسمين
تَحضُننا، وأنت تشدو لنا
شعرَ المُنى والزهْوِ والعُنفوان
فتقرب النجومُ من أرضنا
تُصغي إلى اللحن ونُصغي؛
وكانْ
ملءَ أغانيك اخضرارُ المروج
ونضْرةُ السفْح، وبَوْحُ الأريج
وملئها كان هديرُ الرياح
وكان فيها من شموخ الجبال
في وطني؛
وعزةٌ لا تُنال
إلا مع النصر وفَوْز الكفاح
يا طائري السجين اصدحْ لنا
رغم هَوان القيدِ رغم الظلام
فالأفقُ مازال غنيَّ المُنى
ينتظر الشمسَ وراء القتام
المجدُ للنور، فلا تَبتئسْ
والنصر للحريّة الرائعة
وغدُنا موطنُ أحلامنا
فلا تقلْ أحلامُنا ضائعة
يا طائري، هناك درْبُ الرجاء
هناك يمتدُّ مُشعُّ الضياء
رغم انطباق الليلِ من حولنا
********
قصيدة كمال ناصر:
من الأعماق
« إلى صاحبة المغرد السجين »#
لئنْ جاءَ شدوي حبيبَ الصدى
يُوافيكِ رغمَ انغلاقِ الرِحابْ
فذاكَ لأنّي نشرتُ جناحي
يُعانقُ في جانحيكِ العذابْ
ويجمعُني فيكِ سوءُ المصيرِ
وما ضمّنا في الأذى والمُصابْ
كما تحتويني بكِ الذكرياتُ
وطيبُ الأماني وبيضُ الرِغابْ
***
***
أنا مثلَما شئِتني أن أكونَ
وشاءتْ ليَ الحادثاتُ الصِعابْ
كبُرتُ على الذلِ لا أرتضيه
ولي موطئٌ خالدٌ في السحابْ
أعانقُ من ربوتَيْه النجومَ
وأختالُ بين الذُرى والقِبابْ
أُطلُّ على الكونِ أحيا النضالَ
وأبقى به العمرَ غضَّ الإهابْ
ومَنْ أرضَعَتْهُ النجومُ الدراري
سَرى في سماءِ العُلى كالشِهابْ
سفَحتُ دمي فاستفاقت جراحي
تُلوّنُ صدرَ الذُرى بالخِضابْ
وأحببتُ داري، فلذَّ لقلبي
بُلوغُ المنى، واقتحامُ العُبابْ
أتوبُ معاذَ العُلى أيَّ يومٍ
مضى شاعرٌ للمعالي، وتابْ
***
***
أتاني كتابُكِ يا أخت روحي
فصافَحْتُ روحَكِ بين الكِتابْ
وهشَّتْ جراحي له واستفاقَتْ
خَيالاتُ أمسي تخطُّ الجوابْ
بلى إِنَّني ذاكرٌ ذاكرٌ
عشايا الإخاءِ ولهوَ الصِحابْ
تظلَلُنا ظُلَّةُ الياسمينِ
جناحانِ، من لَذَةٍ واكتِئابْ
ونَسمَرُ حتَّى يَجِنُّ الحديثُ
على حُلُمٍ هاجعٍ في السرابْ
فنأسى ونضحكُ من أمرِنا
وبين المآقي دموعُ الدعابْ
بلى إنّني ذاكرٌ ذاكرٌ
وقد أمرعَ الزهوُ فينا وطابْ
وَشِعْركِ أحلى من المستحيلِ
يطاولُ في الكِبْرِ شُمَّ الهِضابْ
طليقٌ كأنتِ على كلِّ ثغرٍ
تُدِلّينَ بالفنِّ بين الكِعابْ
وشِعْرُكِ وقعُ السَّنا في بلادي
يُهدهدُها بالمُنى والرِّغابْ
فتصحو على دمدماتِ الكفاحِ
وتخفقُ بين القَنا والحِرابْ
***
***
أنا مثلَما شئِتني أن أكونَ
تُقبِّلُني الشمسُ رغمَ الضَبابْ
ويحملُني النورُ في كلِّ دربٍ
فأَطوي المغاني، وأطوي الشِعابْ
وحيداً تواكبُني غايتَي
وتصلِبُني شهوتي للغِلابْ
وأظمأُ والكأسُ في راحتيّ
تراقصُ فيها الهوى والشرابْ
وأعرى وملءُ شبابي الحياةُ
تمورُ، وملءُ إِهابي الشبابْ
أريدُ الحياةَ لشعبي الجريحِ
لتكبُرَ فيه الأماني العِذابْ
فمن حقِّهِ أن يعيشَ الوجودَ
ويبنْيه حرَّاً عزيزَ الرحابْ
وليسَ لغير الإلهِ عليهِ
ادّعاءٌ، ليُنزِلَ فيه العِقابْ
***
***
وأنتِ، إذا ما أتاكِ كتابي
وصافحْتِني في ثنايا الكتابْ
ولامَسْتِ بين السطورِ دموعاً
تَناثَرُ بين القوافي الغِضابْ
بربَكِ لا تَجْزَعي فالأماني
لها دمعةٌ في العُلى والطِلابْ
وإنْ تعتَبي، فالقلوبُ الكبارُ
يَلَذُّ لها في الحنين العِتابْ
غداً ينجلي الليلُ عن روضِنا
مهيضَ الجناحِ، حسيرَ الحِجابْ
غداً ينفُضُ الشَعْبُ أوهامَه
وللشعبِ ظُفرٌ رهيبٌ ونابْ
ملايينُه أقسمتْ لا تنامُ
وفي دربِها موطئٌ للذئابْ
تحِنُّ إلى الثأرِ عبرَ العذابِ
وتُحصي الثواني ليومِ الحسابْ
***
***
لئن جاءَ شدوي حبيبَ الصدى
يوافيكِ رغمَ انغلاقِ الرِحابْ
فلا بدَّ من عودتي للحياةِ
ولا بُدَّ لي في العُلى من إِيابْ
إذا هَتفَ الشعبُ يوماً بروحي
أطلَّت له من حنايا التُرابْ..!

أهم المصادر والمراجع:

أحمد عمر شاهين، موسوعة كتاب فلسطين في القرن العشرين، الجزء الأول والثاني، المركز القومي للدراسات والتوثيق، غزة، 2000م.

أحمد مرعشلي وعبد الهادي هاشم وأنيس صايغ، الموسوعة الفلسطينية ،(القسم الأول _ 4 مجلّدات)، المجلد الثالث، إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية، دمشق، 1984م.

راضي صدوق، شعراء فلسطين في القرن العشرين، «توثيق أنطولوجي» ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2000م.

سلمى الخضراء الجيوسي، موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر، الجزء الأول: الشعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1997م.

د. كامل السوافيري، الأدب العربي المعاصر في فلسطين، (1860-1960 م)، دار المعارف، القاهرة، 1975م.

كمال ناصر الآثار النثرية الكاملة، تقديم: ناجي علوش، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، طبعة أولى، بيروت، 1974م.

كمال ناصر، الآثار الشعرية، أعدها وقدم لها الدكتور إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، طبعة أولى، بيروت 1974م.

كمال ناصر، الأعمال الشعرية الكاملة، تقديم: د. سهيل سليمان، دار العودة، بيروت، 2007م.
يعقوب العودات (البدوي الملثم)، أعلام الفكر والأدب في فلسطين، الطبعة الثانية، وكالة التوزيع الأردنية، عمان، 1987م.

يوسف أسعد داغر، مصادر الدراسة الأدبية، الجزء الرابع، بيروت، 1983م.

المقالات والدراسات:

أحمد دحبور، مقال: «في ذكرى ميلاده واستشهاده: كمال ناصر شاعراً وإنساناً »، الشبكة العنكبوتية، موقع القضية الفلسطينية: [ http://www.palissue.com].

ميشال جحا، مقال: « في الذكرى العشرين لاغتياله .. كمال ناصر شاعر المرأة والمقاومة »، ملحق جريدة النهارالبنانية، نشر بتاريخ: يوم السبت 10 نيسان 1993م.

تنويه:

نشرت هذه المادة في موقع بيت فلسطين للشعر، بتاريخ: 18/04/2011م.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى