الأحد ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم كريمة الإبراهيمي

حب إلكتروني

سيبار كافي... وأجساد تتوزع في القاعة... صوت الموسيقى ووجوه يحجبها دخان السجائر... لا لغة هنا سوى لغة الأيدي التي تعبث بالحروف بخفة فائقة... أنتحي زاوية وأغوص في الحروف... سيبار كافي مع صباح شتوي...

صباح شتوي... ومطر يتدفق في الشوارع، وتتدفق معه في القلب برودة جافة... يتدفق عمري كله في لحظة ألم مر منذ أن بدأتُ أفقدك وأفقد معك قدرتي على خلق الفرح... أشعر بصوت أشياء تئن في داخلي وملل جاف...
صباح شتوي...

أشعر بجدران ذاك البيت الذي يجمعنا تنز بردا ثم ما يلبث أن يتحول إلى سيل يجرف معه آخر حدود صبري...أحاول ان أرمم بقايا الأشياء... أن أجمع فتافيت جسدي المحترق إلى جانبك في سرير تملؤه الوحشة...أبكي ايامي معك... وأبكي معها احلاما كانت تسيج القلب فتذيع فيه رغبة التوحد بهذا العالم الذي أراه الآن كئيبا جدا... وأنا متعبة جدا... أموت حينما يأتي الليل وأنت تستلقي إلى جانبي وجسدك لا يفرز إلا بردا قاتلا... تدير لي ظهرك وتتركني لوحدتي وهذا الوجع الكبير... أمد يدي وأحاول أن أستعيدك... لكني لا أجرؤ...أقول لك:لم لا نتحدث قليلا؟ترد علي ببرود: متعب. أريد النوم. وأتلاشى إلى جانبك في بحر العتمة ودموع تنزل في صمت...

واستيقظ...ومرة أخرى لا أجدك....تتركني كما لو كنتُ صاحبة فندق لست مدينا لها بالشكر...يملؤني الضجر والنفور فأخرج إلى الشارع...ملتني الحدائق...وقاعات الشاي كلها صارت تعرفني...المرأة الوحيدة التي ترتادها دون رفيق...ربما عشاقها أيضا صار يزعجهم تحديقي ببأيديهم المتشابكة وعناقهم الضاحك...كلما تأملت اثنين يأخذني القلب اليك...يلفني الفرح ويعيدني إلى يوم كنتُ ألقي برأسي على كتفك وكثيرا ما كنتَ تدخلني صدرك فأنسى المكان وأذكر فقط أنني معك...

سيبار كافي...

صار المكان الوحيد الذي يستقبل خيبتي فأنسى فيه بعض وجعي ومرارة اللحظات معك... أفتش في المواقع عن شيء ما يمكنه أن يحمي دواخلي من أن تتجمد... ومنحني السيبار كافي ذاك الشيء...منحني اسما فجربت الكتابة اليه...لم أنتظر الرد لأني لم أكن اثق في حقيقة الاسماء الالكترونية كثيرا...لكن الاسم لم يخذلن...ووصلني الرد...ها أنا أخيرا أحظى بصديق...وأعود إلى البيت مرة أخرى...ومرة أخرى أشعر أن كل شيء من حولي يتدفق صقيعا ووحشة...أحاول أن ازرع دفئا فأدندن لحنا لفيروز ما يلبث أن يتحول إلى نشيج وأنا أركض نحوك وأنت تدخل، أقول لك:لم تأخرتَ؟ قلقت عليك....ترمقني بنظرة حادة ثم تمضي...تخلفني وقد تسمرت في مكاني دون أن أقول شيئا آخر...

تضطرم بداخلي ثورة جارفة... تفقدني سيطرتي... أحاول أن أصرخ في وجهك... أن أحطم كل الأشياء التي حولي... لكني لا أفعل... وتتحول ثورتي في تلك اللحظة إلى أمنية لو أنك تأخذني بينراعيك وتذيبني فيك كما كنت تفعل...تحملني خطواتي إلى غرفتنا الباردة...لا شيء سوى الصمت وجسدين شريكين في سرير واحد...أكبت شعورا جامحا في أن أرمي بنفسي في صدرك، أمد يدي لألامس يدك لكن يدي تتصلب فأنسحب من الغرفة ببكاء مر في حلقي...

أجلس إلى التلفزيون...أبيد بعض حزني والوحشة تكاد تبيدني..أتجه إلى الهاتف فربما هو يحل المشكلة ولكن بمن أتصل؟ ومن يهمه أن يسمع أخبار امرأة يعتقدها الجميع اسعد امراة ؟

أحضن تعاستي ودمعي المجروح، أتكوم في سريري وأنتظر أن يأتي الغد...

وفي الغد لا أجدك...ولا أجد سوى الصمت...لا شيء ينتظرني منذ بدأت الأشياء بيننا تموت...لا شيء سوى الفراغ من حولي...أترك المنزل وأهرع إلى السيبار...

أكتب وأكتب...

صارت حياتي معلقة بإيمايل...وصار ذاك الرجل حصانتي ضد الموت معك...وحدتنا تعاستنا...حدثته عن زوج أحال حياتي فراغا وبردا، وحدثني عن زوجة ملأت حياته غربة وصمتا... ودون أن أدري صار ذاك الرجل أجمل ما في حياتي الباردة...ملأ الفراغ الكبير الذي كان يحيط بي، وأعادني إلى الفرح مرة أخرى...أعاد الي سحر أنوثتي وهو يمدح رقتي وعذوبتي التي تفوح بها سطور رسائلي اليه...حديثه عن زوجته البليدة والباردة جعلني سعيدة وانا أنتقل في بيتي بخفة...عدت إلى عاداتي الجميلة...أدندن...وأقرأ شعرا وأرقص...وكنتَ أيضا سعيدا يا زوجي...صرت أكثر مرحا وأكثر تأنقا...وقوفك أمام المرآة كان يطول وكنت تخلف عطرك يتماوج في كل أرجاء البيت...كنتُ أشعر أن امرأة ما قد غزت قلبك...منذ متى تغيرت؟منذ متى غادرني وجهك الضاحك ويداك الدافئتان؟ من تراها تلك التي تضم يديها الآن وأنا أموت ثلجا إلى جانبك؟جالت الأسئلة بداخلي ثم ما لبثت أن تلاشت وأنا أخرج إلى السيبار وأفتح بريدي...

ورود...وشعر...وحب...أشياء قادرة على قتل الصقيع الذي يشل روحي.(إليكِ...أيتها الياسمينة... اليكِ العمر... والفرح... والآتي الجميل... كل عام وأنت الحب... كل الحب...-حبيب-...).

لم يكن يزعجني في حبيب سوى أن اسمه على اسم زوجي... ولطالما قارنت بينهما... وبدأت أحب حبيب واقنعت نفسي بأني لم أعرف إلا حبيب هذاوأنني سأنسى زوجي يوم أنفصل عنه وأرتيط بحبيب.

ما زلتُ أذكر قصيدته في عيد ميلادي...كانت دافئة جدا...ورطتني في حبه أكثر...وقررت أن أنفصل عن زوجي...قررت أن أضع حدا للبرد الذي يقتل أيامي... وجلستُ في مكتب زوجي أنتظر عودته... كنت اعبث با لأوراق التي أمامي واذا قصيدة أمامي ما تزال مسودة مع الاهداء... إلى النجمة التي أشاءت أيامي فجأة...
النجمة...انه الاسم الذي اعتاد-حبيب-أن يناديني به في رسائله وقد نسي اسمي منذ أول رسالة...

كنتَ أنت إذن يا زوجي... كنت أنت الذي أعاد إلي أحلامي... كنت الرجل الذي كنتُ سأنفصل عنك من أجله... وغبت عن الوعي... وحين أفقتُ، كنتَ أمامي بنفس الملامح العابسة...


مشاركة منتدى

  • من اجمل ما قرات. ننتضر جديد الاعمال ......... الشكــــــر

    • سردٌ تدثر بصقيع العواطف وائِدا حبًا لا يزالُ في طفولته الغضة..
      وعبر كوةِ السيبر كافي هبتْ رياح حُبٍ دافئ أعاد للشرايين ضجيج الحبِ ولحن الهوى..
      ما أقسى أن نكتشفَ أن صالح اليد الممدودة لإنتشالنا من غرق الهجر على شواطئ الحُب الباكي هو عينه الذي خنقَ أحلامنا في مهدها..
      رائع ما خطت يمينُكِ..وما يزيدها تألقات هي الواقعية الصاخبة المتبعثة من حنايها..
      صخر الجزائري.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى