الأحد ١٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١
بقلم ماهين شيخاني

وجه وراء السراب

في الاجتماع الصباحي وقبل أن يبدؤوا بالتمارين الرياضية، حضر الضابط المناوب وبحوزته لائحة بأسماء الغياب، قدم التحية لعميد الكلية، ثم بدأ بتلاوة الأسماء في تلك الورقة، تسربلت أرجل بعض الجنود وارتعدت فرائصهم، لتخرج فرادى من الفصائل مهرولة إلى منصة العميد لتحييه وتقف جانياً في زاوية المنصة، بانتظار العقوبة التي تتفتق عبقرية الاختراع لديه، وحسب مزاجه وتلذذه سيقرر، بل سيتضح نوعية العقوبة وتفننها في ذاك الصباح القارص بهطول الثلج ولفحة هواءه الزمهرير على وجوههم كالسيف أشد عقوبة وأقسى.

جاء دوره لتبرير غيابه وقبل أن يفكر بالإجابة سبقه العميد: وأنت يا غُرً أخترع كذبة مثلهم، قل أن والدتك وافتها المنية وفارقت الحياة، أليس كذلك.؟

• بلع ريقه وقال: لا يا سيدي أمي لم تفارق الحياة، بل كانت سعيدة بعيدها..؟.

• سأجعلها تفارق الحياة بعد أن تفجع بخبر موتك. ثم صاح بأعلى صوته: وهل تحتفلون بأعياد أمهاتكم يا أولاد (ال...) وأنتم في الخدمة ؟!..تصور كل كلب منكم يحتفل بعيد أمه..!. هل يبقى أحدا منكم في الكلية بل في الجيش أجمع..؟.

• بخفوت وجرأة: وهل يا سيدي أمهاتنا كلهن ولدتن في نفس اليوم..؟. يا سيدي أقصد عيدنا نحن.....

• ردَّ الضابط قبل أن ينهي كلامه: وهل لكم أعياد غير أعيادنا يا كُر..؟. هل جئتم من كوكب آخر ولا ندري..؟.

• يا سيدي لنا عيد ولكنكم لا تمنحوننا الإجازة.

• يقصد عيد نيروز يا سيدي،معظم الغياب من نفس الجماعة - قالها ضابط الأمن.

• هَزَ رأسه ومط بشفتيه، مستغرباً: هممم...؟.

التفت إلى الضابط المناوب وأمره بتنفيذ أقسى وأشد أنواع العقوبة أمام جميع الفصائل وهم يهرولون في الساحة ويتفرجون عليهم، لأخذ العبرة منهم وأن لا يفكر أحداً منهمً بتاتاً بالغياب أو الهروب.

• اشلحوا بالشورت – أمرهم الضابط برتبة النقيب -

بدأ المعاقبين بنزع لبسهم وأحذيتهم وأصبحوا جميعاً جاهزين في لحظات شبه عراة بسراويلهم القصيرة (الشورت)

• تمرين التاسع خذ وضع، قالها صاحب التفقد وصار يعد، واحد.. اثنين، واحد.. اثنين، واحد.. اثنين....الخ.

• هذا ليس كاف أيها النقيب..؟ يجب أن تشر الدم منهم شر، الساحة لازم تمتلئ بالدم أو تتكسر أطرافهم، أليَّ بالكبل...؟. قالها العميد.

• الجميع مستلقياً على الأرض يا (أوباش)، الزحف كواع وركب حتى بحيرة البجع (ويسمونه بمستنقع الموت أيضاً وهو عبارة عن مياه راكدة في حفرة بطول عشرين مترا وعرضه على هذا النحو، منبعه مياه الصرف الصحي). ثم أمسك ب (الكبل الرباعي المعروف) وبدأ بضرب كل من يتأخر في الزحف على مؤخرتهم وظهورهم حتى سلخ جلود البعض عن عظامها وسالت الدماء من تحتهم وكان نصيبه من الضرب أكثر كونه كان الأقرب لسوء حظه، فاخترقت أحدى الأكبال ضلوعه، كادت الصرخة المكتومة في جوفه تفجره شظايا ولتخرج منه عنوة، إلا إنه كتم نفسه وصك أسنانه واستلقى على جنبه الآخر يألم وهو يزحف وأنين زملاءه المعاقبين وصراخ البعض منهم تنتشر في أنحاء الساحة وهم يتمنون الموت لحظته، باستثنائه الوحيد الذي لم تدمع عيناه، لم يك الأمر لقوته البدنية وصلابته،إنما ذاك الدافع المعنوي لديه، فمهما تعذب جسديا تبقى روحه وخياله تبحران للبعيد وصورة وجه حبيبته (شاهي) لا تبرح مخيلته، تذكره بأسعد لحظات حياته وفرحه بذاك اللقاء السعيد في العيد.

ابتعدوا عن عميد الكلية زحفا مسافة / قرابة خمسين متراً / متوجهين نحو البحيرة الشهيرة، اقترب منهم ضابط آخر وهمس لهم، خذو وعداً مني سأمنحكم اجازات بعيدكم إن بقيت هنا أو خدمت بمكان آخر..

ملاحظة: أحداث القصة قبل المرسوم الجمهوري الصادر بمناسبة العطلة في يوم عيد الأم (عيد نيروز).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى