الجمعة ١٢ آب (أغسطس) ٢٠١١
بقلم ياسمين محمد عزيز مغيب

انطفأتْ شمعةٌ وسالتْ دمعةٌ

جاء يوم مولدها، لكن حبيبها لم يأتِ، لم يعانقها كعادته، لم يحتضن كفها، لم تشعر بدفء صدره، وحنو أنفاسه.

لأول مرة بحياتها تشعر أنها فقدت سنة من عمرها، لأول مرة تخشى الهِرم، لطالما انتظرت ذاك اليوم حتي يسعدها حبيبها بقوله: أحبكِ أكثر من السنة الماضية، وأنتِ أجمل النساء، فكثيرا ما كان يقول لها: أن كل النساء يمر عليهن الزمن فيترك تضاريسه وبصماته، إلاكِ يا حبيبتي فالزمن يضفي عليكِ جمال وبهجة وأناقة.

هذا العام (2011) لم ينوي لها نية طيبة، مع أنها كانت سعيدة برقم واحد المكرر فيه، توسمتْ فيه البساطة والرقة، لكنها فقدتْ فيه حضن الأب، وأهملها من تحب، وتحطمتْ بعض من آمالها، ولن تتحدثْ عن الخسائر المادية، لأنها كانت أقل الصدمات، حتى وإن تعدت ما يُعد من الأرقام.

أصابها اليأس بوقت ليس بقليل، هدها الحزن على فراق والدها، هزها الشوق لقبلات حبيبها بطليعة يوم ميلادها، خسرتْ بعضاً من أحلامها، ألمها بُعدها عن بعض صديقاتي ونسيانهن لها.

لكنها هذا العام تعلمت أشياء لم يعلمها لها والداها:

أول ما تعلمتْ: كنْ ابن من شئتْ وافتخر به ولا تنسى أنه سيأتي يوماً وتفقد مصدر فخرك، لذا استعد لهذا اليوم جيدا قبل أن تفاجئ به.

ثانيا: لا تضع البيض كله بسلة واحدة، حتى لا يأتي يوما وتبكي عليه بعد فقده، كثيرا ما سمعت هذه المقولة، لكن بهذا العام فقط أدركتْ معناها.

ثالثا: كن صاحب قرارك، ولا تخبر أقرب الناس إليك بهذه القرارات إلا بالوقت المناسب حتى لا يتدخل في شؤونك بدافع حب الامتلاك أو الخوف عليك، أو الرغبة بقيادة دفة حياتك كما يشاء.
رابعا: لا تتكأ على جدار واحد، فأنتَ لا تعلم متى سينهار، وابنِ لنفسك جدار فولاذي..... لا تخبر أحد عنه.

خامسا: إذا أمنتْ وفاء وحب المحيطين لكَ، فلا تأمن غدر الزمان بهم، فقد يخذلهم، وبالتالي هم يخذلوك.

سادسا: حدد لنفسكَ أهداف، ولا تتنازل عنها حتى تلقى حتفك، فالإنسان بلا هدف ميت حي، فالأجدر أن تموت شهيدا على أن تحيا فقيدا شريدا ذليلاً.

سابعا: لا تصارح الناس بما يؤلمك حتى وإن كان الأسى يعتصر فؤادك، لأن البشر نوعين، فالصنف الأول سيحزن لحزنك، وتكون جزيت من يُحبك بالعذاب، والصنف الثاني يشمت بك، وربما يستمد سعادته من حزنك، فقد علمتُ أن صمتي متجرا فلزمته، فإن لم يكن هناك مكسب، فيكفي أنه ليس فيه خسارة.

وآخر ما تعلمته: لا تقترب من الناس كثيرا، لأن هناك من يتسلل إلى قلبك بهدوء حتى يتمكن منه ثم يساومك عليه، إما أن ترضخ له، أو ينشب براثنه فيه، فيتركك جريحا، وهناك من يتودد لك رغبة في الوصول لخفايا نفسك، فيلمس نقاط ضعفك، ثم يتركك بعد أن يشعرك بقوته، والبعض الآخر يكتسب مكانته من التلميح بصلته بك مع أصدقائه، مع أنك مجرد بشر عادي.
بعد أن أفرغت ما بداخلها من شحنات كره لهذه السنة التي لم ترحمها حتى وإن علمتها الكثير، بحثت عن شيء تقرأه، ولا تدري لماذا كانت تبحث عن شيء يبكيها، فوجدت نفسها تردد قصيدة يوم بلا غد:

عُدت يا يوم مولدي
عُدت يا أيها الشقي
الصبا ضاع من يدي
وغزا الشيب مفرقي
ليت يا يوم مولدي
كنتَ يوما بلا غد
ليت أني من الأزل
لم أعش هذه الحياة
عشتُ فيها ولم أزل
جاهلا أنها حياة
ليت أني من الأزل
كنتُ روحا ولم أزل
أنا عمر بلا شباب
وحياة بــــلا ربيع
أشتري الحب بالعذاب
أشتري فمن يبيع
أنــــا وهـــمٌ أنـــــــا سراااااااااااااااااااااب

لا تدري بعد أن قرأت القصيدة خشيتْ على نفسها من الشيخوخة، وتمنت أن تموت قبل أن تصيبها، وأصابها الرعب عندما تخيلت أنها سينتهي أمرها بيوم من الأيام وستكون لاشيء كأنها لم تكن.

لكنها تحب الحياة، وتتمنى العمر المديد، احتارت فالمعادلة صعبة جدا، ولا يمكن حلها، إما عمر طويل، وشيخوخة، أو موت قريب، وفراق من تحب.

هكذا احتفلت بيوم مولدها بمفردها دون أن تدري هل كان هذا حبا لنفسها، أم رغبة في الانتقام منها؟!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى