الأربعاء ٨ حزيران (يونيو) ٢٠١١

حقيبة زينب...!!

ملكة احمد الشريف

سرقت حقيبة يد زميلتي الكاتبة زينب عودة، وكنت قد تندّرت عليها كثيرا في بداية الأمر، حتى إنّني قلت إنّ «الحرامي» سيندم على أنّه سرقها؛ لأنّها قامت بشنّ حملة صحفيّة جبّارة على هذا الحرامي الغلبان...

وإحساسا منّي بالذنب كتبت لها...

تندّرت قليلا معها حينما علمت بسرقة حقيبة يدها وهي عائدة من البنك إلى عملها، وفيها راتبها الذي تسلّمته من البنك، ودعوتها إلى مسامحة ذلك اللصّ، وأن تبارك له في راتبها المسروق إن كان بحاجته فعلا، ورجوتها أن تدعو الله له أن يكون آخر ذنوبه، أسوة منا بالسلف الصالح.

ولكن هالني حزنها العميق حينما أحسست بألمها العميق، ولم يكن هذا الألم بسبب الراتب المفقود، ولكن لما كان في الحقيبة من ذكريات...

لقد بثتني زينب حزنها، إنّ عمرها كلّه في تلك الحقيبة، فحقيبتها تحوي كلّ أشيائها العزيزة عليها، تحوي حياتها كلها... ما بين ذكرياتها الصحفية، والعديد من البطاقات المهمّة لديها، والتي لم أعرف قيمتها إلا من خلال دموعها.

وانتقل حزنها إلى نفسي حينما ذكرتني –وما كنت نسيت- وطني المسلوب عنوة، وذكرتني بحقائب السفر التي كانت تزدحم بها غرف بيتنا، فتذكرت عيني أمّي اللتين ابيضّتا من الحزن، ومن كثرة دموعها التي لم تكد تجف وهي تودّع أحد إخوتي... حتى تنهمر لفراق الآخر.
ذكرتني حقيبتك يا صديقتي -وما كنت نسيت- أخي في آخر زيارة له، وكان قادما من إحدى الدول العربية الشقيقة إلى غزة، عندما استقبلناه بدموع الفرح، ثمّ ما لبثنا أن ودّعناه وأسرته بدموع الأمل في لقاء آخر.

تذكّرت ذلك المشهد الذي أذاب قلوبنا جميعا وهو يقبّل جبين أمّي ووجنتيها، ويحضنها، ويضمّها خوفا من أن تكون زيارته هذه آخر زيارة يراها فيها، ويعود إلى حضن أمّي القعيدة ليضمّها ويقبّلها من جديد، ويقفل راجعا إلى سيّارة السفر المنتظرة في الخارج، ويصعد فيها، ثمّ يعود مرّة أخرى... ليقبّل يدي أمّي ورأسها.

كان قد ودّع أبي -رحمه الله- بنفس الطريقة، وعندما زارنا في المرّة التالية لم يجده ليحضنه أو يودّعه.

لقد أوجعتني يا زينب بحقيبتك المسلوبة لأنّها ألهبت فيّ ذكرى كلّ ما هو مسلوب...

من وطن...

وحقيبة...

وجواز سفر...

ومعبر...

وحرّيّة...

ورغيف خبز...

وقلم... و... و...

ولكنّي في نهاية المطاف أتمنّى أن تجدي -يا زينب- حقيبتك... على أمل أن نجد جميعا كلّ ما فقدناه.

ملكة احمد الشريف

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى