الثلاثاء ٣١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم عدلة شداد خشيبون

كلمة في حقّ سالم جبران الانسان

هي لحظة...أجل لحظة تفصل الماضي عن الحاضر...تغير زمن الفعل وحركاته من معرب إلى مبنيّ...وهي لحظة بين آخر ضوء لقنديل أضاء كثيرًا...وهي لحظة غير عادية...نعلق بها آمالنا...ونتمنّى ألاّ تكون...ولكنّها تكون..رغمًا عنّا تكون...وكانت لك يا أبا السّعيد لحظة غيّرت زمن الفعل....وقلبت موازين الأمل...

إن عدنا للحالة الجويّة وقت سماع الخبر...فنقول اغبّر الجوّ بغبار أسود وضاق الأفق وسطعت شمس أخرى في ذاك الصّباح...شمس حزينة..لأراني أسمع الخبر وأقفل المذياع...والتهم حروف الصحف التهامًا لأكمل الصّورة عن رجل عظيم وقائد من نوع آخر تبلورت صورته شيئًا فشيئًا ورفعت رأسي عاليًا افتخاراً بانتسابي إلى قريته وشعبه وقوميته.

أبا السّعيد أن كنت أذكر ممّا أذكر ذاك اليوم الذي فارقت به والدتي الحياة كنت قد زرتنا في البيت ولم تخف تعجبك من القدر الذي بين ساعة واخرى اضحت هذه المسكينة من نخبة الراحلين، وها انت اليوم تفاجأ الحاضرين، ولسان حالك يقول أنا هو ودوري الان.

خلال حفل التأبين لم نشعر بنقصانك بل كانت روحك ترفرف بين الحاضرين والمعزين والمأبنين تدعم وجودك وانتسابك وكأنك تسترق السّمع لتقول هامسًا أنا بينكم فلا ترثوني فهناك من هو أحقّ منّي بهذا الرّثاء يكفيني فخرًا وجودكم ووجود محبتكم.

ما أسعدني حين سمعت المأبنين يتحدثون عن طفولتك..وانتمائك، لم يعل فقط صوت العربيّ بل ها هم اصدقائك اليهود يرفعون لك قبعة الاحترام والاجلال تقديرًا لتفانيك وتفاني كلمتك الصّادقة وكأن شهادتهم أتت لتؤكد إنسانيتك التي لم تخف على أحد.

قد تكون دموعنا جفّت، واختصرتها رقرقة في العين لمعت ثمّ نزلت ثمّ تلاشت تفاؤلاً بكلمة حيّة بقيت وروحًا انسانيّة رفرفت.

كلماتهم أثرت في السّامع في حين كان صوت همس شعرك يعلو بين الحين والآخر وكأنك تستوقف المأبنين مرّة أخرى لتقول أنا بينكم وهذا شعري.

ابا السّعيد أنت أيّها الثّائر بصمت...الصّامت بثورة تقول:

مهما ابتسمت ُ ففي عيوني
حزن أزهار القبور
وضياع سرو لم يزل
بين الخرائب في قرى وطني المهدّم
لفّه الصّمت المرير.
وتابعت التهم الكتابة كطفل موعود بجائزة فقلت
هل مزّق التاريخ شعبًا مثل شعبي
واستباح
ارضًا..وأعطى ساكنيها للرياح ؟
وطني وراء تنهدات الأفق نام
عيناي سوداوان، لا أصلاً
ولكن فيهما ظلّ الخيام
شفتاي لا شفتا صبيّ
تصبوان إلى النّساء
لكن رغيف يابس
جفّ النّداء، عليهما، جفّ النّداء !
بوركتَ بكلماتك ومعانيها.

كلمات المأبنين أثرت في كلّ الحاضرين وكلّ منهم أشار إلى حادثة معينة حدثت معك ومعهم، ويكفينا فخرًا قولك: "كما تحبّ الأمّ طفلها المشوه أحبّها حبيبتي بلادي "

وقال كلّ كلمته ومسح دمعة سخيّة وأبقى أخرى شهادة يرتون منها، وغادروا المكان وحمل كلّ منهم سالمًا بين يديه وكأنك تقول ها هو أنا بين ايدكم اقرأوني تجدوني، لا تبحثوا عنّي في المقابر، لا ولا في أي مكان آخر، انظروا جيّدًا تجدوني في عيون المشردين في فم الجائع أحاول أن أطعمه، أو أسقيه.تأملوا جيدًا تجدوني عند الآيتام أرافق مسيرتهم وعند الفقراء أشدّ عزيمتهم..

أجل هذا هو ابن البقيعة الوديعة الطّيبة، ولد فها وقال عنها اعتزّ بها وورى في ترابها الغالي.
لك الرّحمة لك الرّحمة وعليك السّلام يا رجل السّلام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى