السبت ١٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١
بقلم مهند عدنان صلاحات

تنهيدة الأسى تلويحة الجنون

بأجواء دافئة صاحبها أغنيات للفنان كمال خليل، وقع الشاعر والروائي الأردني يوسف الديك، مساء يوم الخميس روايته الأولى الصادرة حديثاً عن درا فضاءات للنشر والتوزيع، بعنوان "تنهيدة الأسى تلويحة الجنون" في بيت بلدنا الواقع في جبل اللويبدة مقابل دارة الفنون، وقرأ عدداً من قصائده القديمة والجديدة، في أمسية أدبية فنية قدم فيها الكاتب وروايته القاص والمخرج مهند صلاحات، في حين أدار الأمسية الناشط الثقافي حسين ياسين.

بدأت الأمسية المصاحبة لحفل التوقيع، بتقديم من حسين ياسين رحب فيها بضيوف بيت بلدنا، ومن ثم قرأ أبياتاً من الشعر للشاعر إبراهيم نصر الله، وأضاف مستذكراً الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي صادف أيضاً الخميس ذكراها الرابعة والعشرين، تلاه بعد ذلك تقديم للشاعر والروائي وقراءة تقديمية للرواية قدمه المخرج والقاص مهند صلاحات، قال فيها بعد ترحيبه بالحضور: اسمحوا لي بتقديم شاعر عتيق إن صح التعبير، وكاتب محترف، يقدم اليوم بين يديكم رواية أدبية إنسانية لا تقل أهمية عن ما سبق وقدمه من أعمال شعرية عبر ما يزيد عن ثلاثين عاماً من رحلة الكتابة، بدأت بديوانه الأول "طقوس النار" في العام 1986، وشعراء من بلاد الشام 1992 وهو عمل مشترك باللغتين العربية والفرنسية، ثم تفاصيل صغيرة على نحاس القلب عام 2005، بالإضافة لعدد من الدراسات الفكرية والسردية والنقدية، ومخطوتين قيد الطبع.

وعن مضامين الرواية وأسلوبها، قال صلاحات: رواية "تنهيدة الأسى تلويحة الجنون" يحيلنا عنوانها في البداية إلى أنه عنوان لنص شعري، ليفاجئنا الكاتب في الصفحات الأولى للرواية أننا أمام نص روائي متقن الصنعة، حين يبدأ بكشف تفاصيل أمكنةٍ نعرفها جيداً، ونتعرف إليها بذات الوقت لأول مرة بلغة شاعرٍ متمكنٍ، وروائي منح نفسه الوقت الكافي من الاشتغال على نصه ليخرج بهذا الشكل.

وأضاف كذلك: تقع الرواية الصادرة حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في الاردن، في 190 صفحة من الحجم المتوسط، لتتناول مرحلة عشناها جميعاً كحدث سياسي، وشاهدناها عبر نشرات الأخبار، وهي الحرب الصهيونية على لبنان عام 2006، لنقرأها اليوم نصاً أدبياً منحازاً لإنسانيته، مبتعدة عن السرد الإخباري، فارضة نفسها ومكانها وزمانها وشخوصها، منذ جزئها الأولى، لتحملنا من العاصمة الجميلة عمّان، دون أن تنسى منذ صفحتها الأولى أن تقف كثيراً على تفاصيل هذه المدينة منذ تاريخ النشأة الأولى لها على يد العمونيون القدماء، وتحولاتها الجيوسياسية، وصولاً لما هي عليه اليوم، باعتبارها لا تزال "مدينة الحب الأخوي" كما أطلق عليها الرومان، وهي التقاطة ذكية من الكاتب في سبر أغوار تاريخ المدينة للخروج بتوصيف حقيقي لما هي عليه اليوم هذه المدينة.

وعن فضاءات الرواية أيضاً أضاف صلاحات: من عمّان المدينة التي تبدو كطفلةٍ مدللة تحرسها تلالها الشاهقة، ومنذ البداية أيضاً يبدأ الروائي بتعريفنا بشخوص روايته، ويصفهم وكأنهم أحياء بيننا، حتى يخال لنا بأنهم أُناس نعرفهم جيداً وكأننا عشنا معهم ذات يومٍ أو لا يزالوا يعيشون حولنا، فنشتم رائحة البصل المقلي المنبعث من مطبخ أم سمير، وننتظر معها عودة أخيها من السعودية، ومن ثم نذهب مع سمير، بطل الرواية، إلى مجمع العبدلي ونقف معه لحظاتٍ في انتظار سيارة السرفيس التي ستقله إلى دمشق، نودعه ولا نمضي، بل نركب معه في السيارة، نشتم دخان سيجارته الذي يعبق في أجواء السيارة، ونلتقي معه بالدكتورة نورة التي ستشاركنا الرحلة حتى دمشق.

وبمجرد أن تصل السيارة دمشق، سنجده يعود مرةً أخرى لانحيازه للأماكن، فيصف المدينة على لسان الدكتورة نورة بقوله: إنها مدينة لا تتغير لأنها ليست مدينة طارئة، تتغير قشورها فقط، لكنها تبقى دمشق مدينة التاريخ الإنساني.

وفي دمشق العصية على التغيير، حيث المشاعر تحاصرها خطوات رجال الأمن والشرطة والمخبرين، وحيث بردى الذي يجري منذ آلاف الأعوام، وتتبدل الناس والمباني حوله وهو باقٍ لا يتغير، متحدياً كل التغيرات التي حوله والتي يعتبرها الكاتب مجرد قشورٍ تتبدل، ستغوص الرواية أكثر باسلوب الروائي المحترف، لا يوحي أبداً بأنها العمل الروائي الأول، لتنحاز لإنسانية شخوصها، تغضب معهم، تحلل التفاصيل، وتحس أيضاً كما نحس فيها من بين السطور، لنعيش أكثر مع التفاصيل والشخوص، بلغةٍ متمكنةٍ لا تخلو من توظيف العامية بإتقان، وكذلك الشعر والفلسفة في لحظات ومواقف، و:انها سيرة ذاتية لشخصٍ نعرفه جيداً ونحبه، ونحب نزقه وغضبه، وهنا تظهر أكثر قدرة الكاتب المتمكن من لغته ونصه، والذي يجعلنا ننحاز برغبتنا إلى شخوص نصه الروائي، ونشعر بألمهم وحسرتهم وحيرتهم وحبهم أيضاً كما فرحهم وجنونهم أحياناً.

واستكمل صلاحات بقوله: من عمان، إلى دمشق، ومنها إلى بيروت ومنها إلى الجنوب اللبناني لتعود بنا مكانياً إلى نقطة البدء في عمان وتنتهي في مدينة حمص، تشتبك شخوص الروايية مع هنا الإنساني بشكل عام، ومع الهم العربي والفلسطيني بشكل خاص، لتنحاز لذاتنا المتمردة، وللذين يهوون الوقوف عكس الريح القاسية يطوعونها لغربتهم في التحليق والمرد، ويهزومن قسوتها للأبد.

إنها نص روائي جميل رغم إنسياب المشاعر الجياشية وطغيان الحنين في كثير من الأحيان، إلا أنها أيضاً رواية متمردة يظهر فيها الجنون ليكون سيدأً للموقف، جنون المغامرة والبحث عن الدهشة، الجنون الذي يمكن أن نترجمه من خلال مشاعر شخوص النص بأنه ذلك الفعل الإنساني الذي يضع الخوف خلفه ويمضي، يحول "سمير" العاشق الهادئ إلى مقاتلٍ في لبنان، ينحاز لقضيته الإنسانية كما ينحاز لعشقه بالتساوي.

وختم صلاحات بقوله: تنهيدة الأسى تلويحة الجنون، رواية تصفنا، تصف أحلامنا، مشاعرنا، وأحداثنا بعيداً عن نشرة الأخبار وتعقيدات السياسية اليومية... إنها فعلا رواية تشبهنا كما ظِلُّنا.

ثم قرأ الشاعر والروائي يوسف الديك عدداً من قصائده التي بدأها بقصيدة "أصوات من وحي الانتفاضة" وهي قصيدة تتناول الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي يصادف اليوم الذكرى الرابعة والعشرين لانطلاقتها، من خلال عدة أصوات تعبر كل واحدة فيها عن وجهة نظرها بهذه الانتفاضة الشعبية المجيدة، وكذلك قصيدة "ما قاله محمد الدرة صبيحة استشهاده" وختم بقصيدة "منار" وهي إحدى قصائده التي يستنكر فيها ما تسمى بجرائم الشرف، وتحكي شعرياً قصة فتاة تتهم جريمة شرف.

وبعد ذلك بدأ الفنان كمال خليل بالأمسية فنياً، بتقديم عددً من أغنيات فرقة بلدنا، بدأها من كلمات الشاعر إبراهيم نصر الله بأغنية نشيد الانتفاضة، ثم أغنية تونس من كلمات الشاعر صلاح أبو لاوي، وأغنية "محمد بو عزيزي" من كلمات الشاعر أحمد أبو سليم.

ومع انضمام بيسان كمال خليل للغناء، غنى كمال بمصاحبة بيسان أغنية "عمي يا أبو الفانوس"، وأيضاً غنى "من مثلك يحب الشتاء" وأكمل بعد ذلك كمال خليل من أغنيه الجديدة الغناء المنفرد بأغنية "مصر دايماً هي مصري" وهي أيضاً من كلمات الشاعر إبراهيم نصر الله، وأغنية "ارحل ارحل "من كلمات خليل عابد، بالإضافة لعدد من أغني فرقة بلدنا القديمة، وعدداً من أغنيات الشيخ إمام. في حين كانت مفاجاة الأمسية انضمام الفنان عبد الحليم أبو حليتم الذي قدم بدوره عدداً من أغنياته بالإضافة لعدد من أغنيات الشيخ إمام، في أمسية استمرت ما يزيد عن ثلاث ساعات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى