الخميس ٢٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
بقلم فؤاد وجاني

نعمة الانتظار

في ذاك البلد المشؤوم والمشمول برحمة الله لأجل عيون الحيوانات والأسماك والقريبين من لدغة الموت، كان يعشق الانتظار في الطوابير الطويلة والمسطرة بعجز الموظفين ولعنات القهوة والشاي والحديث الفارغ والأجرة الشهرية الهزيلة. الكل يزمجر، ويسب، وينفخ، ويفش غضبه كما يفعل القرويون بوطب اللبن، وكأن الحكومة جلدة والخدمة لبن والشعب قطيع لا يأكل إلا التبن.

كان سعيدا بساعات الانتظار، يحمل في كل صف كتابا، يطالعه كاملا مبتسما، كلما طال الانتظار تدفقت الصفحات تلو الصفحات وانسابت المعاني كجداول الأطلس...آه يا أطلس كم يكفينا من انتظار...

الموت أفضل

تجاوز الأربعين، عرف الثراء بعد الفقر، جاب أركان الدنيا الخمسة ولو فيها أربعة، من روسيا إلى الهند إلى سمرقند إلى جزر المالديف إلى إيران التي لا تحبنا، نام ليالي باهظة في فنادق معتوهي الزمان من أمراء الصحاري والبراري العرب. ذات حلم رأى الموت، قرر في اليوم الموالي ترك السرير الوثير، حفر قبرا في فناء القصر، بات فيه ليلة ثم أفاق صباحا يردد ويلفظ التراب من فمه: الموت أفضل...


شيطان الحق

سرا يتناقل الشعب أخبارا أن حاكمه شاذ، ولا أحد يجرؤ على الجهر بالإشاعة، ومن يجرؤ ويعد الخوف أكبر سجن وهم قلة لا تتجاوز العشرات في بلاد الملايين، أولئك يلقونها أسرا سلبا عجافا بين جدران أربعة، أو موتا بالطريق السيار ذات حادث انزلاق سيارة في يوم ممطر ذي ضباب، أو رميا ليلا بالرصاص من مسدس غدر ذي كاتم للصوت، أو ينتحرون على أيد خفية في جنح الليل، ولا أحد يعلم يقينا إن كان للحاكم ميول للرجال دون الإناث والقصر ملآن بالزوجات والجواري والإماء وما ملكت الأيمان الشبِقة، لا أحد سوى عشاق الحاكم إن كان له عشاق، فإن بعض الظن إثم وإن بعضه لأجر عظيم. لا أحد يعلم وللحاكم فلذات فحولة، أطفال صغار يظهرهم للناس علنا في كل مناسبة و دون مناسبة.

مات الحاكم ذات يوم ، والموت حق يجري حتى على الملوك ، أقيمت صلاة الجنازة، خرج إمام المسجد الأعظم حيث يصلى على رفات المتسلطين على رقاب الناس متصببا عرقا وكان من الذين يعلمون عن شذوذ الحاكم فنادى فيهم:

أيها الناس، إنها صلاة جنازة رجل!

بينما وقف الإمام يرتل في نفسه آيات من الذكر الحكيم ويتلو الدعاء، جاءه الشيطان ينازعه في الضمائر المتصلة: "اللهم اغفر لها وارحمها... "

الولي المالح

حب البحر أكبر من كل حب، فليس للبحر قلب لكن مغناطيس عذوبة مصاغ من التيه والزرقة والملوحة، الكل يرحل ويبقى البحر، الأحباء والأهل والأصدقاء والأعداء والصحة والمال، لذا قرر الربان الحياة في قارب الصيد، لا يبرحه هو والنوارس بينما يغادرهما البحارة بعد كل رحلة صيد طويلة لذويهم وأهليهم.

رجع البحارة إلى القارب ذات فجر بعد أن فجروا بعضا من إحباط جنسي في بضع أرحام قد تلد أو لاتلد، لم يستقبلهم وجه الربان البشوش بلحيته البيضاء التي تشبه ريش النوارس، وجدوه جثة هامدة وبحانبه قنينة خمر من بلاد الكفار ووصية يوصي فيها بأن يدفن في أجف منطقة في الصحراء بعد الإيغال في البلاد مسيرة ثلاث ليال بسيارة رباعية الدفع.

بكى البحارة ربانهم والنوارس تحيط مودعة بأركان القارب من كل حدب، حملوا الجسد الخفيف إلى البر وبقيت روحه الأثقل في البحر، حين نقلوه إلى عمق الصحراء حفروا قبرا فانفجرت عين مالحة. مذاك اليوم، أصبح المكان مزارا للمصابين بالأدواء الرثوية والهيكلية العضلية والعظمية...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى