الخميس ١٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
بقلم أنمار رحمة الله

قصص قصيرة جدا

حكاية الجندي المعلّق

يوما ما...بعد أن تضع الحرب أوزارها ويعم الهدوء، سأكتشف أنني فقدت يداً /رجلاً /صديقاً. ولن يعرفني سواي حين أتكلم،فالوجوه النيادرتالية لا تضع الماكياج في ثكنات الجند المكتظة بالخوف والدخان. يوما ما...بعد أن تضع الحرب أوزارها،سأرجع إلى قريتي،فأجدني قد تزوجت كما أمروني، وأنجبت حفنة أطفال،وأجلس منزوياً في مقهى بليد،أراقب...كما يراقب عالم الحيوانات غابته.لن اصدق /سأفرك عيني طويلاً،لقد تركتني في القرية طفلاً أبول في الشوارع،وأتلصص خلسة على جارتنا فوق السطح،ويعلو بكائي في الأعياد ؛حين تنفد نقودي،وحين يضربني أكثر الأولاد قوة في الحي.سأتعجب كثيراً،لقد تركتني قرب سدرة ظليلة،وساقية وديعة، في بيت العائلة الكبير،قرب جدتي ذات الرائحة المألوفة وقصصها الشتائية الطويلة.سأرمي حقيبتي /اركض نحو داري،ليستقبلني أخي الباحث عن عمل بأجر زهيد /أبي المقعد /أمي الملتصقة بسجادة الصلاة/زوجتي الشاحبة /أطفالي الباكون من الجوع سأدق الباب...وادخل،لن يهتموا لدخولي/لن يعانقوني.سأذهل حين أجدني معلقا على حائط (البراني)،وقد الصقوا على جبيني،خرقة سوداء مائلة.

عودة الكومنداتور*

حين ركل (الكومنداتور) الجدارَ بقدمه الساخنة،كنت أجهز نفسي لإغواء قصيدة ناضجة.حين تقدّم نحوي عائداً من الجحيم،لم اصدق إني لم استطع قتله بحزم ومُثلى. تقدّم نحوي وحجته الوحيدة هي الحجة ذاتها التي عاقب بها من عاقب. حين حملهم وعاد بهم إلى الجحيم الملتهبة حمرة وصراخا.وقف المطالبُ بالتوبة أو الفناء ملوحاً بكلتا يديه،صارخا بأسمي / آمراً بتوبتي وردعي عن تزيين الكلمات،وغواية الخيالات.القلمُ ذاته وقف خائفاً /صارخاً:أنا كلي يرتجف سيدي)، القلم /الخادم ذاته أغوى من أغوى /وخاتل وحالفني كثيراً على غواية القصائد. يالك من خادم خانع مرتعد،لن أخاف هيبةَ هذا العائد بوجه يكسوه الصفيح الأسود،المتصاعدة من على كتفيه أبخرة رمادية خانقة،لن أفسح الطريق لهذا الليل المزعوم بالتأويل،فهناك ألاف الكلمات لم اغتصبهنّ بعد،وهناك المزيد من الخيالات لم اغوهنّ بعد،وهناك دول من الجنون لم أفتحهنّ بعد. الكومنداتور الغاضب يرعب الوقت بصراخه ومطالبته بتوبتي أو العشاء في الجحيم،سأرفض دعوته المقيتة المليئة بالغطرسة والتكبر الصوفي. تبْ)يصرخُ...وأنا اصرخ (لا). ستموت)يحذرني...وانا اضحك غير آبه للوعيد. إذن ستحل عليك لعنتي )هذه آخر جملة تفوّه بها قبل أن يخطو نحوي بخطى ثقيلة/واثقة،لتخرجَ لي رؤوس شياطين الشعر وأروح القصائد وأفواه الخيالات المعبئة بالضجيج الجحيمي،يقبل نحوي /بطوله /رعبه/رائحته البارودية الخانقة /يمسك قلبي عاصراً إياه بقسوة،يحملني على كتفه ويرجع إلى الجحيم متجاهلاً صراخي المخنوق.

لعبة الأصابع

فتحتْ البابَ و أزاحتْ الستارةَ عن النافذة،فلامس رأسي كف الشمس الدافئ، بعد سبات ليلة باردة.وضعتْ حقيبتها على الأريكة المقابلة لمكاني،نثرت شعرها بأصابعها النحيفة/ الناعمة،أصابعٌ لا يعرف سرَّ قوتها إلا أنا...أنا الوحيد الذي يفقه سر تلك اللعبة الخطيرة.جلست قبالتي ممسكة بحفنة أوراق تركتها مبعثرة في الليلة الماضية.لقد كانت ليلة طويلة ومرهقة، جالستني فيها،وجاذبتني أطراف الحديث،وأعطيتها كل ما املك من لغة روحية لم يكتشفها كائن،ولم يبحْ بها عاشق.لملمت أطراف أوراقها،وجالستني على مهل،آلت على نفسها أن تضع وردة على رأسي قبل أن تفاتحني بسلامها...صباح الخير.كالعادة..تقترب مني أصابعها على مهل /تحركني/ تدغدغني/ تقذف في بدني اللامع الحياةَ والحركة،هناك بحر هائج في دواخلي لن يظهر من اللمسة الأولى،بل ينتظر الدور /الخطوة المقبلة/الحركة التي تداهمها وتأمرني لأنفذها في أي لحظة،عيناها لا تنفك تنظر إلي في شغف،تغمضهما /تفتحهما،مع كل تنهيدة أو شهقة تصدر مني أو منها. بعد أن تصل إلى ذروتها المنشودة،تحمل أوراقها /ترتدي سترتها /تغلقني /تتركني وحيدا/كئيبا من دونها،متعطشا لها،ولمرورها في إلهامها المقبل،وللعبة أصابعها التي تداعب مفاتيح روحي الهامسة بالأنغام.

*الكومنداتور:القائد الذي عاد تمثاله من الجحيم لمعاقبة (دون جيوفاني) أو دون جوان، وخادمه (ليبريلو)،بعد إغوائهما للنساء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى