الأحد ١٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١

ساحر النظام

عيسى حموتي‎

ـ أطلب حالا!! أطلب ساحر النظام!! بدل أن تضيع الوقت في الركوع، نفذ!!!...

أين أنت؟ لماذا لا تحضر قبل الوقت الذي أنوي فيه المناداة عليك؟ لماذا كل هذا التقصير في الواجب؟ وصلتني أصداء تقول إنك تبدي بعض الليونة تجاه بعض من أنت مسؤول على العمل فيهم والاشتغال عليهم!!.أجب بسرعة! و بدون تفكير

ـ أملي ومناي إرضاء مولاي، ولا شيء في الكون يشغلني عن خدمة ولي نعمتي...

ـ أ لم أقل :بدون تفكير !!!

ـ عفوا يا مولاي أنا لا أفكر، أنت من يفكر ،فمنذ عهد بعيد و أنت تفكر ،و لك تجربة غنية في التفكير،أنا خلقت لأنـــــفذ وتجربتي في التنفيذ لا تزال ضعيفة

ـ هذا واضح أيها الأحمق منذ متى أتقن أمثالك عملهم؟ ها ت ما عندك

ـ إنني منشغل في استحضار القوى من مختلف الظواهر: من النار، من الرياح، من الرعد و البرق...أتمرن على التحكم فيها بدقة و إتقان، أشحنني بما أستمده من طاقات من البراكين، من الأنواء ،من الفيضانات والأعاصير...

ـ وماذا عما هو موكول إليك؟

وقف الساحر معتدلا،رغم ارتجاف ركبتيه أحس بنوع من الزهو يدفئ صدره وأخذ يستعرض انجازاته وهو متأكد

أنها ستحظى برضا شهريار. لقد سلط على من مسخهم ،وصاروا جرذانا، من قوى الشر ما جردهم من كل أنواع قدراتهم حتى أضحوا لا يستطيعون المشي إلا وهم يتلمسون الجدران،أما جحورهم فقوض لها من القوى ما يتـــــــــــــــــحكم في تضييقــــــها أو توسيعها على عكس ما تطلبه الحياة ويتحكم في حركاتهم وفي سكناتهم ، على شاشة هذه الـــــقوى تقرأ أحلامهم و آمالهم حتى قبل أن يفكروا فيها.

أما العمالقة فقزم أعدادا هائلة منهم ،بعد أن كانوا يصولون ويجولون أصبحوا أقزاما لا حركة لهم و لا صوت ، أضعف من الضعف نفسه.

أما الضفادع فلم تٌختر لها هذه الهيئة عبثا ،لقد أُفرغت جماجمها من كل مادة حيوية وحٌشــيت بالنخال حتى أصبحت تزقزق عوض أن تنق ،وللتأكد من مدى نجاح التجربة، وُضعت في مستنقع تضبط درجات الحرارة أو البرودة حسب ما تقتضيه المصالح العليا، وهكذا لا يمكن إطلاقا أن يصدر منها ما يثير القلق.وأما الــــــــــقردة ،ففي ردة الطرف تحولت عصاه إلى سياج، حولها وفي سمائها ،وحتى تحت الأرض ،وبتقنيات لم يسبق لها مثيل في كل العــــــــوالم .حسبك أن تعلم أن السياج مجهز بآلات لا ترى، ينطلق إنذارها عند الاقتراب منه بمسافة متحكم فيها حسب الأوضـــــــــــــاع والأوقات.

وما أن انتهى من هذا العرض حتى فاجأه شهريار

ـ اسمع أيها المغفل ،احترس ،كن منتبها أكثر، لا أريد أن تغفو لحظة واحدة ،كما لا أريد هفوة في العمل .ومن جهة أخرى

لا أسمح بأي تبرير كيفما كانت قوته أو ضعفه.والآن إليك مهمتك الجديدة ، أنجز ما تؤمر به بحذافره، و إلا استفرغت كل قواك

سلمه الحاجب مظروفا، استلمه ،ركع ومضى يتنفس الصعداء، اجتاز البهو والعرق يعيق حركته ...ألقى الظرف

و استلقى على ظهره وعيناه مثبتان إلى السقف...لم ينتبه إلى الوقت حتى سمع الحاجب يُعلمه برغبة شهريار في إطلاعه على الشوط الذي قطعه في المهمة الجديدة. وعاد الحاجب من حيث أتى.

لقد حول العرق إلى حلي، يقول إنه لا يوجد لها نظير لا في كمها و لا في نوعها. ساقها إلى حيث تكنز عبر أقطار الأرض واحتفظ ببعض النماذج لخزائن القصور، و أخرى كهدايا لمن يركع أمامهم مولاي، ومن هو لهم مدين. والدماء المجباة حالت "دولارات" خضراء، و"أوروهات" عنها ضاقت كبريات أبناك الكون ووكالاتها، في كل زاوية من العالم. والغريب أن دموع البؤس نبتت في كل محيط،، في كل بحر، جزرا كالفطر ـ أما ثدي الأم فمدت منه مباشرة إلى القصور أنابيب تصب في صهاريج:صهاريج النا ر و الاستحمام .هذا ما أنجزه إلى حدود اللحظة التي زاره فيها الحاجب.

استدعى شهريار ساحره.

ـ لا حاجة أن ... لا...لا... عد إلى عملك!

ـ إذا أذنت عظمتكم ،لقد لقيت مضايقات في عملي من لدن شهرزاد ...

ـ لا تهتم ولا تلق بالا ،فشهرزاد لم يعد لحكاياها جدوى،يكفي ما هدر من وقت ثمين ، لقد شغلتني لأمد طويل عن شؤوني

وحان أن تخون كبنات جنسها.

تمتم بينه و بين نفسه

ـ الشكر للقوى العظمى، آن لهذه الصخرة أن تزاح من طريقي.

كانت شهرزاد عائدة من حصة تحريض في غياب الساحر، استطاعت إقناع الأقزام و المسوخ بالتمرد ضد شهريار وسحر النظام، وضرورة تنفيذ الخطة بإتقان ،عندما التقت في الرواق بالساحر، قبل أن يدنو منها صدر من أعماقها فحيح كشواظ نار من فم تنين،أصاب الساحر على مستوى الصدر،دفعه إلى الخلف ليسقط على حافة الصهريج حيث لا زال شهريار يسبح ـ ينعم بما تجود به الأم حتى، على العقوق من أبنائها ـ يبدو أن ألساحر استنفذ قواه ـ في المهمة الأخيرة دون أن يلقي بالا ـ .وفي لمح البصر عج المكان بالأقزام و المسوخ ،والساحر ملقى على الأرض شيئا فشيئا تخور قواه والأقزام والمسوخ شيئا فشيئا تستعيد هيئاتها وأشكالها، إلى أن استوت على صورتها" مهيار"ينعم بكبرياء.

مد شهريار يده نحو المنشفة فحيل بينه وبينها، وقف فاغرا فاه و ساحره يتنازل ويتنازل أكثر فأكثر على أمل أن يُسمح له بالبقاء على قيد الحياة. حاول شهريار أن يدخل عبثا في حوار مع الجمع الواقف صفا متماسكا، بيد كل فرد فرد ولاعة

بلهيب أزرق، ما كان له أكثر من أن يتحدث إلى نفسه

ـ لم لم أفكر يوما في مثل ذي الحال مصيرا لي؟ أ أغادر عاريا ، أم أموت حرقا في ذا الصهريج؟ أم سيكون مصيري أفضل من حال هؤلاء في الماضي؟

عيسى حموتي‎

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى