الخميس ٢١ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم محمد حلمي الريشة

الشَّاعرُ: مِن ملُوحةِ الماءِ إِلى ملُوحةِ التُّرابِ!

(إِلى «امرأَةِ» نزار قبَّاني الوحيدةِ)

نيسانُ أَقسى الشُّهورِ (ت. س. إليوت)

فسحةٌ للكلامِ، وكلامٌ بقامتِها السَّريعةِ يُشغِلني ويُشعِلني معهُ، بلِ الشِّعرُ؛ جرحٌ مفتوحٌ فِي ملُوحةِ الماءِ!

حينَ تمرُّ علَى الورقِ الأَخضرِ لوردةِ البوحِ الشَّهيَّةِ:

أَحتملُ البقاءَ فِي حديقةِ الجسدِ لكتابٍ آخرَ..

أُسمِّي الأَشياءَ بسكَّرِها اللاَّذعِ، ونهضتِها الفوَّاحةِ مثلَ فاكهةِ الخطيئةِ المستمرَّةِ، والمتراكمةِ علَى فمِ القلمِ ذِي الشَّفةِ الواحدةِ واللِّسانِ الكيميائيِّ..

أَقرأُ علَى مارِّينَ مجهولينِ سيرةَ البطولةِ المتعَبةِ مِن أُنثى الكتابةِ وذكورةِ الحلمِ..
أَمشي متاخمًا لجسدِها الفارغِ فِي مسوحهِ البيضاءِ..

أَلتصقُ، جانبيًّا، بظلِّي الَّذي ترسمهُ حركةُ رياحِها البدنيَّةِ، وأَنتصرُ عليَّ، وعلَى مَا لاَ أَعلمُ..

أ...
أ...
أ...

أَيَّتها الهمزةُ فِي تعريفِ ذَاتي الرَّشيقةِ علَى اضمحلالِ المُشاهَدِ خلالَ هروبِ النُّورِ مِن مرافئهِ البرِّيَّةِ؛ ليكُنْ غبارُكِ مسأَلةَ الشَّبقِ الكتابيِّ. ليكُنْ.. ولِي دوَارُ الرَّأْسِ علَى الموجةِ العاليةِ الَّتي تنزُّ ملُوحةً، وتشرئِبُّ لابتلاعِي حيًّا علَى الممرِّ المخطوطِ بينَ الرَّملِ والماءِ الأُجاجِ!

لاَ تُسعِفني خطوَاتي للوثوبِ علَى قاربِها المثقوبِ. هيَ الأُنثى.. ولاَ أَتذكَّرُ عقابَها الجميلَ فِي بَلَلي المفاجئِ.
أَدخلُ (مطمئنًّا بخَوفي وجَوفي المضطربِ) إِلى الرَّجفةِ القادمةِ، كمَا هيَ الموجةُ؛ سوفَ تُراقصني علَى ذروتِها شاعرًا، وشاعرًا بوضوحِي وغموضِها الفضفاضِ!

أُدخِلتُ علَيها؛ بدوافعِي الحالمةِ.. بولوجٍ نورانيٍّ، تزفُّني الأَصابعُ المائلةُ علَى بياضِها الرَّهيبِ.
تُرى: ماذَا ستفعلُ بالأَقنعةِ الشَّفيفةِ؟

هيَ تبحثُ عَن ضالَّتِها فِي نزقِ التَّوحُّدِ الهامشيِّ، وأَنا تائهُ الرَّقصِ علَى حبالِ خيَالاتي المشدودةِ بينَ يدَيْها.
وتُرى، أَيضًا؛
ماذَا أَخفَتْ تلكَ الواقفةُ فِي منتصفِ ماءِ الضَّوءِ وكاملِ دائرةِ العتمةِ؟

لاَ بأْسَ لشاردةِ البرِّ أَن تتجاوزَ ضالَّتها وضآلةَ الأَشياءِ الجميلةِ فِي لحظاتِ الوجودِ المسافرةِ، وليأْخذِ الأَبيضُ فراغَهُ تحتَ إِبطَيْهِ ويَمضي.

لكنْ؛ كيفَ تكونُ العتمةُ سحابةً داكنةَ الصُّورةِ أَمام زُجاجي الشَّخصيِّ، وأَنا أَرى الأَبيضَ الَّذي هيَ فيهِ إِلى الأَبدِ؟

تلكَ، إِذاً، حكمةُ الكتابةِ علَى سهمٍ سريعٍ، يجرحُ أُنوثةَ الهواءِ برأْسهِ المشتعلِ، علَى الرَّغمِ مِن أَنَّ الوصولَ إِلى قرابينهِ، أَسفلَ عُنقي، لاَ يكشفُ الرُّؤيةَ، وأَنا أَتلُو إِيقاعاتِ القلقِ، بعدَ انتهائِي مِن (مُنادايَ) أَمامَ شواظٍ يداعبُ صَوتي ببسمتهِ الجميلةِ القبحِ، وأُعلنُ:

مَا زلتُ وحدِي علَى رونقِها المنتظَرِ، أَبعثُ حياةَ ضوئِها بحرائقِي المنتشرةِ فِي غاباتِ المساءِ المتناثرةِ علَى صحنِ نصِّها الجسديِّ- الأُنثويِّ، أَنا الحالمُ القَلِقُ؛ مِن بداياتِ الملوحةِ، ونهاياتِ حلقاتِ الدُّخانِ غيرِ المنتهيةِ!

هلْ مِن خِتامٍ للبدايةِ الشَّرهةِ؟

أُدخَلُ إِلى الفراغِ، مَا قبلَ الأَخيرِ، ذِي الكلماتِ البيضاءِ والمساحةِ الهادئةِ إِلاَّ مِن صوتِ الحرائقِ غيرِ المرئيَّة، فالأَمكنةُ فارغةٌ والأَزمنةُ مثلُها؛ كِلاهما يبحثُ عَن عنفوانِ روحِ المعنَى، ورشاقةِ حركةِ اللُّغةِ النَّاعمةِ النَّظيفةِ.

لاَ شيءَ فِي المدَى..

لاَ شيءَ سِواها وظلِّي المتقاربِ مِن جسدٍ يئنُّ لهثًا وعذوبةً مشرِقةً!

أَذهبُ، الآنَ، قبلَ أَن تُوارى سَوءةُ الأَشياءِ النَّازفةِ المُقيمةِ علَى رملِنا الكثيرِ، وأُوارَى أَنا فِي جسدِها المرهقِ، مُودِعًا الصَّدى لدَيها:

أَيَّتها المرأَةُ الوحيدةُ- القصيدةُ البعيدةُ.. البعيدةُ، ويَا جُرحي المفتُوح فِي ملُوحةِ الماءِ؛ الآنَ، وحدِي إِلى ملُوحةِ التُّرابِ... أَيضًا!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى