الأربعاء ٣ آب (أغسطس) ٢٠١١

أقبـــل رمضـــان

المطران جورج خضر

رمضان شهرنا جميعا أأمسكنا عن طعام أم أمسكنا عن خطيئة. لا يسوغ ان يكون المسلم في مناسكه وألا نكون سنداً له بالدعاء. هو يؤمن بأن صيامه كُتب عليه. انت تطلب من اجله البركات والعافية والطهارة كي يصل الى الأعلى في جهاده ويفيد الناس جميعا من تهجده.
يحزنني ان يرحب بعضنا بالافطار يدعونا اليه الأصدقاء ولا تذهب قلوبنا الى الصوم نفسه أي الى هذا الإعراض عن الدنيا ولذائذها بحيث يطيب لنا تقرب المسلمين من الله ومن كرمه.
نتقبل المسلمين لأن الله يتقبلهم في صفاء عبادته.

شهر الأمانة والصيانة والتقى / والفوز فيه لمن أراد قبولا

هذه هي الصفات التي يطلبها المؤمن العميق ويعلو التكاليف الظاهرية. هي العفة عن المكاره وعند ذاك لا يبقى الا الله. وتكون مثل مريم التي قالت: "اني نذرت للرحمان صوما فلن أكلّم اليوم انسيا". اذا بلغت التطهر تكون قد بلغت معراجك الى الله وهو معطيك ما تكلم الناس به او يعطيك صمتا ينقذك من فراغك.

عند خاصة المتعبدين رمضان يصبح كف الحواس عن الآثام وصوم القلب عما سوى الله. اما الصورة الخارجية البحتة للصيام فليست بشيء وما فيها غاية. خصوصية البذل الروحي في هذا النضال هو ما قاله احدهم متوسلاً: "الهي وقف السائلون ببابك، ولاذ الفقراء بجناحك، ووقفت سفينة المساكين على ساحل كرمك، يرحبون الجواز الى ساحة رحمتك ونعمتك. الهي ان كنت لا تكرم في هذا الشهر الشريف الا من أخلص لك في صيامه. فمن للمذنب المقر اذا غرق في بحر ذنوبه وآثامه". "إلهي، ان كنت لا تقبل الا العاملين، فمن للمقصرين؟ الهي ربح الصائمون، ونحن عبيدك المذنبون، فارحمنا برحمتك، وجد علينا بفضلك ومنتك واغفر لنا أجمعين برحمتك، يا ارحم الراحمين". تلك نافذة المسلمين على الحب الشامل.

ما هدف الصوم؟ النسك والإمساك والتقشف رياضات يمكنها الله الانسان بما بسميه المسيحيون النعمة وهي القوة الالهية في قلب الانسان او ما يقذفه الله في الصدر على ما يقول الغزالي. الصوم تاليا مركز على الرب نفسه ومن هنا ان الشروط الباطنة تجعل رمضان بابا من ابواب الجنة. معنى ذلك ان الهدف الحقيقي هو ان يتخلق الصائم بخلق من اخلاق الله وهو الصمدية بحيث ينعكس على الانسان نور الصمدية الالهية.

قال الامام الغزالي: "الصوم ثلاث درجات: صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص". اما صوم العموم فهو التقيد بالواجبات المعروفة وهي تلخص بالكف عن شهوة الطعام والاندفاع الجنسي. اما صوم الخصوص فهو الكف عن جميع الآثام كغض البصر عما يذم وحفظ اللسان وكف السمع عن الإصغاء الى كل مكروه "لأن كل ما حرم قوله حرم الاصغاء اليه". ومن جميل قول الغزالي: "ان لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ جوفه فما من وعاء أبغض الى الله عز وجل من بطن مليء من حلال". والموصى به ان يأكل الصائم أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم.

اما خصوص الخصوص فصومها "صوم القلب عن الهمم... والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله... ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر عما سوى الله عز وجل واليوم الآخر بالفكر في الدنيا الا دنيا تراد للدين".

اذا كان على المسلمين ان يكتبوا أدبيات رمضانية جديدة لا بد ان يفكروا في هذا المشرق ان المسيحيين الذين يحبونهم ان لم يصوموا معهم جسديا فهم قريبون منهم فاذا ارتفع كل فريق منا روحيا يرتفع الآخر معه او هذا هو المتصور. وفي عمق الاعماق لا ينظر حصرا الى العقيدة ولكن الى البشر. الهدف تقارب البشر حتى المحبة وليس فقط مقارنة العقيدتين. ما كان يسمى حوارا اسلامياً - مسيحياً كان يستهدف العقائد ولذلك لم ينجح كثيرا وكان بعض العلماء يرفضونه لعسر القيام به فأخذوا يتكلمون على الجانب الخلقي في الحوار. الحقيقة ان هناك جانبا آخر وهو تقارب الناس الذين يقصدون الله حبا ويريدون ان يرتفع الآخرون معهم. في التركيز الشديد على الله في الصيام هل ما يمنع المسلم ان يحمل المسيحي معه ولا يكون أسير السياسات.

قد يكون التواصل السياسي صعبا للغاية لأنه مركز على المنافسة وعلى إسقاط الحق الآخر وعدم رؤيته في الوحدة الوطنية. وتعبير ذلك اني اهم منك او اكثر منك. السياسة دائما قائمة على الأنا والأنا ترفض الأنا الأخرى. كل ما قام على البشر بشري اي فيه شهوات الناس. اما اذا تجردنا عن السياسة ومصارعاتها في الدين الواحد او في الديانات وركزنا القلب والفكر على الله في رمضان دائم او في صيام الفصح نحس اننا بشر قابلون للتراص والوحدة وكأننا في المبدأ او المثال مجتمع واحد.

الصورة الخارجية التنظيمية لهذا المجتمع انه مجتمع مدني. هذا، البحث فيه جار دون تحديد للعبارة. الخلاص ان نكون مجتمعا دينيا ليس له من حيث هو كذلك وجه سياسي او اذا كان لا بد من تنظيمه يكون خاضعا لقوانين مدنية بلا ركيزة طوائفية.

المهم ان نتحرر من كل مجد باطل ولا نسعى الى ما هو الى هذا الدهر. متى يرعانا في هذا الاتجاه الرمضانيون؟

اذا كنت في رمضان من الخصوص او خصوص الخصوص حتى تبلغ الله تنظر الى عباده بنظرته هو اي انهم ابناء حسب المصطلح المسيحي. ايا كانت لغتك فإلهك حاضنك ويدعو كل محضونيه الطيبين اليه. ولست اقصد اليوم الآخر فقط ولكن شدّنا اليه في كل حين بالمراحم والحنان.
بإمساك جسدي او إمساك روحي او كليهما سندخل رمضان معاً بأخوة كاملة.
المطران جورج خضر

رسالة رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني كمال شاتيلا إلى المؤمنين لمناسبة شهر رمضان المبارك (آب 2011 م 1432 هـ)

أتوجه إليكم بكل التهاني لمناسبة حلول شهر رمضان المبارك أعاده الله على الأمة وعلى أحرارها بصورة خاصة بالنصر والتوفيق والبركات، فهذا الشهر الفضيل هو مصدر إلهام للمؤمنين بأن يشحذوا الهمم ويستقووا بالأمل ويصمدوا على الألم ويستقبلوا هذا الشهر الفضيل بقلوب عامرة بالإيمان وإرادة مصممة على مواجهة التحديات وتوفير المناعة والقوة لمسيرة الاسلام العظيم.

إن إسلامنا كان ولا يزال هداية للبشرية على مدى الزمان، وهو الأنوار الحضارية للبشرية، لخلاصها من عبودية المادة وعبودية الانسان للانسان، وقوة دافعة للتحرر من الاستعمار والاستبداد والاستغلال. فقبل كل الثورات العالمية التي نادت بالعدالة والمساواة والحرية واحترام الانسان، وحينما كانت أوروبا ترزح تحت نير أباطرة الاستبداد وفق نظم سالبة لحرية الانسان وكرامته، كان الاسلام من المدينة المنوّرة يبشّر بفجر جديد، فأصدر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم دستور الصحيفة ليكون أول إدارة إسلامية للمدينة ينص على حقوق المواطنة المتساوية بين الناس، ويؤكد على العدل بين المسلمين وغير المسلمين، ويدافع عن حرية المعتقد الديني، ويرفض العصبية والعنصرية بين الاقوام انطلاقاً من مبدأ المساواة بين المواطنين، ويؤكد على حكم الشورى والمشاركة.

ان الاسلام العظيم الذي أسس أروع حضارة انسانية انطلاقاً من أرض العرب، كان الشعلة المميزة التي أضاءت للانسانية طريق الحرية والكرامة والعدالة، في وقت كانت تسود الفرقة والتمييز والظلم والاستبداد والعبودية.

لقد ألغى الاسلام حالة استغلال الانسان للانسان وأمة لامة وطبقة لطبقة، وحرّر الانسان من كل قيود العبودية عن طريق الايمان المطلق بالعزة الالهية وحدها.
أيها الأخوة والأخوات،

ان ابتعاد الحكام عن الأسس الحضارية للإسلام في تنظيم شؤون الناس، زعزع النظم وأشاع الظلم بدل العدالة والفساد مكان النزاهة والجبن في مواجهة الاعداء مكان الشجاعة. فنحن لم نكن بحاجة الى دروس ثورات الغرب عن حقوق الانسان والحرية حتى يتم تصديرها لنا، وهم آخر من يحق لهم كمستعمرين إسداء النصائح للأحرار.

إن الغرب يتحدث اليوم ضد العنصرية ويمارسها ضدنا في فلسطين وغير فلسطين، لانهم يعتبرون عقائدياً أن الانسان الاوروبي متفوق بطبيعته على كل الاجناس، في حين أن القاعدة الأساسية في الاسلام إدانة العنصرية أو التمييز بين الناس على أساس الجنس أو اللون أو الانتماء.

إن إسلامنا هو ضد طغيان الحاكم المتفلت أخلاقياً والمتمرد على المبادىء أو الرقابة القضائية، ولقد عاش الغرب قروناً تحت سيطرة ملوك طغاة مارسوا الحكم بعيداً عن الايمان وقواعد العدالة، فانتشر الطغيان والفساد والمظلم، واذا كان معظم حكامنا قد ابتعدوا عن القيم الدينية في إقرار العدالة، فان هذه القيم نهضت على فصل السلطات واستقلالية القضاء ومنعت طغيان السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، مثل كل ثورات الغرب القديمة والحديثة.

وفي حين كان الغرب لا يعتبر المرأة إنساناً، حرر الاسلام المرأة وأقر بحقوقها المادية والمعنوية في اطار المساواة بين الرجل والمرأة بمفهوم وحدة الانسان، فالانسان بالاسلام هو غير المفهوم الغربي اليوم الذي يعني فقط الرجل، بينما الانسان في الاسلام ذكر وأنثى.
الاسلام يعتبر الانسان حراً منذ ولادته وغير قابل للاستغلال ولا للاستبداد، ومعظم الافكار الديمقراطية الحديثة التي تنادي بالمساواة ومحاسبة الحكام واستقلال القضاء والاعتراف بالتعددية ورفض العنصرية واعتماد الحرية وحقوق الانسان، كلها مبادىء سبق أن نادى بها الإسلام ودعا إليها.

إلاّ أن نظماً سياسية توالت على أقطار الأمة ابتعدت عن هذه المبادىء وانحرفت عن هذه القيم، حتى تزلزلت أركان المجتمعات وانتشر الفساد ودخل الضعف جسم الامة، فكان سبباً من أسباب التدخل الاستعماري في شؤوننا واستغلال مشاكلنا للهيمنة على سيادتنا وحريتنا وثرواتنا.

ان النظم الفكرية والمدنية والحزبية التي انتشرت في بلادنا بعد الحرب العالمية الأولى، لم تستلهم مبادىء الحكم الرشيد، فقامت على الفئوية بدل مشاركة الناس في القرار، فصار احتكار السلطة والثروة من معالم النظم السياسية على لأشكالها المتعددة..

ولأن من حق الشعوب أن تكون حرة في أوطانها متمتعة بأصول العدل والمساواة، فانها لم ولن تسكت على إرتكاب مظالم بحقها.

ايها الاخوة والاخوات،

وإذا كانت شعوبنا تنتفض على الاستبداد في المنطقة العربية، فإن أعداء الامة يتربصون بالانتفاضات لوأد الحرية وتقسيم الاوطان واعادة اخضاعنا للاستعمار بصورة جديدة، عبر مشروع الاوسط الكبير القائم على التقسيم ونسف الهوية العربية واستهداف الاسلام بتفجير حروب أهلية بين المسلمين، لأن الاسلام هو المخزون الحضاري للأمة والذي يجدد مقاومتها السياسية والعسكرية والنهضوية لمواجهة المخاطر ويشكل القوة الأولى لوحدة المسلمين.
لذلك فان المخططات المعادية تستخدم جميع الوسائل: لضرب الوحدات الوطنية، واشعال حروب أهلية تشغلنا عن العدو الصهيوني، وتدمير الاقتصاد الوطني برأسمالية وحشية تابعة، والتركيز على حرية المواطن الشخصية بديلاً من حرية الوطن والمواطن معاً.

إنهم يدرسون الافعال وردود الافعال، ويمتلكون وسائل اعلام جهنمية للتأثير في الرأي العام وقلب الحقائق، ومن هذه المشاريع الجديدة الدفع بمجموعات اسلامية الى السلطة تشارك في الحكم جزئياً أو كلياً، ثم استخدام مشاركتها فزاعة للاقليات، ثم استخدام الاقليات وسيلة لتقسيم الاوطان على اساس مذهبي وطائفي وعرقي.

ان التقسيم والتدويل ونهب الثروات هي مرتكزات السياسة الاستعمارية والصهيونية في بلادنا. انهم عاجزون عن استعمارنا عسكرياً الآن، لكنهم يسعون عن طريق الحرب الأمنية والاستخباراتية استخدام وسائل الفتنة بين الناس لتحقيق غاياتهم الجهنمية.

ان الرد على هذه المخاطر لا يكون فئوياً أو قطرياً أو طائفياً، فتحصين الوحدات الوطنية يكون باقرار حقوق المواطنة المتساوية، وهي أحد أهم عناصر المناعة لوحدة الاوطان، والمشاركة في السلطة هي ضمانة أساسية للاستقرار.

ان التركيز على بناء الوحدة الوطنية تحت سقف العدالة والمساواة والمشاركة واحترام حرية المعتقدات والابتعاد عن نهج حكم الطبقة أو الطائفة أو الحزب، هو المدخل الطبيعي للحرية وللحريات العامة وتحصين الاوطان.

ايها الاخوة والاخوات،

ان قوة الامة في إتحاد أبنائها على أهداف واحدة، فلنوحّد جهودنا من أجل حرية الوطن وحرية المواطن، من أجل العدل والمساواة والإخاء، ولا ندع الأجنبي يبعثر صفوفنا، ولا نترك الصهيوني يشغلنا عن الوحدة بالفتنة.

ان شهر رمضان المبارك هو القوة الدافعة للتحرير والتوحيد والعدالة، فلنستلهم من هذا الشهر الفضيل السلوك السليم والخلق القويم... وكل رمضان وأنتم بخير

كمال شاتيلا

المطران جورج خضر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى