الاثنين ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
«عناق الأصابع» لعادل سالم
بقلم إبراهيم جوهر

عناق التوثيق والخيال الأدبي

يقدّم الكاتب عادل سالم في روايته (عناق الاصابع) توثيقا للحركة الفلسطينية الأسيرة معدّدا أسماء أبطالها الذين ذاقوا مرارة الاعتقال فصمدوا من أجل الاعتراف بهم كأسرى حرب وفق القانون الدولي . ويتطرق بإسهاب الى تجربة معركة الأمعاء الخاوية وشهدائها، منتقدا في مقارنة فنية لافتة التغيّر الحاصل على القناعات الفكرية والوطنية في شخصياته التي أنطقها مستعينا بخيال أدبي وفّر له التشويق والمتعة بعيدا عن فخ التوثيق الهادئ، رغم حرارة التجربة الاعتقالية المعبّر عنها.

زاوج الكاتب في روايته بين الوثيقة التاريخية للمرحلة الاعتقالية، وقصة حب جارف غريب بين الفتاة خولة والأسير على النجار . تلك التجربة التي تتكلل بالزواج في المعتقل انتظارا لإتمامه حين الخروج الى بر الحرية. وهو يشير في أكثر من موضع في الرواية الى الروح المعنوية العالية الواثقة بأن الثورة لن تترك مناضليها في السجون، ولن تتخلى عنهم ...ليبدأ بتوجيه الانتقاد الى الصفقات التي استثنتهم فعلا ، وصولا الى اتفاق أوسلو. لتكون واقعة الاغتيال بصاروخ استهدف سيارة الزفاف، نهاية مأساوية لقصة عشق وانتظار فلسطينية، كان مهد لها الكاتب في ثنايا الرواية التي لم توفّر للعاشقين الغريبين(!!) فرصة اكتمال اللقاء، أو الحديث إذ كان الجندي ينهي الزيارة لتبقى الأحلام معلقة في الخيال.

(عناق الأصابع) إشارة إلى الشبك الفاصل بين المعتقل وذويه وقت الزيارة، هذا الشبك ذاته شهد عناق أصابع المحبين، والآباء والأمهات، ولم يكن مهيّأ ليشفي الغليل بقدر تخصيصه للتنغيص وإشعار المعتقل بواقعه الصادم.

يسجّل للرواية موقفها من المرأة، فقد انتصر الكاتب للمرأة؛ أما، وعشيقة، وأختا، وزوجة، وطالبة، وأومأ إلى ضرورة منحها حقها في الحياة والمساواة بلا تفريق مع الذكر.

وانتقد الكاتب التغيّر الحاصل على معتقدات اليساريين في المجتمع الذين يتخلون عن مبادئهم ورؤاهم وأحلامهم التي بشروا بها لصالح التوجه إلى الكسب المادي، وكأنه يقارن بين المادة والفكر لصالح الفكر، لأننا وجدناه هازئا ولائما لمن يعجبون بالنقلة الجديدة تحت ذرائع التطور والتغيّر ...

هكذا تغيّر فلاديمير الروسي، وعمران الفلسطيني، والثوار الذين كانوا يعملون في الثورة قبل العودة إلى الوطن، وهكذا انهار الاتحاد السوفييتي نفسه.

(عناق الأصابع) رواية جريئة في طرح قضاياها، وانتقادها. وهي تضيف إلى الأدب الذي يوثق لتجربة الاعتقال بعدا مهما بأشخاصه، وأحداث، ومواقف أصحابه. إنها تعانق التاريخ بالمتخيل الواقعي، لتكون الملحمة الفلسطينية التي لم تنته بعد.

صدرت الرواية عن دار شمس للنشر والتوزيع ، القاهرة ، سنة2010 م.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى