الخميس ٥ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم حميد طولست

دكتاتورية رؤساء...

قال تعالى «إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي» صدق الله العارف العظيم المطلع على خبايا النفوس وما تختزنه من طاقات السوء، وشبقية فعل الشر الذي عاد عندها سلوك يغري، ومادة تحث على التنافس والتباري. فالأذى المجاني حصن من لا حصن له –كما يقال- وسلاح الضعيف الأعزل من أي قدرات.. خاصة إذا كان هذا الأذى غاية لتبرير الشعور بالنقص والضعف والقلة، وعدم القدرة على إثبات الذات، وتحقيق ما وصل إليه الغير من أعمال الخير والصلاح، والتي تحتنكها دائما المتاعب والمشاق، ولولاها (تلك المتاعب والمشاق) لما تميز بالخير فاعل ولا عرف بالإقدام بطل، كما أشار الشاعر إلى ذلك:
 |لولا المشقة لساد الناس كلهمو|الجود يفقر والإقدام قتـال|
ومع كل ذلك فلازال بعض صغار النفوس يعيشون بعقلية «نضوا ترقدوا». ولازال يعيش بين أضلعهم (ديكتاتور ) ضعيف حقير يحاول أن يتسلط - كلما سنحت له الفرصة بذلك -على من حوله حتى ممن أسدو إليه المعروف.

وأسوأ مشهد أصبح مألوفا بيننا، هو ذاك التواطؤ الإعتيادي المقيت مع تطاوس وتعجرف وشرود رئيس جماعة حضرية أو قروية لا فرق، داخله خواء يعيش بعقلية ديكتاتورية مخزنية ماضوية، ظن الجميع أنها طويت وإنتهت إلى غير رجعة.

والأسوء من ذلك بكثير أن يكون هذا الرئيس الذي لا يحسن كسب ود وحب أهله المقربين الذين يحاول أن يجعل منهم "شلته" وطائفته المكونة من الأصحاب والخلان وأصحاب الحضوة والتميز او الأنس و"التقصيرة" والمجون، ليكونوا عيونه داخل الجماعة، وجواسيسه المبثوتون بين الناس لسماع وشوشتهم، وتلقط أقولهم فيه و عنه.

إنها عقدة النقص لذى بعض رؤساء تفرضها ديكتاتورية مبطنة بديمقراطية التزلف والتملق، تضع على قائمة المتغطرسين المغضوب عليها السوداء،كل من يرفض الرضوخ والانحناء لسلطته، ويتخدهم خصوما متنطعين مشاكسين مغرورين متعالين ضد مصلحة الجماعة والوطن.

لان الرؤساء يعتبرون كل مواطن مذنب حتى يثبت ويظهر الولاء المخلص لهم، ولمعتقداتهم وقيمهم، ويلبس لبوسهم بألوانها البهلوانية التي لاتستقر على حال، وغير ذلك جريمة لا تغتفر، و لايرى أي رئيس منهم معها أي حرج أو عيب في أن يسلط على من خالفه، حتى في التفكير، بعض ضعاف النفوس من ملشياته المكونة من الطفيليين والانتهازيين الذين ينعمون بخيرات الأمة وإمتيازات المجلس، مقابل ما يقدمون وينقلون لسيادته من تقارير عن كل همسة أو رمشة عين، مع إضافة بعض الزيادات الضرورية " تبزيرة الشغل".

للأسف فإن بعض هؤلاء المرضى من الرؤساء لايزالون يمارسون هذه ديكتاتوريتهم المشينة باسم الأحزاب الوطنية -التي لا تفتر عن الترويج لكل معاني الديمقراطية والصالح العام ووو... -التي يمثلونها في تسير الشأن العام، وهم الذين يعتبرون أن الإنتماء الحزبي مجرد شراكة تجارية ترتدي قناع السياسة، فيمارسون التعديب النفسي ضد كل منتخب جاد مخلص لا يحمل المباخر ولا يمشي في أعراس ومواكب قادة والرؤساء، مطبلا ومزمرا، ولا يرفعون أيديهم عمن يحاول أن يؤتي شيئا إيجابيا، بل تنهال عليه معاول الهدم والتيئيس، كمن أتى جرما ووحبت معاقبته حتى يعدل عن فعلته ولا يكررها. لذلك فهؤلاء الصادقين - مع أنفسهم على الأقل – لا يصمدون طويلا في وجه مع هذا التهميش الممنهج، والتعديب النفسي المبرمج، ويتحولون إلى مجرد أشباح لمنتخبين جماعين لا دور لهم، "فيطفشوا " كما يقول المصريون، أو "يتطرطقوا " كما يقول المغاربة.

فمن لهؤلاء المخلصين الأوفياء لمبادئهم وإنتماءاتهم؟؟ ومن لهؤلاء المصادرة مبادراتهم الجادة المتخدين الإخلاص منهجا والشرف رفيقا، وهم آلاف تمتلئ بهم المجالس الجماعية القروية منها والحضرية دون أن يحس بهم أحد أو ينصفهم أحد؟؟ فمتى ستتوقف هذه المهازل الرئاسية الخاطئة ليأخد كل ذي حق حقه؟ ومتى ستنظف مجالسنا من أشكال وأنواع هؤلاء الرؤساء مزوري الشهادات المدرسية؟؟؟.

إنها مهزلة أبطالها من إستمرأ الكراسي الدوارة الوثيرة، الذين حصلت لذيهم قناعة تامة بأن الجماعات المحلية ومن عليها ملك شخصي لهم ولدويهم، وأنه من دواعي الشهامة والنباهة عندهم ألا يتم التفريط في هذا الإرث، الذي تقتضي جدلية العشق والإستملاك وصولا للإستعباد أن لا يفرط كل رئيس في ملكوته. " والله يحد البأس في الانتخابات الجاية ".

ولكن جذوة الأمل في دواخلنا مازالت حية قوية تمنحنا الحماية من اليأس ومن الإستسلام لواقع لا نرضاه لمغربنا الحبيب، ولا يحقق ما نصبوا إليه من تنمية وتقدم... وتبقى أشرعة الأمل منشورة ونوافد الرجاء مفتوحة على أفق رحب فسيح من الأمل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى