الثلاثاء ١٧ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم عبد النور إدريس

حقيقة الأنثى بين الجاهلية والإسلام

لقد حازت المرأة على اهتمام التشريع الإسلامي، فقد تطرق القرآن الكريم للكثير من شؤونها وبالعديد من السور التي بلغت عشر سور هي: سورة النساء، الطلاق، البقرة، المائدة، النور، الأحزاب، المجادلة، الممتحنة والتحريم.

إن هذه العناية تدل بقوة على المكانة التي تحظى بها المرأة في التشريع الإسلامي، فقد أعلى الإسلام من قدرها في مجتمع كان يستعبدها ويئدها فرد لها الحق في الحياة وأقر لها حقوقا لم يكن يستسيغها المجتمع الجاهلي قبلا.

1- المرأة والعصر الجاهلي.

1-1- وأد الجاهلية.

إن المرأة في العصر الجاهلي كانت مسلوبة الحقوق الأساسية، كحقها في الحياة كأنثى، فقد كان الأب أنداك يئد ابنته عقب ولادتها مباشرة اقتداء بالأعراف القبلية السائدة وخاصة تغلغل المنظور اليهودي للمرأة وخاصة الجاهلي الذي دأب على وأد البنات الشيء الذي يجعل هذا المجتمع ومن خلال انغلاق تفتحه الحضاري يعبر عن هذا التغلغل للإسرائيليات كخلفية ثقافية سائدة تتناسل في وعينا الفقهي والتي جعلت من المرأة حريما مرتبطا بالدنَس والعار وفضاء الاحتشام وقد أجازت اليهودية كديانة انتشار هذا المعطى محملا بقيم محلية جاهلية حيث ذاعت المعتقدات التي خضعت لعملية التأثر والتأثير بين الإسلام والديانات السابقة «فمن المعروف أن اليهود الذين اعتنقوا الإسلام مزجوا بين التراث اللاهوتي اليهودي، وبين العقيدة الإسلامية، واتضح هذا المزج في لجوء المسلمين لإخوانهم المسلمين – الذين كانوا يهودا منهم- في تفسير كثير من القصص القرآني [1]، ومن المرجعيات الدينية لظاهرة الوأد الجاهلية ما جاء في سفر التكوين أن اليهودي، «يملك على أولاده حق الموت والحياة، يقتلهم إذا شاء أو يقدمهم قربانا للرب» [2].

وصف القرآن الوضعية الكارثية التي كانت تعيشها المرأة قبل نزول الوحي، وخاصة منذ تلقي عائلتها نبأ ولادتها كما جاء ذلك بسورة النحل حيث قال تعالى:﴿ وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون﴾ (النحل الآية 58-59.).

إن هذه التلاوين التي تُصبغ بها عواطف الأب الجاهلي من هذه «البُشرى» تعكس وظيفة الأنثى داخل الهرم القبلي الجاهلي وبالتالي تجسيدها لتدهور القيم الخاصة لقبيلتها [3] يقول د.محمد بلتاجي «كان الأب الجاهلي يرى الأنثى تأكل ولا تقتل عن القبيلة، ويراها مصدرا لجلب العار له حين تُؤسر من العدو فيفترشها آسرها عنوة واقتدارا أو طواعية واختيارا، فيعير الأب وقبيلته بها» [4].

وقد انقسم الوأد إلى:
  1- وأد الفقر:

ويشكل رغبة الجاهلي في التخلص من عبء تربية أبنائه ذكورا وإناثا بدون تخصيص جنس الموؤود.
  2- وأد العار:

وكان يقتصر على وأد البنات الذي كانت تمارسه القبائل البارزة بالجزيرة العربية، كربيعة وكندة وطيء وتميم.
  3- الوأد الميثولوجي:

وهو مرتبط باعتقادهم أن البنت رجس من خلق الشيطان، فالأنثى مخلوق مدنس وهو باعتباره منظومة خرق يصنف في العقلية الجاهلية ضمن المبعدات حيث يرى الجاهلي أن واجبه الديني يدفعه للتخلص من الأنثى وتقديمها للآلهة كقربان حتى يُمنح ديمومة بقاء واستمرار النظام الثقافي الآمن.

نلاحظ أنه في حالات الوأد الثلاث تكون الأنثى هي الضحية وبذلك فقد حرك القرآن الكريم الشعور بالذنب لدى المسلم عندما قال: ﴿وإذا الموءودة سُئلت بأي ذنب قتلت﴾ (سور التكوير الآية 8-9)، وبذلك حرك الإسلام القيم الايجابية في المجتمع اتجاه الأنثى فمنحها الحق في الحياة باعتبارها مخلوقا يتساوى مع الذكر من حيث قدسية الجنس البشري حيث يتكفل الله خالق الأنثى برزق مخلوقاته يقول ﴿ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم.إن قتلهم كان خطأ كبيرا﴾ (سورة الإسراء الآية 31.)، كما جاء في سورة الأنعام الآية 151، ﴿ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم﴾.

1-2- أنكحة الجاهلية:

وقد تعيش الأنثى نفس الوأد على المستوى المعنوي فتصبح مخلوقا للمتعة والخدمة وإنجاب الأطفال، فقد كان عرب الجاهلية يشيئون المرأة في نظام أنكحتهم المتعدد والذي جاء على الشكل التالي:

  1- نكاح الاستبضاع: فقد روى الإمام البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت « كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه.ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه.فإذا تبين حملها أًصابها زوجها إذا أحب. وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد».
  2- نكاح المشاع أو ما يسمى بنكاح الرهط:

لقد كان من عادة بعض القبائل العربية أن يشترك رهط من الرجال في زوجة واحدة، ولقد روى الإمام البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها قولها:«كان يجتمع الرهط دون العشرة، فيدخلون على المرأة فيصيبونها.فإذا حملت ووضعت ترسل إليهم، فلا يستطيع واحد منهم أن يمتنع.فإذا اجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم، فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع عنه الرجل».

  1. نكاح البُعولة: وفيه يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها.
  2. نكاح البغي ونكاح المتعة: وهو نكاح مؤقت بالنقود أو شيء ما يدفع للمرأة ويحدد زمن نهايته.
  3. نكاح البدل: ويتبادل فيه رجلان امرأتيهما فيقول الواحد لآخر، انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي.
  4. نكاح الضغينة: ويتعلق بالسبايا من النساء فالرجل إن سبى امرأة له أن يتزوجها إن شاء.
  5. نكاح المقت ويسمى كذلك نكاح الضيزن: وهو أن يرث الابن زوجة أبيه فيتزوجها أو يجمع بين الأختين في آن واحد.
  6. نكاح الخذان: وهو معاشرة المرأة لغير زوجها سرا، وقد تحدث الإسلام عن متخذات الأخذان ونهى عنه بإقراره لعقوبة الرجم للمحصنة كما نادت به اليهودية القديمة.
  7. نكاح الشغار:
    وهو أن يتزوج رجل أخت رجل آخر مقابل أن يتزوج الثاني أخت الأول.

لقد عالج الإسلام هذه الأنكحة بإلغائها عبر آيات كثيرة، ولما جاء بمفهوم يصف فيه الرجل بكونه بعلا فقد أبقى على نكاح البعولة الذي يجسد مطلقية الطاعة التي تكنها المرأة لرب بيتها حتى أن الكون الرباني يستاء من خروجها عن طاعته من ذلك «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح» (بخاري ج 7 ص: 39).

إن نظام الأنكحة الجاهلي يشيِّء المرأة ويجعلها جسدا للمتعة والإخصاب بدون كرامة من جهة، ويضيع معه صفاء الأنساب من جهة أخرى، فالمرأة لم تلق تكريما يتعلق بانتمائها إلى جنس النساء، فالوضع الاجتماعي والاعتباري للمرأة في العصر الجاهلي كان سيئا للغاية " فهي محرومة من كثير من حقوقها الأساسية، ولا تلقى أي نوع من أنواع الإكبار أو التكريم..وإذا حدث ولقيت شيئا من التكريم عند زوجها، فإن ذلك لا يحدث إلا لأنها أم لابنه الذي يحبه، أو لأنها ابنة واحد من علِّية القوم " [5].

أما الحماية التي كانت تتمتع بها من قبل الذكور المحيطين بها (الأب، الزوج، الأخ و الابن) فهي تتساوى مع الحماية التي تلقاها فرسته وبئره ومرعاه.

وقد يتبين لنا مستوى المكانة التي وضع فيها الإسلام المرأة من خلال استقصاء وضعيتها الاجتماعية قبل مجيء الوحي.
  فما هو جديد وضعية المرأة في الإسلام؟

2- جديد وضعية المرأة مع مجيء الإسلام.

مع حلول الإسلام بالجزيرة العربية حازت المرأة جملة من الحقوق المادية والمعنوية: منها الحقوق الإنسانية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية كما تلقت واجباتها التي تتناسب مع الحقوق المعطاة، ولهذا " فالمؤسسات التي هدمها الإسلام، لم تكن تنسجم مع المبادئ الأساسية للدعوة الإسلامية كالوأد والعضل والقسامة والظهار والإيلاء وحرمان المرأة من الإرث " [6]

2-1- الحقوق الإنسانية .

لقد جعل الإسلام المرأة شريكة للرجل، فأقر سبحانه بوحدة المصدر المشترك بين الرجال والنساء وبذلك دخلت المرأة دائرة المقدس الرباني وخرجت من دائرة المدنس الاجتماعي يقول تعالى ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء﴾ (سورة النساء الآية 1) ويقول كذلك ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾
(سورة الحجرات الآية: 13).

إن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة من بين المبادئ السامية التي واجه بها الإسلام عرب الجاهلية، فلكل من الذكر والأنثى جزاءه الخاص في الآخرة كما في الدنيا: ﴿فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض﴾ (سورة آل عمران الآية 195)

وقد تضاربت الآراء في مسألة المساواة، فهناك من يرى أن الإسلام لم يقر بمبدأ المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة مستدلين في ذلك،اعتبار شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد في قوله تعالى:﴿ واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضِلَّ إحداهما فتذكِّر إحداهما الأخرى﴾(سورة البقرة الآية 282.)

وقد كان الداعي إلى ذلك ما يقره الإسلام من الانغلاق الاجتماعي الذي كانت عليه المرأة وعم مخالطتها للرجال في ميدان المعاملات التجارية والمالية التي تحتاج المكاتبة كالبيع والقرض والإجارة والرهن والوديعة والاقراروالغصب والوقف،﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين مسمى فاكتبوه﴾ (سورة البقرة الآية 282.)، هذا زيادة على عدم تفتحها على الأسواق وقد تستحكم للأعراف في هذا المجال، وتكون نتيجة هذه الوضعية أن تكون خبرتها في هذا الميدان لا توازي نضج خبرة الرجل.

أما ما لا يجوز للرجال الاطلاع عليه من أسرار النساء الداخلية فقد أجاز النبي شهادة امرأة واحدة وقد تكون القابلة مثل ذلك مثل شهادة الرضاعة ورؤية الهلال التي تقبل فيها شهادة امرأة واحدة عدل.

2-2- الحقوق المادية.

ينكر البعض على الإسلام في مادة الميراث جعل حظ الرجل يساوي حظ الأنثيين وهذا تحد كبير في مجتمع جاهلي تقتضي تقاليده وأعرافه حرمان المرأة من الميراث واقتصار ذلك على المحاربين من الرجال، بل وتصل المرأة في هذا المجتمع إلى حد أن تصبح إرثا بحد ذاتها، فجاء الإسلام ليقر هذا الحق في قوله تعالى: ﴿للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا﴾ (سورة النساء الآية 7.)، وقد فصل القرآن في سورة النساء الآية:11،واجب الأنثى من الإرث بقوله: ﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين﴾، فعندما أقر الإسلام نفقة الزوجة وجعلها من واجبات الرجل الذي يرث حقا كاملا يعتبر بذلك حظ المرأة مضاعفا بهذا الإنفاق المفروض من جهة الزوج ومن جهة الأب أو الأخ أو العم إذا لم تتزوج وبذلك تكون هذه الوضعية غير مرتبطة بالنقص في إنسانية المرأة ولا يجعل المرأة بتاتا في مرتبة أدنى من مرتبة الرجل وهو الذي أحاط المرأة بالرعاية فضمن لها حياة اقتصادية مستقرة حيث أخلى ذمتها من أي عبء من الأعباء الاقتصادية لمعيشتها هي أو لغيرها، فجعل نفقتها على أصولها أوزوجها أو فروعها أو أقربائها في جميع ما تحتاج إليه بالمعروف ﴿لينفق ذو سعة من سعته﴾ (سورة الطلاق الآية 7.)، وكذلك الآية ﴿أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تُضاروهن لتضيِّقوا عليهن﴾ (سورة الطلاق الآية 6.)وفي سورة البقرة الآية 233، يقول: ﴿وعلى المولودِ له رزقهن وكسوتهن بالمعروف﴾ كما لا يجوز للزوج أن يأخذ شيئا من مما أعطاه لزوجته كصداق أو مهر كما منعه الإسلام من أخد كلا أو بعضا من مالها الأصيل عملا بقوله تعالى: ﴿وآتوا النساء صدقاته نحلة، فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا﴾
(سورة النساء الآية 4.)

لقد قرر الإسلام قاعدة المساواة بين الرجل والمرأة في الأحكام، في الحقوق والواجبات في قوله تعالى: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف﴾(سورة البقرة، الآية 228.).

2-3- الحق في التعبير والرأي.

حازت المرأة على الحق في طلب العلم فهو فريضة على كل مسلم ومسلمة، واستمع إلى رأيها لسداده وقرره كمبدأ تشريعي عام، وبذلك تلقت المرأة العلم وأصبحت من المفتيات فيه كما جاء في الآية 34 من سورة الأحزاب ﴿واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة﴾ وتتجلى قمة تساوي الرجل والمرأة في تكليفهم بالوصاية على الدين من حيث وضعه تعالى بيدهما مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما جاء في الآية 71 من سورة التوبة ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم﴾ ويُروى عن السيدة عائشة أنها قامت بدور كبير في مجال تلقين الأحكام ومكارم الأخلاق حيث كانت تقضي بين المسلمين في أمور الفقه والحياة. وكان من جراء ذلك أن احترم الإسلام رأي المرأة وأحسن الاستماع إليها كما وقع من رأي الخنساء بنت خذام الأنصارية في حوارها مع النبي صلى الله عليه وسلم والذي أقر فيه الرسول بأن جعله جزءا من التشريع العام وخاصة وجوب أخذ رأي المخطوبة في شريك حياتها وأخذ رأيها في مسألة زواجها، فأجابته عليه السلام وقد استخلصت حكما عدّل من تطرف الوصاية في نكاح البعولة عندما قالت ولم ينكر الرسول عليها مقالها " لقد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن يعلم الناس أن ليس للآباء من أمور بناتهم شيء" [7].

كما كان رأي المرأة واضح المعالم في تأويل الآيات حيث اعترضت امرأة خطبة عمر رضي الله عنه حول المغالاة في المهور بأن أرجعته إلى فحوى الآية 20 من سورة النساء: ﴿وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا﴾ فما كان من عمر وإمعانا في احترام رأي المرأة والاقتضاء بمعطياته إلا أن عدل عن رأيه في تحديد المهر وقال " أصابت امرأة، وأخطأ عمر".

ومما يدل على المكانة المتميزة للمرأة في الإسلام واحترام رأيها ووجهة نظرها ما جرى لهند بنت أبي طالب المكناة بأم هانئ، عندما أجارت عدوا من أعداء المسلمين واحتكامها إلى الرسول (ص) عندما امتنعت من تسليمه لعلي ابن أبي طالب فقال لها الرسول: " قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ".

إن الإسلام قد جعل المرأة تعبر عن رأيها بكل حرية ومسؤولية وما كان من تدخلاتها إلا أن تمت الاستجابة لها مما يدل على معرفتها بأصول التشريع من معرفة دقيقة بتفسير النصوص الدينية وأحكامها، الشيء الذي جعلها تدافع عن حقوقها وحقوق بنات جنسها، ويكفي دليلا على ذلك حسّها النقدي الذي نظرت فيه أسماء بنت يزيد الأنصارية إقصاء المرأة من جملة الإثابات الإلهية عكس الرجل الذي يتحدث الإسلام عن جزاءاته الكثيرة وفقا لمشاركته العديدة في الحياة العامة، فقد جاءت ممثلة عن النساء فعرضت وضعية المرأة على أنظار الرسول بكل دقة وبلاغة اندهش لها جميع حضور مجلس الرسول (ص) عندما قالت "... أنا وافدة النساء إليك، إن الله قد بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، حاملات أولادكم، وأنتم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعة وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن أحدكم إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مجاهدا حفضنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفنشارككم في الأجر والثواب..".

لقد كانت إجابة الرسول الكريم تجعل طاعة المرأة لزوجها في مقابل كل أنشطة الرجل التعبدية حيث قال " افهمي أيتها المرأة، واعلمي من خلفك، أن حسن تبعُّل المرأة لزوجها، وطلبها مرضاته واتباعها موافقته، يعدُل كل ذلك".
يظهر من هذا الرد أن التشريع الإسلامي يضع للمسلمة وضعيتين من حيث الأجر والثواب، الوضعية الأولى تشمل الأنثى بكامل البراءة وهي ما تزال في حضن أبيها، بينما تنتقل بها الوضعية الثانية إلى بيت الزوجية وهي الوضعية التي تحوز فيها الزوجة على مرضاة الله وثوابه، فطاعة الزوج هنا من طاعة الله وقد جاء في صحيح البخاري ج7 ص: 39. " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" و " إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور" (رواه الترمذي والنسائي) إن إباحة خرق التعاليم الدينية في سبيل طاعة الزوجة لا يوازيه إلا رغبة الشريعة في إقرار ربوبية أرضية للرجل.

ثم إن المسلمات بعد ذلك لم ترضخن لهذا الحكم فقد طالبن الرسول بإلحاح بعد ذلك بالخروج إلى الجهاد مع أزواجهن للتمريض وسقي الظمأى ثم طالبن بالخروج إلى المساجد حيث قال النبي ردا على طلبهن " لا تمنعوا إماء الله من مساجد الله".

كما طالبت النساء بالمشاركة في الحياة العامة بحضور الأعياد فاستجاب الرسول (ص) يقوله" دعوا العواتق وذوات الخدور يشهدن الأعياد " وتأتي طلبات النساء تباعا في حياة الرسول في إطار سعيهم للتحرر من عبودية الرجل واستغلالهن حيث كان الأسياد يكرهون الإماء على البغاء إلى أن جاءت (سورة النور الآية: 33) لتصحيح الوضع بقوله تعالى" ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء"، وما حدث مع زوجة سعد بن الربيع وأم كحة في مطالبتهن بحقهن في الميراث، فما تحيلنا عليه زوجة سعد يدل بعمق على معرفة متفحصة لأحوال مجتمعها وبرغبة الرجل العربي ومرغِّباته في الزواج وتركيزه على يسرها حيث قالت " هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وان عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ول تنكحان إلا ولهما مال " تفسير الجلالين ص: 198.

لقد كان هاجس الثواب هو المحرك الأساسي لتحرك المرأة في اتجاه تحررها من عبودية العبد باعتبار أن الله عز وجل لا يجعل واسطة في التقرب إليه وعبادته، فغيَّرت من الصورة التي وسمها بها العصر الجاهلي، ويكفي للتدليل على استحكام هذا الهاجس في معركتها ضد معنى قوامة الرجل والوضعية الدونية لها في قول إحداهن للرسول " يا نبي الله للذكر مثل حظ الأنثيين وشهادة امرأتين برجل، أفنحن في العمل هكذا؟ إذا عملت


[1د.نصر حامد أبو زيد «دوائر الخوف، قراءة في خطاب المرأة» ص: 18.

[2سفر التكوين الإصحاح 42 الآية 37

[3أنظر(ي) كتابنا «الكتابة النسائية، حفرية في الأنساق الدالة.الأنوثة..الجسد.. الهوية.» مطبعة وراقة سجلماسة،مكناس الطبعة الأولى شتنبر 2004، ص:115

[4مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة"- حقوق السياسية والاجتماعية والشخصية للمرأة في المجتمع الإسلامي-، د.محمد بلتاجي،دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة مصر،الطبعة الأولى 2000.

[5د.عبد الباسط محمد حسن، مجلة عالم الفكر،المجلد السابع، العدد الأول أبريل 1976.

[6زينب معادي" المرأة بين الثقافي والقدسي.." سلسلة بإشراف فاطمة الزهراء أزرويل، نشر الفنك الدار البيضاء سنة 1990

[7"المبسوط في الفقه" للسرخسي،مطبعة السعادة، القاهرة،سنة 1324ه- 1903م الجزء الخامس


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى