الخميس ١٨ آب (أغسطس) ٢٠١١
شاعر الوجع العراقي موفق محمد

ابكى طيور دجلة بلسان فراتي في رؤاق المعرفة

في امسية رمضانية جميلة في رؤاق المعرفة المطل على نهر دجلة الخير وفي رحاب ضيافة وكرم السيد جمال اياد الدين وبحضور حشد من المثقفين ومن محبي الثقافة والتنوير وبعد ان ابتلت العروق والافطار الشهي بكرم صاحب الضيافة ابتداءت الجلسة الادبية للرؤاق رؤاق المعرفة الذي اعاد لبغداد زهؤها الادبي في عهد الرشيد في ظلمة هذا الزمان الذي يحاول فيه السياسيون تعتيم صورة الانسان .كانت الامسية بادارة الفنان والدكتور ميمون الخالدي وتقديم الضيفين من الحلة الفيحاء الناقد زهير الجبوري والشاعر موفق محمد ابو خمرة ليلتقي نسيم الفرات واصدائه على ضفاف دجلة الخير لتزهوء بتقديم الضيوف من قبل الدكتور ميمون الخالدي وبكلمة مبسطة معبرة من السيد اياد جمال الدين وتقديم من الناقد زهير الجبوري ان الشاعر هو الشعر المعبر عن أهاءات العراقيين صدى ااوجاعهم الممتدة عبر التاريخ المدمي لهذه التربة المسماة عراق بشاعرية جميلة وكلمات منسابة وبعدها صدح شاعرنا موفق محمد فكان موفقا بخياراته من اشعاره المنتقاة من قصائده المقدمة في المرابد الشعرية منذ 1985 وحتى 2006 وهي معبرة عن رمزية الشاعر في محاربة السلطة ومعبرة عن الم الشاعر الذي عاش في ضل ضنك الحياة بيتمه وهو صغيرالسن

مكتئباً أسيان
شاخ على مهل جسر الحلة
طالت لحيته وابيضت
فتعلق فيها الصبيان

في بداية حياته قبل دخوله المدرسة ووضع رجله على عتبة العلم الاولى ومعاناته للعوز وشظف الحياة مع اخوته و امه الصابرة فهو من مواليد 1947 في محلة الطاق القريبة من الفرات في مدينة الحلة هذه المحلة التي ولد فيها الدكتور طه باقر الذي فك الخط السومري وترجم ملحمة كلكامش لينتقل سحره الى شاعرنا في فك منظومة الوجع العراقي فهو يعتبر ولادته مزدوجة من رحم امه ومن رحم النهر نهر الفرات من طهر هذا الماء الذي حرم منه ابن بنت رسول الله صلوات الله عليه واله الطيبين في واقعة الطف.

أيها النهر لا تسر وانتظرني لأتبعك
أنا أخبرت والدي إنني ذاهب معك
فانتظرني لأتبعك

ان النهر والموت والولادة والرحم كلمات متكررة في اشعار سميرنا لهذه الامسية الرمضانية
عشرة أيتام

كنا حين ينام النهر ننام
في منتصف الليل
وفي محلة الطاق
حيث ينحت النهر خصره
تأخذ أمي مكانها في الشريعة
فيأتي النهر الى حضنها
وبصوتٍ أعذب من كل مياه الأرض
تهمس في أذنه :
دلل لول يالنهر يبني دلل لول
فيغفو من خمر في بحتها
وترضعنا من نعاسه لننام

لتضاف للشاعر كلمات جديدة متلازمة من الرضاعة الاولة من نهد الطهارةحليب الام المملي بالحنان وعبق الشعر المؤروث من جده الى نهد النهر ليرضع منه عبق الحضارة حضارة الخلود وحب الحياة والاسى العراقي الممتد من غزاة العراق من الحيثين والتتار وعبق حرقة ارض العراق من معركة الطب ليهرب شاعرنا الى نهد اخر هو نهد النخلة عبر حليب اخر يسمى حليب سباع عرق مسيح من تمر العراق المسقيوعذاباتنا هو حليب يسكر العقل وينسى الهموم ويبقى القلب والوجدان نازفا كلمات وحبرا على ورق ومشاعر وصور شعرية محبوسة بين الارض والسماء في عتاب الرب بلسان الفقراء

على عسل في وعاء أمي
ينام الباب بعين واحدة
ويتقي بأخرى
فأمي يقظانة نائمة
وقنبلة موقوتة البكاء
تقبل وسائد الغائبين
وترنو من خلل الدموع إلى صورته المؤطرة
فترى الموت بلبل في عينيه
فتشبع الجياع من جرس في همسها
فلا خبزة في الدار
ولا أب يهبط من صورته في المساء
المساء الذي يلون الأفق بنحيب الأرامل
لتشرق الشمس العراقية
تتطاير لحماً ودماً

ان البكاء والوجع هو وراثة عراقية عبر الزمن من كلكامش وانكيدوا وبقى يصدح في بابل في غناء الفلاحين والعمال والكسبة والفقراء.....اه.....اه.....اه هي كلمة وجع ورثنها في ماقبل بزوغ الروح وفي الولادة ومابعد الموت

كل مساء
تفتح أمي كتاب الوجع
وتقلب سيارات الإسعاف للنساء العاطلات حولها
وهي تنقل الخـُدَج من القتلى
وقتها يصبح الباب نافورة للنحيب

انه اليتم , الفقر, المرض, الجهل, الوجع, الحروب, وموت الرفاق, والاعدامات, والحصار,والارهاب
أما آن لأبوابنا الملطخة بالدم والحناء

والعويل وبكاء العوانس
أن تطير بأثوابها
مبرقة مرعدة
ليرى العالم غيومه الجديدة

اليس هنالك امل اليس هنالك منقذ اليس هنالك رب يرى من فوق سبع سموات وجعنا ايبقى الحال على ماهو عليه

بالفحم الأسود
يرسم الطفل غيوماً كثيفة
على الباب منتظراً أباه
عله يحمل في يده مفتاح المطر

متى يتحول وجعنا الذي بزغت منه غيوما متى تمطر فرحا واملا بالخلاص من بيده المفتاح انه البحث عن حل عن قائد رمز مخلص حلم مرسوم بالسواد بالفحم

بالفحم الأسود
يرسم الطفل غيوماً كثيفة
على الباب منتظراً أباه
عله يحمل في يده مفتاح المطر

متى نجتازباب الخوف متى نرمي مصائبنا على القدر متى نتحرك ونهتف ونجتاز باب الخوف الى الحرية الى الازدهار الى جنة على الارض وليس في السموات العلى

الأبواب الأبواب الأبواب

لم لا تطرقونها وانتم تموتون خلفها !؟؟

الى متى تبقى الاساطير والتابواهات المخدرة للعقل متى يبقى الرضا بالواقع على انه قدرنا المحتوم وعدم التغير الى متى نبقى في سكرات الخمر

كل المصاب
تستبدل أمي الحِرْزَة ذات السبع عيون بأخرى
والباب بأخرى
والباب يئن
هي الآن معلقة على الباب
أماً بسبع عيون

انه الوطن المحترق والشعب المنهك والحكومات المتتالية التي تنهب الشعب وهو يئن كان سميرنا الشاعر صوت فقراء الشعب الصادح مع بلابل دجلة بنسائم بابلية
الوطن يغرق في آخر تعليقات الموت

كانت يده تشير
تصرخُ
تستغيثُ
الفقراء وهم حطب الحكومات وحدهم
ينظرون من ثقبٍ في موجة تغوص نحو القاع
تاركين أحلامهم البالية على الضفاف للحكومات القادمة
الألم يتعثر فوق الطرقات
والريح تصفر في لهب المحترق فوق الماء
وتكحل عيون الصبايا برماده
والبرابرة يكنسون
سنة حـــلوة يَجَميل
فهم صم بكم
وتلملم ما تبقى من ماء الله للفاختةِ
التي تسقط من نخلتها بجناحين مكسورين
كانت طوال الليل تحْضِنُ عشها
وتقول للأغصان صبراً وهي تسبح بالدماء

يبقى العبور الى ضفة الفرح من حزننا المتواصل في ذهن الشاعر العبور الذي يحتاج الى جسر ولكن الجسر في فكر الشاعر هو مغتصب لبكارة النهر بركائزه هو عبور للموت لرفاق الشعار نحو جبهات القتال انه طريق الى مقبرة السلام لايوجد لدينا جسر يعبر الى االفرج الجسر الوحيد هوالموت لانه يرجعنا الى ملكوت الله هذه ثنائية الشاعر موفق محمد بين الحياة بتعاستها للفقراء والموت بفرحه هي شيزوفرنيا الالم المزدوج لحياتنا

يــــــا إلهي
العجائز يحصرن حلم المصابيح
ليستزلن حليب الكهرباء إلى أفواه الظلمة
ويكنسن الساعات المتبقية من أعمارهن
فالأعمار صناديق قمامة
العوانس يتسولن الفحولة بين الرصافة والجسر
بسيقان من حصار
ويُعلِقن الطلع المتيبس في أعمدة الجسر
املأ في توقيع من طالع
سنة حلة يَجَميل
فالصبايا تنشر أثدائها على حبالِ
السواقي التي تجففها كاتم ماء
كانت دجلة تكنس ما تكدس في رحمها
وتتقيأ بعينين جاحظتين فوق جسورها
وترش الطلع المتيبس فوق أعمدتها
دافعة القتلى إلى ضفافها
معلقة أمواجها على أبواب جهنم
فالأنهار لا تهرب من أوطانها

انها الانهار التي تحمل أثامنا تحمل جرائمنا شهدائنا هي من حملة دمنا المنسكب فيها من سيوف الغزاة التتار القديم والحديث انها الانهار الملعونة التي حملت حبر افكارنا المحترق فيها
والتي جفت من عذاباتنا

السماء تكنس قمرها ونجومها
وتطبق ساحلة غيومها لتكنس الأنين
الذي يربط المذبوحين بتيار ِ صاعق
الكلاب تكنس الجثث بألسنتها
والبرابرة يكنسون المستشفيات بفحولة ثيران ٍ عمياء
ويكنسون السماء قمرها ونجومها
على مرأى من الفرات الذي لم يسرهم منظره
فكنسوه بسيل رصاص في خصره
وهو يرفع أمواجه موجة موجة
ويبكي الدم الصارخ فيهـــا
دم مـــن هــــذا ؟؟ !
ويركض مجنوناً في السواقي
وينحني خجلاً لنخلة تقص شعرها

من هذا الالم يبرر شاعرنا عشقه لقنينة الخمر....حليب السباع ..انه حليب شربه في ملكوت السماء وشربه الما وحزنا وتقيائه جرحا نازفا من المشاعر ابكت طيور دجلة

كانتْ مزتـُه جـِمعاً لا غيرَ
ويرى القمرَ سمكة
والسماءَ مقلاةً
ويشربُ نخبَ العشاء المعلق صرفاً
لم يجدْ إلفـــاً
لذا قرر أن يتخذ َ الخمرة َ إلفا
أينما ولـّى يراه ُ الموتُ قداماً وخلفا
فمضى يسكبها في رأسه المكتظ خوفا
مـُرَّة ً كانَتْ
فالغشاشون تمكنوا من حليب السباع
فما من خمرةٍ في هذا البلد جديرة ٌ بالأمان
وما من سبع يحرصُ بعدُ على حليبه
مزنة ٌ من رصاص ٍ أمطرت جاري
فــــــدبَّ الموتُ في رأسي فأطفيت الرؤوسا
غيرَ رأس ٍ ظلَّ يستجدي من الموت كؤوساً
فكؤوســـــــــــــــــــــــــا
لم تعد مزتـُه جمعا ً
فقد غير البارودُ طعمَه
ورأى النجمَ جراداً حطَّ فوقَ القمر َ المقليِّ
كي يلهمَ حلمَه
فنخا الغيمة والبوم الذي يسكنُ رأسه
ورجا يسراهُ أن ترفعَ يمناه لكي يشربَ كأسه
وغـــفا ........

فحتى الخمر سلوته التي يهرب بها من انين الشعب المتعب من صرخات الموتى التي تلاحقه في احلامه من صور اللقي التي نقلت وجع العراق عبر التاريخ وصرخات الارامل وصور بكاء امه ونحيبها والثكالى وصور رفاقه حتى هذا الخمر غشه الغشاشون ......
ليتحول السكر عنده امراءة وخيالاتها لترسم له احلام وردية تفلت من كبته المدفون في زمن الوجع

في منتصف الليل
وليلي سكير مثلي
يغمز لي
ويرفع نخبي قمر الليل ويشرب
يتجهم حين يراني لأرفع شيئاً ويطول
ولا يصحو من ظلمته
يتوسد رأسي وينام بعيدا ً عني
يسمع قلبي صوت امرأة تبكي بين يدي
هي ذي كـــأسك
فكأسي امرأة تبكي في منتصف الليل
ربما من جمرة في شفتي
ربما من نزق في لغتي
في لغة أخرى والخمرة تهذي في شفتي
نمت وما أدري
قلت لها تصبحين على خير
سيدتي

ويتحول الحلم الى عصفور يزق له خمرا من الجنة التي يحلم بها جنة لايستطيع الوصول لها الابالموت

لي حبيب حين مسّت يده الملتهبة حلمتي
غرد البلبل فيها ثم طار
ناقراً في شفتي أحلى الثمار
مازجاً فيها حليبي
انه يعصر خمر الحبيبي
قلت له ياساكن
رفقاً بهذا الرأس
ورأسي مازال بعيداً يتوسده ليل
لايصحو من ظلمته

فيتحول الى عاشق يبحث عن لذة لذة لايجدها في زمن الاهاءت والمذلة وتابوهات القبيلة وحكم الجهلة

وأغفو في نهد يلبط في شط الحلة
في الحلمة طعم من عسل الليل
وأرضع وأتمايل طرباً من أغنية النهد السكران
يامزنة من نار
مرّي على قلبي
ونوّري دربي
فأنا عارية كالماء
وحبيبي
يشرب من زغب المتوهج تحت الماء
فيطير حمام
ويلوذ حمام
وأذوب لفرط الوجد بحضن حبيبي
ويذوب حبيبي
ونقوم معاً
سنـــبلة ترقص فوق المــــــــــاء

ان هذه الصور هي تمثل قمة الشعر الحداثوي ومابعد الحداثة من كلمات بسيطة ولكن تحمل في طياتها عبر ورسائل كثيرة تفتح افاق واسعة يطير في فضائها المتلقي ليكون الشاعر ليس هو الوحيد في هذا المخاض في هذه الحياة فهو يخاطب استاذه ورفيق دربه الدكتور مالك المطلبي

يا أيها المتقرفصُ في المرآة
أنفضْ عن كتفيكَ غبار الخوف
قلْ لي ما اسمك ؟
...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى