الجمعة ١٣ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم فلاح جاسم

أكاذيب متأصلة

هناك أكاذيب متأصلة، يظن البعض أن تكرارها على الدوام سيجعل المتلقي يسلم جدلا بأنها حقائق لا تقبل النقاش، منها أن جميع المسؤولين في دولة نامية يسهرون على راحة المواطن، وتأمين ظروف عيش كريم له.

ظهر في إحدى وسائل الإعلام، ناطق باسم النظام، سأله المذيع عن قتل عشوائي للمتظاهرين ودماء تسيل في الشوارع، فأجابه ذلك (الناعق الرسمي)، فقال له: إن هؤلاء خرجوا للتظاهر بدون إذن، واندس بينهم بعض الغوغائيين، الذين حاولوا تعكير الأمن، أي تعكير المزاج الأمني، ربما يقصد ذلك، فتعاملت معهم الأجهزة الأمنية، في واقع الأمر هي لم ( تتعامل) على الإطلاق، لأنها تفتقر إلى ذلك لكنها أجهزت عليهم. كذبة أخرى- والحمد لله إننا في شهر أبريل- كي يعرف الناس تبريرها إنها كذب أبريل؛ مفادها أن مذيعا سأل (ناعق رسمي) عن المظاهرة، فما كان من ذلك الشخص إلا أن أفتى له أن (المظاهرة) حرام، وهذه من عادات الجاهلية، فلا يصح أن يظاهر الرجل زوجته بأي حال من الأحوال، ويجوز للحاكم منعه بشتى السبل، وإن لم يرعوي فيجوز قتله، وهذا ما حصل في المظاهرات السابقة. أما (ناعق) آخر قد أكد، إنهم ليسوا ضد التظاهر السلمي، وأن التظاهر حالة صحية، تدل على وعي المواطن، لكن يجب على كل من يود التظاهر، أن يأتي إلى فرع أمن الدولة ويسجل اسمه، وبياناته، لكي نؤمن له حراسة مشددة على حياته؛ يرافقه عنصرا أمن متعنصران عن يمين وعن شمال، يحمل أحدهم له مظلة كي تقيه حر الصيف القائظ، ويحمل له الثاني وردة بيضاء، ومروحة كي ينعم هو بالهواء البارد، مع أن واقع الحال كل من صدق هذه الكذبة، وذهب وسجل اسمه، تمنى أن والده قد (ظاهر) أمه ولم تنجبه.

قضية أخرى هي الفشل الذريع للإعلام الرسمي في مواجهة ما تتعرض له الدول، وإخفاقه في إدارة هذه الأزمة، فبدا ممسوخا ممجوجا، غير قادر على إقناع نفسه بما يقول، ولا إقناع طفل في الرابعة من العمر، الإعلاميون بدوا كأنهم نقلوا المقالات و (غشوها) من بعضهم، وجميعهم (رسبوا بالتشابه) في نظر المتلقي. فالجميع عليهم ترديد اسطوانة؛ الممانعة، والمؤامرة، والاستهداف، ولم يتطرقوا إلى المتاجرة. يقول أحدهم: لا يخفى على ذي لبّ ما يحاك ضدنا من مؤامرات في غرف سوداء، تريد أن نحني الرؤوس، ونتخلى عن نهجنا النضالي، وان نرفع يدنا عن الزناد، لكن ألاعيبهم تلك لا تنطلي علينا، يجب على المواطن، أن يلتحم وراء قيادته، عفوا لا يجب استخدام هذا المصطلح لأن المواطن سيتذكر أنه وأولاده لم يطعموا اللحم منذ أمد طويل، إذا عليه أن يلتصق، لا عفوا، الالتصاق مفهوم يذكره بمقلاة "التيفال" مانعة الالتصاق التي طلبتها منه زوجته في ذكرى زواجهما، إذا عليه أن يقف، بدون حراك وراء القيادة.

في نفس الجريدة، وفي زاوية "هموم مواطن"، يتذمر الأهالي من أن صاحب المخبز يتعمد ترطيب الخبز كي يزيد وزنه، على حساب جودته فيصبح له طعم العجين، فهل نقول لصاحب الممانعة و المؤامرة، يجب أن نقنع المواطن بأن يأكل هذا النوع من الخبز، أو حتى يأكل تبنا لأن البلد تتعرض لمؤامرة؟ هذا إن وجد التبن، حيث أنه يعزّ هذا الأيام هو الآخر.

خلاصة القول إن البلدان التي تتعرض لمؤامرات، وتحاك ضدها مخططات، أحوج ما تكون إلى تكوين جبهة داخلية متماسكة ، وان تقوم بمصارحة المواطن ومكاشفته بكل ما يجري بكل شفافية، ومحاسبة المقصرين، فالمواطن ليس غبيا كما يتوهم الحكام، وإلا لما أطاح بهم من فوق كراسيهم التي جلسوا عليها منذ عقود، رغم ما يحيط بهم من آلة البطش والقمع. يجب الاعتراف بالأخطاء والتجاوزات، وبأن مجتمع السلطة ليس مجتمعا ملائكيا، هم بشر لهم أخطاء كما الآخرين، لأن الاعتراف بالمشكلة هو نصف الطريق لحلها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى