الأربعاء ١١ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم غزالة الزهراء

ثرثرة

القاعة الفسيحة الأرجاء تعج بالنساء من مختلف الأعمار، قدمن إلى هذا المكان من كل حدب، وصوب قصد العلاج، كل واحدة منهن تغوص في برك الانتظار الآسنة حتى القاع، حياتهن كلها محطات انتظار، فما أعسره حين يطول في طول القرون الغابرة!

الساعة الثامنة والنصف، الطبيب النزيه لم يحضر بعد، الكل يعلم بأنه يقطن بمنآى عن المدينة، فهو شديد الإخلاص لمرضاه، ومتفان في أداء رسالته النبيلة.
الممرضة تتبختر في ثوبها الأبيض كالملاك، ترسل إشعاعات الابتسامة إلى هذه وتلك، وتطمئن الجميع بقولها العذب المريح: لا تدعن القلق يسيطر على أعصابكن، سيأتي الطبيب بعد حين.

نطقت إحداهن ذات الصوت الرخيم: حماتي الداهية هي التي أوصلتني إلى هذا المكان، هي المذنبة الوحيدة في مرضي، وهلاكي.
سألتها المرأة التي تنتحي مكانا بجانبها: وكيف حصل هذا يا أختاه؟
تأوهت بعمق، قالت وهي تمسح دمعة كبيرة، متلألئة انهمرت على خدها: دوما تدفع ابنها أي زوجي لشتمي، وضربي حتى أنفصل نهائيا عن مملكته، وبنيتها الخبيثة ستبحث له عن البديلة لتملأ فراغ حياته.

تدخلت أخرى ذات الحجاب الرمادي قائلة بافتخار: حماتي إنسانة طيبة للغاية، كسبت ودها من خلال معاملتي المثلى لها، أدللها، وأحدثها بأطيب الكلمات وأرقها، إنها تضمر لي بين جوانحها احتراما كبيرا، وتعتبرني بمثابة ابنتها تماما.

نطقت من هناك شابة متوهجة في مقتبل الزهور: أنا مقبلة على الزواج في هذا الصيف، زوجي مقاول ناجح، ويتمتع بسكن خاص، الحظ الباسم حليفي في الحياة، صدقنني.
وجهت لها سؤالا ذات الحجاب الرمادي: أليست لديك حماة؟

ابتلعتها دائرة الصمت هنيهة، ثم قالت متخابثة: لا، أبدا.
لم ترغب قط في الإفصاح عن والدة زوجها، لم تكن أما صالحة، بل زجت بابنها في قلب المعاناة ليحتسي نقيع المرارة وحده، لم تجرؤ على الإعتراف بفلذة كبدها خوفا من العار، والفضيحة.
هاهو الطبيب النزيه يلج قاعته وفي عينيه الذكيتين يلمع الأمل لمعانا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى