ابكى طيور دجلة بلسان فراتي في رؤاق المعرفة
في امسية رمضانية جميلة في رؤاق المعرفة المطل على نهر دجلة الخير وفي رحاب ضيافة وكرم السيد جمال اياد الدين وبحضور حشد من المثقفين ومن محبي الثقافة والتنوير وبعد ان ابتلت العروق والافطار الشهي بكرم صاحب الضيافة ابتداءت الجلسة الادبية للرؤاق رؤاق المعرفة الذي اعاد لبغداد زهؤها الادبي في عهد الرشيد في ظلمة هذا الزمان الذي يحاول فيه السياسيون تعتيم صورة الانسان .كانت الامسية بادارة الفنان والدكتور ميمون الخالدي وتقديم الضيفين من الحلة الفيحاء الناقد زهير الجبوري والشاعر موفق محمد ابو خمرة ليلتقي نسيم الفرات واصدائه على ضفاف دجلة الخير لتزهوء بتقديم الضيوف من قبل الدكتور ميمون الخالدي وبكلمة مبسطة معبرة من السيد اياد جمال الدين وتقديم من الناقد زهير الجبوري ان الشاعر هو الشعر المعبر عن أهاءات العراقيين صدى ااوجاعهم الممتدة عبر التاريخ المدمي لهذه التربة المسماة عراق بشاعرية جميلة وكلمات منسابة وبعدها صدح شاعرنا موفق محمد فكان موفقا بخياراته من اشعاره المنتقاة من قصائده المقدمة في المرابد الشعرية منذ 1985 وحتى 2006 وهي معبرة عن رمزية الشاعر في محاربة السلطة ومعبرة عن الم الشاعر الذي عاش في ضل ضنك الحياة بيتمه وهو صغيرالسن
مكتئباً أسيانشاخ على مهل جسر الحلةطالت لحيته وابيضتفتعلق فيها الصبيان
في بداية حياته قبل دخوله المدرسة ووضع رجله على عتبة العلم الاولى ومعاناته للعوز وشظف الحياة مع اخوته و امه الصابرة فهو من مواليد 1947 في محلة الطاق القريبة من الفرات في مدينة الحلة هذه المحلة التي ولد فيها الدكتور طه باقر الذي فك الخط السومري وترجم ملحمة كلكامش لينتقل سحره الى شاعرنا في فك منظومة الوجع العراقي فهو يعتبر ولادته مزدوجة من رحم امه ومن رحم النهر نهر الفرات من طهر هذا الماء الذي حرم منه ابن بنت رسول الله صلوات الله عليه واله الطيبين في واقعة الطف.
أيها النهر لا تسر وانتظرني لأتبعكأنا أخبرت والدي إنني ذاهب معكفانتظرني لأتبعك
ان النهر والموت والولادة والرحم كلمات متكررة في اشعار سميرنا لهذه الامسية الرمضانية
عشرة أيتام
كنا حين ينام النهر ننامفي منتصف الليلوفي محلة الطاقحيث ينحت النهر خصرهتأخذ أمي مكانها في الشريعةفيأتي النهر الى حضنهاوبصوتٍ أعذب من كل مياه الأرضتهمس في أذنه :دلل لول يالنهر يبني دلل لولفيغفو من خمر في بحتهاوترضعنا من نعاسه لننام
لتضاف للشاعر كلمات جديدة متلازمة من الرضاعة الاولة من نهد الطهارةحليب الام المملي بالحنان وعبق الشعر المؤروث من جده الى نهد النهر ليرضع منه عبق الحضارة حضارة الخلود وحب الحياة والاسى العراقي الممتد من غزاة العراق من الحيثين والتتار وعبق حرقة ارض العراق من معركة الطب ليهرب شاعرنا الى نهد اخر هو نهد النخلة عبر حليب اخر يسمى حليب سباع عرق مسيح من تمر العراق المسقيوعذاباتنا هو حليب يسكر العقل وينسى الهموم ويبقى القلب والوجدان نازفا كلمات وحبرا على ورق ومشاعر وصور شعرية محبوسة بين الارض والسماء في عتاب الرب بلسان الفقراء
على عسل في وعاء أميينام الباب بعين واحدةويتقي بأخرىفأمي يقظانة نائمةوقنبلة موقوتة البكاءتقبل وسائد الغائبينوترنو من خلل الدموع إلى صورته المؤطرةفترى الموت بلبل في عينيهفتشبع الجياع من جرس في همسهافلا خبزة في الدارولا أب يهبط من صورته في المساءالمساء الذي يلون الأفق بنحيب الأرامللتشرق الشمس العراقيةتتطاير لحماً ودماً
ان البكاء والوجع هو وراثة عراقية عبر الزمن من كلكامش وانكيدوا وبقى يصدح في بابل في غناء الفلاحين والعمال والكسبة والفقراء.....اه.....اه.....اه هي كلمة وجع ورثنها في ماقبل بزوغ الروح وفي الولادة ومابعد الموت
كل مساءتفتح أمي كتاب الوجعوتقلب سيارات الإسعاف للنساء العاطلات حولهاوهي تنقل الخـُدَج من القتلىوقتها يصبح الباب نافورة للنحيب
انه اليتم , الفقر, المرض, الجهل, الوجع, الحروب, وموت الرفاق, والاعدامات, والحصار,والارهاب
أما آن لأبوابنا الملطخة بالدم والحناء
والعويل وبكاء العوانسأن تطير بأثوابهامبرقة مرعدةليرى العالم غيومه الجديدة
اليس هنالك امل اليس هنالك منقذ اليس هنالك رب يرى من فوق سبع سموات وجعنا ايبقى الحال على ماهو عليه
بالفحم الأسوديرسم الطفل غيوماً كثيفةعلى الباب منتظراً أباهعله يحمل في يده مفتاح المطر
متى يتحول وجعنا الذي بزغت منه غيوما متى تمطر فرحا واملا بالخلاص من بيده المفتاح انه البحث عن حل عن قائد رمز مخلص حلم مرسوم بالسواد بالفحم
بالفحم الأسوديرسم الطفل غيوماً كثيفةعلى الباب منتظراً أباهعله يحمل في يده مفتاح المطر
متى نجتازباب الخوف متى نرمي مصائبنا على القدر متى نتحرك ونهتف ونجتاز باب الخوف الى الحرية الى الازدهار الى جنة على الارض وليس في السموات العلى
الأبواب الأبواب الأبواب
لم لا تطرقونها وانتم تموتون خلفها !؟؟
الى متى تبقى الاساطير والتابواهات المخدرة للعقل متى يبقى الرضا بالواقع على انه قدرنا المحتوم وعدم التغير الى متى نبقى في سكرات الخمر
كل المصابتستبدل أمي الحِرْزَة ذات السبع عيون بأخرىوالباب بأخرىوالباب يئنهي الآن معلقة على البابأماً بسبع عيون
انه الوطن المحترق والشعب المنهك والحكومات المتتالية التي تنهب الشعب وهو يئن كان سميرنا الشاعر صوت فقراء الشعب الصادح مع بلابل دجلة بنسائم بابلية
الوطن يغرق في آخر تعليقات الموت
كانت يده تشيرتصرخُتستغيثُالفقراء وهم حطب الحكومات وحدهمينظرون من ثقبٍ في موجة تغوص نحو القاعتاركين أحلامهم البالية على الضفاف للحكومات القادمةالألم يتعثر فوق الطرقاتوالريح تصفر في لهب المحترق فوق الماءوتكحل عيون الصبايا برمادهوالبرابرة يكنسونسنة حـــلوة يَجَميلفهم صم بكموتلملم ما تبقى من ماء الله للفاختةِالتي تسقط من نخلتها بجناحين مكسورينكانت طوال الليل تحْضِنُ عشهاوتقول للأغصان صبراً وهي تسبح بالدماء
يبقى العبور الى ضفة الفرح من حزننا المتواصل في ذهن الشاعر العبور الذي يحتاج الى جسر ولكن الجسر في فكر الشاعر هو مغتصب لبكارة النهر بركائزه هو عبور للموت لرفاق الشعار نحو جبهات القتال انه طريق الى مقبرة السلام لايوجد لدينا جسر يعبر الى االفرج الجسر الوحيد هوالموت لانه يرجعنا الى ملكوت الله هذه ثنائية الشاعر موفق محمد بين الحياة بتعاستها للفقراء والموت بفرحه هي شيزوفرنيا الالم المزدوج لحياتنا
يــــــا إلهيالعجائز يحصرن حلم المصابيحليستزلن حليب الكهرباء إلى أفواه الظلمةويكنسن الساعات المتبقية من أعمارهنفالأعمار صناديق قمامةالعوانس يتسولن الفحولة بين الرصافة والجسربسيقان من حصارويُعلِقن الطلع المتيبس في أعمدة الجسراملأ في توقيع من طالعسنة حلة يَجَميلفالصبايا تنشر أثدائها على حبالِالسواقي التي تجففها كاتم ماءكانت دجلة تكنس ما تكدس في رحمهاوتتقيأ بعينين جاحظتين فوق جسورهاوترش الطلع المتيبس فوق أعمدتهادافعة القتلى إلى ضفافهامعلقة أمواجها على أبواب جهنمفالأنهار لا تهرب من أوطانها
انها الانهار التي تحمل أثامنا تحمل جرائمنا شهدائنا هي من حملة دمنا المنسكب فيها من سيوف الغزاة التتار القديم والحديث انها الانهار الملعونة التي حملت حبر افكارنا المحترق فيها
والتي جفت من عذاباتنا
السماء تكنس قمرها ونجومهاوتطبق ساحلة غيومها لتكنس الأنينالذي يربط المذبوحين بتيار ِ صاعقالكلاب تكنس الجثث بألسنتهاوالبرابرة يكنسون المستشفيات بفحولة ثيران ٍ عمياءويكنسون السماء قمرها ونجومهاعلى مرأى من الفرات الذي لم يسرهم منظرهفكنسوه بسيل رصاص في خصرهوهو يرفع أمواجه موجة موجةويبكي الدم الصارخ فيهـــادم مـــن هــــذا ؟؟ !ويركض مجنوناً في السواقيوينحني خجلاً لنخلة تقص شعرها
من هذا الالم يبرر شاعرنا عشقه لقنينة الخمر....حليب السباع ..انه حليب شربه في ملكوت السماء وشربه الما وحزنا وتقيائه جرحا نازفا من المشاعر ابكت طيور دجلة
كانتْ مزتـُه جـِمعاً لا غيرَويرى القمرَ سمكةوالسماءَ مقلاةًويشربُ نخبَ العشاء المعلق صرفاًلم يجدْ إلفـــاًلذا قرر أن يتخذ َ الخمرة َ إلفاأينما ولـّى يراه ُ الموتُ قداماً وخلفافمضى يسكبها في رأسه المكتظ خوفامـُرَّة ً كانَتْفالغشاشون تمكنوا من حليب السباعفما من خمرةٍ في هذا البلد جديرة ٌ بالأمانوما من سبع يحرصُ بعدُ على حليبهمزنة ٌ من رصاص ٍ أمطرت جاريفــــــدبَّ الموتُ في رأسي فأطفيت الرؤوساغيرَ رأس ٍ ظلَّ يستجدي من الموت كؤوساًفكؤوســـــــــــــــــــــــــالم تعد مزتـُه جمعا ًفقد غير البارودُ طعمَهورأى النجمَ جراداً حطَّ فوقَ القمر َ المقليِّكي يلهمَ حلمَهفنخا الغيمة والبوم الذي يسكنُ رأسهورجا يسراهُ أن ترفعَ يمناه لكي يشربَ كأسهوغـــفا ........
فحتى الخمر سلوته التي يهرب بها من انين الشعب المتعب من صرخات الموتى التي تلاحقه في احلامه من صور اللقي التي نقلت وجع العراق عبر التاريخ وصرخات الارامل وصور بكاء امه ونحيبها والثكالى وصور رفاقه حتى هذا الخمر غشه الغشاشون ......
ليتحول السكر عنده امراءة وخيالاتها لترسم له احلام وردية تفلت من كبته المدفون في زمن الوجع
في منتصف الليلوليلي سكير مثلييغمز ليويرفع نخبي قمر الليل ويشربيتجهم حين يراني لأرفع شيئاً ويطولولا يصحو من ظلمتهيتوسد رأسي وينام بعيدا ً عنييسمع قلبي صوت امرأة تبكي بين يديهي ذي كـــأسكفكأسي امرأة تبكي في منتصف الليلربما من جمرة في شفتيربما من نزق في لغتيفي لغة أخرى والخمرة تهذي في شفتينمت وما أدريقلت لها تصبحين على خيرسيدتي
ويتحول الحلم الى عصفور يزق له خمرا من الجنة التي يحلم بها جنة لايستطيع الوصول لها الابالموت
لي حبيب حين مسّت يده الملتهبة حلمتيغرد البلبل فيها ثم طارناقراً في شفتي أحلى الثمارمازجاً فيها حليبيانه يعصر خمر الحبيبيقلت له ياساكنرفقاً بهذا الرأسورأسي مازال بعيداً يتوسده ليللايصحو من ظلمته
فيتحول الى عاشق يبحث عن لذة لذة لايجدها في زمن الاهاءت والمذلة وتابوهات القبيلة وحكم الجهلة
وأغفو في نهد يلبط في شط الحلةفي الحلمة طعم من عسل الليلوأرضع وأتمايل طرباً من أغنية النهد السكرانيامزنة من نارمرّي على قلبيونوّري دربيفأنا عارية كالماءوحبيبييشرب من زغب المتوهج تحت الماءفيطير حمامويلوذ حماموأذوب لفرط الوجد بحضن حبيبيويذوب حبيبيونقوم معاًسنـــبلة ترقص فوق المــــــــــاء
ان هذه الصور هي تمثل قمة الشعر الحداثوي ومابعد الحداثة من كلمات بسيطة ولكن تحمل في طياتها عبر ورسائل كثيرة تفتح افاق واسعة يطير في فضائها المتلقي ليكون الشاعر ليس هو الوحيد في هذا المخاض في هذه الحياة فهو يخاطب استاذه ورفيق دربه الدكتور مالك المطلبي
يا أيها المتقرفصُ في المرآةأنفضْ عن كتفيكَ غبار الخوفقلْ لي ما اسمك ؟...