الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
أقلام عربية وفلسطينية معاصرة
بقلم جميل حسين خرطبيل

تهود تاريخ فلسطين القديم!

إذا كنا لا نلوم مؤرخينا العرب المسلمين القدماء على أخطائهم في نقل اليهوديات إلى تراثنا الثقافي القديم والإساءة لتاريخ فلسطين القديم بشكل خاص وبلاد الشام بشكل عام، لجهلهم بالحقائق التاريخية عن تاريخ فلسطين القديم، وعدم الفصل بين التاريخ الديني والتاريخ العلمي. وكذلك لا نلوم الذين ساروا على دربهم من باحثين ومؤرخين حتى القرن العشرين لغلبة الطابع الديني وغياب الحقيقة العلمية، فإننا لا نتهاون مطلقاً مع الذين كتبوا عن تاريخ فلسطين القديم وهم في القرن الحادي والعشرين وبقوا يلهثون وراء اليهوديات سواء من مصدرها التوراتي أو كتب المؤرخين العرب القدماء.. أو من كتب الغرب المتصهين!
إن أصحاب تلك المؤلفات العربية والفلسطينية المسيئة لتاريخ فلسطين القديم، هم بالتأكيد وطنيون صادقون، ولكن الطيبة والسذاجة في تثبيت اليهوديات وعدم إدراك أبعاد ذلك، مصيبة!!

وهنا نتساءل ألم يقرأ أو يسمع هؤلاء بما قاله وكتبه المؤرخون المعاصرون/ المؤرخون الجدد (مدرسة كوبنهاغن) بدءاً من أواخر القرن العشرين كوايتلام وطومسون.. بل ألم يقرؤوا أو يسمعوا عن الآثاريين اليهود (في فلسطين المحتلة عام 48) كهيرتزوغ وشاحاك وفنكلشتاين وسيلبرمان..
وكذلك ألم يطلعوا على ما كتبه بعض الباحثين العرب الذين رفضوا جغرافية التوراة على أرض فلسطين ونقلوها إلى الجنوب الغربي من الجزيرة العربية واليمن مثل: د. كمال الصليبي و د. زياد منى و د. أحمد داود وفرج الله صالح ديب وأحمد عيد.. ثم ألم يسمعوا أو يقرؤوا ما كتبه د. سهيل زكار أو د. محمد القبيسي في تفنيد بعض القراءات الآثارية الكاذبة...

سنستعرض هنا:
1- "فلسطين.. التاريخ المصور" للدكتور طارق السويدان.

2- "أطلس التاريخ العربي الإسلامي"، و"أطلس القرآن: أماكن، أقوام، أعلام" للدكتور الراحل شوقي أبو خليل.

1- فلسطين.. التاريخ المصور للدكتور طارق السويدان (1):

هذا الكتاب الشائق بألوانه وصوره التوضيحية الملونة الجميلة وكذلك الرسومات المختلفة كلف الكثير، ولكن كل ذلك لن يشفع له بسبب الإساءة إلى تاريخ فلسطين والقدس القديمين وبالتالي يكومه فوق ركام الكتب التي هودت تاريخ فلسطين القديم، وخدمت الاستعمار الصهيوني.

يقول الكاتب في المقدمة: (وقد كان قصدنا في تأليف هذا الكتاب إضافة إلى تأدية الأمانة التاريخية المناطة بنا، أن نشارك في تنمية الإحساس والشعور بأهمية هذه البقعة المباركة للمسلمين، وقياماً بدورنا في خدمة قضيتنا تجاه إخواننا في الأرض المغتصبة، وإيقاظاً للشعور العربي والإسلامي، وخصوصاً في هذه المحنة التي تمر بها هذه البلدة الطاهرة، مهبط الوحي، وأرض الأنبياء....) (ص 14).

فالتناقض واضح بين صدقه في خدمة القضية، وجهله الذي يثبت الرؤية التوراتية الكاذبة لأنبياء بني إسرائيل في فلسطين!

يعتمد المؤلف على المصادر العربية الإسلامية التاريخية والتفسيرية وعلى رأسها الطبري؛ فالأرض المباركة هي فلسطين كما يقول في (ص 16) وهذا تكرار تقليدي لما قاله المؤرخون والمفسرون العرب المسلمون القدماء، وكذلك حديثه عن هجرة النبي إبراهيم من العراق إلى الشام هو نفسه ما نقله المؤرخون القدماء من رواية التوراة!!

يبدأ الحديث عن تاريخ فلسطين القديم بدءاً من (ص 24) ليكرر المعلومات التقليدية عن الكنعانيين، وعن اليبوسيين في القدس (ص 25)، وأصل الفلسطينيين "بلست" شعوب البحر (ص 26) كما يذكر النص التوراتي!

في الفصل الثاني وهو الأخطر يتحدث عن هجرة [اليهود] إلى فلسطين (ص 28) وأن تاريخهم يبدأ منذ النبي يعقوب (إسرائيل) إلا أنه جعل الوجود الأول (لليهود) في مصر نتيجة استدعاء النبي يوسف لأبيه يعقوب وإخوته (أسباط بني إسرائيل) من فلسطين إلى مصر.. مع تأكيده البريء على أن وجود يعقوب في فلسطين كان عابراً! والهجرة إلى فلسطين من مصر بدأت مع النبي موسى (1250 ق.م).

وهنا خلط واضح بين بني إسرائيل واليهود فهو لا يعرف الفرق بينهما، فبنو إسرائيل هم عائلة "عرق وجنس" تنتمي إلى يعقوب من خلال أولاده الاثني عشر ولم تكن الديانة اليهودية قد ظهرت بعد. أما اليهودية فقد ظهرت كدين في القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد مدعية تبنيها لديانة النبي موسى، ويشير معظم كتبة التاريخ الديني إلى أن الأسفار كتبت بين القرن الثالث والثاني قبل الميلاد، وهذا له مدلوله مع نشأة الديانة.

ومتبنو الديانة اليهودية لم يكونوا من جنس واحد، حتى في الرواية التوراتية التي تتحدث عن السبي ففي سفر إسترا حديث عن تهود الشعوب في بابل، وكذلك يحدثنا سفر المكابيين عن التهويد والذي فيه خلاف حول مكانته ولا سيما الدينية.

ويصر المؤلف على أن بني إسرائيل واليهود تسمية واحدة ففي عنوان "أول مملكة لبني إسرائيل" (ص 42) يعود في النص ليستخدم كلمة "اليهود" في قوله "أول مملكة لليهود" أنشئت في فلسطين كانت في عام 995 ق.م زمن داود!!

يذكر المؤلف أنه بعد قصة التيه في سيناء ووفاة النبي موسى يقودهم خليفته (النبي) يوشع إلى فلسطين عبر أريحا عام 1186 ق.م (فتح أريحا كما يسميها "ص 35"!!) وهي القرية كما يرد تفسيرها عند القدماء، ومكرراً حكاية توقيف الشمس (ص 34)! والمؤلم هنا لوحة فنية كتب تحتها "سقوط أريحا بيد اليهود بعد التيه" (ص 34)، مع أن التوراة كانت تسميهم بني إسرائيل، ولم تُستخدم تسمية اليهود إلا بعد السبي!!

في الصفحة (38) يحدثنا عن كفر ومعصية اليهود ويجعلها مطلقة متوارثة، وهذا الخطأ وقع فيه الكثيرون الذين يظنون أنهم يطعنون اليهود بينما هم يمنحونهم شهادة نسل العرق الصافي النقي عبر آلاف السنين، وهذا يسعد الصهاينة، لأنهم يربطون اليهود كلهم قديماً وحديثاً بسلسلة عرقية/ جنسية أي الدم الصافي، وهي نظرية نازية لم يقلها إلا النازيون والصهاينة! أما قضية فطرية اللاأخلاق نفسها المتوارثة التي جبلوا عليها فلا وزن لها عند الصهاينة، بينما يفترض بأولئك الكتبة أن يقولوا إن اليهودية أفكار وكل من يتبناها تجعله لا أخلاقياً!!

ويتابع المؤلف السرد ليصل إلى داود مهللاً لحكايته ومقلاعه مع جالوت (جليات) وبحسب النص التوراتي، ولم يقرأ رؤية الغرب لهذه القضية وأدلجتها حول ذكاء داود (اليهود) وغباء الفلسطينيين من خلال الطبل الضخم الأجوف جليات!! وفوق كل ذلك يضع صورة لما يسمى قبر داود والنجمة السداسية!! كما يضع صورة لما يزيفه اليهود حول الدرجات المؤدية إلى معبد الجبل..
ويتابع السرد التوراتي ودخول داود إلى القدس وقد جعلها عاصمة لملكه!!

كما أنه يكرر مقولات المعاصرين المتبنين لليهوديات والذين يظنون أنهم ينتقدون بقولهم بأن المملكة لم تدم سوى تسعين عاماً ثم تشرد اليهود.. غير منتبهين إلى أنهم أقروا من حيث المبدأ الخرافة والكذب في الأمر الرباني بدخول فلسطين والوجود وقيام المملكة وأن أولئك هم أنفسهم اليهود.. فماذا يريد الصهيوني المستعمر أكثر من ذلك؟ فالقضية الجوهرية عنده الإقرار بوجود (اليهود الأجداد) ووجود المملكة وهيكل سليمان.. وليس المدة الزمنية سواء أطالت أم قصرت!!
ويرفق المؤلف صورة لازدهار القدس في عهد داود علماً بأن المؤرخين والآثاريين يقولون إن القدس في ذاك التاريخ لم تكن موجودة أو على الأقل مجرد قرية صغيرة فقيرة مهملة!!

ويتابع تتمة السرد التوراتي وغزو الآشوريين والبابليين وتدمير الهيكل والأسر البابلي.... على هدي الطبري شيخ المؤرخين العرب المسلمين الذي أدخل اليهوديات إلى كتبه من أوسع الأبواب!

ويتابع الحديث فيذكر الفرس وعودة 42 ألفاً إلى فلسطين في عهد (حورس الثاني) قورش كما تذكر اليهوديات.. ومنحهم حكماً ذاتياً ضمن 30 كم مربع في جانب من القدس، فبنوا الهيكل مرة ثانية، بينما بقية القدس وفلسطين بقيت تحت الحكم الفارسي.
واستمر وجود اليهود من عام 515 ق.م ولمدة مئتي سنة. ثم جاء الإغريق بقيادة الإسكندر المقدوني عام 332 ق.م واحتلوا فلسطين.. وتتمة تأريخ هذه الفترة وإن أخذها من مصادر عربية فهي قد اعتمدت على أسفار المكابيين اليهودية وتاريخ يوسيفوس..

هناك نقطة جيدة في (ص 48) ينتقد فيها التفسير الخاطئ للآية القرآنية (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً) "الإسراء 5"، حيث رفض تفسير بعض الإسلاميين المعاصرين الذين يدعون أن الآية تبشر بزوال (إسرائيل) فالعلو الأول القديم، أما الثاني فهو بعد قيام الكيان الصهيوني.. وطبعاً ذاك التفسير خاطئ لأنه يربط بين بني إسرائيل واليهود، ثم يوحد بين اليهود القدماء والمعاصرين ضمن سلسلة تاريخية جنسية عرقية، لا تخدم سوى الصهاينة!!
أما حديثه عن موضوع كتابة التوراة وتزييفها.. فهذا يثير الاستغراب لأنه يثبت تاريخيتها وجغرافيتها على أرض فلسطين القديمة (2)!!

والسؤال الآن بعد ذاك الاستعراض السريع للقسم المتعلق بتاريخ فلسطين القديم في كتاب الدكتور طارق: هل ذاك هو تاريخ فلسطين القديم منذ حوالي 1850 ق.م وحتى الاحتلال الإغريقي؟ أم هو تاريخ بني إسرائيل كما ورد في التوراة والعهد القديم من الكتاب المقدس؟!
ثم أين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية.. في فلسطين؟
إنه ليس أكثر من تاريخ أشخاص خرافيين لم تطأ أقدامهم أرض فلسطين ولم يعرفوها!
والتوراة ليست كتاباً تاريخياً ولا علمياً، فما هي إلا خرافات لا أكثر، وسواء أأخذ الباحث المعلومات منها مباشرة أو من مؤرخينا القدماء الذين نقلوها إلى تراثنا القديم!

2- أطالس الدكتور الراحل حديثاً شوقي أبو خليل: ما يهمنا منها هنا أطلسان هما: "أطلس القرآن: أماكن، أقوام، أعلام"، "أطلس التاريخ العربي الإسلامي".

آ- أطلس القرآن: أماكن، أقوام، أعلام (3):

أطلسه هذا يشابه أطالس وموسوعات التوراة والكتاب المقدس، وحديثه عن الأنبياء يثبت اليهوديات في تاريخ فلسطين القديم.. ومع أنه في مقدمته يصر على الاعتماد على المصادر العربية الإسلامية، ورفض ما يسميه "الإسرائيليات" المستقاة من التوراة في التأريخ والتفسير، ويعد الاعتماد عليها أمراً خطيراً لكنه يستدرك قائلاً في (ص 6): (ومع ذلك فإن لم نجد ما يخالف عقيدة المسلم، استؤنس بها من قبيل قول من الأقوال، واحتمال من الاحتمالات بتردد، وهذا نادر جداً)!! وهذا ما يذكرنا بمنهج ابن كثير في تاريخه وتفسيره للقرآن حول فلسطين، حيث ذاك النادر جداً يصير هو الأكثر والأوحد!!
ومن المفترض أن يكون المؤلف قد اطلع على بعض كتب المؤرخين والآثاريين الجدد والنظريات الحديثة وخاصة اليهودية منها، بما أنه مختص في التاريخ!

منهج الراحل يعتمد على ذكر السور والآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر النبي، ويسرد بعض الآيات القرآنية المتعلقة به، ثم خريطة جغرافية مقتبسة من أطالس الكتاب المقدس، وإن تجاهل الإشارة إلى المصدر، لأن الموازنة تكشف ذلك!! ثم يبدأ السرد الوجيز. وقد يضع صوراً كضريح إبراهيم في الخليل، وفي النهاية يضع المصادر ومعظمها الكتب العربية التراثية ولا سيما التفسير و"قصص الأنبياء" التي كتب عنها كثيرون (4).

لن نبدأ معه منذ آدم فما يهمنا حصراً هو تاريخ فلسطين القديم، الذي يبدأ في التوراة بمجيء النبي إبراهيم إلى فلسطين "أرض غربته هو وإسحق ويعقوب وبنيه"، وكذلك يفعل صاحبنا فبعد استعراض الآيات القرآنية عنه يضع مصوراً/ خارطة (ص 42) تبين تحرك إبراهيم من العراق إلى فلسطين (من أور في العراق إلى حران في الشمال ثم جنوباً نحو فلسطين "القدس فالخليل") ومن الخليل إلى مصر ثم عودة إليها والتوجه منها إلى الحجاز (مكة) والعودة إلى الخليل ووفاته فيها.

في الصفحة (45) يميز العبيرو "الخبيرو" عن بني إسرائيل والموسويين واليهود، وأنه لا رابط بينهم فقد ظهر العبيرو قبل أولئك، وهذا جيد، إلا أنه لا يثبت على هذا الرأي كما سنرى! وهناك إشارة أخرى جيدة في (ص 49) وهي رفضه لمصطلح السامية الذي أطلقه العالم الألماني شلوستر عام 1781 في كتابه (فهرس الأدب التوراتي والشرقي).

يذكر المؤلف في (ص 46) أن كلمة إسرائيل اسم موضع كان موجوداً في فلسطين بناء على الآثار المصرية، وطبعاً اعتمد هنا على القراءة الغربية المزيفة لعلماء الآثار الغربيين، وقد دحض تلك القراءة وبين زيفها الدكتور سهيل زكار وأيضاً الدكتور محمد القبيسي!!

ويتابع د. شوقي فيذكر أن توراة موسى كانت بالهيروغلوفية ولم يبق لها أي أثر.

وموسى وقومه (الموسويون) لا علاقة لهم ببني إسرائيل الذين هم بنو يعقوب المولودون في حران، وهم مع أبيهم بعد أن جاؤوا إلى فلسطين لفترة رحلوا إلى مصر في عهد يوسف واندمجوا بالشعب المصري وذابوا فيه.

والموسويون فيما بعد انحرفوا عن ديانته وهم الذين عرفوا فيما بعد باليهود نسبة إلى مملكة يهوذا المنقرضة (ص 47)، وهو يكرر ما قيل عن التسمية والسبي وكتابة التوراة هناك بعد 800 سنة من موسى، وبحسب التاريخ التقليدي المزيف المنقول عن اليهوديات!

ويبين المؤلف سبب تأليف اليهود للتوراة في السبي بهدفين: الأول تعظيم اليهود (شعب الله المختار) وربط أصلهم بالنبي إبراهيم وإسحق ويعقوب (إسرائيل)، والثاني جعل فلسطين وطناً لهم مع أنها كانت أرض غربة لإبراهيم وإسحق ويعقوب وبنيه الذين عاشوا في حران، مكرراً مقولة أن إبراهيم وإسماعيل عربيان آراميان..

وضمن منهجه الذي ذكرناه يتحدث عن حكاية لوط مع خريطة (ص 58) توضح مكان إقامته قرب البحر الميت "بحيرة لوط" و"سدوم وعامورة وصوغر"، بعد أن افترق عن إبراهيم لضيق الأرض وهذا ما تقوله في الأصل التوراة.

ويتابع د. شوقي الحديث عن إسحق ووفاته في الخليل "حبرون"، ثم يعقوب مع مصور يوضح تنقله من حران إلى فلسطين ثم مصر، وعندما مات نقل إلى فلسطين ودفن في مغارة المكفيلة في الخليل كما ورد في التوراة إلى جانب أبيه إسحق وجده إبراهيم (ص 62). كما أن يوسف يدفن في المغارة نفسها.

ويعتمد المؤلف على الخرافات الشعبية في وجود تابوت يوسف في المغارة، لكنه لم يحدثنا عمن جاء به ففي التوراة أن موسى وجماعته عند خروجهم من مصر أخذوا رفاته معهم بعد أكثر من 400 سنة!

وحديثه عن قصة النبي موسى تقليدي يثبت فيها حكاية موسى في مصر وهروبه مع جماعته ويضع خارطة توضح مساره حتى نهر الأردن كما يرد في أطالس التوراة والكتاب المقدس دون أن يذكر المصدر حيث الموازنة تكشف النقل! ويذكر أن موسى يموت ويدفن في جبل نبو (كما تقول التوراة) وهو في جبل مؤاب شرقي البحر الميت، ولكنه يضيف في (ص 95) قائلاً هاجر موسى وقومه إلى أرض كنعان "فلسطين" حوالي عام 1200 ق.م، ثم أقام يشوع بن نون كياناً بسبب ضعف الكنعانيين وانقسامهم!

لا بد من الإشارة هنا إلى أنه وضع صورة المومياء منفتاح بن رمسيس الثاني (ص 80) كحقيقة تاريخية علمية!! والجدير بالذكر أن إحدى الصحف المصرية ذكرت منذ سنوات عديدة العثور على مومياء فرعون منفتاح بن رمسيس الثاني، وهذا ما ادعاه موريس بوكاي في كتابه "دراسة الكتب المقدسة" إذ عاين المومياء وادعى أنها لمنفتاح الذي كان زمن الخروج!

ونتابع مع د. شوقي فهو في كلمات موجزة وغير واضحة يتحدث عن داود (ص 88) وانتصاره على الفلسطينيين في "أشدود" قرب غزة، لكنه يفاجئنا بالقول إن ملكه توسع حتى بلغ من أيلة (العقبة) وحتى الفرات!! ويتابع عن سليمان معتمداً على سرد الآيات القرآنية، وشرح بعض الأماكن كوادي النمل.. وأن سليمان كان في فلسطين ودفن في بيت المقدس!

في (ص 95) يثبت الرواية التوراتية حيث يعود ليحدثنا بكلمات عن طالوت (شاول) وجالوت (جليات) وانتصار داود على جالوت الفلسطيني بمقلاعه، ثم إقامة ملكه على بني إسرائيل ودخوله القدس عام 1000 ق.م، علماً بأنه أشار سابقاً إلى أنه لا علاقة لداود ببني إسرائيل!!
كما يحدثنا عن انشقاق مملكة "العبرانيين" إلى كيانين السامرة ويهوذا (ص 96)، مع أنه أيضاً حصر سابقاً تعبير العبرانيين بإبراهيم وبنيه!!
ثم يتحدث عن القضاء على الكيانين والسبي، ليعود فيقول: (فكيان اليهود في أرض كنعان "فلسطين" كيان جزئي طارئ في تاريخ الأرض العربية)، مما يعني أنه يناقض نفسه ويوحد مصطلح العبرانيين وبني إسرائيل واليهود معاً!!

ب- أطلس التاريخ العربي الإسلامي (5):

يكفينا هنا إطلالة نقدية سريعة لأن منهجه العام ورؤاه واحدة:

في (ص 13) وتحت عنوان "فلسطين عربية" يقول: (سكن الكنعانيون أرض كنعان "فلسطين" منذ 2500 ق.م، وفي عام 1200 ق.م هاجر موسى وجماعته إلى أرض كنعان، وأقام يشوع بن نون كياناً - بعد موسى- بسبب ضعف وانقسام الكنعانيين العرب. واحتل داود القدس سنة 1000 ق.م، والباقي من أرض كنعان بقي بيد الكنعانيين والشعب الفلستي).. ثم يتحدث عن انقسام العبرانيين إلى: السامرة في الشمال التي قضى عليها الآشوريون بقيادة سرجون الثاني سنة 722 ق.م، ويهوذا في الجنوب وعاصمتها القدس التي قضى عليها البابليون بقيادة نبوخذ نصّر سنة 586 ق.م.. وهناك خريطة توضح حدود سامرة ويهوذا وبعنوان (أرض كنعان فلسطين في عهد الملوك)!!

ويتابع: (كل ذلك والسكان الأصليون لم يغادروا البلاد ولم يتركوا الأرض، وأثروا باليهود حضارة ولغة وعادات).

فكيان اليهود في أرض كنعان (فلسطين)، (كيان جزئي فاصل طارق في تاريخ الأمة العربية، وفي تاريخ الأرض الفلسطينية).

وهنا نسأل عن هذا القسم من الأطلس: أهو لتاريخ فلسطين العربية القديم، أم أطلس توراتي يثبت اليهوديات وخرافاتهم الكاذبة والمناقضة للعلم والتاريخ الحقيقي؟!

الخاتمة:

هناك كثيرون من نقد خرافات التوراة (6)، وهناك من علماء الآثار اليهود والباحثين من أنكروا الرواية التوراتية ولا سيما خروج بني إسرائيل من مصر، ودخول يشوع إلى أريحا ومملكة داود وسليمان والهيكل.. لكن مع الأسف أولئك الباحثون العرب المعاصرون يؤكدون اليهوديات القديمة وكأنهم في عالم آخر، فهم لا يتابعون المستجدات وأبقوا أنفسهم أسرى الطبري وأمثاله وكأنما هم عباقرة التاريخ، ولكن الحقيقة أنهم لم يكونوا مؤرخين وإنما مجرد نقلة للمعلومات بما في ذلك ابن خلدون عندما تناول تاريخ فلسطين القديم!

ليس الأمر مخجلاً فقط وإنما هو جريمة بحثية وتاريخية بحق فلسطين وأهلها الشرعيين.. لأنه يعطي اليهود المعاصرين شهادة رسمية بحقهم التاريخي في فلسطين، علماً بأن اليهودية دين فقط وليست جنسية ولا قومية ولا إثنية ولا عرقية، واليهود هم المنتمون للديانة اليهودية ولا تربطهم أية روابط عرقية أو جنسية أو إثنية كما هو الحال بالنسبة للمسلمين أو المسيحيين.. وهذا يعني أن يهود اليوم لا علاقة لهم ولا ارتباط بيهود التاريخ إلا من جهة الديانة فقط أي الأفكار. كما أن اليهود القدماء لا علاقة لهم مطلقاً بقبيلة بني إسرائيل القديمة والتي انقرضت تاريخياً.

فلسطين رمز للحق والخير والعدالة في العالم، وقد انتهى عهد الخزعبلات والخرافات الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية عن الحق التاريخي والشعب المختار؛ الشعب النقي العرق والمظلوم والمضطهد.. لقد انتهت تلك الأسطوانة الإعلامية الاستعمارية الكاذبة. والتوراة ليست مصدراً لتاريخ فلسطين القديم، فهي ساقطة تاريخياً وجغرافياً وعلمياً وأخلاقياً.. وما هي إلا خرافات وأساطير وحكايات مسروقة من تراث المنطقة ومسقطة لتخدم أهداف كتبتها القائم على استعمار فلسطين.

ونحب أن نشير هنا إلى بعض الملاحظات:

1- كثرة الكتب عن القدس وعروبتها ومكانتها قديماً وحديثاً تعبر عن إيمان المؤلفين بعروبة القدس ومكانتها ولكنهم يشوهون تاريخها القديم (7)، فكتبهم نسخ كربونية عندما تتحدث عن نشوء القدس وتاريخها القديم؛ لأنها تكرر الرواية التوراتية ولا سيما في عهد داود وسليمان!
كما أن البعض ادعى أن القدس هي محور الصراع العربي الصهيوني، وهذا غباء وتزييف للحقائق لأن جوهر الصراع العربي الصهيوني هو استعمار فلسطين منذ عام 48، وأية مدينة فلسطينية أو قرية لا تقل أهمية عن القدس المستعمرة!

نعم عندما ننظر إلى القدس من الجانب الديني فقط نجد أنها تتميز عن غيرها من المدن والقرى الفلسطينية بتلك المكانة الدينية الإسلامية المسيحية، إضافة إلى مدن أخرى لها أهميتها الدينية كبيت لحم..

أما إذا نظرنا من الجانب الوطني فهي مساوية لأية مدينة أو قرية أو ذرة رمل في فلسطين كلها من النهر إلى البحر.

2- هناك من ينظر إلى موضوع الصراع العربي الصهيوني من جانب ديني/ إسلامي فقط، وهو ما وقع فيه بعض الباحثين الإسلاميين، فصراعنا وطني قومي وإنساني وليس دينياً، ونسأل: هل إذا أسلم اليهود الصهاينة يصير لهم الحق في البقاء في القدس وفلسطين؟! إنهم مستعمرون يجب طردهم وإن أسلموا وإن صلوا وإن صاموا، فالجانب الوطني والقومي هو الأصل، ولن ينفع اليهود إسلامهم في شيء، فهم غرباء من جنسيات متنوعة لا تمت بأية صلة إلى فلسطين!

3- لم تكن فلسطين أرض الأنبياء وهذه حقيقة تاريخية، إلا أن بعض الباحثين الإسلاميين يهاجمون الذين ينكرون وجود الأنبياء على أرض فلسطين ويقولون إن هدفهم التشكيك بالأديان والكفر، ففلسطين أرض الأنبياء!

فتزوير حقيقة التاريخ القديم للقدس وفلسطين لا تأتينا من الغرب والصهاينة فحسب، بل وأيضاً من الكتبة العرب الذين لم يتغير خطابهم بعد، وما زال يدور في طاحونة أولئك الاستعماريين!

لقد لعبت الصهيونية على وتر الدين لتبرر اغتصابها لفلسطين ولا سيما القدس التي تجعلها الحلقة المركزية الجامعة لليهود، وهذا اللعب البراغماتي الاستعماري لا يستند إلى أية حقيقة علمية، وليس سوى تلفيقات لتاريخ ديني مزيف، وغشاء لحجب حقيقة القاعدة الاستعمارية التي تخدم أهداف الإمبرياليات الغربية وعلى رأسها أمريكا.

وقد ذكرت في مقالات عديدة بأن الباحث ليست مهمته فقط أن يفضح الإمبريالية والصهاينة في تزييف التاريخ الفلسطيني القديم، وإقناع الشارع الغربي بذلك، بل أيضاً عليه أن يقنع الكثير من المتدينين العرب المسلمين والمسيحيين، بخرافة تاريخية التوراة على أرض فلسطين!

الهوامش:

1- الكتاب (دراسة تاريخية متسلسلة منذ بدء التاريخ وحتى أحداث الساعة بالصور) - صدر في الكويت عام 2004.

2- راجع كتابي "فلسطين والمؤرخون العرب القدماء" حيث ناقشت فيه كل تلك الموضوعات السابقة.

وراجع أيضاً كتاب الباحث الأستاذ محمد محمد حسن شراب "الأخبار التوراتية اليهودية، خرافات تكدر ينبوع التراث الإسلامي"، وهو دعوة إلى تطهير التراث الإسلامي من رجس الإسرائيليات.
3- صدر عن دار الفكر المعاصر "بيروت/ لبنان"، ودار الفكر "دمشق/ سورية"، وقد ظهرت الطبعة الأولى عام 2000، وهنا اعتمدنا على طبعة عام 2003.

4- أهم مصادره هنا: "قصص الأنبياء" لابن الأثير والنجار والطبري والثعلبي.. و"المعجم المفهرس لمعاني القرآن العظيم" لمحمد بسام الزين، و"المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" لمحمد فؤاد عبد الباقي، وتفاسير القرآن كـ"صفوة التفاسير" للصابوني، و"مفصل العرب واليهود في التاريخ" لأحمد سوسة الذي مع الأسف وثق في كتبه اليهوديات في تاريخ فلسطين القديم!

5- صدر عن دار الفكر دمشق/ سورية - 2005. الطبعة الأولى ظهرت عام 1984، وتتابعت الطبعات فكانت الثانية عشرة عام 2005. وقد قدم للطبعة الخامسة التي ظهرت عام 2002.
6- على سبيل المثال انظر كتاب "الشخصيات الأسطورية في العهد القديم" لجميل خرطبيل!!

7- من هذه الكتب الحديثة: "القدس بين رؤيتين، هل تحسم النبوءات الصراع" للد. حسن مصطفى الباش الذي ظهر عام 1997. وكتاب "القدس.. صراع وتاريخ" لطارق عزب الذي ظهر عام 2001.. وكتاب "القدس أولاً" لعبد الحكيم مشوح السلوم الذي ظهر عام 2007..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى