الاثنين ١٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١
من الانتخابات الجامعية للانتخابات البرلمانية

يا قلبى لا تحزن!!

رضا عبد السلام‏

أشهدك يا الله وأشهد قرائى الأعزاء فى بر مصر وعالمنا العربى المنكوب بأننى تبت إلى الله وندمت على ما فعلت وعزمت على ألا أعود إلى ما اقترفته من ذنب فى حق نفسى، فقد كنت واهماً وحالماً شأنى شأن الملايين من أبناء وشباب هذه الأمة التعيسة. ولم لا وقد تحولت أحلامنا إلى سراب، بل إننا أفقنا على كوابيس مرعبة، لم تترك لنا من خيار سوى إعلان التوبة.

عاشت الجامعة المصرية خلال الأسابيع الماضية– ولا تزال تعيش- موقعة انتخاب القيادات الجامعية، هى موقعة بمعنى الكلمة، زجت بأساتذة الجامعات وحملة العلم إلى عوالم مظلمة. نعم.. لقد كشفت التجربة مع مَن يُعتبرون زبدة المجتمع وصفوته عن الكثير والكثير..!!، فقد ترك العلماء معاملهم والأساتذة مكاتبهم وأبحاثهم وانخرطوا فى عالم سفلى من التربيطات والترتيبات والمقامرات والمساومات، كنا نعتقد نحن الشباب- الساذج - أن عالم العلماء والفقهاء أبعد ما يكون عنها.

لكننا كنا واهمين.. إلا أننا كنا معذورين لأننا كنا حالمين.. فعلى الأقل كان من حقنا أن نحلم.

لقد كشفت هذه التجربة المريرة مع الانتخابات الجامعية مدى العوار والدمار الذى لحق بالجامعة المصرية خلال العقود البائدة، كما أن ما شهدته تلك الانتخابات يقدم لنا– على الأقل بالنسبة لنا نحن الشباب – رسالة واضحة، مفادها أن الرحلة والطريق نحو التغيير والتقدم هو طرق طويلُ وشاقُ، لأن التركة ثقيلة جداً جداً.

فبدلاً من أن يفكر أساتذة الجامعات فى أن يقدموا لمصر الجديدة المثل والقدوة فى عملية الاختيار باعتبارهم حملة العلم وبناة الفكر، وجدناهم غارقين فى أوحال وأعمال ومؤامرات كشفت عن حقيقة أخرى من حقائق المجتمع فى مصر، ففى خلال تلك الرحلة البائسة غاب مستقبل المؤسسة الجامعية عن اهتمام أهل العلم، بل على النقيض كان التفكير منصباً على تكوين تحالفات وترتيبات وشللية لم يكن لها من هدف سوى تحقيق المصالح الشخصية البحتة، ولتذهب المؤسسة الجامعية إلى الجحيم!!

لقد بات جلياً أن الذين زجوا بالجامعة إلى أوحال الانتخابات وعوالمها السفلية لم يريدوا لمصر أى خير، وإلا لما اقترفوا هذه الجريمة النكراء بحق مؤسسات العلم. فالجامعات ليست بدعة مصرية، وكان علينا أن نقتدى بأفضل التجارب فى الجامعات العالمية ونطبقها. وأفضل وأنجح التجارب تفيد بأن الإعلان عن الوظائف الجامعية ووضع شروط موضوعية شفافة يقود إلى اختيار أفضل القيادات التى تلبى احتياجات كل منصب.. ولكننا نحينا كل هذا جانباً وانحزنا إلى رأى حفنة نصبت من نفسها متحدثاً رسمياً باسم الجامعة المصرية، تماماً مثل حفنة العواطلية التى تتنقل بين الفضائيات (نخبة الفضائيات)، التى نصبت نفسها متحدثاً باسم شعب مصر، وشعب مصر منها براء.

فإذا كان هذا هو تصرف من يسمون بأهل العلم والفكر وصفوة المجتمع، فماذا تركوا لباقى فئات المجتمع؟! علينا إذاً ألا نلوم من كنا نسميهم بفلول الحزب البائد فتصرفاتنا وأفعالنا بعد الثورة لا تختلف قيد أنملة عما كان يجرى قبلها!! ألا نتابع تحالفات الأضداد (الإخوان والوفد مثلاً) وسعى كل فريق للحصول على أكبر جزء من الفريسة (مصر)!!

بصفتى شابا مصريا، حلمت بمستقبل واعد لهذا البلد، وأرجو أن تطالعوا ثانى مقال لى صدر بهذه الجريدة الغراء عقب قيام الثورة.. لقد اعتقدت بأننا سنتغير وأن التفكير سيتغير، ولهذا كنت أعد للدخول فى الانتخابات البرلمانية بصفتى أستاذا للقانون والاقتصاد وحائزا على العديد من الجوائز الدولية فى سن مبكرة، بل بدأت فى تكوين حزب سياسى جله من الشباب. ولكننا وبعد ما شهدناه وعايشناه من تجربة مريرة مع الانتخابات الجامعية، أدركنا تماماً أننا– كشباب– كنا غارقين فى الخيال، وتناسينا أن الفساد ضرب كل شبر فى بلادنا، وأفسد الحرث والنسل.

ما يمكننى قوله إن جريمة الانتخابات أحدثت شرخاً كبيراً بين الشاب الطامح وبين الكبير الرازح والمقاوم للتغيير. فالكبار ينظرون إلى الشباب الذى تجرأ وفكر فى خوض الانتخابات رغما عن إرادتهم على أنهم كسروا التقاليد واحتقروا كبارهم، فى حين رأى الشباب فى الكبار بأنهم فقدوا ما كانوا يتمتعون به من بريق، بعدما أهدروا القيم والمبادئ الموضوعية التى لطالما تشدقوا بها، بدليل أنهم عندما وُضِعوا فى اختبار حقيقى، لم يًعملوا أياَ منها، ولهذا تساقطوا كما تتساقط أوراق الأشجار فى فصل الخريف.

هكذا كان الحصاد المر لتجربة التحالفات والتربيطات (الانتخابات) على مستوى الجامعة، ولهذا لم تفرز تلك الانتخابات أو لم تقدم الأفضل فى أغلب الحالات، بل أفرزت وقدمت الأقدر على حشد الشللية وإحكام التربيطات. فأتحدى أن يخرج مصرى مخلص أو نقى السريرة ويناقض ما قلت به..!!

ومن منطلق هذه التجربة المخجلة على مستوى الجامعة المصرية وعالم العلماء، لا أعتقد بأن التجربة على مستوى المجتمع خارج الجامعة ستكون أفضل حالاً، فما حدث بالجامعات عبارة عن مؤشر مفزع لما سنشهده وما نشهده بالفعل الآن من ترتيبات وتربيطات فئوية وحزبية ودينية غابت عنها مصر تماماً!! فكما غابت الجامعة عن أذهان من ربطوا وخططوا لخطف الانتخابات الجامعية (وهم أهل العلم والقدوة!!)، ستغيب مصر – أيضاً - تماماً عن أذهان "المحترفين" والمتمرسين الذين يُرابطون للانقضاض على مصر، ولتذهب مصر وليذهب شبابها الحالم إلى الجحيم. أرجو أن تتذكروا مقالى هذا، وسأعيد تذكيركم به خلال وعقب الانتخابات البرلمانية إن شاء الله.. وكل انتخابات وأنتم طيبين!

رضا عبد السلام‏

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى