الأربعاء ٢٤ آب (أغسطس) ٢٠١١
بقلم مريم إدريس

الزهد فی شعر أبي العلاء المعرّي

بقلم مریم إدریس خریجة جامعة آزاد آبادان

أبوالعلاء المعري
 هو«أحمد بن عبدالله بن سليمان بن محمد التنوخي المعريّ».
 [1]
 ولد في «يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بمعرة النعمان» ]]
 [2]
 فجدِّر فی السنة الثالثه من عمره، وکُفَّ من الجدری وقال لاأعرف من الألوان إلا الأحمر.
 [3]
 «ولما أدرك سن التعلم أخذ ابوه یلقنه علوم اللسان العربی فتعلمها. وتلمذ بعد ذلك لنفر من علماء بلده فضم إلی صدره ماحوته صدورهم».
 [4]
 «وقال الشعر وهوابن احدی عشرة سنة. ورحل إلی بغداد سنة 398 هـ فأقام سنة وسبعة أشهر» .
 [5]
 سببین إثنین جعلت أبو العلاء أن یترك بغداد ویتخذ قرار الرجوع إلی المعرّة فهما: كما یشیر إلیهما فی الأبیات اللاحقة، الفقر ومرض أمه.

«أثارني عنــكـم أمــران: والــدة
لـم ألقها، وثــراء عـاد مـسفــوتا
أحیاهما الله عصر البین ثم قضی
قبل الأیاب الی الذخرین أن موتی
لــولارجــاءُ لقــائیها لــما تـبعت
عنسي دلیلاً كسّر الغمد إصـلـیـتا»

 [6]
«وبعد ذلك قرّر أبوالعلاء في نفسه العزلة والخروج عن الدنیا فأعتزل عن الناس إلاّ عن تلامیذه وسمّيَ نفسه رهین المحبسین العمي والمنزل وظل عاكفاً علی التعلیم والتألیف عازفاً عن ملذات الحیاة لایأكل الحیوان ولا ما ینتج منه، قانعاً من الطعام والحلوی بلعدس والتین ومن المال بثلاثین دیناراً موقوفا علیه فی كل عام، راضیاً من اللباس والفراش بغلیظ القطن وحصیر البردي. وحرّم علی نفسه الزواج ضناً بنسله علی لؤم الناس وبؤس الحیاة.»
 [7]

فهو«واسع الثقافات سعة شدیدة فهویعرف الدیانات والمعتقدات المختلفة كما یعرف الفلسفة والتنجیم والتاریخ والتصوف، وما یطوي في ذلك من ثقافات یونانیه وفارسیة وهندیة»
 [8]

(كان المعري، شديد الإيمان بالله. ولكن إيمانه لم يكن إيماناً وجدانياً فحسب بل كان إيماناً عقلياً وللمعري أدلته على وجود الله وهي:

1ـ الدليل الأول: هودليل الحكمة والعناية، وخلاصته أن في العالم نظاماً وترتيباً يدلان على وجود خالق حكيم فيقول:

فساد وكون حادثان كلاهما شهيد بأن الخلق صنع حكيم

2ـ الدليل الثاني: هودليل البرهان، وخلاصته أن الملحد بحشر الأجساد ملحد بالله، فإذا آمن الإنسان بالحشر لم يخسر شيئاَ. وإذا جحده خسر كل شئ.
 [9]

وتوفي لیلة الجمعة الثاني: من شهر ربیع الأول سنة (449 هـ).
 [10]

أما من أهم خصائصه الخلقیه «زهده وإعراضه عما فی هذه الحیاة من اللذات، ولك في سیرته بالمعرّة تسعاً وأربعین سنة أصدق دلیل علی أن هذا الخلق قد كان من الصور النفسیه اللازمة له. وكذلك العفة والقناعة وعزة النفس. »
 [11]

«وكان لهذا القانون الصارم الذي إتخذه أبوالعلاء لنفسه أثره الكبير في حياته الأدبية لأن التشدد في الحياة كلفه التشدد في إلتماس الإجادة وجعله يلتزم ما لا يلزم في أعماله العقلية، وحياته المادية.»
 [12]

«وفي هذا القسم من حياته أنشد ديوانه لزوم ما لايلزم (اللزوميات) والتزم فيها أن تكون القافية على حرفين، وأن تشمل أشعاره كلَّ حروف الضاد وما يلحقها من الفتح والضم والكسر والسكون، فقد كان لكل حرف بإستثناء الألف ـ أربعة فصول: فللباء المضمومة فصل، وللمفتوحة فصل، وللمسكورة فصل آخر، وكذلك للباء الساكنة وهكذا. وفي هذا دلالة على مقدرة لغوية وعروضية وفلسفية لاتخفى على أحد، وأكثر لزومياته متين اللفظ، فخم الأسلوب يعجّ بالمصطلحات العروضيّة، والصرفية، والفقهيّة، والطبيّة، والفلسفية، ويحوي من الأمثال السائرة، والحكم الماهرة، وما يستلزم كتاباً لإحصائها وتبيانها.»
 [13]

المعري، أبوالعلاء: ديوان اللزوميات، المقدمة، شرح وحيد كبابة وحسين حمد، 1992م، ص 10.

«لعلّ ديوان «لزوم ما لایلزم» الوحيد، بين دواوين العرب القدماء الذي ينطلق من حياة الإنسان وشؤون المجتمع، وإن من زاوية خاصة طغى عليها روح الزهد والتشاؤم. فأبوالعلاء، خلافاً لمن سبقه وعاصروه ولحقه من زملائه القدماء، لم ينطلق في شعره من قصور الحكام وميادين المحاربين، بل من أوساط الشعب المغلوب على أمره والرازح تحت وطأة الفقر والظلم والإبتزاز.»
 [14]

وبعد ما قرأت ديوانه اللزوميات عدّة مرات وتأملت في آرائه وأفكاره وجدت أن أبوالعلاء قد تحدث عن العقل والحياة ومايواجهها الإنسان في حياته ومجتمعه من السراء والضراء والشدة والرخاء والتشاؤم السائد على حياته فيتضح لنا أن سير الحياة على غير ما يرضاه هوالذي أدى إلى زهده.

وأما الغرض من هذه الرسالة هوالكشف عن معالم الزهد في شعر 
أبي العلاء وبرأيي هذه المعالم بينها الشاعر في آرائه التي برزت في إتجاهين هما المجتمع وفساده والحياة والموت ففي الشق المقبل من هذا الفصل بينت ملخصاً من تلك المعالم ديوانه اللزوميات الذي يتضمن آلاف الأبيات في الزهد والتنفير من الحياة الدنيا.

مفاسد المجتمع العباسي في شعر أبي العلاء

أهم مفاسد التي كان یراها أبوالعلاء نستطيع أن نقسمها إلی ثلاثة مواضيع وهی: الموضوع الأول الفساد السياسي والثاني حب المال والثالث ضعف الدين .

أما آراؤه السياسية فنابعة من فساد المجتمع الذي كان يعيش فيه وهويحارب السلطة إنها في نظره فاسده لكون المكر والرشوة والفحش هوالطريق إليها، ولكون الحكام جماعة فوضى ورذيلة، يتبعون هواهم ويسومون الرعية ظلماً وينعمون بمالها وثمرة أتعابها.
وقد أدت الأوضاع القائمة إلى تحرر في الدين وميل إلى الظلم والتعسف ممّا كان له أكبر الأثر في نغمة أبي العلاء المعري على الساسة والحكام وفي ذلك ترك المعري آراء سياسية فيه الكثير من الجرأة، فهوينكر الملك ووراثته في عهد يسيطر فيه النظام الملكي الاستبدادي.

نماذج من الفساد السياسي في شعره:

فهويرى أن الملوك ما هم إلا خدم وضعوا لإصلاح شؤون الناس:

إذا ما تبـيّنا الأمـــور تكشفــت لنــــا
وأمــير الـقــوم لــلقـــوم خادمُ

وواقع الحال أن الحكام لا همَّ لهم سوى الجاه والمال وفرض الضرائب.
فانظر اليه يصف سياسة سلاطين العصر:

يكفيك حزناً ذهاب الصالحين معــاً
ونحـنُ بعدهم في الأرض قطّان
 
إنّ العراق وإنّ الشــــام مـــد زمنٍ
صفــران، ما بهمــا للملك سلطان
 
ساس الأنـــــــام شياطين مسلطــــةٌ
فــي كلّ مصرٍ من الوالين شيطان
 
من ليس يحفل خمص الناس كلهـم
إن بات يشرب خمراً وهومبطانُ
 
أمّا كلابٌ فأعـيـا مـــــن يغالبهـــــم
كأنّ أرماحهم في الحـرب شيطان

 [15]

ويعتقد أن الساسة في عصره يصرّفون أمور الدولة والرعية بغير عقل وتفكير:

يسوسون الأمور بغير عقلٍ
وينفذ أمـــــرهم فيقــــال ساســــة
فأفِّ من الحياة وأفّ مــني
ومـــــن زمــــنٍ رياســته خساسـة

 [16]

ويدعوهم إلى استخدام العقل في ادارة البلاد وسياستها، قائلاً لهم:

وإذا الرئاسة لم تصن سياسة ٍ
عقلية ٍ، خطيء الصواب السائس

 [17]

ويزداد بغي الحكام حتى نراه يغضب ويصرخ.

ملّ المقام فكم أعـــاشــــر أمــــــةً
أمرت بغير صلاحها أمراؤها
ظلموا الرعية واستجازوا كـيدها
فعدومصالحها وهم أجراؤها

 [18]

حب المال
وأما الآفة الإجتماعية الثانية التي نراها واضحة في ديوانه هي آفة حب المال والحرص عليه فالمال إحدى زينة الدنیا ویؤكد هذا قوله تعالی: «المالُ والبنون زينة الحياة الدنيا».
 [19]

والإسلام «يكره أن يسيطرالمال علی قلب الانسان وهواه فيتخذه هدفاً وغاية، والاسلام يريده وسيلة إلی سعادة الدنيا والآخرة. ويری فيه خير مطيه للمؤمن لوأخذه بحقه ووضعه في حقّه. فالمؤمن يلتمس المال من وجوهه المشروعة، ويتحرّی فيه الحلال، ويطلبه بنفس عزيزه قانعة، ثم يرعی حق ا... فيه فلاينفقه في باطل، ولايمنعه من حق، حينئذ يصبح سعيه عبادة، وماله نعمة، ويكون جدير بسعادة الدارين».
 [20]

ونماذج من حب المال فی شعره:

یكثر حب المال في عصره ومن طبيعة الزاهد في الدنيا كره المال فأبوالعلاء ذمّ جمع المال كثيراً لأنّه يذكر الموت وبما يحدث بعد الموت من انتقال كل ما جمعه الانسان إلی غيره:

وكــم جــمــع النــــفائس ربّ مــــالٍ
فــلمّا جــدّ مــرتــحلاً ذراها

 [21]

فهذه الآفة الاجتماعية في عصر المعرّي أدّت الی ظلم اجتماعي كبير وهوسوء توزيع الثروات والأموال، فالأموال ليست موزعه توزيعاً عادلاً والحصول عليها عسير فهناك أناس يتضورون جوعاً بينما جيرانهم يشكون ألم البطنة ومن الناس من ينال فوق حاجته بأدنی سعي وأيسر جهد ومنهم من لاينال حاجته إلاّ بالكدّ والتعب أولاينالهم لها أبداً. فهويشارك الناس في حل هذه المشكلة الاجتماعية فيفرض الحلول لتلك الأزمات الخطيرة التي تهدّد كيان المجتمع وروح الدين القويم. فاذا كان هناك مثل هذا الظلم الأجتماعي فالواجب تأدية الزكاة ولوأنّ الناس أخرجوا أموالهم لما كان هناك محروم ولما حدث هذا التفاوت الاجتماعي الكبير في الطبقات .

ياقوت مــا أنت ياقـوت ولا ذهب
فــكيف تعجزأ قـواماً مساكينا
وأحسب الناسً لوأعطوا زكاتهم
لما رأيت بني الأعدام شاكينا

 [22]
وأبوالعلاء يری الحرص هوالذي يدعوا إلی طلب المال وطلب الدنيا.

نهاهم عن طلاب المال زهدٌ
ونادی الحرصُ ويبكم اطـلبوه
فألقــاها إلــی أســمــاع غُـثرٍ
إذا عــرفـــوا الــطّريــق تنكّبوه
سعوا بين اقترابٍ واغترابٍ
يــمــوت بــغــصــّةٍ مــتغرّبوه
غــدوا قــوتاً لــمثلهم تـساوی
خــبيــثوه لـــديــه وطــيّــبــوه

 [23]

وأكّد علی خطر آفة الحرص وحب المال، علی الأخلاق، فحيث توجد هذه الآفة تنتشر الشرور الخلقية .

المال يسكت عن حقٍ، وينطق في
بطلٍ، وتجمع إكراماً له الشيع

 [24].

وإقتران الطمع والحرص بالذلة والخضوع من المعاني التي ألحّ أبوالعلاء عليها في مجابهته لآفة حب المال لما شهده عصره من كثرة الجشعين الذين أراقوا ماء وجوههم علی عتبات الملوك والأغنياء ولا سيما الشعراء المتكسبون بشعرهم.

فلسُّ ما اخترت إنّ اروح من
يــسار قــارون عــفــةٌ وفــلس

 [25]

وهويحّث علی طلب رزق الحلال:

كلوا طيّباً فالطيب فيما طعمتم
يبين علی أفواهكم خالص الشكر

 [26]

وهويذكر بأن الرزق مقسوم، قسمه ا... وقدره، وعلی ذلك فالكدّ والعنا لايفيد شيئاً، والحرص لايزيد رزقاً:
يسليك أنّ القابض الرزق باسطٌ
وأنّ الــذي شــادَ البـنيّــة هــادم
 [27]

ويخاطب الذين يظنون أنهم سبب في رزق المخلوقات بأنهم مخطئون لأنّ الرزاق هوا...

وقد منّوا بــرزق ا.. جــهـــلاً
كــأنّـهم لــــبـــاغٍ ســبّـــبـــــوه

 [28]

والمالك الحقيقي هوا... والإنسان عبد لا يملك شيئاً وقد صوّر المعرّي هذه الصورة في قوله:

فــقـــيرٌ كــلّ مـــن فــي الأر
ضِ إنّ الــعبــد لا يــمــلـــــك

 [29]

وإذا كان الأمر كذلك فإن من يجهد نفسه وينازع غيره سعياً وراء التملك والغنی غافل وسفيه، لأنّه يخدع نفسه فكل ما في يده عارية لابدّ أن يردّها:

تنازع فــي الــدنيا سواك وماله
ولا لك شـيءٌ بــالـحقـيقة فــيـها
ولــكــنــها مــلك لــربّ مــقــدّر
يعـير جـنوب الأرض مرتدٌ فيها
ولم تحظ في ذاك النزاع بـطائلٍ
من الأمر إلاّ أن تعدّ ســفــيــهــا

 [30]

ونراه يذم البخل ويحارب هذه، الخصلة السيئة التي إزدادت بين أبناء عصره لإن المال الذي يهتم صاحبه بجمعه طوال عمره ولن يستفيد منه ما الفائدة فيه:

قرّ البخيل فأمسي من تحفظه يـلقي عـلی الـجسم ديناراً فدينارا
يشكوالشتاء فيرجوأن يدفّئه
أوقد صلاءَك ليس المسجد النارا

 [31]

ضعف الدين

أصيب الكثيرون من أبناء العصر بحب الدنيا حباً ألهاهم عن الآخرة، وقادهم إلی الحياة ٍ تنعدم فيها روح الدين وينتشر فيها التكالب علی الثروة والجاه. وكان أثر ذلك وبيلا علی الدين والإستخاف بشعائره، وعلی الأخلاق التي أصابها الكثير من الفساد .
نماذج من آفة ضعف الدين في شعره:

فهويری الدين قد أصابه الضعف حتی إضمحلّ يوماً بعد يوم.

أخلت عمود الدين في الإرض ثابتاً
وفي كل يومٍ يضمحلّ علی مهل

 [32]

وها هوقد انتهی في اضمحلاله إلی أن أهملت شعائره.

قد أصبــح الدين مضمحلاً وغيّرت آيـة الـدهــور
فـــلا زكــاةٌ ولا صــيــامٌ ولا صلاةٌ ولا طهور
واعتاض جلّ النكاح قومٌ بنســوةٍ مـالهـا مـهــور

 [33]

والدين هوطهارة قلب وعفة ُ نفس:

والدين نصحُ الجيوب مقترناً مدی الليالي بعفّة الحُجَز

 [34]

وأخذ المعري يكافح هذه الآفة باتجاه ديني يقوم علی التذكير بالله الذي يری ويسمع ويحاسب علی الصغير والكبير والتذكير بوعده ووعيده وعقابه والرجاء لثوابه وعلی التذكير بالموت والقبر والحساب والجنة والنار تنبيها للغافلين وزجراً للاهين وحثا لهم علی التزود بالعمل الصالح استعداداً للموت وما بعده:

اذكر إلهــك إن هببـت من الكري
وإذا اهممت لهجعةٍ ورقاد
احذر مجيئك في الحساب بزائفٍ
فــالله ربّــك أنــقــدُ النــقــادِ

 [35]

وهويدعوإلی الاستكثار من العبادة ويقول:

اركع لربك في نهارك واسجد ِ
ومــتی أطــقت تهجّداً فتهجّد
ولتحل عرسك بالتقـي فنظامه
أسنی لها من لؤلؤ وزبـرجدِ

 [36]

ويقول أيضاً:

ادأب لـربك لا يـلومك عـاقــلٌ
في سجن هذي النفس أوإدآبها

 [37]

ويدعوإلی التزود من التقوی، في مثل قوله:

تقواك زادٌ فاعتقد أنّه
أفضلُ ما أودعـته في السّــقـاء

 [38]

وايضاً يقول:

عليك بتقوي ا... في كل مشهدٍ
فللًّةِ ما أذكی نسيماً وما أبقي
أذا ما ركبت الحزم مستبطئاً له
سبقت به من لا تظنُّ له سبقا

 [39]

واستغفار دائم من الذنوب يراه المؤمن أجدر به من أن يشغل لسانه بلغوا الكلام:

وشـغــل فــمٍ يستغـفـر ذنـبـه
أحقُّ به من ذكر زينب أوجمل

 [40]

وتجنّب ما يقبح ويريب اتقاءً للهی، وشكراً لنعمة:

طاعمٌ أنت وارد عذب مــاءٍ
مـعـرس بـالفــتــاة حاذٍ كـاسي

المصدر نفسه، ج 2، ص 657]]
لأنّ الخمر يذهب بالعقل:

إنّ كــؤوس الــمــدام تــشبــهـما
السيوفٌ، والموت في مـــضاربها
شــمـوسـها شمس باطلٍ شـرقت
فــلا يــكــن فــوك مـــــن مغاربها
ونـمـلها إن تــدبّ فــي جــســدٍ
أضــرًّ لـلـنــفس مــن عــقـاربـهــا
وكـلّ ما أذهـب الـعـقـول وإن
خــــــــالفها، فــــــهومن أقاربـهـا
جــرّبهـا عـالــمٌ بــشـيــمـتــهـــا
ويـــــــــذهب اللــــبّ في تجاربها
وقد تقضـّي الحـيـاة راضــيــة ً
بــــــدون مـــــــا نـيل من مآربـهـا
إن شربت راحها زنت وجنت
فــــــليتّق ا... فــــــي مـشـاربـهــا

 [41]

الحياة والموت في شعر أبي العلاء المعري

سنرى أن قوام نظرة أبي العلاء إلى الدنيا ما رآه من زوال هذه الدنيا وشرورها. أما نظرته إلي الموت فتقوم على الرهبة والراحة. وسنراه بعد ذلك يخلوا إلى نفسه خائفاً، يائساً، يحث على التقوى والزهد في الدنيا والعمل للآخرة.

أبوالعلاء والدنيا:

ما عرف عن أبوالعلاء يتجه إلى العقل كثيراً ويعتبره أسمى ما وهب إلى الانسان فهويتجه إلى العقل والعقل يهديه إلى تفاهة الدنيا لأنها زائلة. في حين أن فطرة الإنسان تحب الخلود فروح أبوالعلاء تجد الحياة الدنيا ليس إلا فترة إنتظارٍ مؤلم إلى أن يأتي الموت وينقلها إلى حياةٍ خالدة. فبرأي الزوال هوأول عيبٍ يراه في 
الدنيا .

1- الزوال: وأبوالعلاء يذكر رأيه ويعيده مراراً وتكراراً، فاذا الصورة تكبر أوتصغر، وتتسع أوتضيق ولكنها لاتخرج عن الأصل الذي رسمه لها، قال:

بالـقضـاء الـبـلــيغ كـنا فعـــشـنـا
ثم زلنا وكـلّ خــلقٍ يــزولُ
نحــن في هذه البسيطة أضيــاف ٌ
لنــا في ذرى المليك نزولُ
والأمـيــران ذاهــبــان مــولــىً
مستـجّدٌ، وراحــلٌ مـهـزول
بلى الحبلُ والغزالة ُ فوق الأرض ِ لـــم يبل خيطهــا المغـزول

 [42]

وحقيقة الفناء هذه تنفر أبي العلاء دنياه وتجعله إنساناً متشائماً ويائساً:

أتذهب دارٌ بـــــالنصاء، وربــها يخلفـــــها عمّا قليلٍ ويذهب ُ
أرى قبساً في الجسم يطفئه الردى وما دمت حيّاً فهوذا يتلهّب

 [43]

وإسمعه يكرر هذا المعنى بشكل آخر:

وتـقــــدم الأرض نـفــــوسٌ أتـت مخــلوقــةً مـن أنفس ٍتاويـه
والدهر كالحيّوتِ والحــوت فـي إهلاكـه مــا حـوت الحـاوية
إن تعمــــــر الـدارُ فــــلابــدَّ مـن يوم ردىً يــتركهــا خـاوية

 [44]

وذكر أحد الدارسين حياة أبي العلاء المعري أن مصدر تشاؤمه يعود إلى اضطراب الحياة الاجتماعية في عصره وإلى شعوره بالنقص أيضاً ممّا أثّر فيه أشد تأثير فنراه يسمي نفسه برهين المحبسين ويعتكف في منزله. ويروح يسلك في حياته سلوك المتصوفين الذين يرضوه بالعيش القليل فيقول:

الحمد لله قد اصبحت في دعـةٍ
أرضى الــقـلــيل ولاأهـتمُّ بالقـوتِ
وشاهدٌ خالقي أنَّ الصلاة لـــه
أجَـــلُّ عندي مـــــن درّي وياقـوتي
ولاأعاشر أهل العصر، إنّهم
إن عوشروا بين محبوبٍ وممقوتِ

 [45]

ولم يؤثر فيه التشاؤم في حياته الشخصية وسلوكه اليومي في الإعتكاف والتقشف فقط، بل إنها اعتملت في نفسه وتفجرت شعراً ونثراً.

وأي حياة تلك الحياة؟:
أخــوسـفــــرٍ قصده لحـــــده
تــمـادى به الســيرُ حــتى بـــلــــغ
ودنــياك مـثل الإناء الخبيث
وصــاحــبهـــا مــثــل كـلبٍ ولغ

 [46]

فالبشر في هذا العالم ضيوف، وما الطعام الذي تقدمه لهم الدنيا إلاّ الموت فهم في هذه الحياة لاهون بالمقبّلات وهذا المعنى العميق يصوره لنا قوله:

إنا ضيوف زمانٍ ما قراه لنا
إلاّ المنايا، ونحن الآن في اللهن

 [47]

وبرأيه مثل هذه الدار الفانية لاتصلح دار إقامة حيث لاأمان لمقيم فيها:

لعمرك ما الدنيا بدار إقامة
وكالحيُّ في حالِ السلامة آمـن

 [48]

2- شرورها:
عاش أبوالعلاء قرابة أربعين عاماً قبل عزلته بين الناس وجرّب الحياة وتأمل فيها فوجدها ليس إلاّ دار شرور:

وهل تــظفر الــدنــيا عــليَّ بمنةٍ
ومـا سـاء فيهـا الـنـفس أصـناف مـا سرّا
يلاقي حليفُ العيش ما هوكـارهٌ
وإن لـم يـكــن إلاّ الـهـــواجــرَ والقـــرّا
نوائبُ منها عمّت الكهل والفتى
وشيخ الورى، والطفل، والعبدَ والحُرّا

 [49]

نظر أبوالعلاء إلى الدنيا بمنظار أسود، فقد إستنزل أشد سخطه وغضبه عليها ولهج في لزومياته بذمها واحتقارها وكان في كثير من الأحيان يدعوها بأم دَفِر، وهي كنيه قديمه لها (والدَفِر: النتِن، فهي كنيه قبيحة تعرب عن احتقار واضح، وأم دَفِر: الداهيه وقيل: سميت أم دَفر لما فيها عن الآفات والدواهي وقد أوسعها سبّاً وشتماً وذمّاً ولوماً، وعرض ذمها بصور مختلفة. وحض على اجتنابها وزهد فيها، وشغل حيزاً كبيراً من شعره فيها)
 [50]

أخوك معذّبٌ يــــــا أمُّ دَفــرٍ
أطـــلتــه الـــخــطوب وأرهقته
ومازالت معاناة الـــرزايـا
عــــــلى الانســان حتى أرهقته

 [51]

وقوله:

يا أمُّ دفر لورحلت عن الــورى
كسروا، ولومن آلِ ضبةٌ كوزا
إني ذممتك فاشهري أوأشرعي
لاأرهب المعمود والمـركــوزا

 [52]

وقوله:

أرى كلَّ أم عُبرها غير مبــطيءٍ
وما أم دفرٍ بالتي بأن عـبرها

 [53]

ونراه كثيراً ما ينبه الانسان بغدر الدنيا:

وجدتك فـــي رقـــدةٍ فــانــتـبه
أحــذرك مـــن هـــذه الخاتــلـة
أتاهـــا بـــنـــوها عــلى غِــرّةٍ
وما عــلـمـوا أنّـهــا قــاتـلـــة

 [54]

وهذا الغدر إنما يتجلى لأبي العلاء أكثر ما يتجلى، في الموت. إصغ إليه ينشد:

غنتــك دنــياك الــخلوب
وحــبّهـــا في الـــكــفّ عــــود
أمــا إســاءتــهــــــا فـــقد
كانـــت وحــسنــاهـــا وعـــود
والمرء يهــبط هاويــــــاً
والعيش مـــن كلفٍ صـــــعود
والشخص مثل اليوم يمـ
ضـي فــي الـزمان ولايعـود

 [55]

وإسمعه يقول:

ولـم تـفتـــأ الدنــيا تغــرُّ خلــيلها،
وتبدله من غمض أجفانه سهـدا
تريه الدجى في هيأة النور خدعةً
وتطــمعـــه صـاباً فــيحسبه شهـــدا
وقد حملته فوق نعشٍ، وطالمـا
سرى فوق عنسٍ، أوعلا فرساً نهدا
كأنَّ ابن حوّاء الدفيـن ابن وقتـــه
أجـــــــادت لــه في حجر كافلةٍ مهـدا
وقد صيّرت مثواه لحــد قــرارةٍ
وصحّتـــه سقمــاً ورغبته زهـــــدا
ولم تتّرك مــــن حيلةٍ لتغـــــرّه
ولم يبق في إخلاصــــه حبّها جـهدا

 [56]

وانه ليعجب كيف يغتر بها الناس رغم كل ما يراه على خداعها:

لقد غرّت الدنيا بنيها بمذقهــــا
وإن سمحوا من ودّها بصـــريح
أليلى، وكلّ أصبح ابن ملـوّح،
ولبنى وما فينا سوى ابن ذريح
وفي كلّ حينٍ يؤنس القوم آيـةٌ
بشخصٍ قتيلٍ أوبشخص جريح
ولم يطّرحك المرءُ عنه لعبرةٍ
يراها بمرفوتِ العظام طــــريح
وليس لنا في مدّة العيش راحة ٌ
فكيف بموتٍ من أذاك مريــــح

 [57]

فالدنيا خسيسة تافهة، والناس ما هم إلاّ أخسّاء وكم في هذه الدنيا من أنواع العظات ولكن الناس لايرون ولايسمعون:

خَسستِ يا أمنا الدنـيا فــأفّ لــنــا
بنوالخســيسة أوبــاشٌ أخـساءُ
وقد نطقت بأصناف العظات لنا
وأنتِ فيما يظنّ القوم خرساء

 [58]

أبوالعلاء والموت:

رأينا أبوالعلاء كثيراً ما يزعجه أن تنتهي الحياة بالموت. إنه إذ تختم به الحياة فيمحوكل ما سبق من سعادة لمثل المقر المر الذي يتناوله الانسان بعد عسل النحل فلايبقي له إلا المرارة.
 [59]

أرى مقراً في آخر العيش كائنا
نسيت له ما أطعمتك الجوارس

 [60]

فاذا هوخائف مذعور، يطارده شبح الموت في كل حين، ويتمثل له وجهه في كل شي يحيط به، ويطالعه إنى إتجه. وهذا صوت الموت الذي يملأ أذنه يصبح حائلاً بينه وبين جمال الحياة:

وأراك يا سمع الحمام فلم تبن
سجع الحمام بأسجل وأراك

 [61]

فلا عجب أن يحفل ديوانه اللزوميات، بذكر الموت، وتصوير اهواله وآفاته. واذا استوصينا شعره في ذلك وجدناه قائماً على نظرتان رئيسيتان:

1- رهبة الموت: ابوالعلاء يخشي الموت ويفرق لذكره، ولايزال يذكر الناس بأهواله وآلامه، ليرهبهم به. فلن نستغرب إذا سمعناه يكرر المعاني ويعيدها ولن نستغرب ان يحثهم على الإنتباه من غفلتهم، وان في جزعه من الموت وخوفه منه، بعض التأويل المعقول لنقمته على الدنيا وتشاؤمه:

كأنّما العالم ضــأنٌ غــــــدت
للرّعي، والموت أبوجـعده
فهادجٌ حامـــــلٌ عكـــــــازه
وفـــارسٌ معتقلٌ صعــــدة
وآخر ٌ يــــــدرك مــــن تلبه
ويترك الدنيا لمــــن بعـــده
عيشٌ كما تعهدُ لامخلـــــفٌ
وعيده بــــل مخلــفٌ وعـدة
هل يأمن البر جيسُ في عزه
من قــدر يعدمـــه سعــــــده
كأنما النجم لخــوف الـــرّدى
تأخذه من فـــرقٍ رعـــــــده
كم لابنٍ في الأرض لـم يذكّر
لبناه، مـذبان، ولا دعـــــدة
أحاذر السيل، ومن لي بمـن
جــــاةٍ اذا أسمعنـــــي رعدة
والوقت لايفتا فـي مــــــرّه
مقربــــاً من أجـــــل بعــــدة
فراقب الخالق بالــغيب فــي
القيمة والنيمـــــة والقعــده

 [62]

فتراه لرهبته من الموت يشبهه بالحيوانات المفترسه والطيور الجارحة:

كأنما العالم ضأنٌ غــــــدت
للرّعي، والموت ابوجعدة

 [63]

ويقول:

أوكالمغـــــير مـــــن العــا
سلـــات يطـــــرق زربـــــه

 [64]

ويقول:

يكـــــر فـــــي الناس كالأجـ
دل المـــــعاود ســـــــربــة

 [65]

وهويصف كرهه إلى الموت بهذه الصورة المهيبة:

وطريقي إلى الحمام كــريــهٌ
لم تــهبْ عــندَ هــوله اليَـهَماءُ
ولوأنَّ البيداء صارمُ حربٍ
وهي من كل جانبٍ صرماءُ

 [66]

فهويبيّن خوفه من الموت في الابيات الآتيه وثم يلوذ بربه ويرجوالنجاة منه:

مستطارٌ أنا من خوف الردي
كل شيءٍ في كتابٍ مستطر
غفــــر ا... لعبدٍ غــــافــــــلٍ
هوفــي أعظم جهلٍ وخطر

 [67]

ويرى جمال الحياة في الخلود وعدم الشيب:

أحسن بدنيا القوم لوكان الفتى
لا يقتضى وأديمه لايحلم

 [68]

وأما الموت قدر الإنسان ولن ينجومنه أبداً فلابد أن نعتبر منه:

هوالموت من ينجومن رامحٍ
فلابدّ من أسهم النابـل
لنا أسوةٌ في رجالٍ مضــــــوا
وهل أنا إلا أخوالآبل

 [69]

2- الراحة: رأينا رأي المعري في الدنيا فهولايرى فيها خير وانما هي شرٌ مستطير وبالرغم من أنه كان يهاب الموت فقد أحبه لأنه كره الدنيا فنجد في الأبيات التالية يتنازع مع الموت وحب البقاء:

تودّ البقاء النفس ُ من هيبة الردى
وطول بقاء المرء سمٌ مجــربُ
على الموتِ يجتازُ المعاشر كلّهم
مقيمٌ بــــأهليه ومـــــن يتغرّب

 [70]

فوجد الحياة عذاب والموت الراحة الأبدية:

حياتي تعذيب وموتي راحة
وكل ابن انثي في التراب سجين

 [71]

وأفضل من طول العمر والغنى في هذه الدنيا الموت لأنه راحة من مصائب الدنيا وشقائها.

موت يسير معــــه رحمــــة
خيرٌ من اليسر وطول البقاء
وقد بلونــــا العيش اطواره
فمــــا وجدنا فيه غير الـشقاء
تقدّم الناس فيـــــا شوقنــــا
إلى اتباع الأهل والأصدقاء

 [72]

فالموت يغني والحياة تفقر:

أمّا الحياة ففقرٌ لاغنى معه
والموت يغني فسبحان الذي قدرا

 [73]

فأبوالعلاء يقارن بين الموت والحياة فيجد الموت أكثر رحمة لنا فهويغلق كل بابٍ للشر تفتحه الدنيا وهوأعدل ما يمر على الناس اذ يغني والدنيا تفقر.

ما أعدل الموت من أتٍ وأستره
فهيجيني فأني غيــــر مهتـــاج
العيش أفقر منا كــــل ذات غنى
والموت أغنى بحقٍ كلّ محتاج
أذا حياةُ علينا للأذى فـــتحـــــت
باباً مـــــن الشــر، لاقاه بإرتاج

 [74]

فسبحان ا... الذي ساوى بالموت بين أفراد البشر: الغنى والفقير الساعي والمقيم

عز ّالــــذي بالموت ردّ غنينا
كفقيــــرنا ومقيمنــــا كالراحل

 [75]

وعنده الملك والصعلوك يتساويان فمصيرهما واحدٌ في حفرةٍ ترابية:

يساوي مليك الحي صعلوك قومه
وتسحى له الأرض الزرود فتلهم

 [76]

ولا يميز بين ظالم ومظلوم، فهويأتي على الجميعِ:

ورأيت الحمام يأتي على العا
لـــــم مـــــــن قاهـــرٍ ومن مقهور

والموت يعمّ الدنيا، كما لوأنه غيم يتلوغيماً:

وجدت الموت ينتظم البرايا
بسحــبٍ منــه فـي أعقــــاب سحبِ

 [77]

ويصف الموت بأنه لايترك كائن حي. فلا يترك بهيمه ولانبته ولايترك حتى كواكب السماء.

لاذات يســـربٍ يُعرّي الـ
رّدى، ولاذات سُــــربـــــهْ
ومــــــا أظـــــــن ُّ المنايا
تخطوكــــــواكب جربــــه
ستأخذ السر والغـــــــــفـ
رَوا السّمــــــــاك وتربـــهْ
فتّشن عن كــــــــل ّ نفس ٍ
شـــــــرقَ الفضاء وغربهْ
وزرن عـــــــن غيــر برّ
عجــــم الأنـــــام وعـــربه

 [78]

فهويهلك الأفاعي العظيمة، أوالعصافير الحقيرة، كما يهلك الأسود الضاريه من الحيوان، يريد أن لاناج من الموت، عظم أم حَقُرَ.

قضاءُ ا... يبتعث المنايــــا،
فيهلكن الأساود والأسودا
 
فعيشا مفضلين أواستميحا،
وسودا معشراً أولا سودا

 [79]

فرأيت كيف يجد أبوالعلاء العدل والمساواة بين جميع أفراد البشر بل بين جميع الكائنات في الأبيات السابقة. فهوكان يبحث حول العدل والمساواة في حياته والكنه رآها في الممات.

فلاعجب إن وجدناه يرحب بالموت وينتظره. وحينما طال به البقاء خاطب نفسه مطمئناً لها أن الموت الذي تنتظره لابد آت ولوطالت الحياة .

يا مرحبا بالموت مـــن منتظر
إن كـــــان ثـــــم تعـــارف وتلاق

 [80]

ويقول:

نفسي أخاطب والدنيا لها غبر
وفي الحمام إذا طال الأذى درك

 [81]

ويقول:

متى أنا للدار المريحة ظاعــن
فقــــد طــــال في دار العناء مقام
وقد ذقتها ما بين شهد وعلقم
وجربتــــها فــــي صحة وسقام

 [82]

فيطلب عن ا... سبحانه وتعالى التعجيل في الموت لأنه يرى نفسه في النحس مذ ولد:

رب متى أرحل عن هذه الد
نيا فـــــــأني قد أطلت المقام
لم أدر ما نجمــي ولكنـــــه
في النحس مذجري واستقام

 [83]

فآثر أبوالعلاء الموت على الدنيا لشدة ما رآه من آلامها .

أبوالعلاء والآخرة

طفنا مع أبي العلاء في دنياه يائساً متشائماً مذعوراً، يخيفه الموت. ثم شاهدناه وقد تخلى عن دنياه وآثر الموت واتجه بذهنه إلى ربه يسأله حسن العقبى في الآخرة. فاذا سمعته يندد بالموت، ويذكر شرور الحياة، ويحث على التزود للآخرة، فاعلم أنه يعتصم بالآخرة خوفاً من الموت:

يهاب الناس ايجاف المنايا
وهل حاد القضاء عن الهيوب

 [84]

ويقول أيضاً:

سيلقى كلّ من حذر المنايا،
ثــقــلـيك مــــن درعٍ وتــرسٍ
لنا ربُّ، وليس له نظيـــر ٌ
يسيّر أمـــرهُ جبـــلاً ويرسي

 [85]

وهويخاطب الانسان أن دنياك هذه مليئةٌ بالشرور فابحث عن غيرها.

أيا سارحاً في الجود دنياك معدنٌ
يفورُ بشرٍ، فابغ في غيرها وكرا

 [86]

ويعتبرأبوالعلاء الدنيا جسرٌ للعبور إلى الآخرة والدنيا هذه زائلة والموت يفتك بالإنسان.

ودارا ساكنٍ وحياةُ قـــــــومٍ
كجســــرٍ فوقه إتصل العبور
يعطّل منزل ويـــزارُ قبــــرٌ،
وما تبقى الديارُ ولا القبورُ
حمامٌ فاتكٌ فـهـل انتــصــــار؟
وكســـرٌ دائمٌ فمتى الجـبـور

 [87]

ويبين شوقه إلى الدار الآخرة ليرتاح من دنيا العذاب:

يا رب اخـرجني إلى دار الرضى
عجـــــلاً، فهـــــذا عالمٌ منكـوس
ظلّوا كدائرة ٍ يحــــــوّلُ بعضهـــا
من بعضها، فجميعهـــا معكوس

 [88]

وهويذكر عفوا... سبحانه وتعالى اذ عذاب يوم الحساب عظيم ويذكر خوفه منه.

عاقبــــة الميــــت محمـــــــودة ٌ
إذا كفـــــــى ا... أليــــمَ العقــــــاب
ليــــس عــــــذابُ ا... من خانه
كالقطع للأيدي وضرب الرّقــاب
لكنّـــــــه متصــــــلٌ فاحـــتقب
ما شئت لايوضع كوضع الحقاب
ونـــــاره لا تشبـــــه النار في
إفنائها ما أطعمـــت مــــن ثقـــاب
كم عملٍ أهملـــــه عـامــــــــلٌ
يحفظـــه خالقنـــــــا بـــارتقــــابْ
وإن ما غودر فــــي مـدّتـــي
كقاب قــــوسٍ مــدّ اوبعض قـاب
ليتـي هبـــاءٌ في قنــــائي لأيّ
أوقطرةٌ بيـــن جنــــاحي عـقــاب
أوكنــــــت كــدريّـاً أخا قفرة
مشرَجُــــهُ مــــــن آجنات الـوقاب

 [89]

ورأيت كيف بيّن خوفه في الأبيات الأخيرة وهومرتهبٌ يبحث عن مفرٍ من عذاب ا... وهويتمنى لويكون شيئاً تافهاً كغبارٍ في ماء يشربه ثور، أوقطرة ماء بين جناحي نسر أوطيراً يعيش في الصحراء ويشرب الماء الآس من الصخر وهذا وإن دل على شي ء فيدل على شدة الخوف من عذاب ا... إذ يدنوالأجل.

واذا كان الموت قد ألقى في قلبه الرعب وزهّده في الحياة فانه لم ينسه الآخرة ولم يزهده فيها. بل إنه ليخاف الآخرة كما يخاف الموت وسيأتي يوم الحشر والحساب:

ولا تأمنـنْ أن يحـشر اليومَ ربّـــه
له بـصـرٌ مـن قــدرةٍ ولــه سـمع
فيخبر بالتقصيــــر عنك مؤنّبــــاً،
وتسكبَ دمعاً حيث لاينفع الدمع
هنالك لاترجوصريخاً مزعــزعاً
صدور عوالٍ فوقها للردى لمـــع

 [90]

وليتزود من أجل الآخرة كي لايخسرها فعزة المرء وشرفه في ما يدّخره لآخرته:

خاب الذي سار عن دنياه مرتحــــــلاً
وليس في كفّه من ديــنها طـرفُ
لاخير للمــرء إلا خيـــــــرُ الآخــــــرة
يبقي عليه، فذاك العزّ والشرف
نرجوالسلامة في العقبى وما حسنت
أعمالنا، فيرجى الفوزُ والغرفُ

 [91]

ونراه كثيراً ما يحظ على تقوى ... وفعل الخير وإقامة الفروض الدينية وكسب الرزق بالعمل ومنع النفس من أهوائها. قبل أن يأتي الموت.

فــــــــاتّق ا... وحـــــــده
وتحمّل لــــه الكلـف
وافعل الخيرَ، والحديث
كثيرٌ قــــد اختلــــف
لاتقومـــــنّ في المساجد
ترجـــوبهــا الزُّلـف
معمــلاً بســـــط راحتيك
إلـــــى نائلٍ يلــــــف
ورُم الرزق في البــــلاد
فإن رمتـــه ازدَلــف
واظلفِ النفس فالطريد
سريـــعٌ إلى الظّلــف
وتلـــافَ الذي مضـــى
قبلَ أن ينزل التلـف

 [92]

ولا خلاص من عذاب الحياة سوى الاعتصام بحبل ا... والتقوى:

تفكروا بالله واستيقضـوا
فإنها داهية ضئبــلُ

 [93]

والتقوى هوأعظم ربحٍ يراه:

أعدُّ أسنى الربح فعل التقى
فلاأكن ربّ من الخاسرين

 [94]

الخاتمه:

أما أهم النتائج التي توصلت إليها فهي:

  1. اثرت العوامل النفسية والإجتماعية والسياسية في أدب المعري وأفكاره وزهده.
  2. هدف المعري من نظم اللزوميات الوعظ والإرشاد فتضمن هذا الديوان بآرائه حول العصر والحياة وبيّن لنا أفكاره في الزهد باتجاهين الأول المجتمع وفساده والثاني الحياة والموت.
  3. فأبوالعلاء كان يحب الناس ويتمنى لهم السعادة ولكنه فوجئ بإنهما كهم في الشرور والمفاسد. ففضل العزلة على معاشرتهم وقام بدوره كمصلحاً إجتماعياً يحارب مفاسد المجتمع التي يراها في حب المال وحب الجاه وضعف الدين.
  4. فحذّر المرء من الرئاسة واعتقد أن الرئاسة والقيادة هما أصل الحقود فليتجنب الإنسان منها. وثم حذّر من فكرة جمع المال والحرص عليه وحارب الظلم الإجتماعي الكبير وهوسوء توزيع الثروات في مجتمعه بتآدية الزكاة والإنفاق وذم البخل.
  5. وما عرف عن أبوالعلاء أنه متدين حقيقي فقد صعب عليه ضعف الدين في مجتمعه والدين عنده عقيدة لامجرد أقوال فأخذ المعري يكافح هذه الآفة باتجاه ديني يقوم على التذكير با... الذي يرى ويسمع ويحاسب على الصغير والكبير والتذكير بوعده ووعيده وعقابه والرجاء لثوابه وعلى التذكير بالموت والقبر والحساب والجنة والنار تنبيهاً للغافلين وزجراً لللاهين وحثاً على التزود بالعمل الصالح.
  6. وثبت لنا أن أبوالعلاء كان يحب الدنيا ولكنه عاش أزمات نفسية وروحية صعبة ومتوالية بسبب عاهات العمى والوجه المجدور والجسد النحيف والواقع الإجتماعي والسياسي المحبط فنظر إليها بمنظار أسود وراى كل ما فيها الزوال والشرور، فكرهها وذمها كثيراً ووصفها بأوصاف ذميمة كالخائنة، والخسيسة والفاتكة والغدّارة.
  7. وكان يخاف الموت ولكنه وجد الراحة في ذلك ورأى العدل والمساواة اللذان كانا معدومان في عصره، في الممات.
  8. فإتجه بذهنه إلى ربه وإعتصم بالآخرة خوفاً من الموت ويذكر عفوا... سبحانه وتعالى إذ عذاب ا... يوم الحساب عظيم ويوصي للتزود من أجل الآخرة 
كي لايخسرها ويرى عزة المرء وشرفه في ما يجمعه لآخرته.
  9. ففي زهده كان مختاراً وكان في ذلك في ذلك إيجابى بنّاء فنظرته التشاؤمية لم تكن ترمي إلى هدم المجتمع وإنما إلى تنبيه الناس للتخفيف من حب الدنيا وتعلقهم بها حتى لايركنوا إلى الكسل والتواكل.
  10. وكان صادقاً في زهده وظل ملتزماً بما قال وبما ألزم نفسه من مجاهدات وقيود حتى وفاته ليظهر قوة إرادته، وليعلن أنه تزهدوا إعتزل رغم الغرائز التي فطر عليها الإنسان.

منابع:

  1. القرآن الكریم
    #ـ إبن خلكان، أبوالعباس شمس الدين أحمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: د:إحسان عباس، منشورات الرضى، ط2، قم، 1346هـ.
  2. الإفريقي المصري، محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت.
    #ـ البيهقي، الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين، كتاب الزهد الكبير، دار الجنان، 1408هـ/1987م.
    #ـ الجندي، محمد سليم، الجامع في أخبار أبي العلاء المعري وآثاره، دارصادر، بلاط،بيروت،، 1412هـ 1992م.
    #ـ الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، دار إحياء التراث العربى،ط4 بيروت، 1426هـ / 2005م.
    #ـ حسين، طه، تجديد ذكرى أبي العلاء المعري، مكتبة المدرسة، ط2،بيروت، 1983م.
  3. الحلبي، إبن العديم: الإنصاف والتحري، تحقيق: عبدالعزيز حرفوش، دار جولان، 1428 هـ / 2007م.
    #ـ خضر، سناء، النظرية الخلقية عند أبي العلاء المعري بين الفلسفة والدين، دار الوفاء لدنيا الطباعة، اسكندرية، 1686/1999م.
    #ـ الزركلي، خير الدين، الأعلام، دار العلم للملايين،ط5، بيروت، 1985 م.
    11ـ الزيات، أحمد حسن، تاريخ الأدب العربي، دار الثقافة، ط 29، بيروت، 1985.
    #ـ الصفدي، صلاح الدين خليل بن أبيك، الوافي بالوفيات، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420هـ/2000م.
    #ـ ضيف، شوقي، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، دار المعارف، ط11، قاهرة، 1119م.
    #ـ القفطي، جمال الدين، أنباه الرواة على أنباه النحاة، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة،1950م.
    #ـ محمد ضيف، عبدالستار، شعر الزهد في العصر العباسي، مؤسسة المختار، 1426هـ/2005م.
    #ـ المعري، أبوالعلاء، ديوان اللزوميات، شرح كمال اليازجي، دار الجيل، بيروت، 1412هـ/1992م.
    #ـ ـــــــــــ، ـــــــــــــ، سقط الزند، شرح احمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، 1410 هـ / 1990 م.

بقلم مریم إدریس خریجة جامعة آزاد آبادان

أبوالعلاء المعري
 هو«أحمد بن عبدالله بن سليمان بن محمد التنوخي المعريّ».
 [95]
 ولد في «يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بمعرة النعمان» ]]
 [96]
 فجدِّر فی السنة الثالثه من عمره، وکُفَّ من الجدری وقال لاأعرف من الألوان إلا الأحمر.
 [97]
 «ولما أدرك سن التعلم أخذ ابوه یلقنه علوم اللسان العربی فتعلمها. وتلمذ بعد ذلك لنفر من علماء بلده فضم إلی صدره ماحوته صدورهم».
 [98]
 «وقال الشعر وهوابن احدی عشرة سنة. ورحل إلی بغداد سنة 398 هـ فأقام سنة وسبعة أشهر» .
 [99]
 وأما سببین إثنین جعلت أبوالعلاء أن یترك بغداد ویتخذ قرار الرجوع إلی المعرّة فهما: كما یشیر إلیهما فی الأبیات اللاحقة، الفقر ومرض أمه.

«أثارني عنــكـم أمــران: والــدة
لـم ألقها، وثــراء عـاد مـسفــوتا
أحیاهما الله عصر البین ثم قضی
قبل الأیاب الی الذخرین أن موتی
لــولارجــاءُ لقــائیها لــما تـبعت
عنسي دلیلاً كسّر الغمد إصـلـیـتا»

 [100]
«وبعد ذلك قرّر أبوالعلاء في نفسه العزلة والخروج عن الدنیا فأعتزل عن الناس إلاّ عن تلامیذه وسمّيَ نفسه رهین المحبسین العمي والمنزل وظل عاكفاً علی التعلیم والتألیف عازفاً عن ملذات الحیاة لایأكل الحیوان ولا ما ینتج منه، قانعاً من الطعام والحلوی بلعدس والتین ومن المال بثلاثین دیناراً موقوفا علیه فی كل عام، راضیاً من اللباس والفراش بغلیظ القطن وحصیر البردي. وحرّم علی نفسه الزواج ضناً بنسله علی لؤم الناس وبؤس الحیاة.»
 [101]

فهو«واسع الثقافات سعة شدیدة فهویعرف الدیانات والمعتقدات المختلفة كما یعرف الفلسفة والتنجیم والتاریخ والتصوف، وما یطوي في ذلك من ثقافات یونانیه وفارسیة وهندیة»
 [102]

(كان المعري، شديد الإيمان بالله. ولكن إيمانه لم يكن إيماناً وجدانياً فحسب بل كان إيماناً عقلياً وللمعري أدلته على وجود الله وهي:

1ـ الدليل الأول: هودليل الحكمة والعناية، وخلاصته أن في العالم نظاماً وترتيباً يدلان على وجود خالق حكيم فيقول:

فساد وكون حادثان كلاهما شهيد بأن الخلق صنع حكيم

2ـ الدليل الثاني: هودليل البرهان، وخلاصته أن الملحد بحشر الأجساد ملحد بالله، فإذا آمن الإنسان بالحشر لم يخسر شيئاَ. وإذا جحده خسر كل شئ.
 [103]

وتوفي لیلة الجمعة الثاني: من شهر ربیع الأول سنة (449 هـ).
 [104]

أما من أهم خصائصه الخلقیه «زهده وإعراضه عما فی هذه الحیاة من اللذات، ولك في سیرته بالمعرّة تسعاً وأربعین سنة أصدق دلیل علی أن هذا الخلق قد كان من الصور النفسیه اللازمة له. وكذلك العفة والقناعة وعزة النفس. »
 [105]

«وكان لهذا القانون الصارم الذي إتخذه أبوالعلاء لنفسه أثره الكبير في حياته الأدبية لأن التشدد في الحياة كلفه التشدد في إلتماس الإجادة وجعله يلتزم ما لا يلزم في أعماله العقلية، وحياته المادية.»
 [106]

«وفي هذا القسم من حياته أنشد ديوانه لزوم ما لايلزم (اللزوميات) والتزم فيها أن تكون القافية على حرفين، وأن تشمل أشعاره كلَّ حروف الضاد وما يلحقها من الفتح والضم والكسر والسكون، فقد كان لكل حرف بإستثناء الألف ـ أربعة فصول: فللباء المضمومة فصل، وللمفتوحة فصل، وللمسكورة فصل آخر، وكذلك للباء الساكنة وهكذا. وفي هذا دلالة على مقدرة لغوية وعروضية وفلسفية لاتخفى على أحد، وأكثر لزومياته متين اللفظ، فخم الأسلوب يعجّ بالمصطلحات العروضيّة، والصرفية، والفقهيّة، والطبيّة، والفلسفية، ويحوي من الأمثال السائرة، والحكم الماهرة، وما يستلزم كتاباً لإحصائها وتبيانها.»
 [107]

المعري، أبوالعلاء: ديوان اللزوميات، المقدمة، شرح وحيد كبابة وحسين حمد، 1992م، ص 10.

«لعلّ ديوان «لزوم ما لایلزم» الوحيد، بين دواوين العرب القدماء الذي ينطلق من حياة الإنسان وشؤون المجتمع، وإن من زاوية خاصة طغى عليها روح الزهد والتشاؤم. فأبوالعلاء، خلافاً لمن سبقه وعاصروه ولحقه من زملائه القدماء، لم ينطلق في شعره من قصور الحكام وميادين المحاربين، بل من أوساط الشعب المغلوب على أمره والرازح تحت وطأة الفقر والظلم والإبتزاز.»
 [108]

وبعد ما قرأت ديوانه اللزوميات عدّة مرات وتأملت في آرائه وأفكاره وجدت أن أبوالعلاء قد تحدث عن العقل والحياة ومايواجهها الإنسان في حياته ومجتمعه من السراء والضراء والشدة والرخاء والتشاؤم السائد على حياته فيتضح لنا أن سير الحياة على غير ما يرضاه هوالذي أدى إلى زهده.

وأما الغرض من هذه الرسالة هوالكشف عن معالم الزهد في شعر 
أبي العلاء وبرأيي هذه المعالم بينها الشاعر في آرائه التي برزت في إتجاهين هما المجتمع وفساده والحياة والموت ففي الشق المقبل من هذا الفصل بينت ملخصاً من تلك المعالم ديوانه اللزوميات الذي يتضمن آلاف الأبيات في الزهد والتنفير من الحياة الدنيا.

مفاسد المجتمع العباسي في شعر أبي العلاء

أهم مفاسد التي كان یراها أبوالعلاء نستطيع أن نقسمها إلی ثلاثة مواضيع وهی: الموضوع الأول الفساد السياسي والثاني حب المال والثالث ضعف الدين .

أما آراؤه السياسية فنابعة من فساد المجتمع الذي كان يعيش فيه وهويحارب السلطة إنها في نظره فاسده لكون المكر والرشوة والفحش هوالطريق إليها، ولكون الحكام جماعة فوضى ورذيلة، يتبعون هواهم ويسومون الرعية ظلماً وينعمون بمالها وثمرة أتعابها.
وقد أدت الأوضاع القائمة إلى تحرر في الدين وميل إلى الظلم والتعسف ممّا كان له أكبر الأثر في نغمة أبي العلاء المعري على الساسة والحكام وفي ذلك ترك المعري آراء سياسية فيه الكثير من الجرأة، فهوينكر الملك ووراثته في عهد يسيطر فيه النظام الملكي الاستبدادي.

نماذج من الفساد السياسي في شعره:

فهويرى أن الملوك ما هم إلا خدم وضعوا لإصلاح شؤون الناس:

إذا ما تبـيّنا الأمـــور تكشفــت لنــــا
وأمــير الـقــوم لــلقـــوم خادمُ

وواقع الحال أن الحكام لا همَّ لهم سوى الجاه والمال وفرض الضرائب.
فانظر اليه يصف سياسة سلاطين العصر:

يكفيك حزناً ذهاب الصالحين معــاً
ونحـنُ بعدهم في الأرض قطّان
 
إنّ العراق وإنّ الشــــام مـــد زمنٍ
صفــران، ما بهمــا للملك سلطان
 
ساس الأنـــــــام شياطين مسلطــــةٌ
فــي كلّ مصرٍ من الوالين شيطان
 
من ليس يحفل خمص الناس كلهـم
إن بات يشرب خمراً وهومبطانُ
 
أمّا كلابٌ فأعـيـا مـــــن يغالبهـــــم
كأنّ أرماحهم في الحـرب شيطان

 [109]

ويعتقد أن الساسة في عصره يصرّفون أمور الدولة والرعية بغير عقل وتفكير:

يسوسون الأمور بغير عقلٍ
وينفذ أمـــــرهم فيقــــال ساســــة
فأفِّ من الحياة وأفّ مــني
ومـــــن زمــــنٍ رياســته خساسـة

 [110]

ويدعوهم إلى استخدام العقل في ادارة البلاد وسياستها، قائلاً لهم:

وإذا الرئاسة لم تصن سياسة ٍ
عقلية ٍ، خطيء الصواب السائس

 [111]

ويزداد بغي الحكام حتى نراه يغضب ويصرخ.

ملّ المقام فكم أعـــاشــــر أمــــــةً
أمرت بغير صلاحها أمراؤها
ظلموا الرعية واستجازوا كـيدها
فعدومصالحها وهم أجراؤها

 [112]

حب المال
وأما الآفة الإجتماعية الثانية التي نراها واضحة في ديوانه هي آفة حب المال والحرص عليه فالمال إحدى زينة الدنیا ویؤكد هذا قوله تعالی: «المالُ والبنون زينة الحياة الدنيا».
 [113]

والإسلام «يكره أن يسيطرالمال علی قلب الانسان وهواه فيتخذه هدفاً وغاية، والاسلام يريده وسيلة إلی سعادة الدنيا والآخرة. ويری فيه خير مطيه للمؤمن لوأخذه بحقه ووضعه في حقّه. فالمؤمن يلتمس المال من وجوهه المشروعة، ويتحرّی فيه الحلال، ويطلبه بنفس عزيزه قانعة، ثم يرعی حق ا... فيه فلاينفقه في باطل، ولايمنعه من حق، حينئذ يصبح سعيه عبادة، وماله نعمة، ويكون جدير بسعادة الدارين».
 [114]

ونماذج من حب المال فی شعره:

یكثر حب المال في عصره ومن طبيعة الزاهد في الدنيا كره المال فأبوالعلاء ذمّ جمع المال كثيراً لأنّه يذكر الموت وبما يحدث بعد الموت من انتقال كل ما جمعه الانسان إلی غيره:

وكــم جــمــع النــــفائس ربّ مــــالٍ
فــلمّا جــدّ مــرتــحلاً ذراها

 [115]

فهذه الآفة الاجتماعية في عصر المعرّي أدّت الی ظلم اجتماعي كبير وهوسوء توزيع الثروات والأموال، فالأموال ليست موزعه توزيعاً عادلاً والحصول عليها عسير فهناك أناس يتضورون جوعاً بينما جيرانهم يشكون ألم البطنة ومن الناس من ينال فوق حاجته بأدنی سعي وأيسر جهد ومنهم من لاينال حاجته إلاّ بالكدّ والتعب أولاينالهم لها أبداً. فهويشارك الناس في حل هذه المشكلة الاجتماعية فيفرض الحلول لتلك الأزمات الخطيرة التي تهدّد كيان المجتمع وروح الدين القويم. فاذا كان هناك مثل هذا الظلم الأجتماعي فالواجب تأدية الزكاة ولوأنّ الناس أخرجوا أموالهم لما كان هناك محروم ولما حدث هذا التفاوت الاجتماعي الكبير في الطبقات .

ياقوت مــا أنت ياقـوت ولا ذهب
فــكيف تعجزأ قـواماً مساكينا
وأحسب الناسً لوأعطوا زكاتهم
لما رأيت بني الأعدام شاكينا

 [116]
وأبوالعلاء يری الحرص هوالذي يدعوا إلی طلب المال وطلب الدنيا.

نهاهم عن طلاب المال زهدٌ
ونادی الحرصُ ويبكم اطـلبوه
فألقــاها إلــی أســمــاع غُـثرٍ
إذا عــرفـــوا الــطّريــق تنكّبوه
سعوا بين اقترابٍ واغترابٍ
يــمــوت بــغــصــّةٍ مــتغرّبوه
غــدوا قــوتاً لــمثلهم تـساوی
خــبيــثوه لـــديــه وطــيّــبــوه

 [117]

وأكّد علی خطر آفة الحرص وحب المال، علی الأخلاق، فحيث توجد هذه الآفة تنتشر الشرور الخلقية .

المال يسكت عن حقٍ، وينطق في
بطلٍ، وتجمع إكراماً له الشيع

 [118].

وإقتران الطمع والحرص بالذلة والخضوع من المعاني التي ألحّ أبوالعلاء عليها في مجابهته لآفة حب المال لما شهده عصره من كثرة الجشعين الذين أراقوا ماء وجوههم علی عتبات الملوك والأغنياء ولا سيما الشعراء المتكسبون بشعرهم.

فلسُّ ما اخترت إنّ اروح من
يــسار قــارون عــفــةٌ وفــلس

 [119]

وهويحّث علی طلب رزق الحلال:

كلوا طيّباً فالطيب فيما طعمتم
يبين علی أفواهكم خالص الشكر

 [120]

وهويذكر بأن الرزق مقسوم، قسمه ا... وقدره، وعلی ذلك فالكدّ والعنا لايفيد شيئاً، والحرص لايزيد رزقاً:
يسليك أنّ القابض الرزق باسطٌ
وأنّ الــذي شــادَ البـنيّــة هــادم
 [121]

ويخاطب الذين يظنون أنهم سبب في رزق المخلوقات بأنهم مخطئون لأنّ الرزاق هوا...

وقد منّوا بــرزق ا.. جــهـــلاً
كــأنّـهم لــــبـــاغٍ ســبّـــبـــــوه

 [122]

والمالك الحقيقي هوا... والإنسان عبد لا يملك شيئاً وقد صوّر المعرّي هذه الصورة في قوله:

فــقـــيرٌ كــلّ مـــن فــي الأر
ضِ إنّ الــعبــد لا يــمــلـــــك

 [123]

وإذا كان الأمر كذلك فإن من يجهد نفسه وينازع غيره سعياً وراء التملك والغنی غافل وسفيه، لأنّه يخدع نفسه فكل ما في يده عارية لابدّ أن يردّها:

تنازع فــي الــدنيا سواك وماله
ولا لك شـيءٌ بــالـحقـيقة فــيـها
ولــكــنــها مــلك لــربّ مــقــدّر
يعـير جـنوب الأرض مرتدٌ فيها
ولم تحظ في ذاك النزاع بـطائلٍ
من الأمر إلاّ أن تعدّ ســفــيــهــا

 [124]

ونراه يذم البخل ويحارب هذه، الخصلة السيئة التي إزدادت بين أبناء عصره لإن المال الذي يهتم صاحبه بجمعه طوال عمره ولن يستفيد منه ما الفائدة فيه:

قرّ البخيل فأمسي من تحفظه يـلقي عـلی الـجسم ديناراً فدينارا
يشكوالشتاء فيرجوأن يدفّئه
أوقد صلاءَك ليس المسجد النارا

 [125]

ضعف الدين

أصيب الكثيرون من أبناء العصر بحب الدنيا حباً ألهاهم عن الآخرة، وقادهم إلی الحياة ٍ تنعدم فيها روح الدين وينتشر فيها التكالب علی الثروة والجاه. وكان أثر ذلك وبيلا علی الدين والإستخاف بشعائره، وعلی الأخلاق التي أصابها الكثير من الفساد .
نماذج من آفة ضعف الدين في شعره:

فهويری الدين قد أصابه الضعف حتی إضمحلّ يوماً بعد يوم.

أخلت عمود الدين في الإرض ثابتاً
وفي كل يومٍ يضمحلّ علی مهل

 [126]

وها هوقد انتهی في اضمحلاله إلی أن أهملت شعائره.

قد أصبــح الدين مضمحلاً وغيّرت آيـة الـدهــور
فـــلا زكــاةٌ ولا صــيــامٌ ولا صلاةٌ ولا طهور
واعتاض جلّ النكاح قومٌ بنســوةٍ مـالهـا مـهــور

 [127]

والدين هوطهارة قلب وعفة ُ نفس:

والدين نصحُ الجيوب مقترناً مدی الليالي بعفّة الحُجَز

 [128]

وأخذ المعري يكافح هذه الآفة باتجاه ديني يقوم علی التذكير بالله الذي يری ويسمع ويحاسب علی الصغير والكبير والتذكير بوعده ووعيده وعقابه والرجاء لثوابه وعلی التذكير بالموت والقبر والحساب والجنة والنار تنبيها للغافلين وزجراً للاهين وحثا لهم علی التزود بالعمل الصالح استعداداً للموت وما بعده:

اذكر إلهــك إن هببـت من الكري
وإذا اهممت لهجعةٍ ورقاد
احذر مجيئك في الحساب بزائفٍ
فــالله ربّــك أنــقــدُ النــقــادِ

 [129]

وهويدعوإلی الاستكثار من العبادة ويقول:

اركع لربك في نهارك واسجد ِ
ومــتی أطــقت تهجّداً فتهجّد
ولتحل عرسك بالتقـي فنظامه
أسنی لها من لؤلؤ وزبـرجدِ

 [130]

ويقول أيضاً:

ادأب لـربك لا يـلومك عـاقــلٌ
في سجن هذي النفس أوإدآبها

 [131]

ويدعوإلی التزود من التقوی، في مثل قوله:

تقواك زادٌ فاعتقد أنّه
أفضلُ ما أودعـته في السّــقـاء

 [132]

وايضاً يقول:

عليك بتقوي ا... في كل مشهدٍ
فللًّةِ ما أذكی نسيماً وما أبقي
أذا ما ركبت الحزم مستبطئاً له
سبقت به من لا تظنُّ له سبقا

 [133]

واستغفار دائم من الذنوب يراه المؤمن أجدر به من أن يشغل لسانه بلغوا الكلام:

وشـغــل فــمٍ يستغـفـر ذنـبـه
أحقُّ به من ذكر زينب أوجمل

 [134]

وتجنّب ما يقبح ويريب اتقاءً للهی، وشكراً لنعمة:

طاعمٌ أنت وارد عذب مــاءٍ
مـعـرس بـالفــتــاة حاذٍ كـاسي

المصدر نفسه، ج 2، ص 657]]
لأنّ الخمر يذهب بالعقل:

إنّ كــؤوس الــمــدام تــشبــهـما
السيوفٌ، والموت في مـــضاربها
شــمـوسـها شمس باطلٍ شـرقت
فــلا يــكــن فــوك مـــــن مغاربها
ونـمـلها إن تــدبّ فــي جــســدٍ
أضــرًّ لـلـنــفس مــن عــقـاربـهــا
وكـلّ ما أذهـب الـعـقـول وإن
خــــــــالفها، فــــــهومن أقاربـهـا
جــرّبهـا عـالــمٌ بــشـيــمـتــهـــا
ويـــــــــذهب اللــــبّ في تجاربها
وقد تقضـّي الحـيـاة راضــيــة ً
بــــــدون مـــــــا نـيل من مآربـهـا
إن شربت راحها زنت وجنت
فــــــليتّق ا... فــــــي مـشـاربـهــا

 [135]

الحياة والموت في شعر أبي العلاء المعري

سنرى أن قوام نظرة أبي العلاء إلى الدنيا ما رآه من زوال هذه الدنيا وشرورها. أما نظرته إلي الموت فتقوم على الرهبة والراحة. وسنراه بعد ذلك يخلوا إلى نفسه خائفاً، يائساً، يحث على التقوى والزهد في الدنيا والعمل للآخرة.

أبوالعلاء والدنيا:

ما عرف عن أبوالعلاء يتجه إلى العقل كثيراً ويعتبره أسمى ما وهب إلى الانسان فهويتجه إلى العقل والعقل يهديه إلى تفاهة الدنيا لأنها زائلة. في حين أن فطرة الإنسان تحب الخلود فروح أبوالعلاء تجد الحياة الدنيا ليس إلا فترة إنتظارٍ مؤلم إلى أن يأتي الموت وينقلها إلى حياةٍ خالدة. فبرأي الزوال هوأول عيبٍ يراه في 
الدنيا .

1- الزوال: وأبوالعلاء يذكر رأيه ويعيده مراراً وتكراراً، فاذا الصورة تكبر أوتصغر، وتتسع أوتضيق ولكنها لاتخرج عن الأصل الذي رسمه لها، قال:

بالـقضـاء الـبـلــيغ كـنا فعـــشـنـا
ثم زلنا وكـلّ خــلقٍ يــزولُ
نحــن في هذه البسيطة أضيــاف ٌ
لنــا في ذرى المليك نزولُ
والأمـيــران ذاهــبــان مــولــىً
مستـجّدٌ، وراحــلٌ مـهـزول
بلى الحبلُ والغزالة ُ فوق الأرض ِ لـــم يبل خيطهــا المغـزول

 [136]

وحقيقة الفناء هذه تنفر أبي العلاء دنياه وتجعله إنساناً متشائماً ويائساً:

أتذهب دارٌ بـــــالنصاء، وربــها يخلفـــــها عمّا قليلٍ ويذهب ُ
أرى قبساً في الجسم يطفئه الردى وما دمت حيّاً فهوذا يتلهّب

 [137]

وإسمعه يكرر هذا المعنى بشكل آخر:

وتـقــــدم الأرض نـفــــوسٌ أتـت مخــلوقــةً مـن أنفس ٍتاويـه
والدهر كالحيّوتِ والحــوت فـي إهلاكـه مــا حـوت الحـاوية
إن تعمــــــر الـدارُ فــــلابــدَّ مـن يوم ردىً يــتركهــا خـاوية

 [138]

وذكر أحد الدارسين حياة أبي العلاء المعري أن مصدر تشاؤمه يعود إلى اضطراب الحياة الاجتماعية في عصره وإلى شعوره بالنقص أيضاً ممّا أثّر فيه أشد تأثير فنراه يسمي نفسه برهين المحبسين ويعتكف في منزله. ويروح يسلك في حياته سلوك المتصوفين الذين يرضوه بالعيش القليل فيقول:

الحمد لله قد اصبحت في دعـةٍ
أرضى الــقـلــيل ولاأهـتمُّ بالقـوتِ
وشاهدٌ خالقي أنَّ الصلاة لـــه
أجَـــلُّ عندي مـــــن درّي وياقـوتي
ولاأعاشر أهل العصر، إنّهم
إن عوشروا بين محبوبٍ وممقوتِ

 [139]

ولم يؤثر فيه التشاؤم في حياته الشخصية وسلوكه اليومي في الإعتكاف والتقشف فقط، بل إنها اعتملت في نفسه وتفجرت شعراً ونثراً.

وأي حياة تلك الحياة؟:
أخــوسـفــــرٍ قصده لحـــــده
تــمـادى به الســيرُ حــتى بـــلــــغ
ودنــياك مـثل الإناء الخبيث
وصــاحــبهـــا مــثــل كـلبٍ ولغ

 [140]

فالبشر في هذا العالم ضيوف، وما الطعام الذي تقدمه لهم الدنيا إلاّ الموت فهم في هذه الحياة لاهون بالمقبّلات وهذا المعنى العميق يصوره لنا قوله:

إنا ضيوف زمانٍ ما قراه لنا
إلاّ المنايا، ونحن الآن في اللهن

 [141]

وبرأيه مثل هذه الدار الفانية لاتصلح دار إقامة حيث لاأمان لمقيم فيها:

لعمرك ما الدنيا بدار إقامة
وكالحيُّ في حالِ السلامة آمـن

 [142]

2- شرورها:
عاش أبوالعلاء قرابة أربعين عاماً قبل عزلته بين الناس وجرّب الحياة وتأمل فيها فوجدها ليس إلاّ دار شرور:

وهل تــظفر الــدنــيا عــليَّ بمنةٍ
ومـا سـاء فيهـا الـنـفس أصـناف مـا سرّا
يلاقي حليفُ العيش ما هوكـارهٌ
وإن لـم يـكــن إلاّ الـهـــواجــرَ والقـــرّا
نوائبُ منها عمّت الكهل والفتى
وشيخ الورى، والطفل، والعبدَ والحُرّا

 [143]

نظر أبوالعلاء إلى الدنيا بمنظار أسود، فقد إستنزل أشد سخطه وغضبه عليها ولهج في لزومياته بذمها واحتقارها وكان في كثير من الأحيان يدعوها بأم دَفِر، وهي كنيه قديمه لها (والدَفِر: النتِن، فهي كنيه قبيحة تعرب عن احتقار واضح، وأم دَفِر: الداهيه وقيل: سميت أم دَفر لما فيها عن الآفات والدواهي وقد أوسعها سبّاً وشتماً وذمّاً ولوماً، وعرض ذمها بصور مختلفة. وحض على اجتنابها وزهد فيها، وشغل حيزاً كبيراً من شعره فيها)
 [144]

أخوك معذّبٌ يــــــا أمُّ دَفــرٍ
أطـــلتــه الـــخــطوب وأرهقته
ومازالت معاناة الـــرزايـا
عــــــلى الانســان حتى أرهقته

 [145]

وقوله:

يا أمُّ دفر لورحلت عن الــورى
كسروا، ولومن آلِ ضبةٌ كوزا
إني ذممتك فاشهري أوأشرعي
لاأرهب المعمود والمـركــوزا

 [146]

وقوله:

أرى كلَّ أم عُبرها غير مبــطيءٍ
وما أم دفرٍ بالتي بأن عـبرها

 [147]

ونراه كثيراً ما ينبه الانسان بغدر الدنيا:

وجدتك فـــي رقـــدةٍ فــانــتـبه
أحــذرك مـــن هـــذه الخاتــلـة
أتاهـــا بـــنـــوها عــلى غِــرّةٍ
وما عــلـمـوا أنّـهــا قــاتـلـــة

 [148]

وهذا الغدر إنما يتجلى لأبي العلاء أكثر ما يتجلى، في الموت. إصغ إليه ينشد:

غنتــك دنــياك الــخلوب
وحــبّهـــا في الـــكــفّ عــــود
أمــا إســاءتــهــــــا فـــقد
كانـــت وحــسنــاهـــا وعـــود
والمرء يهــبط هاويــــــاً
والعيش مـــن كلفٍ صـــــعود
والشخص مثل اليوم يمـ
ضـي فــي الـزمان ولايعـود

 [149]

وإسمعه يقول:

ولـم تـفتـــأ الدنــيا تغــرُّ خلــيلها،
وتبدله من غمض أجفانه سهـدا
تريه الدجى في هيأة النور خدعةً
وتطــمعـــه صـاباً فــيحسبه شهـــدا
وقد حملته فوق نعشٍ، وطالمـا
سرى فوق عنسٍ، أوعلا فرساً نهدا
كأنَّ ابن حوّاء الدفيـن ابن وقتـــه
أجـــــــادت لــه في حجر كافلةٍ مهـدا
وقد صيّرت مثواه لحــد قــرارةٍ
وصحّتـــه سقمــاً ورغبته زهـــــدا
ولم تتّرك مــــن حيلةٍ لتغـــــرّه
ولم يبق في إخلاصــــه حبّها جـهدا

 [150]

وانه ليعجب كيف يغتر بها الناس رغم كل ما يراه على خداعها:

لقد غرّت الدنيا بنيها بمذقهــــا
وإن سمحوا من ودّها بصـــريح
أليلى، وكلّ أصبح ابن ملـوّح،
ولبنى وما فينا سوى ابن ذريح
وفي كلّ حينٍ يؤنس القوم آيـةٌ
بشخصٍ قتيلٍ أوبشخص جريح
ولم يطّرحك المرءُ عنه لعبرةٍ
يراها بمرفوتِ العظام طــــريح
وليس لنا في مدّة العيش راحة ٌ
فكيف بموتٍ من أذاك مريــــح

 [151]

فالدنيا خسيسة تافهة، والناس ما هم إلاّ أخسّاء وكم في هذه الدنيا من أنواع العظات ولكن الناس لايرون ولايسمعون:

خَسستِ يا أمنا الدنـيا فــأفّ لــنــا
بنوالخســيسة أوبــاشٌ أخـساءُ
وقد نطقت بأصناف العظات لنا
وأنتِ فيما يظنّ القوم خرساء

 [152]

أبوالعلاء والموت:

رأينا أبوالعلاء كثيراً ما يزعجه أن تنتهي الحياة بالموت. إنه إذ تختم به الحياة فيمحوكل ما سبق من سعادة لمثل المقر المر الذي يتناوله الانسان بعد عسل النحل فلايبقي له إلا المرارة.
 [153]

أرى مقراً في آخر العيش كائنا
نسيت له ما أطعمتك الجوارس

 [154]

فاذا هوخائف مذعور، يطارده شبح الموت في كل حين، ويتمثل له وجهه في كل شي يحيط به، ويطالعه إنى إتجه. وهذا صوت الموت الذي يملأ أذنه يصبح حائلاً بينه وبين جمال الحياة:

وأراك يا سمع الحمام فلم تبن
سجع الحمام بأسجل وأراك

 [155]

فلا عجب أن يحفل ديوانه اللزوميات، بذكر الموت، وتصوير اهواله وآفاته. واذا استوصينا شعره في ذلك وجدناه قائماً على نظرتان رئيسيتان:

1- رهبة الموت: ابوالعلاء يخشي الموت ويفرق لذكره، ولايزال يذكر الناس بأهواله وآلامه، ليرهبهم به. فلن نستغرب إذا سمعناه يكرر المعاني ويعيدها ولن نستغرب ان يحثهم على الإنتباه من غفلتهم، وان في جزعه من الموت وخوفه منه، بعض التأويل المعقول لنقمته على الدنيا وتشاؤمه:

كأنّما العالم ضــأنٌ غــــــدت
للرّعي، والموت أبوجـعده
فهادجٌ حامـــــلٌ عكـــــــازه
وفـــارسٌ معتقلٌ صعــــدة
وآخر ٌ يــــــدرك مــــن تلبه
ويترك الدنيا لمــــن بعـــده
عيشٌ كما تعهدُ لامخلـــــفٌ
وعيده بــــل مخلــفٌ وعـدة
هل يأمن البر جيسُ في عزه
من قــدر يعدمـــه سعــــــده
كأنما النجم لخــوف الـــرّدى
تأخذه من فـــرقٍ رعـــــــده
كم لابنٍ في الأرض لـم يذكّر
لبناه، مـذبان، ولا دعـــــدة
أحاذر السيل، ومن لي بمـن
جــــاةٍ اذا أسمعنـــــي رعدة
والوقت لايفتا فـي مــــــرّه
مقربــــاً من أجـــــل بعــــدة
فراقب الخالق بالــغيب فــي
القيمة والنيمـــــة والقعــده

 [156]

فتراه لرهبته من الموت يشبهه بالحيوانات المفترسه والطيور الجارحة:

كأنما العالم ضأنٌ غــــــدت
للرّعي، والموت ابوجعدة

 [157]

ويقول:

أوكالمغـــــير مـــــن العــا
سلـــات يطـــــرق زربـــــه

 [158]

ويقول:

يكـــــر فـــــي الناس كالأجـ
دل المـــــعاود ســـــــربــة

 [159]

وهويصف كرهه إلى الموت بهذه الصورة المهيبة:

وطريقي إلى الحمام كــريــهٌ
لم تــهبْ عــندَ هــوله اليَـهَماءُ
ولوأنَّ البيداء صارمُ حربٍ
وهي من كل جانبٍ صرماءُ

 [160]

فهويبيّن خوفه من الموت في الابيات الآتيه وثم يلوذ بربه ويرجوالنجاة منه:

مستطارٌ أنا من خوف الردي
كل شيءٍ في كتابٍ مستطر
غفــــر ا... لعبدٍ غــــافــــــلٍ
هوفــي أعظم جهلٍ وخطر

 [161]

ويرى جمال الحياة في الخلود وعدم الشيب:

أحسن بدنيا القوم لوكان الفتى
لا يقتضى وأديمه لايحلم

 [162]

وأما الموت قدر الإنسان ولن ينجومنه أبداً فلابد أن نعتبر منه:

هوالموت من ينجومن رامحٍ
فلابدّ من أسهم النابـل
لنا أسوةٌ في رجالٍ مضــــــوا
وهل أنا إلا أخوالآبل

 [163]

2- الراحة: رأينا رأي المعري في الدنيا فهولايرى فيها خير وانما هي شرٌ مستطير وبالرغم من أنه كان يهاب الموت فقد أحبه لأنه كره الدنيا فنجد في الأبيات التالية يتنازع مع الموت وحب البقاء:

تودّ البقاء النفس ُ من هيبة الردى
وطول بقاء المرء سمٌ مجــربُ
على الموتِ يجتازُ المعاشر كلّهم
مقيمٌ بــــأهليه ومـــــن يتغرّب

 [164]

فوجد الحياة عذاب والموت الراحة الأبدية:

حياتي تعذيب وموتي راحة
وكل ابن انثي في التراب سجين

 [165]

وأفضل من طول العمر والغنى في هذه الدنيا الموت لأنه راحة من مصائب الدنيا وشقائها.

موت يسير معــــه رحمــــة
خيرٌ من اليسر وطول البقاء
وقد بلونــــا العيش اطواره
فمــــا وجدنا فيه غير الـشقاء
تقدّم الناس فيـــــا شوقنــــا
إلى اتباع الأهل والأصدقاء

 [166]

فالموت يغني والحياة تفقر:

أمّا الحياة ففقرٌ لاغنى معه
والموت يغني فسبحان الذي قدرا

 [167]

فأبوالعلاء يقارن بين الموت والحياة فيجد الموت أكثر رحمة لنا فهويغلق كل بابٍ للشر تفتحه الدنيا وهوأعدل ما يمر على الناس اذ يغني والدنيا تفقر.

ما أعدل الموت من أتٍ وأستره
فهيجيني فأني غيــــر مهتـــاج
العيش أفقر منا كــــل ذات غنى
والموت أغنى بحقٍ كلّ محتاج
أذا حياةُ علينا للأذى فـــتحـــــت
باباً مـــــن الشــر، لاقاه بإرتاج

 [168]

فسبحان ا... الذي ساوى بالموت بين أفراد البشر: الغنى والفقير الساعي والمقيم

عز ّالــــذي بالموت ردّ غنينا
كفقيــــرنا ومقيمنــــا كالراحل

 [169]

وعنده الملك والصعلوك يتساويان فمصيرهما واحدٌ في حفرةٍ ترابية:

يساوي مليك الحي صعلوك قومه
وتسحى له الأرض الزرود فتلهم

 [170]

ولا يميز بين ظالم ومظلوم، فهويأتي على الجميعِ:

ورأيت الحمام يأتي على العا
لـــــم مـــــــن قاهـــرٍ ومن مقهور

والموت يعمّ الدنيا، كما لوأنه غيم يتلوغيماً:

وجدت الموت ينتظم البرايا
بسحــبٍ منــه فـي أعقــــاب سحبِ

 [171]

ويصف الموت بأنه لايترك كائن حي. فلا يترك بهيمه ولانبته ولايترك حتى كواكب السماء.

لاذات يســـربٍ يُعرّي الـ
رّدى، ولاذات سُــــربـــــهْ
ومــــــا أظـــــــن ُّ المنايا
تخطوكــــــواكب جربــــه
ستأخذ السر والغـــــــــفـ
رَوا السّمــــــــاك وتربـــهْ
فتّشن عن كــــــــل ّ نفس ٍ
شـــــــرقَ الفضاء وغربهْ
وزرن عـــــــن غيــر برّ
عجــــم الأنـــــام وعـــربه

 [172]

فهويهلك الأفاعي العظيمة، أوالعصافير الحقيرة، كما يهلك الأسود الضاريه من الحيوان، يريد أن لاناج من الموت، عظم أم حَقُرَ.

قضاءُ ا... يبتعث المنايــــا،
فيهلكن الأساود والأسودا
 
فعيشا مفضلين أواستميحا،
وسودا معشراً أولا سودا

 [173]

فرأيت كيف يجد أبوالعلاء العدل والمساواة بين جميع أفراد البشر بل بين جميع الكائنات في الأبيات السابقة. فهوكان يبحث حول العدل والمساواة في حياته والكنه رآها في الممات.

فلاعجب إن وجدناه يرحب بالموت وينتظره. وحينما طال به البقاء خاطب نفسه مطمئناً لها أن الموت الذي تنتظره لابد آت ولوطالت الحياة .

يا مرحبا بالموت مـــن منتظر
إن كـــــان ثـــــم تعـــارف وتلاق

 [174]

ويقول:

نفسي أخاطب والدنيا لها غبر
وفي الحمام إذا طال الأذى درك

 [175]

ويقول:

متى أنا للدار المريحة ظاعــن
فقــــد طــــال في دار العناء مقام
وقد ذقتها ما بين شهد وعلقم
وجربتــــها فــــي صحة وسقام

 [176]

فيطلب عن ا... سبحانه وتعالى التعجيل في الموت لأنه يرى نفسه في النحس مذ ولد:

رب متى أرحل عن هذه الد
نيا فـــــــأني قد أطلت المقام
لم أدر ما نجمــي ولكنـــــه
في النحس مذجري واستقام

 [177]

فآثر أبوالعلاء الموت على الدنيا لشدة ما رآه من آلامها .

أبوالعلاء والآخرة

طفنا مع أبي العلاء في دنياه يائساً متشائماً مذعوراً، يخيفه الموت. ثم شاهدناه وقد تخلى عن دنياه وآثر الموت واتجه بذهنه إلى ربه يسأله حسن العقبى في الآخرة. فاذا سمعته يندد بالموت، ويذكر شرور الحياة، ويحث على التزود للآخرة، فاعلم أنه يعتصم بالآخرة خوفاً من الموت:

يهاب الناس ايجاف المنايا
وهل حاد القضاء عن الهيوب

 [178]

ويقول أيضاً:

سيلقى كلّ من حذر المنايا،
ثــقــلـيك مــــن درعٍ وتــرسٍ
لنا ربُّ، وليس له نظيـــر ٌ
يسيّر أمـــرهُ جبـــلاً ويرسي

 [179]

وهويخاطب الانسان أن دنياك هذه مليئةٌ بالشرور فابحث عن غيرها.

أيا سارحاً في الجود دنياك معدنٌ
يفورُ بشرٍ، فابغ في غيرها وكرا

 [180]

ويعتبرأبوالعلاء الدنيا جسرٌ للعبور إلى الآخرة والدنيا هذه زائلة والموت يفتك بالإنسان.

ودارا ساكنٍ وحياةُ قـــــــومٍ
كجســــرٍ فوقه إتصل العبور
يعطّل منزل ويـــزارُ قبــــرٌ،
وما تبقى الديارُ ولا القبورُ
حمامٌ فاتكٌ فـهـل انتــصــــار؟
وكســـرٌ دائمٌ فمتى الجـبـور

 [181]

ويبين شوقه إلى الدار الآخرة ليرتاح من دنيا العذاب:

يا رب اخـرجني إلى دار الرضى
عجـــــلاً، فهـــــذا عالمٌ منكـوس
ظلّوا كدائرة ٍ يحــــــوّلُ بعضهـــا
من بعضها، فجميعهـــا معكوس

 [182]

وهويذكر عفوا... سبحانه وتعالى اذ عذاب يوم الحساب عظيم ويذكر خوفه منه.

عاقبــــة الميــــت محمـــــــودة ٌ
إذا كفـــــــى ا... أليــــمَ العقــــــاب
ليــــس عــــــذابُ ا... من خانه
كالقطع للأيدي وضرب الرّقــاب
لكنّـــــــه متصــــــلٌ فاحـــتقب
ما شئت لايوضع كوضع الحقاب
ونـــــاره لا تشبـــــه النار في
إفنائها ما أطعمـــت مــــن ثقـــاب
كم عملٍ أهملـــــه عـامــــــــلٌ
يحفظـــه خالقنـــــــا بـــارتقــــابْ
وإن ما غودر فــــي مـدّتـــي
كقاب قــــوسٍ مــدّ اوبعض قـاب
ليتـي هبـــاءٌ في قنــــائي لأيّ
أوقطرةٌ بيـــن جنــــاحي عـقــاب
أوكنــــــت كــدريّـاً أخا قفرة
مشرَجُــــهُ مــــــن آجنات الـوقاب

 [183]

ورأيت كيف بيّن خوفه في الأبيات الأخيرة وهومرتهبٌ يبحث عن مفرٍ من عذاب ا... وهويتمنى لويكون شيئاً تافهاً كغبارٍ في ماء يشربه ثور، أوقطرة ماء بين جناحي نسر أوطيراً يعيش في الصحراء ويشرب الماء الآس من الصخر وهذا وإن دل على شي ء فيدل على شدة الخوف من عذاب ا... إذ يدنوالأجل.

واذا كان الموت قد ألقى في قلبه الرعب وزهّده في الحياة فانه لم ينسه الآخرة ولم يزهده فيها. بل إنه ليخاف الآخرة كما يخاف الموت وسيأتي يوم الحشر والحساب:

ولا تأمنـنْ أن يحـشر اليومَ ربّـــه
له بـصـرٌ مـن قــدرةٍ ولــه سـمع
فيخبر بالتقصيــــر عنك مؤنّبــــاً،
وتسكبَ دمعاً حيث لاينفع الدمع
هنالك لاترجوصريخاً مزعــزعاً
صدور عوالٍ فوقها للردى لمـــع

 [184]

وليتزود من أجل الآخرة كي لايخسرها فعزة المرء وشرفه في ما يدّخره لآخرته:

خاب الذي سار عن دنياه مرتحــــــلاً
وليس في كفّه من ديــنها طـرفُ
لاخير للمــرء إلا خيـــــــرُ الآخــــــرة
يبقي عليه، فذاك العزّ والشرف
نرجوالسلامة في العقبى وما حسنت
أعمالنا، فيرجى الفوزُ والغرفُ

 [185]

ونراه كثيراً ما يحظ على تقوى ... وفعل الخير وإقامة الفروض الدينية وكسب الرزق بالعمل ومنع النفس من أهوائها. قبل أن يأتي الموت.

فــــــــاتّق ا... وحـــــــده
وتحمّل لــــه الكلـف
وافعل الخيرَ، والحديث
كثيرٌ قــــد اختلــــف
لاتقومـــــنّ في المساجد
ترجـــوبهــا الزُّلـف
معمــلاً بســـــط راحتيك
إلـــــى نائلٍ يلــــــف
ورُم الرزق في البــــلاد
فإن رمتـــه ازدَلــف
واظلفِ النفس فالطريد
سريـــعٌ إلى الظّلــف
وتلـــافَ الذي مضـــى
قبلَ أن ينزل التلـف

 [186]

ولا خلاص من عذاب الحياة سوى الاعتصام بحبل ا... والتقوى:

تفكروا بالله واستيقضـوا
فإنها داهية ضئبــلُ

 [187]

والتقوى هوأعظم ربحٍ يراه:

أعدُّ أسنى الربح فعل التقى
فلاأكن ربّ من الخاسرين

 [188]

الخاتمه:

أما أهم النتائج التي توصلت إليها فهي:

  1. اثرت العوامل النفسية والإجتماعية والسياسية في أدب المعري وأفكاره وزهده.
  2. هدف المعري من نظم اللزوميات الوعظ والإرشاد فتضمن هذا الديوان بآرائه حول العصر والحياة وبيّن لنا أفكاره في الزهد باتجاهين الأول المجتمع وفساده والثاني الحياة والموت.
  3. فأبوالعلاء كان يحب الناس ويتمنى لهم السعادة ولكنه فوجئ بإنهما كهم في الشرور والمفاسد. ففضل العزلة على معاشرتهم وقام بدوره كمصلحاً إجتماعياً يحارب مفاسد المجتمع التي يراها في حب المال وحب الجاه وضعف الدين.
  4. فحذّر المرء من الرئاسة واعتقد أن الرئاسة والقيادة هما أصل الحقود فليتجنب الإنسان منها. وثم حذّر من فكرة جمع المال والحرص عليه وحارب الظلم الإجتماعي الكبير وهوسوء توزيع الثروات في مجتمعه بتآدية الزكاة والإنفاق وذم البخل.
  5. وما عرف عن أبوالعلاء أنه متدين حقيقي فقد صعب عليه ضعف الدين في مجتمعه والدين عنده عقيدة لامجرد أقوال فأخذ المعري يكافح هذه الآفة باتجاه ديني يقوم على التذكير با... الذي يرى ويسمع ويحاسب على الصغير والكبير والتذكير بوعده ووعيده وعقابه والرجاء لثوابه وعلى التذكير بالموت والقبر والحساب والجنة والنار تنبيهاً للغافلين وزجراً لللاهين وحثاً على التزود بالعمل الصالح.
  6. وثبت لنا أن أبوالعلاء كان يحب الدنيا ولكنه عاش أزمات نفسية وروحية صعبة ومتوالية بسبب عاهات العمى والوجه المجدور والجسد النحيف والواقع الإجتماعي والسياسي المحبط فنظر إليها بمنظار أسود وراى كل ما فيها الزوال والشرور، فكرهها وذمها كثيراً ووصفها بأوصاف ذميمة كالخائنة، والخسيسة والفاتكة والغدّارة.
  7. وكان يخاف الموت ولكنه وجد الراحة في ذلك ورأى العدل والمساواة اللذان كانا معدومان في عصره، في الممات.
  8. فإتجه بذهنه إلى ربه وإعتصم بالآخرة خوفاً من الموت ويذكر عفوا... سبحانه وتعالى إذ عذاب ا... يوم الحساب عظيم ويوصي للتزود من أجل الآخرة 
كي لايخسرها ويرى عزة المرء وشرفه في ما يجمعه لآخرته.
  9. ففي زهده كان مختاراً وكان في ذلك في ذلك إيجابى بنّاء فنظرته التشاؤمية لم تكن ترمي إلى هدم المجتمع وإنما إلى تنبيه الناس للتخفيف من حب الدنيا وتعلقهم بها حتى لايركنوا إلى الكسل والتواكل.
  10. وكان صادقاً في زهده وظل ملتزماً بما قال وبما ألزم نفسه من مجاهدات وقيود حتى وفاته ليظهر قوة إرادته، وليعلن أنه تزهدوا إعتزل رغم الغرائز التي فطر عليها الإنسان.

منابع:

  1. القرآن الكریم
    #ـ إبن خلكان، أبوالعباس شمس الدين أحمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: د:إحسان عباس، منشورات الرضى، ط2، قم، 1346هـ.
  2. الإفريقي المصري، محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت.
    #ـ البيهقي، الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين، كتاب الزهد الكبير، دار الجنان، 1408هـ/1987م.
    #ـ الجندي، محمد سليم، الجامع في أخبار أبي العلاء المعري وآثاره، دارصادر، بلاط،بيروت،، 1412هـ 1992م.
    #ـ الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، دار إحياء التراث العربى،ط4 بيروت، 1426هـ / 2005م.
    #ـ حسين، طه، تجديد ذكرى أبي العلاء المعري، مكتبة المدرسة، ط2،بيروت، 1983م.
  3. الحلبي، إبن العديم: الإنصاف والتحري، تحقيق: عبدالعزيز حرفوش، دار جولان، 1428 هـ / 2007م.
    #ـ خضر، سناء، النظرية الخلقية عند أبي العلاء المعري بين الفلسفة والدين، دار الوفاء لدنيا الطباعة، اسكندرية، 1686/1999م.
    #ـ الزركلي، خير الدين، الأعلام، دار العلم للملايين،ط5، بيروت، 1985 م.
    11ـ الزيات، أحمد حسن، تاريخ الأدب العربي، دار الثقافة، ط 29، بيروت، 1985.
    #ـ الصفدي، صلاح الدين خليل بن أبيك، الوافي بالوفيات، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420هـ/2000م.
    #ـ ضيف، شوقي، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، دار المعارف، ط11، قاهرة، 1119م.
    #ـ القفطي، جمال الدين، أنباه الرواة على أنباه النحاة، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة،1950م.
    #ـ محمد ضيف، عبدالستار، شعر الزهد في العصر العباسي، مؤسسة المختار، 1426هـ/2005م.
    #ـ المعري، أبوالعلاء، ديوان اللزوميات، شرح كمال اليازجي، دار الجيل، بيروت، 1412هـ/1992م.
    #ـ ـــــــــــ، ـــــــــــــ، سقط الزند، شرح احمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، 1410 هـ / 1990 م.

[1الحلبي، ابن العديم1428 هـ، ص3

[2إبن خلكان 1346 هـ، ص 113

[3القنطي: انباه الرواة علی انباه النحاة 1950م، ص49

[4الزيات، احمد حسن: تاريخ الأدب العربي، 1985 م، ص 347

[5الزركلي، خير الدين: الأعلام1985م،ج1، ص 157

[6المعري ابوالعلاء1990 م، ص 296

[7الزيات، احمد حسن 1985م، ص 348

[8ضیف، شوقی 1119م، ص 378

[9خضر، سناء 1999م، ص 210

[10الصفدی،صلاح الدین2000 م، 
ج 7،ص 63

[11حسین، طه1981 م، ص 184

[12حسين، طه1983م، ص 186

[13خضر، سناء1999م، ص 27

[14المعري، أبوالعلاء1992م، ص 1

[15المعري، أبوالعلاء 1992م، ج 2، ص 316

[16المصدر نفسه، ج 1، ص 627

[17المصدر نفسه، ج 1، ص 623

[18المصدر نفسه، ج 1، ص 54

[19الكهف 18 / 46

[20محمد ضیف، عبدالستار2005م، 
ص 453

[21المعرّي، أبوالعلاء 1992م، ج2، ص59

[22المعرّي، أبوالعلاءج2، ص 465

[23المصدر نفسه،ج 2، ص 565

[24المصدر نفسه، ج 2، ص 26

[25المصدر نفسه، ج 1، ص 659

[26المصدر نفسه، ج 1، ص 494

[27المصدر نفسه، ج 2، ص 316

[28المصدر نفسه، ج 2، ص 566

[29المصدر نفسه، ج 2، ص 149

[30المصدر نفسه، ج 2، ص ص 573-574

[31المصدر نفسه، ج 1، ص 474

[32المعری، ج 2، ص 232

[33المصدر نفسه، ج 1، ص 410

[34المصدر نفسه، ج 1، ص 596

[35المصدر نفسه، ج 1، ص 367

[36المصدر نفسه، ج 1، ص 359

[37المصدر نفسه، ج 1، ص 151

[38المصدر نفسه، ج 1، ص 67

[39المصدر نفسه، ج2 ص 97

[40المصدر نفسه، ج 2، ص 234

[41المصدر نفسه، ج1 ص 158

[42المعري، أبوالعلاء ج 2، ص 193

[43المصدر نفسه، ج 2، ص 57

[44المصدر نفسه، ج 2، ص 618

[45المصدر نفسه، ج 1، ص 204

[46المصدر نفسه، ج 2، ص 52

[47المصدر نفسه، ج 2، ص 504

[48المصدر نفسه، ج 2، ص 438

[49المعرّى، أبوالعلاء1992،ص 456

[50الجندی، محمد سلیم 1992م، ج3، ص 161

[51المعرّى، أبوالعلاء1992،ج 2، ص 558

[52المصدر نفسه، ج 1، ص 589

[53المصدر نفسه، ج 1، ص 392

[54المصدر نفسه، ج 2، ص 228

[55المصدر نفسه، ج 1، ص 316

[56المصدر نفسه، ج 1، ص 321

[57المصدر نفسه، ج 1، ص 272

[58المصدر نفسه، ج 1، ص 48

[59محمد ضيف، عبدالستار2005م، 
ص 105

[60المعري، أبوالعلاء1992 ج 1، ص 605

[61المصدر نفسه، ج 2، ص 143

[62المصدر نفسه، ج 1، صص 331-332

[63المصدر نفسه، ج 1، ص 331

[64المصدر نفسه، ج 1، ص 121

[65المصدر نفسه، ج 1، ص 121

[66المصدر نفسه، ج 1، ص 59

[67المصدر نفسه، ج 1، ص 57

[68المصدر نفسه، ج 2، ص 334

[69المصدر نفسه، ج 2، ص 289

[70المصدر نفسه، ج 1، ص 82

[71المصدر نفسه، ج 2، ص 442

[72المصدر نفسه، ج 1، ص 67

[73المصدر نفسه، ج 1، ص 469

[74المصدر نفسه، ج 1، ص 246

[75المصدر نفسه، ج 2، ص 272

[76المصدر نفسه، ج 2، ص 307

[77المصدر نفسه، ج 1، ص 147

[78المصدر نفسه، ج 1، ص 122

[79المصدر نفسه، ج 1، ص 329

[80المصدر نفسه، ج 2، ص 115

[81المصدر نفسه، ج 2، ص 121

[82المصدر نفسه، ج 2، ص 382

[83المصدر نفسه، ج 2، ص 425

[84المصدر نفسه، ج 1، ص 147

[85المصدر نفسه، ج 2، ص 643

[86المصدر نفسه، ج 1، ص 451

[87المصدر نفسه، ج 1، ص 413

[88المصدر نفسه، ج 2، صص 623-624

[89المصدر نفسه، ج 1، ص 168

[90المصدر نفسه، ج 2، ص 23

[91المصدر نفسه، ج 2، ص 57

[92المصدر نفسه، ج 2، ص 77

[93المصدر نفسه، ج 2، ص 189

[94المصدر نفسه، ج 2، ص 546

[95الحلبي، ابن العديم1428 هـ، ص3

[96إبن خلكان 1346 هـ، ص 113

[97القنطي: انباه الرواة علی انباه النحاة 1950م، ص49

[98الزيات، احمد حسن: تاريخ الأدب العربي، 1985 م، ص 347

[99الزركلي، خير الدين: الأعلام1985م،ج1، ص 157

[100المعري ابوالعلاء1990 م، ص 296

[101الزيات، احمد حسن 1985م، ص 348

[102ضیف، شوقی 1119م، ص 378

[103خضر، سناء 1999م، ص 210

[104الصفدی،صلاح الدین2000 م، 
ج 7،ص 63

[105حسین، طه1981 م، ص 184

[106حسين، طه1983م، ص 186

[107خضر، سناء1999م، ص 27

[108المعري، أبوالعلاء1992م، ص 1

[109المعري، أبوالعلاء 1992م، ج 2، ص 316

[110المصدر نفسه، ج 1، ص 627

[111المصدر نفسه، ج 1، ص 623

[112المصدر نفسه، ج 1، ص 54

[113الكهف 18 / 46

[114محمد ضیف، عبدالستار2005م، 
ص 453

[115المعرّي، أبوالعلاء 1992م، ج2، ص59

[116المعرّي، أبوالعلاءج2، ص 465

[117المصدر نفسه،ج 2، ص 565

[118المصدر نفسه، ج 2، ص 26

[119المصدر نفسه، ج 1، ص 659

[120المصدر نفسه، ج 1، ص 494

[121المصدر نفسه، ج 2، ص 316

[122المصدر نفسه، ج 2، ص 566

[123المصدر نفسه، ج 2، ص 149

[124المصدر نفسه، ج 2، ص ص 573-574

[125المصدر نفسه، ج 1، ص 474

[126المعری، ج 2، ص 232

[127المصدر نفسه، ج 1، ص 410

[128المصدر نفسه، ج 1، ص 596

[129المصدر نفسه، ج 1، ص 367

[130المصدر نفسه، ج 1، ص 359

[131المصدر نفسه، ج 1، ص 151

[132المصدر نفسه، ج 1، ص 67

[133المصدر نفسه، ج2 ص 97

[134المصدر نفسه، ج 2، ص 234

[135المصدر نفسه، ج1 ص 158

[136المعري، أبوالعلاء ج 2، ص 193

[137المصدر نفسه، ج 2، ص 57

[138المصدر نفسه، ج 2، ص 618

[139المصدر نفسه، ج 1، ص 204

[140المصدر نفسه، ج 2، ص 52

[141المصدر نفسه، ج 2، ص 504

[142المصدر نفسه، ج 2، ص 438

[143المعرّى، أبوالعلاء1992،ص 456

[144الجندی، محمد سلیم 1992م، ج3، ص 161

[145المعرّى، أبوالعلاء1992،ج 2، ص 558

[146المصدر نفسه، ج 1، ص 589

[147المصدر نفسه، ج 1، ص 392

[148المصدر نفسه، ج 2، ص 228

[149المصدر نفسه، ج 1، ص 316

[150المصدر نفسه، ج 1، ص 321

[151المصدر نفسه، ج 1، ص 272

[152المصدر نفسه، ج 1، ص 48

[153محمد ضيف، عبدالستار2005م، 
ص 105

[154المعري، أبوالعلاء1992 ج 1، ص 605

[155المصدر نفسه، ج 2، ص 143

[156المصدر نفسه، ج 1، صص 331-332

[157المصدر نفسه، ج 1، ص 331

[158المصدر نفسه، ج 1، ص 121

[159المصدر نفسه، ج 1، ص 121

[160المصدر نفسه، ج 1، ص 59

[161المصدر نفسه، ج 1، ص 57

[162المصدر نفسه، ج 2، ص 334

[163المصدر نفسه، ج 2، ص 289

[164المصدر نفسه، ج 1، ص 82

[165المصدر نفسه، ج 2، ص 442

[166المصدر نفسه، ج 1، ص 67

[167المصدر نفسه، ج 1، ص 469

[168المصدر نفسه، ج 1، ص 246

[169المصدر نفسه، ج 2، ص 272

[170المصدر نفسه، ج 2، ص 307

[171المصدر نفسه، ج 1، ص 147

[172المصدر نفسه، ج 1، ص 122

[173المصدر نفسه، ج 1، ص 329

[174المصدر نفسه، ج 2، ص 115

[175المصدر نفسه، ج 2، ص 121

[176المصدر نفسه، ج 2، ص 382

[177المصدر نفسه، ج 2، ص 425

[178المصدر نفسه، ج 1، ص 147

[179المصدر نفسه، ج 2، ص 643

[180المصدر نفسه، ج 1، ص 451

[181المصدر نفسه، ج 1، ص 413

[182المصدر نفسه، ج 2، صص 623-624

[183المصدر نفسه، ج 1، ص 168

[184المصدر نفسه، ج 2، ص 23

[185المصدر نفسه، ج 2، ص 57

[186المصدر نفسه، ج 2، ص 77

[187المصدر نفسه، ج 2، ص 189

[188المصدر نفسه، ج 2، ص 546


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى