الأربعاء ٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١
بقلم هيثم نافل والي

عندما يشعر الشيطان بالملل

جلسَ الشيطان على حافة السرير متفكراً عندَ الظهيرة وهو يشعر باليأس والقنوط والملل الذي قلبَ نظام حياته التي لم يتعود فيها على أن يتذوق طعم الراحة والسكون والصمت والخذلان... كما هو الآن أبداً. نشاطه كان تضرب به الأمثال- الشيطان- ولكم أن تقدروا عظمته وسطوته عندما يستخف فيه الطرب، نراه يشمر عن ساعديه أكمام ثوبه التي تبدو كذيول الخيل! وهو يلعب بأقدار الناس كيفما يشاء ومتى ترغب روحه المتعطشة لفعل الشر!

اليوم فهو كسول، متراخي كالمدمن! ينام مبكراً ويصحو متأخراً وكأنه شاخ ولم يعد تشغله لعبة الحياة أو لم يعد له مكان على الأرض! وكلاهما شرٌ، يرفض قبولهما. فالهدوء الذي سادَ حياته في الأشهر الأخيرة دفعه إلى الحيرة والاستغراب بأمر هذه الأمة فقالَ معاتباً نفسه:

ما هذا الخمول والجمود الذي يغلف أيامنا هذه؟! ثمَ استطردَ ناكراً، انها ميول لا يتمتع فيها إلا الأموات... تباً لهكذا حياة تسير كعربة قطار... لا تخرج عن قضبانها، مملة ورتيبة وليسَ هناك ثورات أو تمرد أو حتى احتجاجات تجعل الأرض تشتعل والسماء تنظر فرحة بمنظر الكون وهو من تحتها يلتهب! صمتَ برهة وكأنه يتذكر... وشرعَ يقول كمن يقاضي نفسه كالمذنب:

الدكتاتورية طالَ حكمها في أمتنا المجيدة العتيدة! وجنحَ الناس في ظلها وتحت رحمتها تجتر معيشتها وهي ساكنة، قانعة تقبل بكل ما يؤمر بها كالعبيد. كلُ شيء متاح ومسموح به إلا الحريات! والحريات في عرفهم لا تأكل، إذن ليست من أولياتهم! هذه هي فلسفتهم والعياذ بالله. ثمَ صرحَ بحزم بعد أن ذاق ذرعاً بالانتظار والصبر وهذا ليسَ من طبعه:

يا لها من شعوب نائمة لا تحب أن تستفيق، كبركة ماء راكدة، يطفو على سطحها الطحالب الخضراء...

قطبَ حاجبيه وعبس ثم سرت انفعالات شيطانية في جسده وكأنه يسخن نفسه لجولته القادمة والتي يفكر بتنفيذها... فانتصب واقفاً كوثني ينوي الصلاة وصرخ بصرامة والزبد يخرج من فمه كجمل يرغ:

حظي العاثر يجعل مني شيطان متكاسل، ولا أجد ما أفعله، كل شيء مستتب، ولا أحد يستطيع أن يقول ثلث الثلاثة كم! ثمَ دمدم:

والمثل يقول- إلى أمه يتلهف اللهفان! عليهم اللعنة...وضحك باستهتار متخاذلاَ متقهقراً وهو يغمغم: عليك يا هذا... إذا ضربت فأوجع، وإذا زمجرت فأسمع! وهذا ما سأفعله بعينه... ودق على صدره وكأنه يجرب قوته وقال:

أنا دونَ هذا وفوق ما في نفوس الجميع... وهو يقهقه هه... هه...هه... ويتغنى بعد أن عرف كيف يبدأ عمله بالمثل الذي يقول:

إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فلتذبح! ها...ها...ها... عندها سعل بشكل قبيح ومقزز وكأنَ روحه ستخرج من فمه! وهو يخطط لمشروعه الشيطاني ، تغير لون وجه، واحمرت عيناه لتبدو كجمرتين وتوهجَ كشعلة من النار... ثمَ فجأة شعر بالارتياح وانبسطت أساريره، وإذا بملامحه تتفتح كزهرة عند الصباح، عجباً كيفَ يستطيع هذا المجهول الغريب أن يكون في لحظة عبوساً ومحتقناً وكأنه سينفجر! وفي أخرى تنبعث من عينية أشعة فضية كنور ألهي خارق عجيب وساحر... أمرٌ لا يصدق!

ظلَ اقفاً وبهدوء يدعوا للتأمل والإعجاب! انسدلت من حافة شفتيه ابتسامة ماكرة وهو يدمدم:

صحيح بأن الحياة أكثر قسوة وشدة من البحر الهائج والنار المضرمة... لكن الناس عاشوا بهدوء عجيب أقعدني عن أداء واجباتي اتجاه خالقي ومنزلي! ثمَ يقفز متناسياً نفسه وهو يقول بحدة:

سأجعلهم قساة الفؤاد، دنسوا اللسان، ذو قلوب كافرة بأرواح خبيثة، شريرة تتلاطم في جوفها الأهواء والشهوات. وكله سأحققه وبسرعة جنونية من خلال الوصفة الشيطانية تحت أسم الدين! ثمَ يردف بتأثر وبحرقة وكأنَ قلبه معهم! وهو يقول:

الدين...نعم، هو بعينه وليسَ شيءٌ سواه!

فالدين كانَ وما يزال لعبة السحرة وهوس المجانين. وأستطرد بتفاؤل: وهو ذاك...الدين الأصيل الذي يفتت الصخر ويجعل الحديد يغلي كالماء... ثم يقهقه عالياً وكأنه وجد ضالته التي يبحث عنها لرسم الشقاق وذر النفاق في وجوه الناس وقلوبهم! وأردف بحقد قاسي:

سنرى من يستطيع الصمود بوجه الدين وأفكاره الجميلة...؟! يضحك بغل وهو ينشد: إذا كنت في قومٍ، فأحلب في إنائهم، وأحلف بإلههم! وإن مالت القوس فسهمي صائب، ثمَ أنفجرَ ضاحكاً وهو يقول:

سأخدعهم كالصبيان بالزبيبِ...ها...ها...ها


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى