الخميس ١٨ آب (أغسطس) ٢٠١١
بقلم خالد كساب محاميد

جواد بولس عاش البلد مات البلد المهجّر

كتب الصديق المحامي جواد بولس مقالا تحت عنوان "عاش البلد مات البلد" ينتقد فيه إصرار "لجنة الدفاع عن حقوق المهجّرين" الطلب من الشاعر مروان مخول أن يمتنع عن إلقاء بعض الجمل منها: "أؤيّد دولة يهوديّة" و"أدْخِلْ إصبعك الطّويل في دبر الأحد." أثناء تقديمه الفقرة التي خصصت له, في المهرجان الفني الذي عقب مسيرة العودة الى قرية الروّيس والدامون المهجرتين في 11-05-2001. فيكتب بولس "لأن "الأخ الكبير" (جمعية الدفاع عن حقوق المهجّرين برئاسة المحامي وكيم وكيم-خ.م.) يصرّ أن يعرف ويقرأ مسبقًا ما سيتلو من شعرٍ. مقص رقابة القيادة يتدخل، فنصه كما كتب في الأصل، يؤجل قدوم المستقبل المنشود ويعكر عبق الريحان والفل المصفوف على طريق العودة." ويرى السيد بولس بأن طلب اللجنة "فيه من القمع قدر ومن رياء من ساهم في هذه الحالة وتواطأ، مما يجعل كل نداءات هؤلاء من أجل الحرية مشوبة بغش ومزايدات."

ويتحدث أيضا عن مشاركة النساء في المسيرة ونحن نوافق السيد بولس في هذا الأمر وقد عمل, بكل قوة, السادة في "لجنة الدفاع عن حقوق المهجّرين" على ايجاد حل يمكن النساء من المشاركة.

موقف السيد بولس من الحدث الذي يخص طلب اللجنة من مروان مخول أن لا يقرأ أبياتا غير لائقة بالمقام هو الذي يثير الكثير من الحسرة والاستهجان والأسى لدي المهجّرين واللاجئين ومن فقدوا بيوتهم في قراهم المهجرة. يبدو بأن الصديق جواد يطلب من المهجّرين أن يعتذروا له ولمروان كونهم مهجرون ولاجئون في وطنهم دمرت بيوت أجدادهم وسلبت أراضيهم. لا نقبل هذا التهجم, غير المنطقي, وآمل أن أستطيع أن أقنع في هذا المقال الصديق جواد حول موقفنا على خلفية الحقيقة أن لا السيد جواد بولس ولا مروان مهجّرون لاجئون.

وأبدأ بالتذكر يوم سقط صديقي "عقل صادق سرور" شهيدا في نعلين الذي ربطتني به علاقة وطيدة قبل استشهاده وما زالت تكبر معي.

حينها جلست خاشعا معزيا نفسي وأهله وأهلي وأربعة بنيه الصغار اليتامى لتوهم. كنا المشاركون في المأتم واجمين وفي حالة وصفها سيغموند فرويد بنفي الذات والشلل الفكري. طقوس الموت والفقد هي, تدخلك في حالة نفسية فريدة من نوعها وتلزمك بنمط قنوط من التصرف والحديث واختيار الكلمات لكي لا تتعدى رهبة الوقوف أمام الموت وخاصة بأن الذي جمعنا هو شهيد دافع عن أرضنا وحياتنا في مواجهة الجيش الإسرائيلي.

تصوروا بأن يأتي أحدٌ, من المتضامنين الغرباء, الى المأتم ويبدأ بالحديث أمام الحشد وبإعلان مسبق عن أسلوبه الهزلي"الإيروني" ويقول في بيت العزاء, أثناء النواح وتلاوة القرآن الكريم "أؤيد الجيش الإسرائيلي" وبسخرية الكتاب المبدعين وييستمر "سأدخل إصبعي في دبر الضابط حتى يبدأ بالتهوية". لكل مقال مقام! قد قالت العرب.

والآن دعوني أطلب من الصديق جواد بولس أن يقرأ بتمعن ما نعيشه من أحاسيس نحن اللاجئين (والتشديد على "اللاجئين" ). الإحساس الذي لا يمكن لمراقب لم يدخل التجربة أن يدخل في مشاعر وهج الألم الذي نعيشه نحن المهجّرين.

ففي هذا التاريخ يشدنا "نحن اللاجئين" الشوق ويواكبا الحنق ويعصرنا الحزن والبغض والاهتياج والصخب والبكاء والعويل وتنهكنا الاحاسيس ويتفاقم الأمل والعهد للآباء والتصميم على اعادة اللاجئين وتخشعنا الصلاة ويروضنا التفكير العميق وشحذ البصيرة الى ان نفقد سيطرتنا على معادلات التصرف الصحي فنحتاج حينها الى من يشترك في هذا الطقس المأتمي ليترحم على مشاعرنا وقوانا العقلية بكلام يليق بمقام وجودنا "نحن اللاجئين" في حالة بيت العزاء.

هذه هي مسيرة العودة الى قرانا المهجرة. ونحن الفاقدون البيوت المهدمة في القرى المهجرة طلبنا بكل تواضع ان نقيم طقوس عزاءنا نحن في هذه المسيرات على أننا أصحاب الجرح والحزن والوجع الإلهي. وطلبنا بأن يَلقِي الشعر في هذا المأتم الجماعي من يعشعش في مخيلته رجم حجارة لبيت جد له هدم أثناء النكبة. وأقترح على الصديق جواد بولس أن يقرأ كتابات الصديق عودة بشارات ومحمود درويش صديقه القريب في "طللية البروة" وفي "كوشم يد في معلقة شاعر جاهلي" وفي" أبد الصبار" و"على محطة قطار سقط عن الخريطة" ليستوعب بما نحن فيه فهو هو درويش كان مهجرا وما زال وهو الذي عبر عن هذه الحالة بأبياته " سأحمل بيتي على كتفيَّ... وأَمشي كما تفعل السلحفاة البطيئةْ /سأصطاد نسرا بمكنسة، ثم أسأل: أَين الخطيئة" ("ضباب كثيف على الجسر.") هكذا يسير محمد بركة في ألمه التراجيدي الأبديَ في مسيرات العودة.

أنا أشعر بالأسف الشديد لأني أقرأ من مقال الصديق جواد بأنه, وهو الذي يقف بقوة مع حقوقنا الفلسطينية مدافعا عنا ,لحتى الآن, لم يستوعب هذه المأساة وكأني أقرأ بأنه وظف كل طاقاته الثقافية والفكرية والوجدانية وكأن قلقه ومقته الوحيد كما يظهر في المقال يتجسد في مشروعه للترويج والتسويق لمروان مخول وليس ما يشعر به ستة ملايين من اللجئين الفلسطينيين. فكيف لم يشعر بنا هو ومروان مخول وعلتهم هي الشعر فكيف لهم الادعاء بمؤسسة الشعر ولم يولوا مشاعرنا الحزينة أي اهتمام.

ولأن مروان مخول والصديق جواد كذلك ليسا من المهجّرين الفلسطينيين والذي لا يمكن لها أن يشعرا كمن عينه تبكي رجم بيت جده المهدم في قريته المهجرة كما يشعر 6 ملايين من اللاجئين كنت قد طلبت من السادة في "لجنة الدفاع عن حقوق المهجّرين", أثناء اشتراكنا في اجتماعات التحضيرات للمسيرة, إشراك شاعر من قرية مهجرة. فقيل لي وبصراحة "متعلقناش مع مروان وجماعته". فقلت بالإضافة الى فقرة مروان. فحصلت على موافقتهم فاتجهت بمكالمة للشاعر مفلح الطبعوني ظانا مني بأنه مهجرا من قرية طبعون فقال في موقف أصيل فيه من الأَنَفَة العربية الكثير "المهجرون أولى مني بإلقاء قصيدة في هذه المناسبة المأساوية لأن عائلتي لم تهجّر سنة النكبة بل هاجرت إلا الناصرة قبلها طواعية لأسباب طبيعية" فاقترحت الشاعر علي هيبي أو الشاعر علي ظاهر الزيداني أو الشاعرة استقلال هيبي المنتمين الى مهجري ميعار والدامون والرويس فكان الاختيار للسيدة استقلال هيبي.

الأمر الأهم هو أن الصديق جواد بولس لم يسأل نفسه عن المستوى النصوصي للنص الذي قرأه مروان والذي قيل لنا حوله بأنه نص ساخر"أيروني", ويريد السيد بولس أن يفرض علينا بشكل غير ثقافي وغير حضاري وبدكتاتوية غير مفهومة بأن نفترض بأن ما يكتبه مروان هو جيد ويجب القبول به!!! ونحن نسأل لماذا لا تراجع يا صديقنا جواد النصوص. رب قراءة تمحيصية ستقنعك بأن هذه النصوص لا ترقي لمستوى مناسبة كمناسبة مسيرة العودة. فكيف لنا أن نقبل هذه النصوص في مناسبة حزينة أليمة تقطع لنا قلبنا وتشل عقلنا وتُقرِن روحنا بمهب الريح كمناسبة مسيرة العودة. لكل مقال مقام! قد قالت العرب. ونطلب منك أن تتمعن بما قرأه مروان على الواجمين في طقوس الفقدان في الرويس في قوله :
"أؤيّد دولة يهوديّة" / "جئت إلى هنا عن طريق الخطأ؛" / "أحمل زنى أهلي على كتفيَّ" / "أنا العربيُّ التقيُّ الغبيُّ معًا"/ " أنا الوفيُّ القنوعُ الخنوعُ السّعيدُ السكوتُ الكتومُ / المكتفي بأنّي المحتذي بحذائهِ أولا أحد" / " أكنِّسُ لغة الضّادِّ من شوارع التاريخ" / "فلا أوسّخُ نعلَ الحضارات التي دخلت العاصمة/ بل وأضحك أنا الأهبلُ ملء صدري عَلَيّ" / " أتعهّد باسم مَن مثلي من القُطعان
بألاّ أشتكي من خسارتنا" / "سأُخصي نفسي لأتناسل في فراغ المرحلة" / "سلوانُ فيها عاهرة كريمة جدًا" / "بل أدْخِلْ إصبعك الطّويل في دبر الأحد.
جملة "أؤيّد دولة يهوديّة" قيلت 5 مرات خلال 5 دقائق أمام المهجرين الفلسطينيين في مهرجان العودة. فلنسأل إذا ادوارد سعيد ونوعم شومسكي حول دور الترديد في الإعلان في مهمة صقل الوعي الوطني وحول "أصوات الألم الخافتة" واسأل رائف زريق حول "فصل في مديح الحاضر".

مثلما لا تستطيع أن تأتي بيت عزاء ساخرا مهرجا وكوميديا، لا تستطيع أن تكون "أيرونيا" ساخرا بيوم مسيرة العودة. ولا في مأتم في نعلين. وأي وعي تريدونه بهذا الأبيات صقله في هوية الفلسطيني؟

صحيح بأننا لاجئون مهجرون فقدنا وطننا لكننا نحن أبناء الملحمة الفلسطينية التراجيدية ولنا نظرة ثاقبة بمؤسسة الشعر والفكر والروح وخاصة بما يخص أديم أرض الرويس والدامون الطاهر. ولنا نظرة ثاقبة تتعدى رؤية دريدا وفوكو وجان جاك روسو في تحليل النصوص. والنص الذي عرضته علينا في مقالتك أخي جواد كاشف لباطنك الشفيف بإبطاله الثمانية الذين لا مهجرٌ بينهم تستند إليه!!! لتتهجم على "لجنة الدفاع عن حقوق المهجّرين" لأنها رفضت السماح بالتشهير بسلوان وكأن "فيها عاهرة كريمة جدا"

لا يمكن لنا أن نقبل هذا في مأتمنا نحن المهجّرين. فإن رأيت أيها الصديق جواد بولس بمروان وذاتك قادمان معزيان بحدثٍ يعمل عليه واجمين أعضاء "لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين" وبجهد جبار. فلتحفظا آداب الضيوف لبيت العزاء واهتموا بعدم الإخلال بطقوس شحن هويتنا بالحب لتراب قرانا المهجرة وبيوت أجدادنا المهدومة في يوم مسيرة العودة.و ولا ضير في بعض الثناء لوكيم وكيم وزملائه في عملهم وخدمتهم اللاجئين.

ونرجو أن لا تجعلوا من هذه المعركة المصيرية ساحة لترويج لمشروع شخصي على حساب مشاعرنا في يوم مآساتنا. ومن المهم الإشارة إلى أن مروان مخول يطبع على حسابه الخاص نصه على منشور يوزعه وعمّالُه يوم مسيرة العودة تحت شعار "لجنة الدفاع عن حقوق المهجّرين" دون أن يأخذ إذنا من اللجنة أو يستشير أحدا وليس اقل من ذلك يعمل على تفعيل ضغوطات جمة, حزبية وغير حزبية, لإشراكه وحده في فقرة الشعر واستثناء الآخرين ابناء القرى المهجرة. وهذا ما يجعلنا نفهم بأن جواد يضعنا أمام خيارين فأما مروان أو الإشتراك بمسيرة العودة. أما الحق الفلسطيني أو نجومية "الشاعر".

تصرف وموقف غير لائقين بحد ذاتهما وتعدٍ على حق العودة وعلى "لجنة الدفاع عن حقوقو المهجّرين" التي تدافع بصدق وحرقة وتفان عن حقوق المهجّرين الفلسطينيين, والتي تتوجب علينا ان نبجل أعضاءها احتراما.

وإخيرا إذا قيل لشاعر لا تقرأ هذا البيت من قصيدة كتبتها لأن عيب فيه فعليه القول "أو أن أقرأ القصيدة كلها أو لا أشارك أبدا". احتراما منه لشعره هو. هكذا تصرف سقراط الذي شرب السم طواعية احتراما لنتاج عقله. وإذا كان الشاعر لا يحترم شعره فما بالك علينا أن نتقبل شتيمتنا يوم مآساتنا؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى