الثلاثاء ١٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم حسين أبو سعود

قانون الجنسية العراقي، سلبياته وايجابياته

الجنسية مسألة أساسية ومهمة تخص البشر أجمع وبدونها تتعطل باقي المعاملات وعلى وجودها تتوقف جميع الأمور البسيطة منها والمعقدة.

ان القوانين التي تضعها الدول قد لا تكون لها علاقة مباشرة بجميع المواطنين بل قد تخص فئة دون أخرى إلا قانون الجنسية فإنه يخص كل مواطن صغيرا كان أو كبيرا، رجلا أو امرأة، وقد تكون قوانين الجنسية في العراق الملغية منها والنافذة لا تخلو من تعقيدات يعاني منها المواطن لذا نجد ان دوائر الجنسية في عموم البلاد مزدحمة على مدار العام، وقد اعتقد المشرع العراقي بأنه عندما وضع القانون رقم 26 لسنة 2006 فانه قدم قانونا واضحا صريحا دون ان يعلم بوجود ثغرات ومواد و نصوص تحتاج الى شرح وتوضيح، ومن أحسن من المدير العام للجنسية اللواء ياسين الياسري، الحقوقي المتخصص في مادته ليتصدى لشرح الجوانب الغامضة في هذا القانون، وقد فعل ذلك في كتاب نفيس اسماه (الوافي في شرح قانون الجنسية العراقي) وقد وجدته كافيا وافيا شافيا لكل من له اهتمام بهذا الجانب، والعراق من اكثر الدول التي فيها تعقيدات في باب الجنسية، وكم حدث فيها حالات انتزاع للجنسية وتسفيرات ثم استعادة للجنسية وغيرها ومازالت هذه التعقيدات موجودة ليومنا هذا حتى ان المواطن الذي يروم الحصول على جواز سفر عليه ان يقدم 4 وثائق في آن واحد منها البطاقة التموينية وهي وثيقة لا يستطيع احد وصف علاقتها بجواز السفر، ولكنه الروتين والتعقيد المتعارف، وقد أعجبني افتتاح المؤلف للكتاب بآية قرآنية كريمة (وفوق كل ذي علم عليم) وتنم عن تواضع جم منه رغم كونه ارفع مسئول للجنسية في البلاد وقد وزع الكتاب على بابين ضمَنهما فصول ومباحث وفروع ومطالب حتى لم يدع شاردة ولا واردة الا شملها بالتناول والشرح وقد خصص الباب الأول منهما لشرح النظرية العامة للجنسية.

ومن الضروري القول بان هذا هو اول كتاب يصدر في العراق عن شرح قانون الجنسية النافذ وقد وصف الكاتب القانون بانه تضمن بعض الأحكام المنصفة هدفها في ذلك إعادة الحقوق المدحوضة الى اصحابها لاسيما وان هناك قضاء تم تخويله للنظر في الدعاوي الناشئة عن منازعات الجنسية، ولكن القانون المذكور يحتاج الى صياغة جديدة تتسم بالرصانة لان بعض فقراته ركيكة وبعض مواده متهالكة الاحكام، ومن حسنات هذا القانون سماحه للمواطن بتعدد الجنسيات لأنه يصب في مصلحة المواطن والوطن على حد سواء في أكثر الحالات، فضلا عن انه يدخل في باب الحرية الشخصية، علما بان الحنين والارتباط و الحب يظل أولا وأخيرا للوطن الأم، وقد يرتبط المواطن سياسيا وقانونيا بجهات عدة الا انه يرتبط عاطفيا مع الوطن الأول ومن المعلوم بان من ولد على ارض وترعرع فيها اي بلغ سن الرشد فيها بتعبير قانوني لا يرتبط الا بها بغض النظر عن جنسية الأب، ويعرَف المؤلف الجنسية بانها (صفة تلحق بالشخص باعتبارها أمر معنوي غير ملموس تربط الشخص بالدولة بعلاقة سياسية وقانونية واجتماعية) وكلمة غير ملموس هي إشارة غاية في اللطافة علما بان المؤلف يكتب بحثه في عصر الحرية الكاملة فجاءت اشاراته صريحة واضحة، وقد قسم الجنسية الى ثلاثة عناصر وهي الدولة والشخص والرابطة التي تكون بين الشخص والدولة وهي ذات وجهين هما الحقوق والواجبات، والمؤلف عندما يذكر الآراء المختلفة في القضية الواحدة لا يترك القارئ في حيرة بين الآراء فيعطي في النهاية رأيه ورؤيته الصائبة كونها رؤية مرجع في مادته.

ولقد خصص الباب الثاني للجنسية العراقية بدءا من قانون 1924 الملغي ببنوده وفقراته والنافذ بآثاره وتبعاته وانتهاءا بالقانون الحالي النافذ، وحسناً فعل حين افرد الباب الاول لشرح النظرية العامة للجنسية وهو كما يقول مدخل لابد منه لفهم الأساس الذي استند عليه المشرع عندما وضع قانون الجنسية العراقية. ولا أريد هنا ان اشرح بعض التناقضات التي ذكرها المؤلف في مواد القانون الجديد لكي لا افسد على القارئ متعة قراءة الكتاب من أوله الى آخره، ولكني كنت أتمنى لو يضمن الكتاب بنصوص جميع قوانين الجنسية لأعوام 1924 و 1963 و 1990 والقرارات والتعليمات ذات العلاقة التي صدرت خلال هذه الأعوام لاكتمال الفائدة لأصحاب الاختصاص ولأغراض المقارنة.

ولعل أجمل ما في القانون هو إلزامه لوزير الداخلية ان يبني رفضه منح الجنسية لطالب التجنس على أسباب معقولة والا فإن من حق طالب التجنس ان يعترض على قرار الرفض أمام القضاء العراقي وهو اتجاه حضاري في غاية الرقي وحتى لا تتسبب الأهواء البشرية في سلب حقوق الآخرين. و يقول المؤلف عن هذه النقطة القائمة على حقوق الإنسان بانها لم تكن موجودة في ظل القوانين السابقة للجنسية حيث كان يعطي الوزير اختصاصا مطلقا في إصدار القرار وهو نهائي غير قابل للاعتراض، ولا ادري لماذا ذكر المؤلف في مادة موافقة وزير الداخلية صفحة 167- 168 هذه العبارة (فله أي الوزير أن يوافق على تجنس من توافرت فيه الشروط المذكورة او لا يوافق ولا يلزم بتسبيب رفضه) في حين انه يتوجب عليه إبداء الأسباب اذا ما تم اللجوء الى القضاء.

ولقد لفت انتباهي كلمة (غريبة) في باب زواج غير العراقي من عراقية صفحة 173 في قول المؤلف (لقد جاء المشرع العراقي في قانون الجنسية النافذ بحالة غريبة للتجنس تكاد التشريعات العربية تهجرها بالوقت الراهن) أقول يا حبذا لو وصف الحالة بالجديدة وليس بالغريبة لاسيما وان التشريعات العربية أكثرها تخلو من الجانب الإنساني وفيها هضم لحقوق المرأة ولا يمكن القياس عليها، والحالة العراقية الجديدة هي كرامة وعزة للمرأة العراقية وخطوة على طريق مساواتها بأخيها الرجل العراقي، كما تطرق المؤلف الى جنسية الشخص المعنوي وجنسية الأشياء المنقولة، وقد لا تكون لهذه الأشياء علاقة ظاهرية بقانون الجنسية العراقية ومكانها القانون التجاري او القانون المدني الا انها إضافة جيدة لزيادة المعلومات لدى القارئ وهي معلومة قد لا يعرف تفاصيلها الكثير.

وفيما يخص التجنس بجنسية دولة أجنبية والروح الوطنية التي تطرق لها المؤلف في صفحة 284 أود ان أضيف بأنه ومن واقع التجربة رأينا ان الحنين الى الوطن الأصلي يظل مستمرا في نفس الإنسان وان اكتسب جنسية دولة أخرى و أكاد اجزم بان روح الوطنية تكاد تكون معدومة في نفوس المتجنسين الذين يشعرون بأنهم طارئين يراد منهم دائما إظهار انتماءاتهم الى المجموعات الاثنية المختلفة في استفتاءات مستمرة في المستشفيات ودوائر الإسكان والمدارس وغيرها بالرغم من حصولهم على جنسية البلد.

وقد تحدث المؤلف بإسهاب عن حالة اللاجنسية وهي حالة فريدة يمكن وصفها بالمأساوية، كافحتها القوانين والتشريعات في بلدان العالم ولكنها مازالت موجودة في حالات (البدون) في بعض الدول، وهذه الحالة لها اثار نفسية ضارة على الإنسان والذي يطبق بحقه جميع قوانين العقوبات النافذة اذا ما اقترف خطأ ما ولكن لا تنفذ بحقه قانون عدم جواز بقاء الإنسان اي انسان في حالة اللاجنسية.

وفيما يخص الجنسية العراقية في ظل الفكر الإسلامي أقول باني لم أجد لازمة بين الإسلام والجنسية، فالإسلام كدين هو ضد القطرية والجنسية ولكنه مع مفهوم الأمة الواحدة ولعل الدولة العثمانية وضعت قانون الجنسية تقليدا للغرب وإلا فان كل مسلم هو من رعايا الدولة العثمانية دون استثناء باعتبارها تمثل السلطنة الإسلامية او الدولة الإسلامية وقد اطلعت مرة على بحث أكاديمي عن الجنسية في الفقه الإسلامي فوجدته حشوا صرفا فيه لوي متكلف لأعناق الأفكار بالقوة وقد أحسن المؤلف بعدم الإطالة في هذا الباب.

وبعد ان أبلى المؤلف أحسن البلاء في شرح الثغرات ونقاط الضعف وإعطاء البديل واقتراح الصحيح بخبرة المختص الخبير أنهى كتابه بالخاتمة حيث لخص فيها البحث على ان قراءة الخاتمة لن تغن عن قراءة الكتاب بصورة مفصلة فانا انصح وبشدة الجميع بقراءة الكتاب وحتى أولئك الذين ليس لهم مشكلة فعلية مع الجنسية وهم الأكثرية لان الموضوع مشوق ومفيد وفيه ثقافة عالية والكتاب يتكون من 324 صفحة وقد صدرت طبعته الرابعة سنة 2011 بتجليد فاخر من شركة العاتك لصناعة الكتاب في القاهرة. وقد اعتمد المؤلف في بحثه على 45 مصدرا عربيا أدرجها في قائمة المراجع بالإضافة الى عدد من المصادر الأجنبية فضلا عن اطلاعه واستفادته من 22 قانوناً مختلفاً كلها ذات علاقة بالبحث.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى