الثلاثاء ٢١ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم ميمون حرش

أفراخ الربيع العربي

أطفال في عمر الورد، يتوزعون بين الكبار في مظاهرات كثيرة، أسماؤهم لم يرددها آباؤهم وأمهاتهم فقط بل نادى بها القاصي، والداني، رددوها في المنابر الإعلامية، وفي الصالونات، وفي استوديوهات التصوير لبرامج سجالية، وحوارية كثيرة وفي ساحات التوتر، وفي كل مكان،و أخيرا سكنوا من الناس القلوب والأهداب، هنا، وهناك، وهنالك..

أطفال بسحنات واهنة، يمسك بهم أولياء أمورهم، أو من يبدون كذلك وسط مظاهرات عربية في مصر، وتونس، وليبيا، واليمن، وسوريا... بعضهم كتبوا على جبينهم كلمة "ارحل" بكل الألوان،آخرون يرددونها مثل الببغاوات، وقد يزيد عليها بعض الصغار شعارات طويلة عمل الكبار جاهدين على حفظها لهم..

هؤلاء الأطفال لا يعون ربما لماذا هم موجودون وسط المظاهرات صحبة الكبار،وهؤلاء المفروض أنهم يتظاهرون من أجلهم، إنهم يعملون على تهيئ المناخ لهم.. ألف آمنا ، لكن النوايا ليست واحدة، إذ هناك من يستغل طفولتهم بشكل يندى له الجبين، ولا يعدو أن يكون الأمر- عند بعضهم- أكثر من استدرار العطف والتأييد، وهو أسلوب قديم وعاه بعض الآباء حين عمدوا إلى استغلال الأطفال كورقة للضغط، أو لكسب العطف،أو للتسول، أو للدعاية...

قديما وعى الشاعر الهَجّاء الحطيئة ذلك حين أراد أن يستدر عطف سيدنا عمر رضي الله عنه حين قال له إثر حبسه :

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ * * زغب الحوا صل لا ماء ولا شجـــر

وحين يبث التلفزيون الليبي مقتل ابن القذافي سيف العرب متجاهلا أبناء الآخرين الذين قتلهم بصواريخ غراد، ويزيد على الخبر الذي يسمونه (عاجل ) حسب لغة الموضة اليوم بأن القصف أيضا أصاب ثلاثة من أحفاده الصغار، لا يكون ذلك صدفة طبعا، إنما إقحام الصغار هنا مقصود للدعاية ، ولأغراض أخرى في الأنفس المريضة، والقصف العنيف لا يصيب القذافي بالضرورة، ولا زوجه لأنه أحمق الخطى حسب قول الشاعر، لكن مع الصغار يركب عيونا أخرى لا تذر، فيصيبهم في مقتل.

إن النظر إلى الأطفال كورقة لكسب التأييد، أو العطف، أو أي شيء آخر تصبح عملية أخيرة في أيدي بعض الديكتاتوريين ،هؤلاء حين يحسون بأنفسهم كحالقين في السماء تهوي كل أماليهم من عل ، تتشظى كما الزجاج على صخرة الواقع حيث يرون إلى مقالعهم، وصروحهم المبنية بعرق الشعوب وهي تتهاوى،ويُسحب البساط من تحت سلطتهم، حينئذ لا يفضل لهم سوى لعب آخر أوراقهم ، لا شيء، بعد ذلك سوى استدرار العطف عبر الأطفال ، لذلك هم يعتبرون إقحام الصغار في مشاكل الكبار قد يأتي أكله، قد يحتاج الأمر لبعض الوقت لكن النتائج محسومة ولا شك.

الرسام الكاريكاتوري الشهير ناجي العلي تميز بين رسامي العالم بطريقة إمضائه للوحاته الفنية الجميلة، لم يكن يمضيها بمجرد شخابيط أو خطوط كما هو متعارف، إنما تفرد بإمضاء يُعتبر علامة فارقة لدى الفنانين وغيرهم، الرجل حين فكر في أن يبصم رسوماته الكاريكاتورية الساخرة أسعفه طفل أطلق عليه اسم حنظلة، بأسماله الرثة المرقعة، يدير الظهر في كل لوحة، يشبك يديه إلى الوراء في رسالة واضحة.

حنظلة طفل مشهور أكثر من كوكا كولا، ولو عاش في زمن اليوتوب، وحضر ثورة الربيع العربي لكسر هو وناجيه الدنيا كما يقول أهل مصر، جعله ناجي العلي يشارك في مظاهرات عدة عبر رسومات أبدع فيها، يقف في الزاوية متأملا، سادرا،فيما يقع للكبار بسبب الكبار.. واليوم لنا أن نسأل كم حنظلة من حناظلنا الذين شاركوا في ثورة الربيع العربي؟ ..

أطفالنا، شأن حنظلة ناجي العلي، ساخطون على الوضع العربي المتردي، وكان العرب إلى وقت قريب( لا أعاده الله)، عالم من الخرائط لا مكان للأطفال فيه. ولو لا أن الذهنيات تغيرت، اليوم، لكانت الطفولة عند العرب تقبع لا تزال في العربة الأخيرة من قطارهم الذي لا يقطع المسافات الطوال إلا لاهثا،وغالبا لا يصل.

حضور حنظله في الحروب التي رسمها ناجي مختلف عن حضور أطفال آخرين أمثال الدرة،حمزة الخطيب، هاجر، ثامر، إيمان حجو، وآخرين،...حضور هؤلاء إما تم صدفة، أو أُقحموا في مشاكل الكبار قصدا.. إن حنظلة، في الرسومات شاهد يمارس رقابة طفولية على ما يقع، ساخطا على وضع لم ينصفه، في حين أطفال الربيع العربي هم عنوان للموت وعلى الهواء مباشرة...هم ضحايا القمع العربي من أجل الكرسي، يتعرضون لأبشع أساليب العنف.. يقتلُ حمزة الخطيب، وترفع صوره في المظاهرات،وتتبعه هاجر، وثامر وأطفال آخرون،... الأسماء كثيرة، وتعددت الأسباب ، وقتل الطفولة في صدارتها كرمى للكرسي، والمجد للمؤخرة السمينة التي تضطجع عليه.

اليوم، وفي خضم ثورة الربيع العربي، يغادر حنظلة الرسومات، يتمرد عن ناجيه، ولأول مرة لا يدير ظهره، إنما مواجها العالم هذه المرة رفقة أقرانه، يحيي معهم ثورة الربيع، يبدون فيها وريقات يانعة، نضرة، في دوحة يُرجى جناها في تربة عربية قاحلة لا تنبت إلا شوكا، حتى أن جمعة 3 يونيو، في سوريا أطلقوا عليها جمعة أطفال الحرية شارك فيها أطفال كُثر، ولأول مرة نراهم لوحدهم في الساحات دون الكبار..

إن ما يحز في النفوس، ليس إقحام الأطفال في هذه المظاهرات إنما الذي يتقدم على هذا هو مصير هؤلاء حين نراهم يسقطون قتلى، أو جرحى، أو مغمى عليهم، وعلى الهواء مباشرة لأن في الطرف الآخر خصم لا يفرق بين الصغير والكبير حين يتعلق الأمر بمن يخاتله على كرسي جلس عليه لعقود، وأن يقتل الزعيم العربي طفلا أهون عليه من أن يرى كرسيه يجلس عليه آخر ،وإنجاب الأطفال ،بالنسبة للعرب، عملية سهلة،وقتل بعضهم ، في بعض الأسر لن ينقص من العدد الكبير فيهم، هم أصلا مثل الأرانب لا يجيدون غير الإنجاب، وقتلهم هو في الواقع مساعدة لهم (هكذا يفكر أغلبهم).

أما استبدال الكرسي، أو فقده فعملية هي من رابع المستحيلات بالنسبة لزعماء العرب، لذلك لا بأس أن يعلن القذافي عن مقتل أحفاده.. هذا في سبيل الكرسي اللعين،وليس مشكلا أن يُقتل حمزة الخطيب،أوثامـر، أو هاجر..فالأمهات سينجبن آخرين حتما،إنما المشكل في الكرسي الرئاسي العربي،هو بالنسبة لهم جنين يولد غالبا بعملية قيصرية،(اغتصاب السلطة) والحصول عليه مثل نبتة الخلود عند جلجامش لا تتاح مثل صفو الزمن إلا بشق الأنفس، فكيف يُتخلى عنه بسهولة ،ولأن الكرسي ليس منه نسختان، بل نسخة واحدة لا نظير لها،و يجلس عليه واحد، وهو ليس مكانا لمتعدد ،فمفقود، ومدحور من يفكر في استنساخه،أو من يفكر في الجلوس عليه دونه.

أجمل شيء في علاقتنا مع الأطفال هو أن نفكر معهم لا عنهم، ويبدو لي أن عملية إشراكهم في المظاهرات دون أن يعوا بعض الأشياء هي اعتداء على طفولة بريئة، المفروض أن نهيئ لهم الفضاء، فنكون نحن الكبار الوسائل، وهم الغايات، وليس العكس.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى