الأحد ٢٦ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم محمد متبولي

عن الحضارة «8» الله إله الحضارة

عندما نتعامل مع قضية الحضارة فلابد أن نضع صوب أعيننا دائما قضية أخرى وثيقة الارتباط بها وهى قضية الإيمان، فعلى مدار التاريخ البشرى لعب الدين دورا محوريا فى نشأة الحضارات وسقوطها، فقد كانت عقيدة البعث والحياة الآخرة جزءا أصيلا من الحضارة الفرعونية، وقد حول نزول التوراة بنى إسرائيل من أمة رعوية مشتتة إلى جماعة منظمة، وألهمت آلهة اليونان المفكرين والفلاسفة الإغريقيين، ودعم إعتناق الرومان المسيحية ركائز الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، وقد حول الإسلام العرب من أهل بادية إلى أصحاب واحدة من أهم الحضارات التاريخية، ولو نظرنا إلى الحضارة الغربية الحديثة سنكتشف أن إرهاصاتها الأولى بدأت مقترنة بحركة الإصلاح الدينى مع بدايات عصر النهضة، ولو تابعنا سير وتاريخ هذه الحضارات سنكتشف أن سقوطها أو تراجعها غالبا ما أقترن بتراجع الفكر الدينى القائم، وسيادة الخرافة وتحكم رجال الدين ودعم المؤسسة الدينية القائمة للممارسات الاستبدادية والقمعية، وحفاظها على شكل المجتمع القائم دون تغيير وربما وقوفها فى وجه التقدم ذاته، وما سبق يدفعنا للقول أننا إذا ما أردنا أن يكون لنا إسهام حضارى قوى يمهد لبناء حضارة جديدة فعلينا أن نراجع عقائدنا الدينية بالشكل الذى يزيل عنها ما أدخل عليها من أوجه التراجع والجمود، ويجعلها دافعا للتقدم والتطور، أو بطريقة أخرى إذا كانت العقيدة الدينية هى المنهج الذى يمارس من خلاله الإيمان، والإيمان هو مجموعة التصورات والأفكار التى يعتقدها الفرد حول الله، فإن الإنسان المتراجع حضاريا عليه أن يعيد بناء تصوراته حول الله بالشكل الذى ينقى تلك التصورات من الشوائب التى علقت بها وأخرته ومن ثمة يدفعه للتقدم.

إننا لكى ننجح فى عملية إعادة بناء التصورات بالشكل المطلوب علينا أن نفرق بين مفهومين، أولهما هو الإيمان السلبى وثانيهما هو الإيمان الإيجابي، وهو ما يتطلب رسم نموذج لكل واحد منهما ثم المقارنة بينهما بالشكل الذى يتيح لنا فى نهاية المطاف أن نحول ما نعتقد أنه إيمان سلبى إلى ما نعتقد أنه إيمان إيجابي، لكن ما سبق سوف يضعنا فى مأزق، فقد يعيب البعض فكرة أن يكون هناك إيمان إيجابي وآخر سلبى، قائلين أن الإيمان فى حد ذاته شئ إيجابي، لكن دعونا نقول أننا لا نملك حق تقييم إيمان أحد، فقد يعلق بذلك الإيمان من وجهة نظرنا بعض الشوائب وربما الأفكار المغلوطة، ومع ذلك يتقبله الله عز وجل لأنه يعلم أن صاحبه يمارس ذلك عن صدق الإيمان وجهل بالحقائق فى الوقت نفسه، وقد نرى إيمانا لا يعيبه شيئا من وجهة نظرنا لكن الله لا يتقبله لأنه يعلم أنه مصحوب بالرياء، لذا فالحكم على الإيمان أمر يفصل فيه الخالق عز وجل، لكن ما نقصده هنا هو سلبيته أو إيجابيته من حيث تأثيره على التقدم الحضارى ليس إلا، أما الأمر الآخر فإننا عندما نرسم نموذجا ما للإيمان ونقول هذا هو الإيمان القويم وما عاداه هو الإيمان المغلوط، فهذا يعنى ضمنا أننا أخذنا حقا ليس لنا وهو أن نفرض على الآخرين نموذجا إيمانيا محددا وندعى امتلاك الحقيقة، لذا فإننا نقول أن ما سنعرضه هى مجرد نماذج تدعم فكرتنا، وإننا نعتبر أى نموذج إيماني قائم على الإيمان بالله والتسامح والسلام ويدفع صاحبه للتقدم أو على الأقل لا يعيق ذلك فهو إيمان إيجابي، وأي نموذج إيماني قائم على التطرف والعنف ويدفع صاحبه للجمود هو إيمان سلبى.

عندما نشرع فى إنشاء نموذج نحاول من خلاله التعرف على طبيعة إيمان الإنسان، فعلينا أولا أن نحدد الطرق التى اكتسب من خلالها ذلك الإيمان، والتى عادة ما يكون فى مقدمتها أن ينشأ فى ظل جماعة مؤمنة تعلمه ذلك الإيمان منذ نعومة أظافره، وتتولى الإجابة على كل ما يعلق بذهنه من أسئلة محيرة تخص ذلك الأمر، أو أن الله عز وجل يمنح منحته الكبرى لهذا الإنسان ويقذف فى قلبه نور الإيمان مباشرة، وربما يقوم ذلك الإنسان بإعمال عقله والتفكر فى الكون حتى يصل لفكرة وجود الله عز وجل ووحدانيته، وأحيانا تكون طريقة الإيمان بوجود الله هى مزيج بين هذه الطرق جميعا، كأن ينشأ الإنسان فى جماعة مؤمنة تزوده بالأسس اللازمة لذلك ولا تحرمه من أن يعمل عقله فيما يشك فيه أو يختلف فى تفسيره، ثم ينعم الله عليه بإنارة بصيرته إلى ما خفى عنه، لنصل فى نهاية المطاف إلى نتيجة هامة وهى أن ذلك الإنسان أصبح يؤمن إيمانا يقينيا قطعيا غير قابل للشك بوجود الله عز وجل، وعلى نفس النهج يختار الإنسان العقيدة الدينية التى سيمارس من خلالها إيمانه، وربما يمتد الأمر ليختار مذهبا معينا داخل تلك العقيدة أو حتى يقوم هو بصياغة مفهومه الخاص الذى سيسير عليه بعد ذلك، ومن هنا سوف نبدأ عملية البحث المتوغل نوعا ما فى الأفكار التى يعتنقها ذلك المؤمن.

إن يقينية الإيمان بوجود الله يستتبعها أن يؤمن الإنسان بنفاذ إرادة الله ومشيئته فى الكون كله وأن الله خلق ذلك العالم والإنسان من أجل حكمة كبرى، ويعنى ذلك ضمنا أن الله إذا كان يريد العالم كله مؤمنين به لكان قد فعل ذلك، وسواء كان الأمر أن الله أراد أن يكون جزءا من البشر مؤمنا به والآخر كافرا، أو أن الله منح الإنسان حرية الاختيار فى قضية الإيمان والكفر فإنها فى النهاية إرادته، والحكمة الكبرى التى خلق الله من أجلها العالم تتنافى مع فكرة العبث، وهو ما يعنى أنه من غير المنطقى أن يكون الله خلق المؤمنين والكافرين من أجل أن يتقاتلوا ويريقوا الدماء وينشروا الخراب، وعليه فإن الصفة الأولى لهذا المؤمن هى أنه يحترم حق الإنسان فى أن يؤمن أو أن يكفر، وأن يتبع نفس عقيدته الدينية أو غيرها، كجزء أصيل من إيمانه بإرادة الله عز وجل، وإذا كان الله قد منح جميع البشر حقوق متساوية فى الرزق والتنعم بلذات الحياة وفقا لتحقيقهم العدل وعدم الطغيان بصرف النظر عن إيمانهم به من عدمه، فمن ثمة فإن ذلك الإنسان المؤمن يتقبل الآخر وحقه فى الحياة مثله.

ثم يبدأ ذلك الإنسان بعد ذلك رحلة استكمال الإيمان عن طريق التقرب أكثر إلى الله وتوطيد صلته به، ومثلما يكون سؤالنا وزياراتنا الدائمين لأحبائنا مدعاة لتأصيل علاقتنا بهم وتعرفنا أكثر عليهم، تكون إقامة الشعائر والعبادات -مع الفارق طبعا- وسيلة هذا الإنسان فى التقرب أكثر إلى خالقه وتوثيق علاقته به، ثم تزداد رغبة هذا الإنسان فى تقوية تلك العلاقة، فيراعى ألا يرتكب الأفعال التى يعتقد أنها تغضب الله، ثم يقرر أن يبحث فى ذاته ليكتشف أن لديه خصال تدفعه لارتكاب تلك الأفعال فيحاول أن يتخلص منها، ثم يكتشف أن هناك صفات لو كانت لديه ستدفعه للقيام بأعمال تقربه من الله عز وجل فيحاول اكتسابها، وقد يسترشد هذا الإنسان فى ذلك بما تركه أسلافه من تراث دينى، إلا انه يعمل عقله من أجل أن يفصل بين ما هو فى صلب العقيدة وما هو تراثى خاضع لزمان ومكان بعينهما ويحتاج أن ينتقى منه ما ينفعه ويتناسب مع زمانه ومكانه الحاليين، ثم تتحول حالة التطهر تلك بعد ذلك إلى معاملة إيجابية راقية مع سائر أفراد المجتمع من حوله ورغبة قوية فى أن يحقق الحكمة التى خلقه الله من أجلها، وإن كانت هذه الحكمة غير واضحة له بشكل كامل إلا أن ما يظهر منها كاف لكى يدفعه لتحقيقها، فوجود بعض صفات الخالق فى الإنسان كالعدل والرحمة يدفعانه لإقامة العدل والقضاء على الظلم، وتسخير الطبيعة له يدفعه لكى يبدع من أجل أن يحسن استغلالها ويحقق غاية إعمار الكون التى تعد أهم غايات خلقه، أو بمعنى آخر إذا كان الله قد وضع النموذج الأمثل لحياة الإنسان متمثلا فى الجنة وأعتبرها جائزته الكبرى على حسن عبادته له وتحقيقه لحكمته فى الكون، فإن الإنسان المؤمن يعتبر أنه كلما أقترب من تحقيق ذلك النموذج على الأرض كلما أقترب من الفوز به فى السماء، فيبدع ويبتكر ويصنع ويزرع ويشيد وأمله دائما فى أن يرضى ربه ويؤكد له أنه خير من أستخلف فى الأرض، وبطبيعة الحال ربما تكون لدى ذلك الإنسان رغبة فى أن يشاركه ذلك الحلم من حوله وربما البشر أجمعين، ويعتقد أن انتهاجهم نفس نهجه الإيماني سيساعدهم على ذلك، فيقوم بالدعوة له، لكن هذه الدعوة تقوم على التسامح وعدم الإجبار والتفهم لحق الآخرين فى أن يعتقدوا ما شاءوا، وعادة ما يقوم رجال الدين فى ذلك النموذج بدور المصلحين الاجتماعيين والمجددين فى الدين والمصوبين للمعتقدات الخاطئة، وهكذا يصبح إيمان الإنسان دافعا قويا لديه لإقرار السلام والتسامح داخل مجتمعه، وسندا له فى مشواره من أجل التقدم الحضارى، لذا أسمينا ذلك النموذج بالإيمان الإيجابي.

وعلى الجانب الآخر الذى سيمثل الإيمان السلبى، فعندما ينشأ الإنسان فى جماعة مؤمنة لكنها تتعامل مع الإيمان على أنه قضية مسلم بها، ولا يجوز أن تطرح أية تساؤلات أو شكوك بخصوصها معتبرة أن ذلك يفتح باب الكفر ويعد نقصا للإيمان، وهو ما لا يلبى حاجة الفرد فى كشف بعض ما خفى عنه فى هذا الشأن، فعادة ما يشعر هذا الإنسان بتأنيب الضمير إذا ما سمح لنفسه ولو مرة بأن يطرح مثل هذه الأسئلة، وعادة ما لا يجرؤ على البوح بذلك لأحد بمعنى أنه يحتفظ بتلك الأسئلة لنفسه ويمنعها فى نفس الوقت من التفكر فيها، ويعزى تفكيره فى ذلك لضعف إيمانه الذى عليه أن يقويه، فتكون النتيجة أن هذا الإنسان يقف أمام نفسه دائما فى حالة أشبه بحالة الإتهام، وتكون تهمته التى يداريها دوما هى تهمة نقص الإيمان ويخشى دائما أن يفتضح أمره بين الجماعة التى يحيا بينها، فيسعى لمداراة تلك التهمة بأن يتخذ مواقف متشددة ليظهر بها رسوخ إيمانه، وبالطبع ليس ذلك هو المثل الوحيد، فمثلا إذا ما كان من العسير على الإنسان أن يحقق الرفاهية أو الحياة المعقولة فمن الطبيعى أن يوجد ما يسمح له باستمرار الحياة بأن يمنى نفسه بتحقيق ذلك فى الآخرة مستغلا إيمانه فى ذلك، أو أن يكون الإيمان وسيلة ذلك الإنسان فى حيازة القوة والنفوذ عن طريق السيطرة على المؤمنين الآخرين كبديل عن حيازتهما عن طريق السلطة والمال اللذين ليسا فى متناول يده، وقد يمتد الأمر ليكون الإيمان وسيلة ذلك الإنسان لغفران الذنوب التى اعتاد على ارتكابها وضمان حصوله على جنتين الأولى فى الأرض والثانية فى السماء.

وتكثر فى هذا الشأن وتتعدد وربما تتمازج الأمثلة، لكن لو عدنا للأمثلة السابقة سنكتشف أن هناك شيئا مشتركا بينهم وهو أن الإيمان هنا ليس مرتبطا بيقينية وجود الله قدر ارتباطه بتحقيق مصلحة معينه، قد تكون الحفاظ على المكانة وسط الجماعة فى المثال الأول، ودخول الجنة فى الثانى، وتحقيق النفوذ فى الثالث، والرفاهية فى الرابع وربما جميعا، وكذلك فالعبادة هنا ليست وسيلة للتقرب إلى الله ولكنها وسيلة لتحقيق تلك المصلحة، وعادة ما يؤدى التشدد وربما التطرف بهذا النموذج إلى اعتقاده امتلاك الحقيقة وحده، وهو ما يستتبعه رفضه للآخر المخالف له فى العقيدة، وإذا كان قبول الآخر فى نموذج الإيمان الإيجابي ينبع من فكرة تقبل إرادة الله فى اختلاف البشر، فان الرفض هنا ينبع من الاعتقاد بان قبول الآخر قد يعنى قبول عقيدته، وهو ما يعنى احتمالية وجود وسيلة أخرى لتحقيق المصلحة المرجوة من الإيمان أو ربما خطأ الوسيلة التى يتبعها وكلاهما أمر مرفوض بالنسبة له، وأغلب الظن أن هذا النوع من الإيمان قلق بطبيعته، فعادة ما يقع تابعه دوما تحت مخاوف أن يحيد عن الطريق الصحيح الذى سيحقق له المصلحة المرجوة فى النهاية، لذا فكثيرا ما يتجنب هذا الإنسان استخدام عقله الذى لا يثق فيه بقدر كاف فى الأمور الإيمانية ويفضل الاعتماد على النقل من الماضى بصرف النظر عن ملاءمة ذلك للعصر من عدمه، ممتثلا لفكرة أنه كلما أوغلت فى التاريخ اقتربت من نبع الإيمان الأصلي، متناسيا أن حجم الحقائق والمعلومات التى نعرفها الآن أكثر بكثير مما كان متوفرا لدى القدماء، وهو ما يؤدى إلى أن يكون الجمود الفكرى جزءا أصيلا من ذلك النموذج.

ولا يمنع ما سبق أن يقوم هذا الإنسان بالتطهر الذاتى مثلما هو الحال فى النموذج الأول ولكن عادة ما يقترن هذا التطهر باكتساب فضيلة كره الكفر وهذا لا بأس به، لكن مكمن الخطورة فى الأمر هو أن مفهوم الكفر قد يتسع ليشمل كل من هو مخالف له فى الرأى أو الفكر، وربما تصل تلك الكراهية لحد نفى حق المخالفين له فى الحياة نفسها، وفى ظل تلك الأفكار تظهر أهمية كبرى لدور العبادة، فهى لم تعد المكان الذى تمارس فيه الشعائر والعبادات ويتلقى فيه العلم الدينى بل أصبحت هى رمز العقيدة نفسها، فزيادة عدد دور العبادة لدين معين وتناقصها للأديان الأخرى تعد مقياسا لقوة هذا الدين، وأن أتباعه هم وحدهم على حق، أو بمعنى أدق أن زيادة عدد دور العبادة لعقيدة دينية معينة يعد أهم من رسوخ تلك العقيدة فى قلوب المؤمنين بها، أو قيام تلك الدور نفسها بدوها فى نشر تلك العقيدة، وعادة ما يكون دور الإنسان فى تحقيق غاية الله من خلقه فى ظل ذلك النموذج قاصرة على تطبيق الشرائع والأحكام دون أن تمتد إلى فكرة إعمار الكون والاقتراب على الأرض من نموذج الجنة وغير ذلك، أى أن فكرة التقدم الحضارى فى هذا النموذج تبدو بعيدة عن طموحه لتعلقه أكثر بما هو بعد الدنيا لا الدنيا نفسها، وربما يعتقد البعض هنا أن التقدم سوف يشغلهم عن العبادة التى ستوصلهم فى النهاية لتحقيق أغراضهم، وهو ما قد يجعلهم يعرضون عنه، وعادة ما تكون الدعوة الدينية فى هذا النموذج قائمة على الترهيب والهجوم على معتقدات الآخرين، وربما أحيانا تصل لحد استخدام العنف، فبدلا من أن أقول إنني أدعوك للمعتقد الدينى الذى أؤمن به وأعدد المميزات التى يحويها، أقول انك إن لم تؤمن بذلك المعتقد سوف تدخل النار أو ستحرم من رؤية ملكوت السماء، ويتم التركيز على الأوجه التى يعتقد أنها سلبية فى العقيدة المخالفة، ومن الطبيعى أن يتحول رجال الدين فى ذلك النموذج من مرشدين وهداه للمجتمع إلى ما يشبه الواسطة بين المؤمنين وربهم.

إننا إذا ما أردنا أن نوجد فارقا جوهريا بين النموذجين سنقول، أن الإيمان الإيجابي يهيئ لنفسه كافة السبل من عقل ونقل وإرث وتسليم ليرسخ إيمانه ويقويه، وفى الوقت نفسه لديه قدرة عالية على الحوار سواء مع متبعى عقيدته أو المخالفين لها، مما يجعل لديه الفرصة دائما لتصويب ما علق بذهنه من معتقدات خاطئة، وتجديد إيمانه وعقيدته بشكل مستمر والدعوة لهما، وكذلك فإن هذا النموذج يضع صوب عينيه نموذج الحياة المثلى التى رسمها الله له فى جنة السماء، ويعتقد أنه كلما أقترب من تحقيق ذلك النموذج على الأرض أصبح أقرب لتحقيق حكمة الله التى خلق العالم من أجلها وبالتالى أصبح أقرب للفوز بجنة السماء، وفى المقابل يقوم نموذج الإيمان السلبى على المعتقدات والمسلمات السائدة فى المجتمع وتكاد فرصه فى تصحيح معتقداته أو تجديدها أو كسب مؤمنين جدد من خارج أتباع المعتقد أمرا مستعصيا عليه فى كثير من الأحوال، وعادة ما لا يهتم هذا النموذج كثيرا بفكرة التقدم الحضارى لاعتقاده بأن الجنة أو الملكوت مكانهما فى السماء ولا معنى لأن نضيع الوقت على الأرض بالانشغال بأكثر من ما يوفر لنا سبل العيش، إننا إذا ما أردنا أن نفرق بين الإيمان الإيجابي والسلبى فى بضع كلمات سنقول أن الأول قائم على حب الله واليقين الكامل بوجوده أما الثانى قائم على الخوف من الله والتسليم بوجوده، أى أنه يسلم بوجود الله ولا يعى ذلك الوجود.

إن الهدف مما سبق هو أن نبنى وعيا جديدا يجعل كل فرد من أفراد مجتمعاتنا لديه الرغبة فى أن يجعل إيمانه دافعا له للتقدم، وأن يقوم مستعينا بكل ما ومن يراه مناسبا بإنشاء نموذجه الخاص للإيمان الإيجابي، ثم يقوم بنفسه منطلقا من قناعاته الخاصة لا ما يفرضه عليه أحد، بالمقارنة بين وضعه الإيماني القائم والنموذج الإيماني الذى أنشأه، ثم يقوم بتصويب معتقداته واكتساب ما يلزمه من أفكار وصفات تؤدى فى نهاية المطاف إلى تحوله لذلك النموذج، وهو ما سيعنى أنه انتهى هنا من عملية إعادة بناء التصورات حول الله عز وجل وهو ما سيدفعه للقيام بعمليات أخرى مماثلة لإخراجه من حالة الجمود الحضارى و دفعه للتقدم.

وأخيرا إننا هنا لم نتحدث عن إسلام أو مسيحية أو حتى يهودية، لكننا تحدثنا عن أفكار عامة حول طبيعة العلاقة بين الإنسان وخالقه، وكيف يمكن أن يصبح الإيمان قوة هائلة دافعة للإنسان نحو التحضر والرقى وفى الوقت نفسه تضمن له الفوز فى الحياة الآخرة، وقد راعينا أن نطرح تلك الأفكار دون أن نوجه نحو قبولها، ونعرف مسبقا أن الكثير من القراء سيرفضون نسبة لا بأس بها من هذه الأفكار، لكن ما يهمنا هو أن يحظى المضمون العام بالقبول والقناعة بقابلية التطبيق، أما التفاصيل فنتركها لكل واحد يقبل منها ما يقبل ويرفض منها ما يرفض، ويضيف ما يشاء، المهم أن نسعى جميعا لتطبيق الفكرة العامة المطروحة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى