الاثنين ١٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١
بقلم مهند عارف النابلسي

مؤتمر المناخ في «دوربان»

اجتثاث غابات البرازيل وانفتاح ثقب الاوزون والانفجار السكاني وارتفاع غازات الدفيئة !
لو استعرضنا جملة أخبار عالمية مزعجة لوجدنا أننا سنواجه كبشر عما قريب كوارث بيئية عالمية ربما تفوق نتائجها كوارث الحروب والزلازل والتسونامي، نظرا لضعف وعينا البيئي ولا مبالاة الأغنياء والفقراء على حد سواء: فالجوع يدفع سكان إحدى مدن الصفيح البرازيلية القريبة من مكب النفايات لأكل الأعضاء البشرية المبتورة، والأسماك تتعرض للانقراض لازدياد أعمال الصيد الجائر في المحيطات، وتعلو نسب ثاني أكسيد النيتروجين والاوزون في معظم مدن العالم المزدحمة. ولو استعرضنا المشاكل البيئية المحلية التي تعاني منها مدننا العربية المخنوقة، لوجدنا عددا لا يحصى من المشاكل التي تتراوح ما بين أدخنة عوادم السيارات والمحطات الحرارية والمصانع، وروائح المياه العادمة الخانقة وتأثيرات مكبات النفايات، ناهيك عن الفقر والازدحام السكاني وتكاثر مدن الصفيح وتلوث المياه وتلوث الجو كنتيجة لعوادم السيارات وانتشار المخلفات وغيرها من الظواهر البيئية السلبية المزعجة، وحيث لا تلقى هذه المظاهر والمشاهدات الصدى الرسمي أو الشعبي الكافي، وتكاد تمر مرور الكرام ن ولكنها تدق بهدؤ ناقوس الخطر البيئي القادم ذي البعد الكارثي !

لا يطرح بول كنيدي في كتابه الشهير حلولا سحرية ن ولكنه يقدم كما هائلا من الحقائق والاستنتاجات الموضوعية، وهي تهدف بمجملها لإثارة وعينا البيئي ودفعنا للتفكير ايجابيا في موضوع البيئة، منبهنا للخطر الكامن المتربص بنا " القنبلة البيئية الموقوتة " والتي لا يعرف أحدا متى ستنفجر لأنها تسخن ببطء، ولأن انفجارها مرتبط بجملة عناصر معقدة ومتداخلة في آن معا.

يطرح الكاتب موضوع المياه في الصفحتين 281 و282 بعنوان "الرابحون والخاسرون في العالم النامي"، حيث يقول: يستعمل الفرد الأردني من المياه ثلث ما يستهلكه الإسرائيلي، ولا يوجد إلا أمل ضئيل في الأردن لزيادة كمية المياه، علما أن المتوقع أن يتضاعف سكان هذا البلد خلال العشرين سنة القادمة، ويتجاهل الكاتب السياسة المائية العدوانية التي تنتهجها إسرائيل تجاه الأردن والفلسطينيين عندما يقول: ويتنازع كل من الأردن وسوريا وإسرائيل (متناسيا فلسطين!) على حقوق المياه في أنهار الليطاني واليرموك والأردن! وما المعنى من وجود سياسات مائية دفاعية لدى كل من مصر والعراق وسوريا والأردن فيما تنتهج دولا كتركيا وإسرائيل وإثيوبيا سياسات مائية عدوانية تجاه العرب وكأنهم أصبحوا " الحيط الواطي" لسكان المعمورة ن وذلك بسبب تشرذمهم وضعفهم وافتقادهم للرؤيا الإستراتيجية المستقبلية!
أمثلة عالمية لممارسات بيئية كارثية!

*. إصرار الصين والهند على تحقيق ثورات صناعية ( بلا مراعاة للضوابط البيئية )، مما سيجعلهما يشكلان أبرز مصادر الغازات الملوثة خلال القرن الحالي.

*. الاستمرار بتدمير الغابات المطيرة في البرازيل وأمريكا اللاتينية والتي تشكل رئة العالم، وقد قررت أمريكا اثر حرق الغابات البرازيلية، رفض دفع أموال دولية لإنشاء طرق واسعة في البرازيل داخل غاباتها، وبخاصة بعد مقتل فرانسيسكو مينديز الذي حاول بشجاعة منع أصحاب المواشي من تدمير الغابات!

*.استمرار خطر الانفجار السكاني في كل من الهند والصين وأمريكا اللاتينية وجنوب آسي وأفريقيا ن مما تسبب في اختفاء المراعي وانجراف التربة والتملح (ستتجاوز الهند الصين في عدد السكان ليصبحوا مليارا ونصف في العام 2030 ).

*. استمرار دول الشمال في نفث كميات ضخمة متفاوتة من الغازات الملوثة، وخاصة ثاني اكسيد الكربون.

*. إسراف الولايات المتحدة (علما بأن سكانها يشكلون 4% فقط من سكان العالم) في استهلاك ربع وقود العالم!

وبعد ذلك يتساءل بسخرية لاذعة ومعبرة : ترى كم من الأثيوبيين والكشميريين الفقراء لديهم الوقت للاهتمام بانفتاح " ثقب الاوزون " فوق أمريكا الشمالية؟!

تحذير "ماركيز " البيئي!

وجه الكاتب الحائز على جائزة نوبل بالآداب نداء تحذيريا عام 1991 إلى رؤساء دول أمريكا اللاتينية يلفت انتباههم أنه بحلول عام 2000 ربما ستكون ثلاثة أرباع غابات أمريكا الاستوائية قد اجتثت، وانقرضت حوالي 50 % من الأنواع البيولوجية المتوفرة ! فهل حدثت توقعاته المتشائمة؟ وهل نتوقع مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وعيا مماثلا من كتابنا ومفكرينا ؟ أم أنهم غارقون في ذواتهم وإبداعهم وتداعيات وإرهاصات ثورات الربيع العربي العارمة ! أم أننا لا زلنا نحافظ على سذاجة الاعتقاد بدوام بهاء وجمال الطبيعة التي هي أهم مصادر الإلهام والإبداع الأدبي ! فهل يكفي ترك موضوع التلوث والبيئة للمختصين فقط ونحن نعاني كعرب أصلا من التصحر وفقر المياه وانعدام أو قلة الغابات والأراضي الزراعية....اندهشت حقيقة عندما زرت مؤخرا شاطئ البحر الميت، ووجدت المتنزهين يتعايشون مجبرين مع كم هائل من المخلفات والنفايات الملقاة بعشوائية على طول الشاطئ الممتد، مقابل لامبالاة المواطنين وتعودهم وانعدام أي توجه وفعل ميداني رسمي أو شعبي لجرف وتنظيف هذا الشاطئ "الساحر بيئيا " احتراما للبيئة والمواطن على حد سواء ! فكيف كنا نطالب العالم بان يصوت لتحويل هذه المنطقة الخلابة إلى أحد عجائب الطبيعة مع هذا الكم من اللامبالاة والاستهتار؟ أم إننا لا نقيم وزنا واعتبارا إلا لزوار وضيوف فنادق الخمس نجوم متجاهلين المواطن العادي، والذي بدوره تعود على الإهمال وعدم احترام البيئة فلم يسعى لبذل الجهد التطوعي لإزالة المخلفات التي تحيط به وتخنق متعة تنزهه!
احتمال غرق جزيرة " توفالو " في المحيط الهادي!

في مؤتمر دوربان البيئي المنعقد في جنوب إفريقيا، حذر أهم علماء المناخ الهندي راجندرا باشوري (الحائز على جائزة نوبل) بان موجات الحر سنشهد حصولها كل سنتين في نهاية هذا القرن، إضافة إلى الفيضانات وشح المياه (تناقض بيئي)، كما أن الدول الفقيرة ستجبر لاستخدام 90 % من الديون المحلية لتغطية نفقات الكوارث الطبيعية. كما حذر ايان فراي (كبير المفاوضين) عن جزيرة " توفالو " الواقعة في المحيط الهادي، انه من المحتمل أن تغرق تلك الجزيرة جراء ارتفاع منسوب مياه البحار بفعل ذوبان الثلج في القطب الشمالي.

والسؤال الهام هنا: هل التزمت البلدان الصناعية بتخصيص مبلغ ال30 مليار دولار التي وعدت بها لمساعدة البلدان النامية خلال الأعوام ما بين 2010 إلى 2012 كما تعهدت في قمة كوبنهاجن ؟! أم أن الأزمات المالية المتلاحقة غيرت أولوياتها؟ والخلاصة أن موضوع البيئة والمناخ يبدو شائكا ومعقدا ولا يحظى بالإجماع العالمي، حيث تتمسك الدول الصناعية الغنية بمصالحها القصيرة الأمد وأنانيتها ، وتبدو غير راغبة على تصحيح أخطائها، ويتمثل ذلك في موقف كندا الحالي التي كانت في البدء متحمسة وترغب حاليا بالتخلي عن بروتوكول كيوتو، سائرة على نفس الدرب الأمريكي المتغطرس التي انسحبت مع إسرائيل من مؤتمر دوربان ! والأمر يستحق بذل التضحيات والتخلي عن سياسات اللامبالاة والرفاهية والربح: فهل ستقبل شركات الشحن البحري الدولية دفع ضرائب وقود خاصة لمكافحة الانبعاثات الكربونية؟ وهل سيتم إدراج الرحلات الجوية الدولية في مشروع تداول انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؟ وهل سيتم تدريجيا التخلي عن سيارات الوقود التقليدية لمصلحة السيارات الهجينة أو الكهربية؟ وهل سندخل المستقبل على " دراجة هوائية " وقد تحولت عواصمنا لكراجات سيارات هائلة وخاصة مع انخفاض أسعار السيارات والتسهيلات البنكية ومع دخول سيارات الدفع الرباعي الكبيرة وتزايد أعدادها وخاصة أنها لم تصنع للسير داخل الطرق المكتظة في المدن؟!

الخلاصة: هل سنحافظ على كوكب الأرض؟

يا حكماء العالم اتحدوا!

طالما استمر عالمنا في أنانيته وذاتيته البغيضة، فأن الإجراءات والقوانين والتشريعات وحدها لن تضع حدا لتدمير الغابات المطيرة واستنزاف المياه الجوفية والإسراف في استهلاك النفط ( العربي خصوصا ) وكافة الممارسات البيئية الضارة......وهكذا ستؤدي هذه السلوكيات والممارسات جميعا في نهاية الأمر للإضرار كثيرا بالغشاء الحيوي للأرض التي نعيش عليها.. وكما أشار بول كنيدي في بحثه البيئي:..فإذا كان المريخ أشبه بثلاجة التجميد الشديدة البرودة، والزهرة أشبه بالأتون الحارق فان الأرض هي الوحيدة المغلفة بذلك الغشاء المادي الرقيق، الذي يشمل أيضا غازات الغلاف الجوي والذي يسمح بوجود حياة متنوعة على هذا الكوكب " المتميز "، فإذا ما تعرض محتوى هذه الغازات لتغير شديد فإما أن نعود للعصر الحجري، وان تستمر درجات الحرارة بالارتفاع لتصل لمستويات مزعجة وربما كارثية ! وهذا ما لا يتمناه احد سواء لنا أو حتى للأجيال المقبلة من بعدنا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى