الاثنين ٢٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

الناقد والأرانب الثلاث

ألقى القرص في الكأس، وبحركة سريعة غمره بشلال من الماء البارد.
دار القرص في دوّامة ناثرا أشلاءً من جسده الأبيض.
لم يمهله الناقد حتى يذوب من تلقاء نفسه، بل غطس سبّابته وراح يلاحق القرص ليبدِّد كيانَه تبديدا.
في لحظة مّا، أفرغ الناقد محتوي الكأس في معدته. دون تفكير على الأرجح؛ لأن القرص لم يذب كليّا، وتخلّف ما بين أسنانه شيءٌ منه، فراح يهرسه بقواطعه للمزيد من التبديد.
ناقدُنا يُعالَج. قريبا سيلقونه على سرير عطن في أحد المستشفيات، فهل ستسعفه الصحافة الصديقة؟ هل ستنفعه إن هي كتبت مأساته بالبنط العريض؟

ناقدنا لا زال حيّا، ونتمنّى له أن يعيش لكي نستمرّ – نحن - في الحياة. وهو الآن يخاطب ابنه:
ـ ألا ترى أنّه من الناحية المنطقية، لو قطّعنا الثوبَ الجديد إلى نفس عدد وأشكال قِطع وزرتك القديمة، وخِطناها، لحصّلنا (لكَ) على وزرة جديدة؟

لم يترك الناقد لابنه فرصة الرّد، بل هرول إلى المقصِّ والثوب، فتناثرتْ أكمامٌ وياقاتٌ وحواشي وجيوبٌ ودعامات وتواشي وخيوط وقصاصات حزينة...

ثم إلى آلة خياطة زوجته، فشرع شيءٌ مّا يتشكّل... شيءٌ يُشبه الوزرة. وعندما فرض على ابنه ارتداءها، لم تتمالك الأم نفسها من الضحك، وقالت:

ـ إنّه شيءٌ يشبه الوزرة، ولكنّه ليس بالوزرة: ففي هذا الشيءِ المفصّلِ والمخيطِ الكثيرُ من العيوب؛ طولٌ في موضع قِصرٍ، تكمُّشٌ في محلِّ تسريحٍ، حشوٌ لا هدف منه، ضيقٌ في الأكمام يعرقل الحركة، جيبٌ أخفض من جيب، والأفظع - يا أستاذ - أنّك قدّمتَ قفا الثوب بدلا عن وجهه...
وأضافت:

ـ هذا الشيءُ غير قابل للّبْس تماما.
ثم تقدّمتْ ابنةُ الناقد وقد جاءتْ للتّو من المدرسة، وقالت من خلال دموعها:
ـ أبي... إنّ المعلومات التي زوّدتني بها عند إنجازي لموضوع التاريخ خاطئة... لقد جعلتني في موضع حرج أمام صديقاتي... لن أثق بك بعد الآن. ثم جَرتْ إلى غرفتها.
وقالت زوجته:
ـ الظاهر - يا عزيزي - أنّك لم تتقِن ترصيص صنابير الحمّام، ولو لمْ أستدْع الرصّاص، لكُنا الساعة من الغارقين.
لم يقل الناقدُ شيئا. ولكنّه شدَّ على فم معدتِه وراح يتلوّى من الألم.
آنذاك أشفقت عليه وقالت:
ـ نحن نعرف أنّك تريد إتقان جميع الأمور، ولكنّ الصيّاد الذي يطارد ثلاثة أرانب في نفس الوقت، لا يمسك بأيّ واحد منها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى