الأربعاء ١١ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم فلاح جاسم

«طـــز»

أرسل لي صديقي رسالة يعتذر عن موعد بيننا، ليقول لي: أعتذر لأني لا أستطيع موافاتك في الموعد المحدد لأني «أكلت طز» وارتفع ضغطي كثيرًا، فاستغربت حساسيته الزائدة، وقلت له: يا صديقي خل عنك حساسيتك الزائدة، فنحن في البلدان العربية قد تربينا وترعرعنا على ذلك، وقد اعتدنا على هذا الوضع، وقلـّتْ حساسية جلدنا، و«تـَمسحنا»، فأهلنا كانوا يقولون لنا «طز» عندما كنا صغارًا، ونزيد في طلباتنا، والمدرس يقول لنا الشيء ذاته، وحتى أساتذتنا في الجامعة يقولونها عندما ينزعجون، فيقررون الكتاب من الغلاف للغلاف بدون محاضرات، وذلك عقابا لنا على لغط أحدثه بعض الزملاء «الطزيزين»، الذين لا يهمهم الدكتور ولا محاضرته. لكن «الطز» الأكبر اعتدنا عليها من الأنظمة التي ترفع أسعار كل شيء، إلا كرامة مواطنيها، وآخر ما تفكر به هو رد فعل المواطن، وقد نسيت إن له ردود أفعال أصلا. فالرئيس يقول: "طز بالوطن"، والمواطنين، إذا لم أكن أنا رئيسًا مدى الحياة، تهتف الجماهير باسمي، وتنحت لي تماثيل المرمر، تنصبها في ساحات النصر المزعوم.

المواطن المسكين، ليس عليه القبول بهذه الـ«الطز» فقط، بل عليه أن يباركها، ويصفق لعبقرية من اتخذ القرار. قاطعني صديقي قائلا: «أنا وين وأنت وين»، أنا أتحدث عن «طز» من نوع آخر؛ يُروى أن الحكومة العثمانية كانت تفرض ضرائب باهظة على جميع البضائع باستثناء الملح ..فكان التجار العرب إذا مروا على المفتشين الأتراك يقولون لهم:

"طـز"؛ أي لا يوجد معنا إلا الملح، والملح معفى من الضرائب.. وشيئا فشيئا صار التجار يرددونها بهدف السخرية من المفتشين الأتراك. إذا هي مصطلح أرستقراطي، ولا زال.. لأن المواطن المسكين لم يعد يجرؤ أن يقول "طز" للحياة حتى، خوفـًا من أن يسمعه أحد ويشي به.. وكما تعلم أيها القارئ المبجل إن دلالة الكلمات تتطور مع الزمن، وهكذا أصبحت هذه الكلمة تحمل مدلولا سيئاً، أو ربما يوحي بالتحدي، بينما هي في الأصل تعني الملح. تابع صديقي قائلا: وأنا تناولت طعامي اليوم في مطعم، وقد كثر فيه الملح، فارتفع ضغطي.

ضحكت بصوت عالٍ، عندما علمت مصابه، فقلت له: يا أخي المشاكل "طز" الحياة، أعني ملح الحياة، بدونه تصبح الحياة مملة، والأكل بدون "طز" ليس له نكهة، أو طعم، والكذب "طز" الرجال كما يقال، ومن هذا المنطلق يكذب الحكام بوعودهم على الشعوب، كي تزداد "ملاحتهم"، وإذا فكرتْ الشعوب برفع الصوت والمطالبة بشيء يسير من حقوقها يظهر الحاكم منتفخ الأوداج، ويقول لهم: "طز فيكم". وأنت تعرف يا صديقي، أنا أحرص دائمًا أحرص على أن يكون بيننا "طز" وخبز، لذا يتوجب عليك الحضور لنتناول الغداء معًا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى