السبت ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦

سعد الله ونوس

كاتب مسرحي سوري ولد في حصين البحر بمحافظة طرطوس عام 1941 ، واشتهر منذ الستينات كواحد من أبرز وجوه الحركة الثقافية والمسرحية في العالم العربي .

درس الصحافة في القاهرة وأنهى دراسته في عام 1963 . وفي تلك الفترة بدأ اهتمامه بالمسرح وكتب مسرحيات قصيرة صدرت عن وزارة الثقافة في سوريا عام 1965 ، في كتاب مستقل تحت عنوان " حكايا جوقة التماثيل " ثم جمعت مع غيرها في كتابين صدرا عن الآداب في لبنان عام 1978 . ومن أهم هذه المسرحيات القصيرة " ميدوزا تحدق في الحياة " و " فصد الدم " (1963) ، و " جثة على الرصيف " ومأساة بائع الدبس الفقير " والرسول المجهول في مأتم انتيجونا " (1964) و " الجراد " (1965).

سافر إلى فرنسا عام 1966 وتعرف على المسرح الغربي في فترة تحولاته الأساسية ، واستطاع أن يستوعب أهم الطروحات الجديدة في تلك المرحلة وأن يطوعها في أعماله على أرضية المسرح العربي واهتماماته . فاستخدم " الهابننغ والتحريض " وأدخل تقنياتهما على موضوع الحرب في عام 1968 وذلك لكي يطرح سؤالا جوهريا حول الهزيمة مشككا بقدرة الكتابة المسرحية التقليدية على التعبير عن المستجدات والأحداث العنيفة المعاصرة كما في مسرحية " حفلة سمر من أجل 5 حزيران " .

إن استخدام تقنيات المسرح الغربي ، في تلك المرحلة ، لم يؤد عند سعد الله ونوس ، بأي حال من الأحوال إلى عملية نسخ ، وإنما كان عملية جدلية ربطت ودمجت بين أهم التطورات التي دخلت على المسرح العالمي في الغرب ، وبين أشكال وتقاليد " الفرجة " في تراثنا الثقافي والشعبي . وهذا ما نجده في مسرحيات مثل " الملك هو الملك " ( 1978 ) و " الفيل يا ملك الزمان " ، و " مغامرة رأس المملوك جابر " ( 1969 ) حيث يحكي حكواتي لجمهور مقهى شعبي حكاية المملوك الذي ضيع رأسه في معمعة الصراع على السلطة . في هذه المسرحيات يستخدم ونوس تقنيات اللعبة والحكاية التي تولد حكاية أخرى ( كما في حكايات ألف ليلة وليلة ) ، وتقنية المسرح داخل المسرح بحيث تبدو الأمور وكأنه لعب ينقلب إلى جد . وقد بلور ونوس عبر هذه المسرحيات مفهوم " التسييس " وميزه عن المسرح السياسي .

وبالإضافة إلى ذلك صاغ ونوس أفكاره عن المسرح والثقافة بشكل نظري في كتابي " بيانات لمسرح عربي جديد " و " هوامش ثقافية " . والواقع أن اهتمامات ونوس المتعددة والمتنوعة على المستوى الثقافي قد تبلورت في نواح عديدة منذ البداية . فقد قام بترجمة جان فيلار إلى العربية ، وكتب مسرحية عن مؤسس المسرح في سوريا وهي " سهرة مع أبي خليل القباني " . كما ساهم في ترسيخ أسس لمهرجان مسرحي في دمشق ، وأسس وترأس تحرير مجلة مسرحية مختصة هي ( الحياة المسرحية ) ، وساهم في إنشاء معهد لتدريس المسرح في سوريا .

كرم سعد الله ونوس في محافل عديدة أهمها مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي في دورته الأولى ومهرجان قرطاج بـ تونس عام 1989 وحصل على جائزة سلطان العويس الثقافية عن حقل المسرح في دورتها الأولى .

صدرت أعماله الكاملة في عام 1996 ، في ثلاثة مجلدات عن دار الأهالي بدمشق ، جمعت فيها كل المسرحيات الطوية والقصيرة والنصوص النظرية من بيانات وكتابات تتعلق بالمسرح . وقد ترجمت مسرحياته إلى العديد من اللغات الأجنبية كما نشرت وتم عرضها في كثير من الدول العربية والأوربية .

رحل سعد الله ونوس في الخامسة عشر من أيار / مايو 1997 ، أثر مرض دام لسنوات لم ينقطع خلالها عن الكتابة . ومن أعماله في هذه الفترة " طقوس الإشارات والتحولات " و " والأيام المخمورة " .
هوامش للعرض والإخراج

أحاول في هذه المسرحية تجربة أخرى من تجارب " مسرح التسييس " التي بدأتها من قبل - ينبغي هنا التنبيه إلى أن هناك فارقا كبيرا بين " المسرح السياسي " و " مسرح التسييس " لا مجال الآن للبحث فيه - وأحدد بسرعة مفهوم هذا " المسرح " على أنه حوار بين مساحتين . الأولى هي العرض المسرحي الذي تقدمه جماعة تريد أن تتواصل مع الجمهور وتحاوره . والثانية هي جمهور الصالة الذي تنعكس فيه كل ظواهر الواقع ومشكلاته .. وحتى الآن لا يزال هذا الحوار صعبا . فمن جهة ، هناك التقاليد المسرحية المبنية على إلغاء مثل هذا الحوار ، أو إقامته بصورة غير مباشرة وضمنية . وهناك أيضا - وهذا أهم - طبيعة المتفرجين أنفسهم وموانعم الداخلية التي تحول بينهم وبين مباشرة الحوار والانسياق مع نوازعهم الداخلية للتعبير عن أنفسهم . لهذا فإننا نقوم بتجربة بعض الوسائل المصطنعة لتقديم مثل على إمكانية هذا الحوار كأن نضع في سياق العمل متفرجين يتحدثون لحسابهم ، ويناقشون ، ويقدمون نموذجا لما يستطيعه ، المتفرج أو لما ينبغي أن يكون عليه . طبعا نحن لسنا من السذاجة بحيث نعتقد - كما ظن أحد الكتاب في تعليقه على " حفلة سمر " - أن المتفرجين الحقيقين لن يكتشفوا أن هؤلاء الذين يجلسون بينهم ، ويشتركون في النقاش والحوار ، همم ممثلون مدربون على أدوارهم .. ولكن كما قلت سابقا : إننا نحاول ببعض الوسائل الاصطناعية كسر طوق الصمت ، وتقديم نموذج قد يؤدي تكراره إلى تحقيق غايتنا في إقامة حوار مرتجل وحار وحقيقي بين مساحتي المسرح : العرض والمتفرج . ومن المؤكد أن هذه الوسائل ليست كافية وحدها ، وقد تتحول إلى مجرد مسألة شكلية وتقنية ، ما لم يتوفر الأمر الأهم والأساسي في إثارة الحوار وتشجيعه . وأعني أن تتوفر في العرض المسرحي - أي في المساحة الأولى - الشروط اللازمة لإثارة الحوار .. كارتباط الموضوع بحياة المتفرج ومشاكله ، ونوع المعالجة ، وشكلها .. و... على أن هذه الشروط لا تكفي الموهبة فقط لتحقيقها ، وإنما تحتاج إلى بحث طويل في ظروف البيئة وبنيتها . وللأسف حتى الآن لم نشرع جديا في هذا البحث .

إني أحلم بمسرح تمتلئ فيه المساحتان ، عرض تشترك فيه الصالة عبر حوار مرتجل وغني يؤدي في النهاية إلى هذا الإحساس العميق بجماعيتنا وبطبيعة قدرنا ووحدته .

هذه المسرحية ليست إلا مشروع عمل لن يتم إلا بعد أن تتوفر له مجموعة متجانسة ولها رؤيتها ، تقوم ببنائه وبلورة إمكانياته من خلال بحث دؤوب ، لا تتوقف حددوده عند الهواجس الجمالية ، بل تتعداها إلى المشكلات السياسية والاجتماعية للواقع . إن كل تجربة عرض لهذه المسرحية ينبغي أن تكون في الوقت نفسه تجربة بحث ظروف البيئة الراهنة ، وشروط الاتصال بالمتفرج والتفاعل معه . دون ذلك ، هذه المسرحية تفقد كل مرراتها وقيمتها أيضا .

عندما أقول إن المسرحية ليست إلا مشروعا للعمل ، فإنني أعني وجود بعض الثغرات والمساحات الفارغة ، التي تركت عمدا كي يملأها " العرض المسرحي " بما يلائم الظروف والمكان . ليست لهذه المسرحية بداية دقيقة ، والسياق نفسه يمكن ألا يتخذ شكلا صارما ومعماريا . نحن في مقهى .. والمقهى ليس مكانا للحدث المسرحي ، بل هو المسرح نفسه خشبة وصالة . والجو الذي يسوده له دور صميمي في المسرحيه . فمن خلاله سنعمد إلى كسر الطوق اليابس للعرض المسرحي ، وسنتخلص من طقوس العمل الدائري التام لنبعث بعد ذلك نوعا من الألفة بين المتفرجين ، يتيح لنا تقديم صورة عفوية تتخللها حكاية ذات مغزى . لهذا فإن البداية ليست مرهونة بساعة معينة أو بافتتاح صارم . إننا نبدأ فقط عندما يعم إحساس منشود بالألفة . وتتلاشى الغرابة الأولى ، التي يحسها المرء حين يجد نفسه وسط جماعة ، هي الأخرى بمجموعها تحس بالغرابة إزاء قصة وشخصيات ومناظر تراها لأول مرة .

باختصار إني أقترح شكل " سهرة المنوعات " لعرض مسرحي . ولا شك جو المقهى يتيح لنا فرصة ممتازة لذلك . وهذا الشكل لا يلتصق بهذه المسرحية فقط وإنما يمكن التوسع فيه ، واستنفاد إمكانياته في أعمال كثيرة لأن المهم في النهاية هو أن نتجاوز شكلا صارما لمسرح ، حتى الآن لا يزال المتفرج عندنا يجد نفسه غريبا إزاءه . وهو يبذل مجهودا خاصا - مجهودا ثقافيا بالطبع - كي يتلاءم مع هذا الشكل أو يألفه .

وباعتبار ما سبق ، فإن كل أحاديث الزبائن ، وتدخلهم في مجريات الأحداث ، وتعليقاتهم ليست إلا اقتراحات ، أو ما سميته وسيلة اصطناعية لتشجيع المتفرج على الكلام والارتجال والحوار .. ولهذا فمن الممكن في ضوء أي إخراج أن يعاد النظر في هذه الأحاديث ، أو أن تبدل صيغتها وتحول إلى العامية ...

يمكن تقديم هذه المسرحية في أي مكان ، وفي أي مساحة أنا أضعها الآن في مقهى ، ولكن ذلك لا يمنع من تقديمها في أي مكان ...

وبكلمة واحدة .. إني أبحث عن عرض حي لحكاية تهمنا جميعا . ولذا أتصور استخدام كل الوسائل الممكنة كي نصل إلى هذا العرض الحي الذي أتمناه " فرجة " ممتعة ومفيدة تدفع المتفرج إلى تأمل مصيره .
الصفحة الأولي


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى