الخميس ٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم محيي الدين غريب

الانتظار

الانتظار قد يعطى الطمأنينة والهدوء أحيانا وقد يثير القلق والجذع أحيانا أخرى، ولكن فى الانتظار أيضا فرصة للتأمّل ومهلة للتفكر، وحروف هذه الكلمة عادة ما تسمح فيما بينها فسحة من الخيال، فسحة قد تطول وقد تقصر.

نحن ودون أن ندرى نقضى أوقاتا طويلة فى حالة من الانتظار، قد يكون انتظارا طبيعيا وقد يكون متعمدا أو لاأراديا، انتظارا لما نتوقعه ولما لانتوقعه.

فنحن فى انتظار وصول ومغادرة القطار وفى انتظار موعد الطبيب وعطلة نهاية الاسبوع وموعد آذان الصلاة ونتيجة الامتحانات وفى انتظار الخبر السعيد، وأيضا فى انتظار غروب الشمس وموعد لقاء الحبيب وفى انتظار الفرج بل أحيانا فى انتظار اللحظة المناسبة. وحتى قد ننتظر شيئ ما اثناء الانتظار.

نحن ننتظر بفارغ الصبر تلك الأشياء المحببة لنا وننتظرعلى مضض أشياء أخرى غير محببة، ننتظر أحيانا لكسب الوقت وأحيانا أخرى لاضاعته.

وليس من المبالغة إذا قلنا أن ما يشغل معظم حياتنا هو الانتظار.

فترة الانتظار قد تمتد إلى ساعات أو إلى أيام وقد تختصر إلى لحظات، ويمكن أن تستغرق كل الحياة، قد تحس اللحظات وكأنها ساعات وقد تحس الأيام وكأنها دقائق، ذلك حسب العديد من الاعتبارات والتداخلات وحسب قدراتنا الخيالية المختلفة.

فترات الانتظار تعد أصعب وأثقل فترات الحياة بغض النظر عما تحمله وبغض النظر عما إذا كانت فترات ممتعة أو مؤلمة، لأن أثناء الانتظار ينطلق خيالنا فى جميع الاتجهات مرورا بما هو متوقع وبما هو غير متوقع، ما هو معقول وما هو مستحيل، ما هو قريب وما هو أقرب وهكذا.

فترات الانتظار يختلط فيها الواقع والخيال وينسج فيها التمنيات والآمال والتشاؤمات كل حسب ما يريد ولكن بصفة مؤقتة، قد تكون فترات سعيدة وممتعة تفوق الواقع وقد تكون فترات تعيسة بعيدة كل البعد.

ونحن فى انتظار لقاء الحبيب لايمكن ان نتجنب التفكير حتى ولو بصورة خاطفة، ماذا لو تأخر الحبيب وماذا لو لم يجيئ وماذا لو حدث حادث وهل فتر حبه أو نسى موعد اللقاء، وعشرات أخرى من التساؤلات، قد يمر الوقت اثناءها سريعا لنجد الحبيب فجأة أمامنا، وقد يمر بطيئا مملا وكأنه أيام. وفى كلا الحالتين فإن هذا الوقت بطوله أو بقصره هو ما يستقطع بالفعل من العمر وليس الوقت الزمنى.

فعندما تمر الدقائق وكأنها ساعات فإن ما يستقطع بالفعل من عمرنا الفعلى هى تلك الساعات. فكل مايسمح به خيالنا ونحن فى انتظار الحبيب يكون قد أثقل وتراكم على حياتنا الفعلية، ولكنه تراكم صحى يخزن فى خيال عقلنا الباطن ويكون بمثابة مخزون لخبرات يمكن الاستفادة منها فى مواقف الحياة المختلفة.

ونفس الشيئ عندما تمرالساعات وكأنها دقائق فإن ما يخصم من العمر هى تلك الدقائق. وهذا ما يبرر ما نراه كل يوم من وجوه تبدو فى ملامحها أكبر مما تحمله من عمر وأخرى تبدو أصغر بكثير.

الموت أيضا من بين الاشياء المنتظرة ولكنه من بين الاشياء الغامضة فى الحياة إن لم يكن أكثرها غموضا، وحتمية وقوعه فى أى لحظة والخوف منه يجعلنا لانسمح لأنفسنا بانتظاره وننأى بالتفكير بعيدا عنه، فقط نتأمله بين الحبن والآخر لأخذ العبر والدروس.

ومع ذلك فإن انتظار الموت يحتل جميع حواسنا لاإراديا، فنحن نتنفس ونأكل ونشرب فى محاولة للأفلات من الموت، والصراع للبقاء على أشده داخل أجسامنا فى كل لحظة، فملايين من الجراثيم والفيروسات الضارة فى محاولة مستمرة وفى انتظار فرصة سانحة لهدم اجهزة المناعة وملايين أخرى منها نافعة هى الاخرى فى انتظار الوقت المناسب لصد هذا الهجوم.

أشياء أخرى كثيرة غامضة تعودنا أن ننتظرها ولكن دون أن نفكر فيها، فنحن ننتظر بزوخ الفجر وغروب الشمس وسدول الليل وظهور وأختفاء القمر كل يوم، وتعودنا على وجودها جعلها أقل غموضا وأهمية وأقل تحمسا لانتظارها ونحن فى غمرة مطالب البقاء.

كل هذا ونحن لانزال فى حالة من الانتظار لأشياء كثيرة، بين تخوف وتشوق، بين توجس وأمل، بين تأنيب للضمير وحسرة على فعل كان يمكن أن نفعله، وبين سلام مع النفس لأداء وفقنا فيه.

ولكن يبقى انتظار البلاء هو أشد وأمر انواع الانتظار ووقوعه أهون بكثير من انتظاره، وكما يقول المثل العامى "وقوع البلاء ولا انتظاره".

القارئ فى انتظار السطور الاخيرة من المقال والكاتب فى انتظار الانتهاء من مقال جديد، ولكننا جميعا فى انتظار الغد، أليس غدا لناظره قريب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى