الأربعاء ٤ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم مفلح طبعوني

داجون فلسطين

نص كلمة الشاعر مفلح طبعوني التي القيت على مسرح القصبة - رام الله، بمناسبة حفل تأبين الأديب والمناضل، محمد البطراوي «أبو خالد»، 23.4.2011

الناصرة أحبتك يا أبا خالد، أحبت ابداعك الأدبي، أحبت فيك التقدمية والعلمية، أحبت فيك الوطنية الطبقية، أحبتك كما أحببتها وقد تراقص هذا الحب على أنغام النضال والإبداع بينك وزيّادها سنواتٍ وسنوات.

مؤسسة توفيق زيّاد للثقافة الوطنية والإبداع، ستحفظ هذا الحب المميز في أعماقها وستنقشه في غرف قلبها «كنقش ٍ فوق جذع زيتونةٍ في ساحة الدار».

الكريمات والكرماء:

إسمحوا لي أن أنقل من خلالكم هذه الكلمات لأبي خالد، الذي يشاركنا هذا الاحتفاء بتواضع ومحبة ووفاء.

أبا خالد: آمنت بأن الثقافة الفلسطينية ركن من أركان مقاومة الاحتلال، لا بل عمودها الفقري، فطعّمت الذوق الفلسطيني العام ضد التشظي الثقافي وحافظت عليها وعلى مشتقاتها لتحافظ على وجودنا.

غرستها بعمودية لا بسطحية في النفوس، واندفعت لتكثفها وتتابع مسيرتها بتواصل بين المتلقي والمبدع لأن هذا التواصل كما كنت تقول من السمات الضرورية للصمود والبقاء.

حاربت الابتذال.. وعززت الانتماء. منعت سقوط الذوق بعفويةٍ وفطريةٍ وتماسكٍ مع هذا الوطن، فصار معك وبك عطاءً، فهمت الواقع بعلميةٍ وأكدت على أهمية الحرص الثوري ومرونة الفاعلية والإبداع. سهرت لكي نكبر كالفرفحينة وننشل الماء من البئر ونؤنس البيت لكي لا يموت .. كما قال الدرويش.

إبتعدت عن النخبوية والفوقية اللتين بطبيعتهما تبتعدان عن الحراك الثوري ومساراته. عملت على تغذية الدماغ بفيتامينات الإبداع، وقدمت الدواء الشافي ضد فيروس الجمود والجهل، خصوصًا للذين يعيشون فوق هذه الأرض التي تسمى فلسطين.

أبا خالد..

لم تعتبر الوطن مجرد قسائم وبلوكات في الخريطة العالمية لأنك تمتعت برائحة ترابه، نسائم مجالاته، حافظت على شجره وثماره، حافظت على ناسه الذين تعلموا منك بدون تلقين مثلما تعلموا من رفيق دربك الشاعر والمناضل والقائد توفيق زيّاد، الذي كان يقول، كما كنت تقول: "قد لا يكون شعبنا أفضل الشعوب ولكنه حتمًا لا يقلّ بالأفضلية والحسانة عن غيره من الشعوب".

إنغمست بالوفاء والالتزام وبالسيف المشهر في وجه الاحتلال، وقفت ضد الظلم ودافعت عن حقوق المظلومين وثوراتهم وانتفاضاتهم، ناصرت المرأة واحتضنت الأطفال ودافعت عن تلاقح النوار، تمسكت بالوحدة وعاديت الانقسام.

أبا خالد..

لن أنسى ذاك اليوم في شتاء العام الخامس والسبعين من القرن الماضي عندما اجتمعنا معًا مع توفيق زيّاد وآخرين في هذا البلد (رام الله)، لن أنساه ولن انسى الكلمات التي قالها لك توفيق زيّاد في لحظات تألقه: "أعطيك قلبي كاملا يا أبا خالد لأنك أنت الذي جعلت الأطفال الباكين يضحكون وأنت الذي حميت الأزهار من الهلاك والذبول".

لن أنسى ذاك اليوم الذي غنينا فيه جميعًا "أناديكم" وأنشدنا من قصيدة العبور لنعبر كما عبروا.

أبا خالد..

عبس سعد السعود في هذا العام، وكادت لا تدور الماويّة في العود، ولم تخرج الصبايا لتتنقل في سعد الخبايا، بسبب فراقك وفراق رفيق دربك القائد توفيق طوبي. وأتساءل هل هو مصادفة انبعاثك في العام الثامن والعشرين من القرن الماضي قبل انبعاث رفيقك الزيّاد بعام. وهل هي صدفة عندما فارقتنا في نفس اليوم الذي فارقنا فيه عزيزنا توفيق طوبي.. وأتساءل عن قوة الجذب ما بين الرحيل.. رحيلك، والانبعاث، انبعاث محمود درويش.. وما هي العلاقة ما بين رحيلك وثقافتنا الوطنية؟ تُرى هل لطبيعة حاجاتها؟!! أكاد أجزم..!!!

من قال يا "أبا خالد" أن لا بيت لك في هذا الوطن ولا سقف لك تحت سمائه ولا ساحة أمام دارك، فأنت الوطن وأنت الأساس وأنت السقف والجدران.. أنت النافذة التي تستميل رياح الحرية.. وأنت البوابة التي نخرج منها الى ساحات النضال لنرفع شعار "الشعب يريد إنهاء الانقسام لكنس الاحتلال"، انت الذي ما غاب عن حجارة الأطفال وحفظ عن ظهر قلب أفضل مسارات النضال.

يا "داجون أسدود"
يا فارس التحرير المضاف
الى العُصبة
"ستظلّ قمرنا
وزاد الطريق"
كما قلت أنت...
يا سيد الريادة
وصاحب المنارة
حتمًا سنلتقي
في ناصرة العراقة.

*داجون- إله الفلسطينيين (الكنعانيين) في أسدود، نصفه العلوي على شكل إنسان والسفلي على شكل سمكة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى